المقامة " البوشية "
24-01-2008, 10:56 PM
حدثنا قسورة ، قال :
زهدت من الجلوس في الدار ، و رغبتُ كعادتي إلى التنقل و الأسفار . فامتطيت هذه المرة سيارتي ، لأبتعد عن بلدتي و حارتي .بينما السيارة تشق عباب الطريق ، صار ت نفسي في حيرة وضيق .فإذا بشيخٍ يشير لي ملوّحًا ، على التوقف صائحًا ... فأخذ مكانه بالجلوس صامتًا ، إلاّ ببعض الكلام المبهم خافتًا . فقلت له ؛ بعد أخدِ راحته ، لأخرجه من حيرته : إني لأحب أن تحدثني عن ما أصاب الأمة ، لتفرج عني بعض الغمة . فتظاهر كأنه لم يسمع السؤال ، و بعد برهة نطق و قال :
يا هذا ، أنه لمــّا قرُب نجم " بوش " إلى الأفولِ ، وعن البيت الأبيض تهيأ للرحيل و النزول .بدا له أن يزور بلاد العرب ، ليزيدهم بعض الخداع و الكذب .و يعدهم ويمنّيهم نفاقًا و زورا، وما يعدهم إلا غرورا . و هو الذي سعي فيالشرق، الذي أصابه التدمير والحرق . وكم وعد إسرائيل بالنصرة و التأييد ، .و لوّح لمن يكافح عن وطنه بالوعيد و التهديد . و عساكره تصول في أرض الإسلام و تجول ، و كأن لسان حاله للعرب يقول :
فنحن المالكون الناس قسـرا****نسومهم المذلة والنكالا.
ونوردهم حياض السيف ذلا **** وما نألوهم إلا خبــــــالا.
و هو الذي نشر الدمار في افغانستان و العراق ، و سعى جنود بالتقتيل و قطع الأعناق.
إن عين بوش الأولى على إسرائيل بالعناية ، و مدها بالسلاح و تعهدها بالرعاية . لإدامة بقائها و وجودها ، و في أرض فلسطين دوامها و خلودها . و عينه الأخرى على إيران و حرمانها من التقدم العلمي و صدها ، و لو أدى ذلك بإعلان الحرب ضدها . لتبقى دولة متخلفة ، و خاضعة لإسرائيل و خائفة . ولتكون تحت إمرة الأقوياء ، حتى لا تتطاول على إسرائيل بالعداء .
زار بوش بلاد العرب ، فلقيَ بالترحيب و الأشعار و الطرب . فاستضيف استضافة غير عادية ، فأقيمت الأفراح و الأغاني الشادية . رقص فيها بالسيف ، "كهَزِّ الجَنُوبِ الهَيْفِ" . آه ٍ ! فكم نصبت له الخيام ، و مُنح التقبيل و الوئام . ،وعرضت له الإبل و الخيول ، و دقت له المعازف و الطبول . ورقصت أمامه الحرائر و الصبايا ، و منحت له الأوسمة و الهدايا .
فظن الظانون به خيرا ، أنه لا يفعل بعد هذا شرّا . و لكن هيهات ! فهذه مذابح و تجويع في أطفال العراق تترى ، عيانًا على مشهد الورى . فلا ترى إلاّ مناظر مرعبة ، أو أفواهٍ ذات مسغبة . و أطلق يد إسرائيل لأهل فلسطين ذبـــحا ، و للعرب و الإسلام سبًّا و قدحا . فتلك هدية بوش اللعين ، في زيارته لفلسطين. ألا ترى أنها هدية شؤم، وشراب سمّ.
و ترى بوش يخطب في كل ناد،في الحواضر والبوادي، ينادي كالمسعور ، بالويل والثبور . ليخوّف العرب من إيران الجارة المسلمة،لا لذنب سوى أنها تسعى أن تكون متقدمة .
فقلت : لابد من الحذر من إيران الحاذر ، لأنها ذات الظلم الجائر .
فقالَ: أراك َ تتبرَّمُ بمصاحبتي، و تظنني إنني أظهر للعرب عدم محبتي ... وأعلم ؛ فلو كان بوش للعرب صديق أو زميل ، لأخافهم حقّا من أسلحة إسرائيل . وهي مغروسة بينهم ، تهدد مصيرهم و أمنهم.
إن إن العرب قدّموا كل شيء على مر السنين ، ولكنهم رجعوا بخفيّ حنين . والغريب أنهم ما يزالون مصرّين على الهبات ، رغم كل هذه الويلات والنكبات.
جاء بوش لتزيد المنطقة بلاده من إنتاج البترول ، حتى لا يتدحرج اقتصاد أمريكا بالسقوط و النزول .
و لكن فهل تفطن العرب لهذه اللعبة، فلم يستجيبوه لهذه الرغبة ؟.. أم أنهم كالقائل ، قد ألبس عليهم بوش الحق بالباطل، وخلط عليهم أوراق اللعب، ليوقد النار للحروب اللّهب ؟.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون للعيان ، والتاريخ شاهد بذلك وبرهان.
فهل يستيقظ قادة العرب، من تخرصات بوش ذات الكذب ؟.. وييأسون من الوعود التي لا يعقبهاإلا السراب، وأنواع القتل والمكائد والعذاب؟..
عندئذٍ ، وصلنا بلدة قليلة الدور ، و محاطة بسور . فإذا بالشيخ الهمام ، يريد متابعة سيره على الأقدام .