قراءة نقديّة في رواية المنعطف السّابع لــ جمال باشا
04-09-2025, 12:44 PM
قراءة نقديّة في رواية المنعطف السّابع لــ جمال باشا
الحلقة الثانية (02):
والعتبة الرابعة والتي بدأها بكلمة عاصفة (التسامح في الوطنية إعدام لها)، تحمل أهمّ قيمة تطوف حولها أحداث الرواية، إنّها قيمة الوطنية وحبّ الوطن، وقدّمها الكاتب في شكل حادثة وقعت له وهو على مقاعد الدّراسة عندما زلّ لسان أستاذ أجنبي زلّة خطيرة كادت تعصف بوظيفته لولا أن تدارك نفسه وصحّح الخطأ، وذلك عندما قال:"سنتناول اليوم موضوعا بعنوان"الجزائر الشّرقيّة".."
ولم يتمالك الكاتب نفسه وثارت ثائرته، وقال في شجاعة وجرأة كبيرة: ".. ولكن لماذا لا يكون العنوان "الشرق الجزائري"بدل "الجزائر الشرقيّة" ؟ ورغم محاولات الأستاذ الأجنبي التملص واعتبار الأمر سيان، إلا أنّ إصرار الطالب ودعمه من قبل زملائه الطلاب الآخرين جعل الأستاذ يذعن ويعود إلى جادّة الصّواب.. !
هذا الموقف رغم بساطته في ظاهر الأمر إلا أنّه يعدّ في تاريخ الأمم موقفا تاريخيا، يحفر في ذاكرتها بمداد من نور، ويغرس قيم الوطنية في أعماق النفوس، فلا تزيلها العوارض ولا النّكبات، وبهذه العتبة يدرك القارئ أية أحداث هو مقبل على سبرها والسباحة في تيارها.. !
أما العتبة الخامسة وهي منطلق الرواية الحاسم فقد قدم لها الكاتب بجملة عاصفة، تجعل القارئ يرهف سمعه وبصره وكلّ جوارحه لما سيأتي من أحداث: " بعد عدّة أيّام من تربّعه على العرش الذي ظلّ يحلم به منذ أن تمّ سحب البساط من تحت قدميه عنوة في آخر لحظة؛ شرع شطشاط لمفرعن المفروض بقوّة السّلاح المستتر والمال الفاسد في عمله الجديد كزعيم منقذ للبلاد والعباد.."
وهذا المدخل المثير والمستفزّ يستثير المتلقي بلا شك، ويدفعه إلى الرّغبة للكشف عما وراء هذه العبارات المركزة بقوّة ضغط أسلوبي تلقائي ومقصود في الوقت ذاته: ( التربّع على العرش/ سحب البساط من تحت قدميه/ شطشاط لمفرعن/ قوة السلاح/ المال الفاسد..).
ملخص مركز:
بُنيت الرّواية على أساس الصّراع الذي حدث في دولة البشائر بين أبنائها بعد أن اختلت بهم الحياة، وبدأ الحظ العاثر يعاكس آمالهم وطموحاتهم. واشتدّ الصراع بينهم عندما تولّى أمرهم (الأقوى/ شطشاط لمفرعن)، والذي ليس هو بالضرورة الأصلح، وهي مرحلة حكم (بتفليقة)، ورغم أنّ شطشاط لمفرعن أعاد تنظيم الدّولة وتماسكها ولو ظاهريا، وبدأت تستعيد قواها الذاتية لمدّة عهدتين لكن بدأت الأثرة ودولة الرّيع ونهب الثروات بشكل منظم تظهر بشكل متدرّج، لاسيما بعد العهدة الثالثة عندما مرض (شطشاط لمفرعن) وبدأ يختفي عن المشهد السياسي ليحلّ محلّه ابنه شيبوب، الذي هو في الواقع أخوه (السّعيد بوتفليقة).
وهنا بدأ ما يسمّى فيما بعد بالحراك الشعبي الذي احتج على الدّعوة إلى عهدة خامسة، بموازاة عمل جدّي ومدروس من قبل قوّى وطنية نافذة في السّلطة، وعلى رأسها ما سمّاه الكاتب ( الحازم الصّديق) وكان الحدث البارز باجتماع تسعة ضباط كبار من المخلصين لدولة البشائر، في مقهى الشعب، وفتحهم لحوار مصيري حول الوضع في الوطن والتفكير في كيفية الخروج من هذه الأزمة الخطيرة، وقبل مغادرتهم لمقهى صوت الشعب، يصادفهم شيخ طاعن في السّن(خبّول البهلول)، ويستوقفهم ليحدّثهم عن مكالمة عجيبة جاءته من قبل أحد الشهداء في الفردوس الأعلى، ومما جاء فيها:
"بعد التحية والسّلام : في نهاية الاجتماع الطارئ المنعقد في الفردوس الأعلى؛ كلّفت من طرف شهداء البشائر الغالية أن اتصل بالعالم الدّنيوي للاطمئنان عليكم جميعا... بعد أن بلغتنا في الأيام القليلة الماضية أخبار غير سارة عن ظروفكم في مختلف الحياة.."
هذه الرسالة التي تدخل في مفهوم السّرد الغرائبي، لها إيحاءات وظلال على الواقع الذي تعيشه فعلا دولة (البشائر)، فعلا، حتى أنّ أهل الجنّة أزعجهم حالها، وعندنا تساؤل وجودي كبير تتداوله الألسنة في السنوات الأخيرة: ماذا يكون موقف الشهداء لو رجعوا إلى الحياة ورأوا حال الجزائر اليوم وما هي عليه..؟ !! وربّما هذا السؤال نفسه الذي جعل الكاتب الكبير الطاهر وطار يؤلّف مسرحيته الشهيرة: (الشهداء يعودون هذا الأسبوع).. !
وتتوالى الأحداث بشكل معقد ومثير بحيث تتفاعل أطراف عديدة في عملية التغيير، ورفض التغيير، إلى أن ينجح الشعب بمساعدة جيشه الوطني ورجال من ثورة أوّل نوفمبر المباركة لا يزالون محافظين على العهد؛ في تصحيح المسار، وإزاحة (شطشاط لمفرعن ) من الحكم والسعي إلى وضع دولة البشائر على المسار الصحيح، من خلال وجهة نظر الكاتب والتي يبدو أن كثيرين يشاطرونه وجهة نظره من حيث الاستبشار والشعور بأمل يتجلى في الأفق، وبحلم دولة البشائر بدأ يتحقق رغم العوائق والعقبات، وفي الوقت نفسه يقدّم الكاتب رؤية مستقبلية واضحة لما سيكون عليه الأمر بعد تجاوز هذه العقبة الكاؤود، ويطرح عدّة أفكار جريئة تتضمّن انتقادات بناءة لدولة البشائر الجديدة نفسها وإعطاء رؤية تصحيحية إيجابية قابلة للنقاش الفاعل.. !
قيم سياسية ووطنية ثمينة:
في الرواية متعة بلا شك ومصدر متعتها هو موضوعها نفسه، فهو موضوع مثير ومغرٍ بالقراءة، لأنّه يعالج فترة حرجة من حياة الجزائر، وينطلق الكاتب من أحداث واقعية ما يزال المشاركين في أحداثها أحياء، ومن هنا تكتسب أهميتها وتأثيرها.
ومن خلال القراءة المفصّلة للرواية نجد تلك القيم السامية التي تعمل عملها القوي في نفوس النّاس، وأهم تلك القيم، الوطنية وحبّ الوطن بطريقة فنطازية لا يكاد يضارعها شيء إلا التمسك بالدين والانتماء إليه، ولقد مهد الكاتب لتلك القيمة بالقصّة التي تحدثنا عنها والتي وقعت له مع المدرس الأجنبي، ثمّ تظهر تلك القيمة في بدايات الأحداث عندما نتابع ذلك الحوار العاصف بين الضباط التسعة، الذين جلسوا في مقهى صوت الشهر يتحدثون عما آلت أوضاع الوطن بحسرة وألم شديد.. !
ومما جاء في حوار أولئك الضباط التسعة: ".. وهو أنّ البشائر صنّفت من طرف هيئات عالمية متخصّصة ضمن قائمة الدّول الفاشلة والهشة وكذا الأسوأ سمعة في العالم بناء على عدّة معايير منها: نمو السكان – ندرة الغذاء – معدّل الوفيات- النزوح الرّيفي – رعاية الفساد – ضعف الخدمات العامة – حقوق الإنسان – حرية الإعلام – فوضى المجتمع وغيرها.." .. وأجمع الكلّ على أنّ التقرير كان موضوعيا ونزيها.." ص17.
رغم أنّ التقرير صدر عن جهات أجنبية، يفترض فيها التحامل والكيد، إلا أنّهم شهدوا بأنه جاء بالحقيقة، التي يعيشونها ويتلظون بنارها.
ومشهد آخر يرسخ هذه الحقيقة المؤسفة، هو حديث الشيخ الوقور الذي خرج في وجوههم فجأة وأخبرهم بأمر غريب ومحزن، عن تألم الشهداء في الفردوس الأعلى لما آلت إليه حال دولة البشائر وشعبها، رغم التضحيات الكبيرة التي قدموها لكي تحيا حياة غير التي هي عليها الآن.
ومن القيم الأخرى أيضا في الرواية التمثل بالآيات والأحاديث النبوية التي ترمز إلى قيمنا الدينية، وتبين المرجعية الروحية للشعب الجزائري بكل فخر واعتزاز، ولا يجد الكاتب ذلك أية نقص أو مغمصة فيما يقود من آيات وأحاديث ولا يخشى أن يتهم بأنّه يقدّم موعظة بدل أن يغوص في السّرد الروائي الذي دأب عليه المتغربون بحيث ينبت عن الأصالة والدين، ويعتبر كلّ ذلك خارج نطاق الفنّ الروائي، وينسون أنّ أعظم الأدباء الفرنسيين، فيكتور هيغو، بنى روايته (البؤساء)؛ كلّها على أسس دينية واضحة وصريحة، ولم يحتج أحد أو يتذمر من ذلك.. !
وهناك أيضا قيم التواصل الشعبي الكبير بين مختلف مكوّنات الشعب الجزائري، بحيث شكلوا لحمة واحدة من أجل تحقيق أهداف الثورة الجديدة التي سعت إلى إعادة بعث دولة (البشائر)، ولعلنا نوضح ذلك بشيء من التفصيل عندما نتحدّث عن شخصيّات الرواية.
من مواضيعي
0 قراءة نقديّة في رواية المنعطف السّابع لــ جمال باشا
0 قراءة نقديّة في رواية المنعطف السّابع لــ جمال باشا
0 مع رواية (الشوك والقرنفل) لـــــ يحيى السِّنوار
0 مع رواية (الشوك والقرنفل) لـــــ يحيى السِّنوار
0 مع رواية (الشوك والقرنفل) لـــــ يحيى السِّنوار
0 مع رواية (الشوك والقرنفل) لـــــ يحيى السِّنوار
0 قراءة نقديّة في رواية المنعطف السّابع لــ جمال باشا
0 مع رواية (الشوك والقرنفل) لـــــ يحيى السِّنوار
0 مع رواية (الشوك والقرنفل) لـــــ يحيى السِّنوار
0 مع رواية (الشوك والقرنفل) لـــــ يحيى السِّنوار
0 مع رواية (الشوك والقرنفل) لـــــ يحيى السِّنوار







