مشكلة الزمان، فيزيقياً ونفسياً واجتماعياً..د.ع إبراهيم
29-01-2014, 09:07 PM
إدارة الصفحة| للمزيد من تسليط الضوء على موضوع خطبة الجمعة السابقة والمتعلق بالزمن، يسعدنا أن نحمّل لحضراتكم التفريغ النصي للمحاضرة العلمية التي ألقاها الدكتور الفاضل عدنان إبراهيم والتي كانت بعنوان "مشكلة الزمان، فيزيقياً ونفسياً واجتماعياً".
ونظرا لطول النص سنقوم بتقسيمها إلى عدة أجزاء حتى يسهل متابعتها.
_____________
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما تحب وترضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله، اللهم صلي وسلم عليه وبارك وعلى آله الطيبين وصحابته المباركين المحسنين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، ربنا افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين، علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وفقهاً في الدين.
موضوع حديثنا يدور حول معضلة الزمان، هذه المشكلة التي يرى كثيراً من الدارسين من العلماء والفلاسفة والمفكرين أنها اللغز الأعظم أو السر الأكبر، هي أعوص المشكلات الفلسفية في نظر كثير من هؤلاء المذكورين، بالرغم من أن الزمان ذاته في نفس الوقت من ألصق الخبرات الحياتية بالإنسان، فحواسنا الغليظة تمدنا كل حين بمجموعة من الخبرات والمرئيات ومن المسموعات كلها متوافقة أو مبنية على مهاد من الزمان وفق مفهوم التوافق والتعاقب، فهي من ألصق الخبرات بنا.
قد لا يرى الإنسان العادي الذي يخضع للحس المشترك والذي لم يتعمق درس المسائل الفلسفية وليس له إلمام بطرائق البحث الطبيعي أو العلمي في العصر الحديث بالذات، قد لا يرى أن في هذه المسألة إشكال أصلاً، وأين الإشكال؟ فالزمان خلق من خلق الله كالمكان وهو موجود ذو سهم متجه في اتجاه واحد.
طبعاً هذه لغة أشبه لا أقول باللغة المجازية ولكن باللغة الحاكمة، كل هذا الكلام العامي لا معنى له، الأمر أعقد وأكثر من ذلك بكثير، طبعاً أنتم تلاحظون أن الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز دأب على أن يقسم بمظاهر يمكن أن تسمى مظاهر زمنية مرتبطة بقياس الزمن، مظاهر تجليات لهذا السر الأعظم كقوله تبارك وتعالى: {والفجر وليال عشر}،{والشمس وضحاها}، {والليل إذا يغشى} ..الخ، أمثال هذه الآيات كثيرة في كتاب الله تعالى.
حين نقول نحن العامة: أمس ولى وانقضى، ذهب وراح، حريّ بنا أن نتساءل أين ولى وأين راح، هل هناك بُعد أو وضع معين في الكون يبتلع هذا الزمان في الماضي، وأن غداً سيأتي، من أين سيأتي؟ إذن يبدوا فعلاً إن المسألة أعوص مما نتصور نحن عامة الناس.
هل للزمان وجود حقيقي؟ أم أنه موجود انتزاعا وتجريداً بلغة الفلسفة؟ فإذا تحدثنا الآن عن الحياة، هل يمكن لأحد أن يرى شئ اسمه الحياة؟ ليس هناك شيء اسمه الحياة، فالحياة تجريد لظواهر كثيرة جداً حيوية في الموجودات التي تتصف بما انتزعناه أو انتزعنا له اسم الحياة، فهذا كائن حي وهذا كائن حي، فمن خلال ملاحظة هذه الأشياء جردَّنا كلمة أو مصدراً وأسميناه "الحياة"، لكن ليس هناك شئ خلقه الله هكذا اسمه الحياة، فهذا مفهوم تجريدي أو كلي أو انتزاعي، فهل يمكن أن يكون شأن الزمان كشأن هذه الألفاظ المجردة؟ على الأقل هذا ما يراه بعضهم كالفيلسوف الألماني النقدي الكبير عمنوائيل كانت في كتابه "نقد العقل المحض أو البحت"، فهو يرى أن الزمان مقولة أو مقوَّلة والأفصح أن نقول مقوَّلة تجريدية الذهن يتعاطى معها لكي يستطيع أن يستوعب الخبرات والأحداث اليومية فقط، لكن ليس هناك شيئاً موجوداً حقيقياً في الكون اسمه الزمان، حتى المكان، فالمكان أيضاً مفهوم تجريدي، هناك أشياء تتموضع أو تترتب إلى جانب بعضها البعض على اختلاف المسافات بينها، هذا التموضع وهذه التراتبية تُعطينا شعوراً بما اصطلحنا على تجريده بالمكان.
لذا لا يستطيع الإنسان العادي أن يتصور مثلاً أن لهذا الكون حدوداً معينة وبعد هذه الحدود ينتهي كل شئ، يقول مستحيل، حتى لو كان له حدوداً وكان مطوياً مثل الكرة أو الإسطوانة فلابد أن يوجد بعده شئ ما، لا، فعلمياً وعقلياً وفلسفياً، بالعقل المحض مش شرط، لا يوجد شئ، عدم، لكن العقل دائماً يفترض فراغاً، ومفهوم الفراغ مفهوم كاذب ومضلل جداً، فالمعنى الفلسفي الأرسطي ليس هناك فراغ، هناك فضاء تتموضع فيه ذرات أو جسيمات أو كائنات أو كوائن دقيقة جداً، لكن فراغ بمعنى أنه لا يوجد فيه أي شئ مطلقاً، لا يمكن، هذا شئ غير موجود.
الذهن العادي أو الحس المشترك عند الناس يقول هذا بالمطلق بالتحديد موجود، وكيف نتصوره؟ نتصوره فراغاً مضيئاً وليس معتماً، فضاءاً كأنه يضاء بجزيئات معينة غير مرئية مثل هذا الهواء، ويتصور الإنسان أن بعد حدود الكون الوهمية أو الصنعية أن بالإمكان أن يسبح جسم ما إذا خرج عن حدود الكون لأن هناك فراغاً يحتويه، غير صحيح، هذه أشياء تتحدى بديهيات العقل العامي، والعلم الطبيعي لم يتطور إلا لأنه كفر بكثير مما اصطلح على الاعتقاد بأنه بدهي، لا فالعلم لم يتطور إلا بعد أن كفر بكثير من هذه البديهيات وناقش الأمور بعقلية أكثر واقعية وأكثر رياضية.
فلسفة العلم هي لغة الرياضيات وليست اللغة المجازية ولغة التعابير الاستعارية والبلاغية المضللة التي تعكس فقط قدرة العقل ولا تعكس حقيقة الوجود، يعني مثلاً نحن نعيش على هذه الأرض، كل واحد لا يستطيع أن يتصور أن يعيش على هذه الأرض دون مفاهيم الجهات (فوق وتحت و..الخ)، العامي لا يعرف ويقول إنها قضية بديهية فأسفل رجلي هو التحت وأعلى رأسي هو الفوق، لكن إذا كان هناك شخص آخر يتموضع على نقطة أخرى مقابلة من الكرة الأرضية بحيث ما يكون في حقه هو فوق يكون في حقك أنت تحت والعكس، المسألة كلها مرتبطة كما يقول العلم بمؤشر معين هو مؤشر الثقالة أو التثاقل أو الجاذبية، مركز الأرض يكون دائماً هو التحت، أينما تموضعت على هذه الأرض فالمركز هو التحت وهذا هو المؤشر.
ولذا لو أن الإنسان أُقتلع من هذه الأرض ورمي به في أعماق الفضاء الكوني من غير أن يكون قريباً من أي جرم فضائي وهذا محتمل، لكن إذا كان قريباً لا يوجد في هذا الفضاء إلا مراكز الجاذبية وخطوط المجال، لابد، فهذا "الساتاليت" على سبيل المثال إذا رُمي في الفضاء فإنه يضطر إلى أن يأخذ مداراً دائرياً فلا توجد في الكون خطوطاً مستقيمة، ولذا فإن القرآن معجز، فلا يتحدث عن خطوط مستقيمة، دائماً يتحدث عن العروج {تعرج الملائكة}، والعروج هو السير في منحنيات أي السير الدوراني الإلتفائي، القرآن لا يقول إنها تسير وإنما تعرج، وهذا ما يقرره علم الكونيات الحديث، فما كان لمحمد عليه الصلاة والسلام ولا غير محمد قبل القرن العشرين أن يعرف هذا ولا يخطر على بال أحد.
فلو أُقتلع هذا الإنسان ورمي في الكون السحيق بعيداً عن أي مجال لأي جرم سماوي فإنه سوف يفقد الشعور بالمكان وسيصبح عائماً وكل الجهات مستوية لديه، سيختفي على الفور مفهوم الفوق والتحت، لكن هذا في حالاتنا العادية من المفاهيم البدهية التي لا يمكن للإنسان أن يتصور فيها عالم الدنيا وعالم الآخرة إلا بمفهوم الفوق والتحت، لا مش شرط، بالعكس ممكن أن تعيش في الجنة وليس هناك فوق وتحت، لذا تنبه المفسرين من قديم أن الله تبارك وتعالى يتحدث عن الجنات تجري تحتها الأنهار، وتجري من تحتها الأنهار، وتجري من تحتهم الأنهار (في موضعين في كتاب الله)، فبعضهم توصل بحسب فهم القرآن لغوياً إلى أن هذه الأنهار تجري في غير أخاديد وتجري معلقة في الهواء إن كان هناك هواء كهوائنا دون جاذبية، فقد سماها الله النشأة الأخرى، العالم الآخر، ليست كالدنيا، فمن الخطأ أن تقيس ما في الدنيا على ما في الآخرة.
في كتاب "الكون المعمور" قال جاتلاند العالم الفيزيائي الكبير أنه ليس من البعيد وليس من المستبعد علمياً أن توجد عوالم أخرى ومخلوقات أخرى وتخضع بالكلية لقوانين أخرى، وأن الروح الإنسانية ذاتها إذا تركت هذا العالم وصارت إلى عالم آخر، تستطيع أن تعيش الروح لكن ليست كما عاشت في الدنيا فالروح في الدنيا لا تتجسد، الإنسان يتجسد بدناً، لكن هناك تستطيع أن تعيش كما عاشت الأبدان في الدنيا من غير أبدان، هذا ممكن لكن ضمن أبعاد أخرى وضمن قوانين أخرى، هذا هو العلم الحديث يطرح إمكاناً واحتمالية لمثل هذه الأشياء.
نعود إلى الزمان، فالزمان هو اللغز الأعظم والسر الأكبر، يقول واحد: الله هو السر الأعظم، بلا شك فالموضوع أعقد من ذلك بكثير، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى قال: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر"، ما الذي ندريه نحن عن الله تبارك وتعالى، مسألة معقدة جداً، نحن ندري أسمائه وصفاته، لكن ما الذي ندريه عن الذات الإلهية، لا نستطيع أن نقول طبيعة فهذه الكلمة تفضي مباشرة إلى التقاط بعض المفاهيم الفيزيائية مباشرة، المسألة أكبر من ذلك، فلنستخدم كلمة كن، لا ندري شئ، وما عرف حق المعرفة إلا الله، {وما قدروا الله حق قدره}.
كنا ونحن صغار نعتقد أن الدهر هو الليل والنهار وحركة عقارب الساعة وحركة الأرض وحركة الشمس والأجرام، وهذا لا علاقة له بالزمان، والمفروض بدئياً أن نبدأ من هنا، فالزمان ليس حركات الأفلاك، هذه كلها وسائل حسية بسيطة قياسية نقيس بها الزمان وهي أمور تحكمية، كان يمكن أن نقيس الزمان بطرق أخرى مختلفة تماماً وأن نستخدم أي معيار تقويمي آخر، لكن نحن اصطلحنا تحكماً كما يقول المناطقة لأننا قريبون من الشمس ونحن نعيش على أحد الكواكب التسعة التي تدور حول الشمس، فلنجعل نظاماً شمسياً، وهذا هو التقويم الشمسي، لكن لو افترضنا أن حركة الأرض توقفت وكذلك حركة الشمس حول محورها، هل يختفي الشعور بالزمان؟ لا فالزمان موجود، هذا ليس له علاقة بالزمان.
نعود إلى موضوعنا، فعلاً هو من أعقد وأصعب المواضيع والبحث فيه له مستويات كثيرة جداً جداً، وقد ارتقيت أن أبحث فيه وأخصص له أكثر من درس، فإذا استطعنا أن نستوعب بعض الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع، سيُسهِّل علينا جداً أن نستوعب كثيراً من حقائق الاعتقاد، كثيراً جداً مما يتعلق بالدنيا والآخرة، مما يتعلق بالبرزخ وبالحياة الأبدية، في الجنة أم في النار، وبتصرفات الأرواح، مما يتعلق بأفعال وعلم الله، مما يمكن أن يحل لنا من معضلة وسر القضاء والقدر، فالقوقعة التي ننطلق منها للحكم على الأمور لابد أن تُكسَر، فقوقعة العامي أقل من قوقعة المثقف، وقوقعة المثقف أقل من قوقعة المتعلم في حق المعين، وقوقعة المتعلم أقل بكثير من قوقعة الفيزيائي.
الآن علم الفيزياء حينما يُقرأ فيه، شئ أصعب من الفلسفة وأبعد من خيالات الشعراء والمتصوفة وحتى نظريات الفلسفة، وهو من أكثر العلوم التي تقرب إلى الله، من الصعب أن تجد فيزيائياً عالمياً ملحداً، الفيزياء تؤكد الحقائق بطريق غريبة جداً، فكم هي معقدة وكم تصدمنا في كل ما نعتقد أنه من المصادفات الفكرية، هل يمكنك أن تتصور أن الكون كله من إلكترون واحد؟ هذه نظرية عظيمة ولها اعتبار، كل الكون بما فيه من مجرات من ملايير الملايير الملايير الملايير من الجزيئات، كلها من إلكترون واحد، وهذه نظرية من أقوى نظريات القرن العشرين.
هناك مستوى فلسفياً للبحث في الزمان، هذا لا نتعرض له الآن، وهناك مستوى علمي للبحث في معضلة الزمان وله فرعان رئيسيان: الفرع البيولوجي وسنتعرض له بعد ذلك وهو مهم جداً، أما الآن فسوف نتناول المستوى الفيزيقي (الطبيعي) لمعضلة الزمان، وهناك البحث السيكولوجي في الزمان.
الزمان الفيزيقي (الطبيعي):
بعض الناس يعتقد أن الزمان هو شئ مفطور عليه، أي على الشعور بالزمان وتقدير أشياء كثيرة والشعور بتوالي وتعاقب الأحداث، لا مش صحيح، الدراسات النفسية خاصة لدى مؤسس علم النفس "جامبيا جي" السويسري وهو من النوابغ الكبار، وقد بدأ التأليف وهو في سن الثانية عشر، وهو نابغة عبقري ومن أحسن علماء النفس الذين درسوا الأطفال ونفسياتهم وسلوكياتهم، أثبت أن شعور الطفل بالزمن يختلف عن شعور الكبير، الطفل الرضيع هل يشعر بالماضي؟ وهل يشعر بالمستقبل؟ غير وارد، إذن فهو كائن متزمن أكثر من البالغ، يعيش اللحظة والتَّو فقط، لكن عندما نقول اللحظة والحال فأي لحظة وأي حال؟ كم هذا يساوي، قديماً حاول بعض الناس الذين أرادوا أن يبسّطوا قالوا واحد على عشرة من الثانية، لماذا عشر الثانية؟ لماذا ليس واحد على ألف أو مليون أو على 15 ألف مليون مليون مليون من الثانية؟ ربما تسأل لماذا هذا الرقم بالذات، لأن هناك أجسام أو عوالم تعيش وتؤدي رسالتها وتموت وهذا عمرها، هذا هو العلم!
أن متوسط أعمارنا 70 - 60، هناك شجرة عمرها 5000 سنة، وهناك بعض الكائنات تعيش قليلاً أو كثيراً، فعلى سبيل المثال الذباب، تفاعلاتها تسير بسرعة أكبر بكثير من تفاعلات الإنسان، فلا يمكن أن تقول أنها تعيش أقل من الإنسان، فعمرها لا كما ترصده أنت، فهذه سريعة في تفاعلاتها وحركاتها حتى إذا أردت أن تباغتها تجدها في أكثر الحالات أسرع منك.
تعلمون أن نمط الحياة سيتسارع، وهذه الساعات لن تصلح، لماذا؟ لأننا وقتئذ سنحتاج إلى ساعات ذرية ترصد وتقيس الزمن في جزء من مليون من الثانية وهكذا الأوقات في العمل، ربما يتساءل شخص ماذا عن عمر الأمم وقتذاك؟ ربما ستكون أسعد الأمم حظاً من تعيش خمس ساعات مثلاً، طبعاً سيكون عدد السكان عدداً هائلاً وهذا غير مستبعد أخذاً من عالم الحشرات والمثال السابق ذكره، وإذا سار التسارع بهذا المستوى الرفيع جداً المحموم ستصبح الحياة ثرية ومليئة أكثر مما نظن وأكثر مما نتخيل، ففي ساعة زمن يمكنك أن تصنع أشياء كثيرة جداً لا تخطر على بالك، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "يتقارب الزمان".
زمان كان الواحد يصرف من عمره ثلاثة أشهر حتى ينتقل من عابدان في فارس إلى مثلاً قرية أخرى في بلاد القوقاز، الآن ينتقل إليها في ساعة إلا ربع، حتى هذه الكائنات الدقيقة جداً المفروض أن يكون لها أنظمته خاصة جداً ليس لها علاقة بالليل أو النهار ولا بساعتنا ولا بشمسنا، وعلم البيولوجي الحديث كشف قوانين ومعادلات تحكي عن هذه الأنظمة الدقيقة العجيبة.
هناك أيضاً البحث في مستوى المعتقدات الملِّية، الزمن كما عرضت له الكتب الدينية وفي معتقدات الناس، في الميثولوجيا وفي الأساطير لكن أقل أهمية، وهناك بحث أقل أهمية أيضاً في بحث الزمان ودوران الزمان في مستوى الدرس التاريخي وهذا أقل أهمية لأنه لا يتعلق بحقيقة المسألة، نعود إلى موضوع الزمان وندخل في الجانب العلمي الخاص بعلم الطبيعة.
أتفق علماء الطبيعة المحدثون (المعاصرون) على أن الزمان مفهوم تجريدي وليس مفهوم واقعي، قال نيوتن في مستهل كتابه "المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية" الذي ألفه في آخر القرن السابع عشر: "الزمان الحقيقي الموضوعي الرياضي ينساب بدون التأثر بأي شكل خارجي"، هذه حقيقة إلهية مطلقة عنده وهذا الكلام في علم الطبيعة الحديث يعتبر بلا معنى على الإطلاق، المفهوم السائد والمعتقد الآن أن الزمان مفهوم تجريدي، ما معنى مفهوم تجريدي بالتحديد في علم الطبيعة وكيف يكون الزمان مفهوماً تجريدياً؟ قيل أن الزمان هو ما ينشأ في ذهن الإنسان من ملاحظة التتابع (تتابع الأحداث)، بمعنى أنه لو وقفت الحركة وليست حركة الأرض والشمس، وإنما الحركة بمفهومها الكامل، الذرات والجزيئات والجسيمات الدقيقة، سيقف أو بمعنى آخر سيختفي الزمان، إذن الزمان هو المعادل التجريدي لحركات الموجودات في الكون، يقول شخص ما هذا كلام غير صحيح، دع كل شئ يتوقف، لكني سأشعر بالزمان وبالقبل والبعد، هذا أيضاً كلام غير صحيح لأنه إذا توقف كل شئ فإنك لا تستطيع أن تفكر وسوف تتوقف جميع التفاعلات الجسمية، فعلى المستوى العصبي كيف تدرك وكيف تشعر؟ فلديك تفاعلات لا عكوسة أي تسير باتجاه واحد أي الفعل نفسه يسير باتجاه واحد فقط، إذن عندما يتوقف كل شئ ينعدم التفكير أصلاً، ولو توقف ينهار الكون كله كما كان في البداية إلى نقطة أو إلى كرة صغيرة أو حسب جون هيلر أستاذ ريتشارد تايمر الذي أوعز إليه بأن فكرة الكون منسوج من إلكترون واحد وحاز بهذه النظرية على جائزة نوبل والذي مات قبل سنوات بالسرطان وهو من أكبر العلماء في القرن العشرين، هذا هو العلم! وهكذا يقول هؤلاء العمالقة الأفذاذ.
نحن نقول بكل يقين إن الزمان موجود بوجود الكون، أي أن الزمان توأم الوجود، لذا قال المسيحي الشهير أوغستين إن الله تبارك وتعالى لم يخلق الكون في الزمان بل خلق الزمان مع الكون، وهذا هو الصحيح، وهذا ما أكده أفلاطون الفيلسوف المثالي القديم، ولذا سأضرب لكم على المستوى العقدي الديني سخف هذا السؤال التقليدي، لماذا لم يخلق الله هذا الكون قبل اللحظة التي خلقه فيه؟ هذا كلام فارغ، هذه أسئلة يطرحها ابن سينا والقزويني في عجائب المخلوقات، الآن في علم الفيزياء الحديثة لا معنى لها، الزمان كما قلنا مفهوم تجريدي من التتابع، كيف نشعر بالتتابع؟ نشعر به بفعل قانون فيزيقي طبيعي فاعل بالكون في أكثر مظاهر الوجود اسمه قانون اللاعكوسية، فأكثر ظواهر الكون على الإطلاق لا عكوسية أي تسير في اتجاه واحد، فإذا دخَّن رجل سيجارة بالطبع سوف تتناقص هذه السيجارة وسوف ترى الدخان يدخل إلى فمه، فهل رأيت عكس ذلك أي أن السيجارة تطول كلما احترقت وأن الدخان يخرج بالعكس، لا، هذا في التصوير السنيمائي، وكذلك إذا وقع فنجان على الأرض وانكسر، هل ممكن أن يعود لحالته قبل أن ينكسر؟ لا.
ضرب ريتشارد فايمان عالم فيزيائي كبير في كتابه "طبيعة القانون الطبيعي" هذا المثال: قال لو عندنا إناء من حوضين وبينهما فاصل بحيث يكون في إحدى الحوضين ماء مصبوغ باللون الأزرق، وفي الآخر مياه عادية بيضاء، ثم نسحب هذا الحاجز تدريجياً، ماذا سيحدث؟ سوف تختلط مياه الحوضين وتتحول إلى اللون الأزرق الفاتح، لا يمكن إذا انتظرت طويلاً، سنة أو مائة أو ألف سنة أن تتم هذه العملية بشكل معاكس بحيث تعود المياه إلى لونها التي كانت عليه من قبل أي إلى الأبيض والأزرق، أم أن هذا ممكن؟ رياضياً واحتماليا بقوانين علم الاحتمال لكن بعد كم هائل جداً من السنين.
افترض العلماء أنه لدينا ملعب كرة قدم ولديه سور يحوطه من جميع الجوانب حتى لا تخرج الكرة خارج الملعب، وقُسِّم الملعب قسمين، قسم فيه مائة كرة والقسم الآخر خالي من الكرات، ثم وجهنا طاقة شديدة فاعلة إلى هذه الكرات المائة، ثم بدأت تتحرك كأن بها مس من الشيطان في جميع اتجاهات الملعب، بعد كم من الزمن يمكن أن تعود الكرات إلى وضعها الأول؟ حسبوها ثم وجدوا أنه سوف تكون ملايين ملايين ملايين السنين مضروبة في الألاف، في حين أن عمر الكون كله لا يسمح بعكوسية هذه الظاهرة، فالكون عمره الآن حسب معطيات العلم الحديث وأحدث الإحصائيات 12 بليون سنة تقريباً، ولو افترضنا أن هناك ثلاث جزيئات واحد أزرق والآخران أبيضان في الجهة المقابلة، ثم خلطوا جميعاً، فهل يمكن أن يعود كل جزئ إلى مكانه الطبيعي الذي كان عليه قبل ذلك؟ نعم وربما بعد مدة قصيرة، ربما بعد سنة ترى أن الجزيء الأزرق قد عاد لمكانه وكذلك الجزءان الآخران كأنك تشاهد مشهد تليفزيوني، لماذا؟ لأن العدد قليل، لكن الكون الواقع الذي أبدعه الله سواء أبدعه من عدد متكثر جداً كما هو الاعتقاد السائد أو من إلكترون واحد متكثر وسوف نشرح هذه النظرية لأننا نحتاجها، ولما تسلم فايمان جائزة نوبل على هذه النظرية قال للعالم كيف توصل إلى هذه النظرية:
تعرفون أن هناك في علم الجسيمات الدقيقة توجد الجسيمات ونقائض الجسيمات، هناك إلكترون وإلكترون نقيض (بوزيترون)، يقول: لقد رفع سماعة التليفون يوماً أستاذي د. هويلر ذات مساء وقال لي يا ريتشارد أتعلم لماذا أن شحنات الإلكترونات والبوزيترونات متساوية (وهذا تقرره ما الفيزياء الحديثة)، قلت: لا، قال: لأنها واحد، من هنا بدأ ريتشارد يفكر حتى توصل إلى هذه النظرية وحصل على جائزة نوبل، كيف؟ يفترض ريتشارد أنه عند بداية الانفجار العظيم (Big bang)، تكوَّن وتخلَّق إلكترون واحد في مدة هائلة الصغر (10 مرفوعة على 35 بالناقص طبعاً)، فما الذي صار؟ ثم أن هذا الإلكترون انطلق بسرعة هائلة حتى اصطدم بحاجز النهاية كأن للزمان نهاية، ثم عاد هذا الإلكترون ولكنه عاد بوزيترون، كل شئ انعكس لكن الشحنة واحدة، دعونا نوضح ذلك:
هناك أستاذ في الرياضيات والفيزياء كبير جداً اسمه مينكوفسكي، وهذا الرجل تحدث عن شئ اسمه خط العالم لكل جسم يتحرك في الكون، فإذا كان لدينا شئ نريد أن نحدده فبكم إحداث يمكن أن نحدده؟ بثلاثة طبعاً (الإحداثيات الديكارتية: X,Y,Z)، السؤال هنا هل هذا الخاتم مثلاً موجود فعلاً في نفس المكان في الكون دائماً؟ لا، فعندما ضربت هذا المثل كان الخاتم في مكان آخر، لماذا؟ لأن الأرض تتحرك، أنت عندما تقرأ هذه الأشياء لأول مرة وتستوعب بعض منها تأخذك دهشة وروعة وخشوع لله تعالى، نحن كما قال العارفين بالله أشبه بالخيال أو الوهم، في أي لحظة يمكن أن نتلاشى، يبدو أن سر وجودنا هو القبس الروحي الذي سماه الله الروح، الذي يعطيني الشعور بتقومي وبتجوهري وبوجودي، بكينونتي وأنني أفكر، وحتى على مستوى المعرفة يؤكد إمامنا حجة الإسلام أبو حامد الغزالي قدس الله سره الكريم وعنده عبارة غريبة جداً جداً يمكن لنظرية هويلر أن تعطينا طرفاً يوضح كلمة الإمام حين كان يقول: "العلم نقطة كثرها الجهل"، كما أن الصوفيون العارفون بالله يتحدثون على أن السر كله في نقطة الباء من بسم الله الرحمن الرحيم، أعتقد من خلال هذه النظرية يمكن أن نعرف هذه الكلمات.
يسمي أينشتين حسب نظريته النسبية تحديد موضع أي شئ بأربع أبعاد بالحدث، الكون كله عبارة عن مجموعة إحداثيات، ثلاثة أبعاد فضائية وبعد زماني متغير، حتى العلاقة بين الزمان والمكان متداخلة أكثر مما نتصور وقد قلنا أنه لو توقفت الحركة بالكامل يتلاشى الزمان، ينتهي مفهوم الزمان التجريدي، وأنت تلاحظ أن مفهوم الزمان باللغة العادية العامية المفهوم البسيط الجاهل، ما هو؟ هو مجرد انتقالات في المكان، كيف؟ اليوم والليل والنهار، وهو عبارة عن دورة الأرض حول محورها في مدارها حول الشمس، فإذا دارت حول محورها 15 درجة يمر وقت اصطلحنا نحن على أن نسميه الساعة (360 = 24x15)، إذن دورة كاملة إذا دارت حول محورها دورة كاملة ينتج عنها ذلك الليل والنهار وذلك حسب مواجهتها لقرص الشمس، وإذا دارت الأرض دورة كاملة حول الشمس تصير السنة، إذن هي انتقالات في الفضاء، فالحركات في الفضاء تعطينا مفهوم الزمان اليومي المفهوم العادي، حتى ساعة المعصم هذه عبارة عن حركة العقارب على ميناء الساعة، إذن هي انتقالات مكانية، إذن هناك علاقة كبيرة جداً بين الزمان والمكان، لا تستطيع أن تحدد مكان وموضع أي جسم أو جسيم وبلغة أينشتين "حدث"، دون أن تنظر إلى اعتبار بعد الزمان.
إذن بلا تتابع لا يكون لمفهوم الزمان معنى، ثانياً: لماذا يكون هناك تتابع؟ لأنه هناك قانون اللاعكوسية، فيعطينا إحساس أن هذا جاء قبل هذا أو بعد هذا، هذه هي الطبيعة، أراد الله لهــذه الظـواهر أن تسير في اتجـاه واحــد (لا عكوسية)، أو بلغة الدكتور فايمان في كتابه المذكور آنفاً يقول: "يجب علينا أن نصل إلى مبدأ في الديناميكا يؤكد أن الطبيعة تتحرك من الآلية إلى الجهازية"، هناك آلة وهناك جهاز، الآلة عضو وهناك الجهاز كالجهاز الدوري والتنفسي والهضمي والتناسلي ..الخ، من أعقد الآن الآلة أم الجهاز؟ الجهاز طبعاً، فالطبيعة كذلك تسير من البساطة إلى التركيب مع أن البساطة رتيبة والتركيب فوضوي وتلاحظون هذا في مسألة امتزاج الماء الأزرق بالماء الأبيض، يعنى أنك الآن تستطيع أن تجعل الماء الأبيض أزرق ولا تستطيع أن تفعل العكس، فكلما تعقد الأمر كثرت الفوضوية.
وهناك ظاهر فيزيائية عكوسية، وذلك عند مرور تيار كهربائي في ملف فسوف يتمغنط ويصبح مغناطيسياً، وإذا عكست التيار ماذا يصير؟ يصير القضب الشمالي جنوبي ويصير الجنوبي شمالي فقط، ما معنى أنها معكوسة؟ أي أنها لا تصطدم مع القانون الطبيعي المعمول به، وأيضاً حركات الأجرام السماوية تسير من الشرق إلى الغرب أو عكس عقارب الساعة، لو شاء الله أن يعكسها أي تسير مع عقارب الساعة. هل يظل القانون الطبيعي صحيح أو غير صحيح؟ صحيح، إذن هي معكوسة فحسب قانون كيبلر سيظل نصف القطر يقطع مساحات متساوية في أزمنة متساوية (القانون الطبيعي).
ربما نقول ما دامت هي عكوسة وعلى مستوى الذرات، لكن لماذا عندما تصير الذرات كثيرة جداً لا تصح أن تظل عكوسة، هذا صعب، وقد ضربنا لذلك مثل كرتين أو ثلاث كرات، فإنها يمكن أن تعود بعد سنة أو أقل سنة إلى وضعها الأول، لكن 100 كرة أصعب بكثير وكل هذا حسب قوانين الإحتمال، فزهرة النرد التي لديها ستة أوجه، من واحد إلى ستة، لو رميتها وتريد أن ترى متى وسوف يظهر لديك الوجه الأول الذي عليه ثلاث نقاط، ما مدى الإحتمال هنا، وما عدد المرات التي تضربها حتى يظهر لك الوجه الذي عليه النقاط الثلاث؟ واحد من ستة، لوضربتها ستة مرات عندك إحتمال واحد ومش شرط أن يظهر، هذه هي قوانين، لكن إذا أردت التأكد من ذلك لابد أن تضربها 600 مرة وإحتمال ظهور الوجه هو 100 مرة، ومش شرط 100 ممكن 80 أو 90، لكن بالقانون 1 من 6، لكن لو أردت أن تضربها مرتين متتاليتين بحيث تريد أن تظهر في كل مرة هذه الثلاث أوجه التي عليه النقاط، ما عدد المرات؟ 36 مرة، وإذا أردت أن تضربها بحيث تكون ثلاث مرات متتالية وفي كل مرة تظهر هذه الثلاث أوجه، ماذا سيكون عدد المرات؟ 6 x 6 x 6، ولكي تظهر أربع مرات متتالية 6 x 6 x 6 x 6، وكذلك خمس مرات 6 x 6 x 6 x 6 x 6 = 7776.
إذن يفسر هذا المبدأ لماذا أن قوانين الطبيعة لا عكوسية؟ لأن الكون ليس مكوناً من ثلاث ذرات أو ثلاث جزيئات، بل مكون من ملايير ملايير ملايير..الخ من الذرات، وهنا تصير العكوسية عملية صعبة جداً جداً لكي تنعكس الظاهرة، إذن ليس هناك أمل أن نعود أطفال صغار أو شباب، لأن التفاعلات الكيميائية والحيوية في جسم الإنسان تضطر أن تصبح عكوسة، وتبدأ تتراجع لكي تعود من الشيخوخة إلى الكهولة ثم الشباب ثم الصبا ثم الطفولة ثم إلى الرضاعة، هذا لا يصير، هذه في الروايات فقط في عالم الأدب، في إحدى روايات سكوت فيتزجيرالد التي تحكي لنا عن بنيامين الذي كان عمره 70 سنة وعلى 65 دخل المدرسة وتزوج وعمره 25 وعلى 18 سنة دخل الجامعة وهكذا يظل ينمو إلى الخلف وشب إلى الوراء (إصدار 1922)، هذا كلام فارغ، كلام أدباء، علمياً محتمل ولكن يحتاج إلى بلايير بلايير السنين، وهي عملية معقدة أكثر مما نتصور، هذا لا يصير إلا بإرادة الله.
هل أعطانا القرآن أمثلة على ذلك؟ في قصة زكريا عندما قال الله تعالى له سوف نلبي لك ونعطيك ولد، كيف وأن أمرأته وصلت سن اليأس وليس هناك تبييض؟ قال له المولى تبارك وتعالى: {وأصلحنا له زوجه}، نحن نعتقد أنه هكذا معجزة، لا، الله فهَّمنا أنه يفعل ذلك بقوانين، خلق القوانين وهو يراعيها، ليس هناك شئ اسمه خارج للقوانين، يخلق المعتاد لأنك تعودت عليه، يخلقه لكن بقانون أيضاً بفعل، لأنه حسب القوانين والمبادئ هذه يمكن أن يصير ولكن يحتاج إلى زمن طويل جداً، المسألة هنا فارق توقيت فقط، لكنه ليس صعب على الله.
ماذا صار هنا؟ صارت هنا ظاهرة عكوسية، وصارت تفاعلات كيميائية وهرمونات عند زوجة زكريا عليه السلام أعادت لها مستوى كفاءة التبييض كأنها بنت 40 أو 35، إذن ممكن وليس مستحيل، إذن ليس هناك شئ اسمه معجزة، بالعلم والفلسفة والمنطق هي مستحيل، هذا كلام فارغ.
هناك مثال آخر، يقول الله تبارك وتعالى: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى}، هذا مثل الفنجان الذي تكسَّر، فهذه ظاهرة عكوسية بقدرة الله، ربما تقول معجزة، نعم بلا شك، لكن هل هي مستحيل؟ لا علمياً ليس مستحيل، رياضياً وعلمياً ليس مستحيل ولكن يحتاج إلى زمن هائل جداً، القرآن يعرض لهذه الأمثلة في شكل معجزات ولكنها ليست مستحيلة، واحد يقول أستطيع أنا أن أفعل، لا، عليك هي مستحيل، على العلم أيضاً مستحيل، أقصد مستحيل بالمعنى الفلسفي، ما هو المستحيل الفلسفي؟ الذي يقوله العقل أنه يوجب التناقض، إنه لا يصير ولو صار يعنى ذلك أن العقل نفسه يفكر بطريقة خطأ ونفقد الثقة به، هي ليست مستحيلة بالمعنى المنطقي ولكنها مستحيلة عادة، وسأبسطها لك، هل تستطيع أنت الآن أن تذهب إلى كوكب المريخ مستحيل، كيف مستحيل، فعلى المستوى العلمي راحوا من زمان والآن يفكروا كيف يستعمروا المريخ، إذن علمياً ليس مستحيل، إذن منطقياً غير مستحيل، هناك أشياء مستحيلة عادة ومستحيلة علمياً ولا تكون مستحيلة منطقياً.
والآن نعود لرواية سكوت فيتزجيرالد، مستحيل علمياً أن تحدث، على الأقل في كوكبنا هذا، تعرف لماذا؟ أنا الآن سأسألك لو أن إنساناً بعد أن بلغ الشيخوخة شاءت إرادة الله أن يعود إلى الشباب والصبا والطفولة، أي ينعكس زمانه، هل يمكن أن يحدث هذا في الكون الذي نعيش فيه؟ مستحيل، فحسب مبادئ الفيزياء الحديثة إلى الآن لا يستطيع أن يتصل بالكون من حوله إطلاقاً ولا نحن نتصل به ولا نراه ولا يرانا، لماذا؟ لأن زمانه سيصبح مضاداً لزماننا، لأن الضوء الخارج منه لابد أن يكون في اتجاه عكسي، لو افترضنا أنك رأيته وتريد أن تكلمه وتقول له يابنيامين مثلاً فإنه لن يسمعك، لأن أمواج الصوت الخارجة من فمك بالنسبة له ستكون داخلة في فمك، وهو لن يراك، سيرى بقعة ظلماء لأن الضوء الساقط عليك والمفروض أن ينعكس على عينيه على الشبكية سيكون بالعكس راجع إليك، إذن بنيامين هذا لو انعكس زمانه ليعود إلى الشباب والطفولة فلن يعيش كما قال فيتزجيرالد أي يتزوج ويدخل الجامعة ..الخ، هو سيعود ولكن إلى كون مظلم صامت أشبه بالعدم.
ما أحسن كلمة سقراط عميد فلاسفة اليونان: "لولا خشيتي أن يقول أهل أثينا أنني متكبر ومغرور أدَّعي كل شئ لقلت أنني لا أعلم شيئاً"، والمفروض أن يقول العكس، لماذا؟ لأن الذي يقول لا أفهم شئ فإنه ينم عن عقلية جبارة بعكس الذي يقول إنني أفهم كل شئ.
في علم الكونيات الحديث يفترض العلماء أن هناك أكوان نقيضة، بمعنى أن كوننا له كون نقيض، ومعنى نقيض أن سير الأحداث لديه يسير عكس كوننا، وهذا ما يسمونه بـ "صورة المرآة"، ربما يسأل سائل هل يمكن أن نراه؟ مستحيل، لأن الضوء المنعكس من أي كوكب لن ينعكس في اتجاهك ولكن في اتجاه آخر، والماضي لديهم هو المستقبل لدينا، المستقبل لديهم هو الماضي لدينا، وكيف عرف العلماء ذلك؟ بالرياضيات والمعادلات والدراسات، ولكها معرفة نسبية.
لدينا مفهوم شائع هو مفهوم التواقت أو التزامن، حسب تصور نيوتن للزمان المطلق الموضوعي، هل ممكن أن يكون التواقت في كل أجزاء الكون بمعنى أنه يمكن أن تقع حادثة في الشعرة اليمنية وتقع في كوكب الجبار وتقع على الأرض في نفس الوقت؟ في أي وقت؟ قال أينشتين في أي وقت، عن أي وقت نتحدث؟ عن وقت الله إن جاز هذا التعبير أي قوة مهيمنة فوق كونية، ممكن أو غير ممكن؟ هذه مسألة معقدة، دعنا نتحدث عنها بعد ذلك، قال أينشتين عن أي وقت نتحدث، المسألة ليست كذلك، ربما تقول هناك وقت معين مش شرط أن يكون وقت الشمس، اللحظة هذه، كأن في الكون زمان ينساب، هذا كلام غير صحيح، هناك زمان تجريد ذهني بأثر تتابع الحوادث، وعندما تتابع الحوادث، متى يمكن أن تحدث في نفس الوقت؟ في نظام متصل، فإذا كان هناك إمكانية للتواصل السريع ولكنه ليس آني ولكن أشبه بالآني ممكن أن نقول بمفهوم التزامن والتواقت، أما إذا كان هناك نظامان غير متواصلين مستحيل أن نقول أن هناك تواقت، كيف ذلك؟
إذا كان هناك شخص في نيويورك يرفع السماعة ويهاتف شخص آخر في لندن، فنقول تجاوزاً أنهم تكلموا في نفس اللحظة نظراً لأنهم ينتميان إلى نظام شمسي واحد، فنقول أن هناك إمكانية تواصل بينهما، لكن المسألة تصير أعقد لو أن واحد كلَّم واحد على كوب آخر يبعد عن كوكبنا سنة ضوئية، فلو أراد أن يكلمه بإشارات تسير بسرعة الضوء، علشان يقول يافلان فإن هذه الكلمة سوف تصل بعد سنة للطرف الآخر، وحينما يسمعها ويرد ويقول نعم، سوف تصل أيضاً بعد سنة، بمعنى أنهم لو أرادوا أن يتبادلوا أقل الكلمات لاحتاجوا إلى 15 أو 16 عاماً على الأقل، لأنهم صاروا في نظامين وأصبح هناك تباعد شديد وعدم التواصل.
إذن مسألة التوقيت نضع لها اعتبار، فلو سألت أحد هل تراني الآن في نفس اللحظة؟ تقول نعم، مش صحيح أنت لا تراني في نفس اللحظة، تراني بعد باستمرار، كيف أراك أنا؟ عبر الضوء عندما ينزل على الشبكية فينعكس عليك فأراك، وهل الضوء وسرعته مطلقة؟ لا محدودة، فهي 186 ألف ميل/ثانية أو 300 ألف كيلو/ثانية، لذلك فإن في عالم الفلك والأضواء العليا يظهر الضوء أنه ضعيف ويحتاج لوقت هائل، هناك أشياء تبعد عنا 15 بليون سنة ضوئية، أي أن الضوء يسير 15 ألف مليون سنة حتى يصل إلينا، إذن سرعته ليست مطلقة بل محددة، ونقصد بالمطلقة الذي ليس نهائياً، ومعناه أنك لو تبعد عني بمقدار متر واحد يلزمك أن تقول متر تقسيم 300 ألف كيلو وكل كيلو فيه 1000 متر× 1000 أي 300 مليون، معنى ذلك أنني أراك بعد 1 على 300 مليون من الثانية، ولو كنت تبعد عني ثلاث أمتار تصير العملية أعقد، فسوف أراك بعد 3 من مليار من الثانية ..الخ وهلم جر حسب البعد.
لو قال شخص ما أن هذا الكلام غير صحيح لأنني أرى هذا مثل ذلك، أرى القريب مثل البعيد، طبعاً لأن الجهاز الفسيولوجي والشبكية لدى الإنسان لا تستوعب هذه الفروق الزمنية الضئيلة، فإذا كان تردد الأشياء أو المشهد أمام العين أكثر من 16 مرة في الثانية فإنها لا تستطيع أن تراه، هناك علاقة وطيدة جداً نسيجية رحمية بين الزمان والحركة.
هل زمان الجسم الثابت كزمان الجسم المتحرك؟ نيوتن قال نعم، أما أينشتين فقال لا، الرياضيات تنبئني بعكس ذلك فالجسم كلما سار بسرعة أكبر تباطء زمانه، ولذلك قانون زمان الجسم المتحرك:
زمان الجسم المتحرك = زمان الجسم الثابت 1 _ مربع سرعة الجسم
مربع سرعة الضوء
كما قال إن الجسم كلما زادت سرعته زادت كتلته، وقد درسنا من قبل أن الكتلة لا تتغير أما الوزن فيتغير، فوزن جسم على الأرض غير وزنه على كوكب المشترى، فعلى المش
https://www.facebook.com/Dr.Ibrahimadnan
ونظرا لطول النص سنقوم بتقسيمها إلى عدة أجزاء حتى يسهل متابعتها.
_____________
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما تحب وترضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله، اللهم صلي وسلم عليه وبارك وعلى آله الطيبين وصحابته المباركين المحسنين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، ربنا افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين، علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وفقهاً في الدين.
موضوع حديثنا يدور حول معضلة الزمان، هذه المشكلة التي يرى كثيراً من الدارسين من العلماء والفلاسفة والمفكرين أنها اللغز الأعظم أو السر الأكبر، هي أعوص المشكلات الفلسفية في نظر كثير من هؤلاء المذكورين، بالرغم من أن الزمان ذاته في نفس الوقت من ألصق الخبرات الحياتية بالإنسان، فحواسنا الغليظة تمدنا كل حين بمجموعة من الخبرات والمرئيات ومن المسموعات كلها متوافقة أو مبنية على مهاد من الزمان وفق مفهوم التوافق والتعاقب، فهي من ألصق الخبرات بنا.
قد لا يرى الإنسان العادي الذي يخضع للحس المشترك والذي لم يتعمق درس المسائل الفلسفية وليس له إلمام بطرائق البحث الطبيعي أو العلمي في العصر الحديث بالذات، قد لا يرى أن في هذه المسألة إشكال أصلاً، وأين الإشكال؟ فالزمان خلق من خلق الله كالمكان وهو موجود ذو سهم متجه في اتجاه واحد.
طبعاً هذه لغة أشبه لا أقول باللغة المجازية ولكن باللغة الحاكمة، كل هذا الكلام العامي لا معنى له، الأمر أعقد وأكثر من ذلك بكثير، طبعاً أنتم تلاحظون أن الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز دأب على أن يقسم بمظاهر يمكن أن تسمى مظاهر زمنية مرتبطة بقياس الزمن، مظاهر تجليات لهذا السر الأعظم كقوله تبارك وتعالى: {والفجر وليال عشر}،{والشمس وضحاها}، {والليل إذا يغشى} ..الخ، أمثال هذه الآيات كثيرة في كتاب الله تعالى.
حين نقول نحن العامة: أمس ولى وانقضى، ذهب وراح، حريّ بنا أن نتساءل أين ولى وأين راح، هل هناك بُعد أو وضع معين في الكون يبتلع هذا الزمان في الماضي، وأن غداً سيأتي، من أين سيأتي؟ إذن يبدوا فعلاً إن المسألة أعوص مما نتصور نحن عامة الناس.
هل للزمان وجود حقيقي؟ أم أنه موجود انتزاعا وتجريداً بلغة الفلسفة؟ فإذا تحدثنا الآن عن الحياة، هل يمكن لأحد أن يرى شئ اسمه الحياة؟ ليس هناك شيء اسمه الحياة، فالحياة تجريد لظواهر كثيرة جداً حيوية في الموجودات التي تتصف بما انتزعناه أو انتزعنا له اسم الحياة، فهذا كائن حي وهذا كائن حي، فمن خلال ملاحظة هذه الأشياء جردَّنا كلمة أو مصدراً وأسميناه "الحياة"، لكن ليس هناك شئ خلقه الله هكذا اسمه الحياة، فهذا مفهوم تجريدي أو كلي أو انتزاعي، فهل يمكن أن يكون شأن الزمان كشأن هذه الألفاظ المجردة؟ على الأقل هذا ما يراه بعضهم كالفيلسوف الألماني النقدي الكبير عمنوائيل كانت في كتابه "نقد العقل المحض أو البحت"، فهو يرى أن الزمان مقولة أو مقوَّلة والأفصح أن نقول مقوَّلة تجريدية الذهن يتعاطى معها لكي يستطيع أن يستوعب الخبرات والأحداث اليومية فقط، لكن ليس هناك شيئاً موجوداً حقيقياً في الكون اسمه الزمان، حتى المكان، فالمكان أيضاً مفهوم تجريدي، هناك أشياء تتموضع أو تترتب إلى جانب بعضها البعض على اختلاف المسافات بينها، هذا التموضع وهذه التراتبية تُعطينا شعوراً بما اصطلحنا على تجريده بالمكان.
لذا لا يستطيع الإنسان العادي أن يتصور مثلاً أن لهذا الكون حدوداً معينة وبعد هذه الحدود ينتهي كل شئ، يقول مستحيل، حتى لو كان له حدوداً وكان مطوياً مثل الكرة أو الإسطوانة فلابد أن يوجد بعده شئ ما، لا، فعلمياً وعقلياً وفلسفياً، بالعقل المحض مش شرط، لا يوجد شئ، عدم، لكن العقل دائماً يفترض فراغاً، ومفهوم الفراغ مفهوم كاذب ومضلل جداً، فالمعنى الفلسفي الأرسطي ليس هناك فراغ، هناك فضاء تتموضع فيه ذرات أو جسيمات أو كائنات أو كوائن دقيقة جداً، لكن فراغ بمعنى أنه لا يوجد فيه أي شئ مطلقاً، لا يمكن، هذا شئ غير موجود.
الذهن العادي أو الحس المشترك عند الناس يقول هذا بالمطلق بالتحديد موجود، وكيف نتصوره؟ نتصوره فراغاً مضيئاً وليس معتماً، فضاءاً كأنه يضاء بجزيئات معينة غير مرئية مثل هذا الهواء، ويتصور الإنسان أن بعد حدود الكون الوهمية أو الصنعية أن بالإمكان أن يسبح جسم ما إذا خرج عن حدود الكون لأن هناك فراغاً يحتويه، غير صحيح، هذه أشياء تتحدى بديهيات العقل العامي، والعلم الطبيعي لم يتطور إلا لأنه كفر بكثير مما اصطلح على الاعتقاد بأنه بدهي، لا فالعلم لم يتطور إلا بعد أن كفر بكثير من هذه البديهيات وناقش الأمور بعقلية أكثر واقعية وأكثر رياضية.
فلسفة العلم هي لغة الرياضيات وليست اللغة المجازية ولغة التعابير الاستعارية والبلاغية المضللة التي تعكس فقط قدرة العقل ولا تعكس حقيقة الوجود، يعني مثلاً نحن نعيش على هذه الأرض، كل واحد لا يستطيع أن يتصور أن يعيش على هذه الأرض دون مفاهيم الجهات (فوق وتحت و..الخ)، العامي لا يعرف ويقول إنها قضية بديهية فأسفل رجلي هو التحت وأعلى رأسي هو الفوق، لكن إذا كان هناك شخص آخر يتموضع على نقطة أخرى مقابلة من الكرة الأرضية بحيث ما يكون في حقه هو فوق يكون في حقك أنت تحت والعكس، المسألة كلها مرتبطة كما يقول العلم بمؤشر معين هو مؤشر الثقالة أو التثاقل أو الجاذبية، مركز الأرض يكون دائماً هو التحت، أينما تموضعت على هذه الأرض فالمركز هو التحت وهذا هو المؤشر.
ولذا لو أن الإنسان أُقتلع من هذه الأرض ورمي به في أعماق الفضاء الكوني من غير أن يكون قريباً من أي جرم فضائي وهذا محتمل، لكن إذا كان قريباً لا يوجد في هذا الفضاء إلا مراكز الجاذبية وخطوط المجال، لابد، فهذا "الساتاليت" على سبيل المثال إذا رُمي في الفضاء فإنه يضطر إلى أن يأخذ مداراً دائرياً فلا توجد في الكون خطوطاً مستقيمة، ولذا فإن القرآن معجز، فلا يتحدث عن خطوط مستقيمة، دائماً يتحدث عن العروج {تعرج الملائكة}، والعروج هو السير في منحنيات أي السير الدوراني الإلتفائي، القرآن لا يقول إنها تسير وإنما تعرج، وهذا ما يقرره علم الكونيات الحديث، فما كان لمحمد عليه الصلاة والسلام ولا غير محمد قبل القرن العشرين أن يعرف هذا ولا يخطر على بال أحد.
فلو أُقتلع هذا الإنسان ورمي في الكون السحيق بعيداً عن أي مجال لأي جرم سماوي فإنه سوف يفقد الشعور بالمكان وسيصبح عائماً وكل الجهات مستوية لديه، سيختفي على الفور مفهوم الفوق والتحت، لكن هذا في حالاتنا العادية من المفاهيم البدهية التي لا يمكن للإنسان أن يتصور فيها عالم الدنيا وعالم الآخرة إلا بمفهوم الفوق والتحت، لا مش شرط، بالعكس ممكن أن تعيش في الجنة وليس هناك فوق وتحت، لذا تنبه المفسرين من قديم أن الله تبارك وتعالى يتحدث عن الجنات تجري تحتها الأنهار، وتجري من تحتها الأنهار، وتجري من تحتهم الأنهار (في موضعين في كتاب الله)، فبعضهم توصل بحسب فهم القرآن لغوياً إلى أن هذه الأنهار تجري في غير أخاديد وتجري معلقة في الهواء إن كان هناك هواء كهوائنا دون جاذبية، فقد سماها الله النشأة الأخرى، العالم الآخر، ليست كالدنيا، فمن الخطأ أن تقيس ما في الدنيا على ما في الآخرة.
في كتاب "الكون المعمور" قال جاتلاند العالم الفيزيائي الكبير أنه ليس من البعيد وليس من المستبعد علمياً أن توجد عوالم أخرى ومخلوقات أخرى وتخضع بالكلية لقوانين أخرى، وأن الروح الإنسانية ذاتها إذا تركت هذا العالم وصارت إلى عالم آخر، تستطيع أن تعيش الروح لكن ليست كما عاشت في الدنيا فالروح في الدنيا لا تتجسد، الإنسان يتجسد بدناً، لكن هناك تستطيع أن تعيش كما عاشت الأبدان في الدنيا من غير أبدان، هذا ممكن لكن ضمن أبعاد أخرى وضمن قوانين أخرى، هذا هو العلم الحديث يطرح إمكاناً واحتمالية لمثل هذه الأشياء.
نعود إلى الزمان، فالزمان هو اللغز الأعظم والسر الأكبر، يقول واحد: الله هو السر الأعظم، بلا شك فالموضوع أعقد من ذلك بكثير، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى قال: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر"، ما الذي ندريه نحن عن الله تبارك وتعالى، مسألة معقدة جداً، نحن ندري أسمائه وصفاته، لكن ما الذي ندريه عن الذات الإلهية، لا نستطيع أن نقول طبيعة فهذه الكلمة تفضي مباشرة إلى التقاط بعض المفاهيم الفيزيائية مباشرة، المسألة أكبر من ذلك، فلنستخدم كلمة كن، لا ندري شئ، وما عرف حق المعرفة إلا الله، {وما قدروا الله حق قدره}.
كنا ونحن صغار نعتقد أن الدهر هو الليل والنهار وحركة عقارب الساعة وحركة الأرض وحركة الشمس والأجرام، وهذا لا علاقة له بالزمان، والمفروض بدئياً أن نبدأ من هنا، فالزمان ليس حركات الأفلاك، هذه كلها وسائل حسية بسيطة قياسية نقيس بها الزمان وهي أمور تحكمية، كان يمكن أن نقيس الزمان بطرق أخرى مختلفة تماماً وأن نستخدم أي معيار تقويمي آخر، لكن نحن اصطلحنا تحكماً كما يقول المناطقة لأننا قريبون من الشمس ونحن نعيش على أحد الكواكب التسعة التي تدور حول الشمس، فلنجعل نظاماً شمسياً، وهذا هو التقويم الشمسي، لكن لو افترضنا أن حركة الأرض توقفت وكذلك حركة الشمس حول محورها، هل يختفي الشعور بالزمان؟ لا فالزمان موجود، هذا ليس له علاقة بالزمان.
نعود إلى موضوعنا، فعلاً هو من أعقد وأصعب المواضيع والبحث فيه له مستويات كثيرة جداً جداً، وقد ارتقيت أن أبحث فيه وأخصص له أكثر من درس، فإذا استطعنا أن نستوعب بعض الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع، سيُسهِّل علينا جداً أن نستوعب كثيراً من حقائق الاعتقاد، كثيراً جداً مما يتعلق بالدنيا والآخرة، مما يتعلق بالبرزخ وبالحياة الأبدية، في الجنة أم في النار، وبتصرفات الأرواح، مما يتعلق بأفعال وعلم الله، مما يمكن أن يحل لنا من معضلة وسر القضاء والقدر، فالقوقعة التي ننطلق منها للحكم على الأمور لابد أن تُكسَر، فقوقعة العامي أقل من قوقعة المثقف، وقوقعة المثقف أقل من قوقعة المتعلم في حق المعين، وقوقعة المتعلم أقل بكثير من قوقعة الفيزيائي.
الآن علم الفيزياء حينما يُقرأ فيه، شئ أصعب من الفلسفة وأبعد من خيالات الشعراء والمتصوفة وحتى نظريات الفلسفة، وهو من أكثر العلوم التي تقرب إلى الله، من الصعب أن تجد فيزيائياً عالمياً ملحداً، الفيزياء تؤكد الحقائق بطريق غريبة جداً، فكم هي معقدة وكم تصدمنا في كل ما نعتقد أنه من المصادفات الفكرية، هل يمكنك أن تتصور أن الكون كله من إلكترون واحد؟ هذه نظرية عظيمة ولها اعتبار، كل الكون بما فيه من مجرات من ملايير الملايير الملايير الملايير من الجزيئات، كلها من إلكترون واحد، وهذه نظرية من أقوى نظريات القرن العشرين.
هناك مستوى فلسفياً للبحث في الزمان، هذا لا نتعرض له الآن، وهناك مستوى علمي للبحث في معضلة الزمان وله فرعان رئيسيان: الفرع البيولوجي وسنتعرض له بعد ذلك وهو مهم جداً، أما الآن فسوف نتناول المستوى الفيزيقي (الطبيعي) لمعضلة الزمان، وهناك البحث السيكولوجي في الزمان.
الزمان الفيزيقي (الطبيعي):
بعض الناس يعتقد أن الزمان هو شئ مفطور عليه، أي على الشعور بالزمان وتقدير أشياء كثيرة والشعور بتوالي وتعاقب الأحداث، لا مش صحيح، الدراسات النفسية خاصة لدى مؤسس علم النفس "جامبيا جي" السويسري وهو من النوابغ الكبار، وقد بدأ التأليف وهو في سن الثانية عشر، وهو نابغة عبقري ومن أحسن علماء النفس الذين درسوا الأطفال ونفسياتهم وسلوكياتهم، أثبت أن شعور الطفل بالزمن يختلف عن شعور الكبير، الطفل الرضيع هل يشعر بالماضي؟ وهل يشعر بالمستقبل؟ غير وارد، إذن فهو كائن متزمن أكثر من البالغ، يعيش اللحظة والتَّو فقط، لكن عندما نقول اللحظة والحال فأي لحظة وأي حال؟ كم هذا يساوي، قديماً حاول بعض الناس الذين أرادوا أن يبسّطوا قالوا واحد على عشرة من الثانية، لماذا عشر الثانية؟ لماذا ليس واحد على ألف أو مليون أو على 15 ألف مليون مليون مليون من الثانية؟ ربما تسأل لماذا هذا الرقم بالذات، لأن هناك أجسام أو عوالم تعيش وتؤدي رسالتها وتموت وهذا عمرها، هذا هو العلم!
أن متوسط أعمارنا 70 - 60، هناك شجرة عمرها 5000 سنة، وهناك بعض الكائنات تعيش قليلاً أو كثيراً، فعلى سبيل المثال الذباب، تفاعلاتها تسير بسرعة أكبر بكثير من تفاعلات الإنسان، فلا يمكن أن تقول أنها تعيش أقل من الإنسان، فعمرها لا كما ترصده أنت، فهذه سريعة في تفاعلاتها وحركاتها حتى إذا أردت أن تباغتها تجدها في أكثر الحالات أسرع منك.
تعلمون أن نمط الحياة سيتسارع، وهذه الساعات لن تصلح، لماذا؟ لأننا وقتئذ سنحتاج إلى ساعات ذرية ترصد وتقيس الزمن في جزء من مليون من الثانية وهكذا الأوقات في العمل، ربما يتساءل شخص ماذا عن عمر الأمم وقتذاك؟ ربما ستكون أسعد الأمم حظاً من تعيش خمس ساعات مثلاً، طبعاً سيكون عدد السكان عدداً هائلاً وهذا غير مستبعد أخذاً من عالم الحشرات والمثال السابق ذكره، وإذا سار التسارع بهذا المستوى الرفيع جداً المحموم ستصبح الحياة ثرية ومليئة أكثر مما نظن وأكثر مما نتخيل، ففي ساعة زمن يمكنك أن تصنع أشياء كثيرة جداً لا تخطر على بالك، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "يتقارب الزمان".
زمان كان الواحد يصرف من عمره ثلاثة أشهر حتى ينتقل من عابدان في فارس إلى مثلاً قرية أخرى في بلاد القوقاز، الآن ينتقل إليها في ساعة إلا ربع، حتى هذه الكائنات الدقيقة جداً المفروض أن يكون لها أنظمته خاصة جداً ليس لها علاقة بالليل أو النهار ولا بساعتنا ولا بشمسنا، وعلم البيولوجي الحديث كشف قوانين ومعادلات تحكي عن هذه الأنظمة الدقيقة العجيبة.
هناك أيضاً البحث في مستوى المعتقدات الملِّية، الزمن كما عرضت له الكتب الدينية وفي معتقدات الناس، في الميثولوجيا وفي الأساطير لكن أقل أهمية، وهناك بحث أقل أهمية أيضاً في بحث الزمان ودوران الزمان في مستوى الدرس التاريخي وهذا أقل أهمية لأنه لا يتعلق بحقيقة المسألة، نعود إلى موضوع الزمان وندخل في الجانب العلمي الخاص بعلم الطبيعة.
أتفق علماء الطبيعة المحدثون (المعاصرون) على أن الزمان مفهوم تجريدي وليس مفهوم واقعي، قال نيوتن في مستهل كتابه "المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية" الذي ألفه في آخر القرن السابع عشر: "الزمان الحقيقي الموضوعي الرياضي ينساب بدون التأثر بأي شكل خارجي"، هذه حقيقة إلهية مطلقة عنده وهذا الكلام في علم الطبيعة الحديث يعتبر بلا معنى على الإطلاق، المفهوم السائد والمعتقد الآن أن الزمان مفهوم تجريدي، ما معنى مفهوم تجريدي بالتحديد في علم الطبيعة وكيف يكون الزمان مفهوماً تجريدياً؟ قيل أن الزمان هو ما ينشأ في ذهن الإنسان من ملاحظة التتابع (تتابع الأحداث)، بمعنى أنه لو وقفت الحركة وليست حركة الأرض والشمس، وإنما الحركة بمفهومها الكامل، الذرات والجزيئات والجسيمات الدقيقة، سيقف أو بمعنى آخر سيختفي الزمان، إذن الزمان هو المعادل التجريدي لحركات الموجودات في الكون، يقول شخص ما هذا كلام غير صحيح، دع كل شئ يتوقف، لكني سأشعر بالزمان وبالقبل والبعد، هذا أيضاً كلام غير صحيح لأنه إذا توقف كل شئ فإنك لا تستطيع أن تفكر وسوف تتوقف جميع التفاعلات الجسمية، فعلى المستوى العصبي كيف تدرك وكيف تشعر؟ فلديك تفاعلات لا عكوسة أي تسير باتجاه واحد أي الفعل نفسه يسير باتجاه واحد فقط، إذن عندما يتوقف كل شئ ينعدم التفكير أصلاً، ولو توقف ينهار الكون كله كما كان في البداية إلى نقطة أو إلى كرة صغيرة أو حسب جون هيلر أستاذ ريتشارد تايمر الذي أوعز إليه بأن فكرة الكون منسوج من إلكترون واحد وحاز بهذه النظرية على جائزة نوبل والذي مات قبل سنوات بالسرطان وهو من أكبر العلماء في القرن العشرين، هذا هو العلم! وهكذا يقول هؤلاء العمالقة الأفذاذ.
نحن نقول بكل يقين إن الزمان موجود بوجود الكون، أي أن الزمان توأم الوجود، لذا قال المسيحي الشهير أوغستين إن الله تبارك وتعالى لم يخلق الكون في الزمان بل خلق الزمان مع الكون، وهذا هو الصحيح، وهذا ما أكده أفلاطون الفيلسوف المثالي القديم، ولذا سأضرب لكم على المستوى العقدي الديني سخف هذا السؤال التقليدي، لماذا لم يخلق الله هذا الكون قبل اللحظة التي خلقه فيه؟ هذا كلام فارغ، هذه أسئلة يطرحها ابن سينا والقزويني في عجائب المخلوقات، الآن في علم الفيزياء الحديثة لا معنى لها، الزمان كما قلنا مفهوم تجريدي من التتابع، كيف نشعر بالتتابع؟ نشعر به بفعل قانون فيزيقي طبيعي فاعل بالكون في أكثر مظاهر الوجود اسمه قانون اللاعكوسية، فأكثر ظواهر الكون على الإطلاق لا عكوسية أي تسير في اتجاه واحد، فإذا دخَّن رجل سيجارة بالطبع سوف تتناقص هذه السيجارة وسوف ترى الدخان يدخل إلى فمه، فهل رأيت عكس ذلك أي أن السيجارة تطول كلما احترقت وأن الدخان يخرج بالعكس، لا، هذا في التصوير السنيمائي، وكذلك إذا وقع فنجان على الأرض وانكسر، هل ممكن أن يعود لحالته قبل أن ينكسر؟ لا.
ضرب ريتشارد فايمان عالم فيزيائي كبير في كتابه "طبيعة القانون الطبيعي" هذا المثال: قال لو عندنا إناء من حوضين وبينهما فاصل بحيث يكون في إحدى الحوضين ماء مصبوغ باللون الأزرق، وفي الآخر مياه عادية بيضاء، ثم نسحب هذا الحاجز تدريجياً، ماذا سيحدث؟ سوف تختلط مياه الحوضين وتتحول إلى اللون الأزرق الفاتح، لا يمكن إذا انتظرت طويلاً، سنة أو مائة أو ألف سنة أن تتم هذه العملية بشكل معاكس بحيث تعود المياه إلى لونها التي كانت عليه من قبل أي إلى الأبيض والأزرق، أم أن هذا ممكن؟ رياضياً واحتماليا بقوانين علم الاحتمال لكن بعد كم هائل جداً من السنين.
افترض العلماء أنه لدينا ملعب كرة قدم ولديه سور يحوطه من جميع الجوانب حتى لا تخرج الكرة خارج الملعب، وقُسِّم الملعب قسمين، قسم فيه مائة كرة والقسم الآخر خالي من الكرات، ثم وجهنا طاقة شديدة فاعلة إلى هذه الكرات المائة، ثم بدأت تتحرك كأن بها مس من الشيطان في جميع اتجاهات الملعب، بعد كم من الزمن يمكن أن تعود الكرات إلى وضعها الأول؟ حسبوها ثم وجدوا أنه سوف تكون ملايين ملايين ملايين السنين مضروبة في الألاف، في حين أن عمر الكون كله لا يسمح بعكوسية هذه الظاهرة، فالكون عمره الآن حسب معطيات العلم الحديث وأحدث الإحصائيات 12 بليون سنة تقريباً، ولو افترضنا أن هناك ثلاث جزيئات واحد أزرق والآخران أبيضان في الجهة المقابلة، ثم خلطوا جميعاً، فهل يمكن أن يعود كل جزئ إلى مكانه الطبيعي الذي كان عليه قبل ذلك؟ نعم وربما بعد مدة قصيرة، ربما بعد سنة ترى أن الجزيء الأزرق قد عاد لمكانه وكذلك الجزءان الآخران كأنك تشاهد مشهد تليفزيوني، لماذا؟ لأن العدد قليل، لكن الكون الواقع الذي أبدعه الله سواء أبدعه من عدد متكثر جداً كما هو الاعتقاد السائد أو من إلكترون واحد متكثر وسوف نشرح هذه النظرية لأننا نحتاجها، ولما تسلم فايمان جائزة نوبل على هذه النظرية قال للعالم كيف توصل إلى هذه النظرية:
تعرفون أن هناك في علم الجسيمات الدقيقة توجد الجسيمات ونقائض الجسيمات، هناك إلكترون وإلكترون نقيض (بوزيترون)، يقول: لقد رفع سماعة التليفون يوماً أستاذي د. هويلر ذات مساء وقال لي يا ريتشارد أتعلم لماذا أن شحنات الإلكترونات والبوزيترونات متساوية (وهذا تقرره ما الفيزياء الحديثة)، قلت: لا، قال: لأنها واحد، من هنا بدأ ريتشارد يفكر حتى توصل إلى هذه النظرية وحصل على جائزة نوبل، كيف؟ يفترض ريتشارد أنه عند بداية الانفجار العظيم (Big bang)، تكوَّن وتخلَّق إلكترون واحد في مدة هائلة الصغر (10 مرفوعة على 35 بالناقص طبعاً)، فما الذي صار؟ ثم أن هذا الإلكترون انطلق بسرعة هائلة حتى اصطدم بحاجز النهاية كأن للزمان نهاية، ثم عاد هذا الإلكترون ولكنه عاد بوزيترون، كل شئ انعكس لكن الشحنة واحدة، دعونا نوضح ذلك:
هناك أستاذ في الرياضيات والفيزياء كبير جداً اسمه مينكوفسكي، وهذا الرجل تحدث عن شئ اسمه خط العالم لكل جسم يتحرك في الكون، فإذا كان لدينا شئ نريد أن نحدده فبكم إحداث يمكن أن نحدده؟ بثلاثة طبعاً (الإحداثيات الديكارتية: X,Y,Z)، السؤال هنا هل هذا الخاتم مثلاً موجود فعلاً في نفس المكان في الكون دائماً؟ لا، فعندما ضربت هذا المثل كان الخاتم في مكان آخر، لماذا؟ لأن الأرض تتحرك، أنت عندما تقرأ هذه الأشياء لأول مرة وتستوعب بعض منها تأخذك دهشة وروعة وخشوع لله تعالى، نحن كما قال العارفين بالله أشبه بالخيال أو الوهم، في أي لحظة يمكن أن نتلاشى، يبدو أن سر وجودنا هو القبس الروحي الذي سماه الله الروح، الذي يعطيني الشعور بتقومي وبتجوهري وبوجودي، بكينونتي وأنني أفكر، وحتى على مستوى المعرفة يؤكد إمامنا حجة الإسلام أبو حامد الغزالي قدس الله سره الكريم وعنده عبارة غريبة جداً جداً يمكن لنظرية هويلر أن تعطينا طرفاً يوضح كلمة الإمام حين كان يقول: "العلم نقطة كثرها الجهل"، كما أن الصوفيون العارفون بالله يتحدثون على أن السر كله في نقطة الباء من بسم الله الرحمن الرحيم، أعتقد من خلال هذه النظرية يمكن أن نعرف هذه الكلمات.
يسمي أينشتين حسب نظريته النسبية تحديد موضع أي شئ بأربع أبعاد بالحدث، الكون كله عبارة عن مجموعة إحداثيات، ثلاثة أبعاد فضائية وبعد زماني متغير، حتى العلاقة بين الزمان والمكان متداخلة أكثر مما نتصور وقد قلنا أنه لو توقفت الحركة بالكامل يتلاشى الزمان، ينتهي مفهوم الزمان التجريدي، وأنت تلاحظ أن مفهوم الزمان باللغة العادية العامية المفهوم البسيط الجاهل، ما هو؟ هو مجرد انتقالات في المكان، كيف؟ اليوم والليل والنهار، وهو عبارة عن دورة الأرض حول محورها في مدارها حول الشمس، فإذا دارت حول محورها 15 درجة يمر وقت اصطلحنا نحن على أن نسميه الساعة (360 = 24x15)، إذن دورة كاملة إذا دارت حول محورها دورة كاملة ينتج عنها ذلك الليل والنهار وذلك حسب مواجهتها لقرص الشمس، وإذا دارت الأرض دورة كاملة حول الشمس تصير السنة، إذن هي انتقالات في الفضاء، فالحركات في الفضاء تعطينا مفهوم الزمان اليومي المفهوم العادي، حتى ساعة المعصم هذه عبارة عن حركة العقارب على ميناء الساعة، إذن هي انتقالات مكانية، إذن هناك علاقة كبيرة جداً بين الزمان والمكان، لا تستطيع أن تحدد مكان وموضع أي جسم أو جسيم وبلغة أينشتين "حدث"، دون أن تنظر إلى اعتبار بعد الزمان.
إذن بلا تتابع لا يكون لمفهوم الزمان معنى، ثانياً: لماذا يكون هناك تتابع؟ لأنه هناك قانون اللاعكوسية، فيعطينا إحساس أن هذا جاء قبل هذا أو بعد هذا، هذه هي الطبيعة، أراد الله لهــذه الظـواهر أن تسير في اتجـاه واحــد (لا عكوسية)، أو بلغة الدكتور فايمان في كتابه المذكور آنفاً يقول: "يجب علينا أن نصل إلى مبدأ في الديناميكا يؤكد أن الطبيعة تتحرك من الآلية إلى الجهازية"، هناك آلة وهناك جهاز، الآلة عضو وهناك الجهاز كالجهاز الدوري والتنفسي والهضمي والتناسلي ..الخ، من أعقد الآن الآلة أم الجهاز؟ الجهاز طبعاً، فالطبيعة كذلك تسير من البساطة إلى التركيب مع أن البساطة رتيبة والتركيب فوضوي وتلاحظون هذا في مسألة امتزاج الماء الأزرق بالماء الأبيض، يعنى أنك الآن تستطيع أن تجعل الماء الأبيض أزرق ولا تستطيع أن تفعل العكس، فكلما تعقد الأمر كثرت الفوضوية.
وهناك ظاهر فيزيائية عكوسية، وذلك عند مرور تيار كهربائي في ملف فسوف يتمغنط ويصبح مغناطيسياً، وإذا عكست التيار ماذا يصير؟ يصير القضب الشمالي جنوبي ويصير الجنوبي شمالي فقط، ما معنى أنها معكوسة؟ أي أنها لا تصطدم مع القانون الطبيعي المعمول به، وأيضاً حركات الأجرام السماوية تسير من الشرق إلى الغرب أو عكس عقارب الساعة، لو شاء الله أن يعكسها أي تسير مع عقارب الساعة. هل يظل القانون الطبيعي صحيح أو غير صحيح؟ صحيح، إذن هي معكوسة فحسب قانون كيبلر سيظل نصف القطر يقطع مساحات متساوية في أزمنة متساوية (القانون الطبيعي).
ربما نقول ما دامت هي عكوسة وعلى مستوى الذرات، لكن لماذا عندما تصير الذرات كثيرة جداً لا تصح أن تظل عكوسة، هذا صعب، وقد ضربنا لذلك مثل كرتين أو ثلاث كرات، فإنها يمكن أن تعود بعد سنة أو أقل سنة إلى وضعها الأول، لكن 100 كرة أصعب بكثير وكل هذا حسب قوانين الإحتمال، فزهرة النرد التي لديها ستة أوجه، من واحد إلى ستة، لو رميتها وتريد أن ترى متى وسوف يظهر لديك الوجه الأول الذي عليه ثلاث نقاط، ما مدى الإحتمال هنا، وما عدد المرات التي تضربها حتى يظهر لك الوجه الذي عليه النقاط الثلاث؟ واحد من ستة، لوضربتها ستة مرات عندك إحتمال واحد ومش شرط أن يظهر، هذه هي قوانين، لكن إذا أردت التأكد من ذلك لابد أن تضربها 600 مرة وإحتمال ظهور الوجه هو 100 مرة، ومش شرط 100 ممكن 80 أو 90، لكن بالقانون 1 من 6، لكن لو أردت أن تضربها مرتين متتاليتين بحيث تريد أن تظهر في كل مرة هذه الثلاث أوجه التي عليه النقاط، ما عدد المرات؟ 36 مرة، وإذا أردت أن تضربها بحيث تكون ثلاث مرات متتالية وفي كل مرة تظهر هذه الثلاث أوجه، ماذا سيكون عدد المرات؟ 6 x 6 x 6، ولكي تظهر أربع مرات متتالية 6 x 6 x 6 x 6، وكذلك خمس مرات 6 x 6 x 6 x 6 x 6 = 7776.
إذن يفسر هذا المبدأ لماذا أن قوانين الطبيعة لا عكوسية؟ لأن الكون ليس مكوناً من ثلاث ذرات أو ثلاث جزيئات، بل مكون من ملايير ملايير ملايير..الخ من الذرات، وهنا تصير العكوسية عملية صعبة جداً جداً لكي تنعكس الظاهرة، إذن ليس هناك أمل أن نعود أطفال صغار أو شباب، لأن التفاعلات الكيميائية والحيوية في جسم الإنسان تضطر أن تصبح عكوسة، وتبدأ تتراجع لكي تعود من الشيخوخة إلى الكهولة ثم الشباب ثم الصبا ثم الطفولة ثم إلى الرضاعة، هذا لا يصير، هذه في الروايات فقط في عالم الأدب، في إحدى روايات سكوت فيتزجيرالد التي تحكي لنا عن بنيامين الذي كان عمره 70 سنة وعلى 65 دخل المدرسة وتزوج وعمره 25 وعلى 18 سنة دخل الجامعة وهكذا يظل ينمو إلى الخلف وشب إلى الوراء (إصدار 1922)، هذا كلام فارغ، كلام أدباء، علمياً محتمل ولكن يحتاج إلى بلايير بلايير السنين، وهي عملية معقدة أكثر مما نتصور، هذا لا يصير إلا بإرادة الله.
هل أعطانا القرآن أمثلة على ذلك؟ في قصة زكريا عندما قال الله تعالى له سوف نلبي لك ونعطيك ولد، كيف وأن أمرأته وصلت سن اليأس وليس هناك تبييض؟ قال له المولى تبارك وتعالى: {وأصلحنا له زوجه}، نحن نعتقد أنه هكذا معجزة، لا، الله فهَّمنا أنه يفعل ذلك بقوانين، خلق القوانين وهو يراعيها، ليس هناك شئ اسمه خارج للقوانين، يخلق المعتاد لأنك تعودت عليه، يخلقه لكن بقانون أيضاً بفعل، لأنه حسب القوانين والمبادئ هذه يمكن أن يصير ولكن يحتاج إلى زمن طويل جداً، المسألة هنا فارق توقيت فقط، لكنه ليس صعب على الله.
ماذا صار هنا؟ صارت هنا ظاهرة عكوسية، وصارت تفاعلات كيميائية وهرمونات عند زوجة زكريا عليه السلام أعادت لها مستوى كفاءة التبييض كأنها بنت 40 أو 35، إذن ممكن وليس مستحيل، إذن ليس هناك شئ اسمه معجزة، بالعلم والفلسفة والمنطق هي مستحيل، هذا كلام فارغ.
هناك مثال آخر، يقول الله تبارك وتعالى: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى}، هذا مثل الفنجان الذي تكسَّر، فهذه ظاهرة عكوسية بقدرة الله، ربما تقول معجزة، نعم بلا شك، لكن هل هي مستحيل؟ لا علمياً ليس مستحيل، رياضياً وعلمياً ليس مستحيل ولكن يحتاج إلى زمن هائل جداً، القرآن يعرض لهذه الأمثلة في شكل معجزات ولكنها ليست مستحيلة، واحد يقول أستطيع أنا أن أفعل، لا، عليك هي مستحيل، على العلم أيضاً مستحيل، أقصد مستحيل بالمعنى الفلسفي، ما هو المستحيل الفلسفي؟ الذي يقوله العقل أنه يوجب التناقض، إنه لا يصير ولو صار يعنى ذلك أن العقل نفسه يفكر بطريقة خطأ ونفقد الثقة به، هي ليست مستحيلة بالمعنى المنطقي ولكنها مستحيلة عادة، وسأبسطها لك، هل تستطيع أنت الآن أن تذهب إلى كوكب المريخ مستحيل، كيف مستحيل، فعلى المستوى العلمي راحوا من زمان والآن يفكروا كيف يستعمروا المريخ، إذن علمياً ليس مستحيل، إذن منطقياً غير مستحيل، هناك أشياء مستحيلة عادة ومستحيلة علمياً ولا تكون مستحيلة منطقياً.
والآن نعود لرواية سكوت فيتزجيرالد، مستحيل علمياً أن تحدث، على الأقل في كوكبنا هذا، تعرف لماذا؟ أنا الآن سأسألك لو أن إنساناً بعد أن بلغ الشيخوخة شاءت إرادة الله أن يعود إلى الشباب والصبا والطفولة، أي ينعكس زمانه، هل يمكن أن يحدث هذا في الكون الذي نعيش فيه؟ مستحيل، فحسب مبادئ الفيزياء الحديثة إلى الآن لا يستطيع أن يتصل بالكون من حوله إطلاقاً ولا نحن نتصل به ولا نراه ولا يرانا، لماذا؟ لأن زمانه سيصبح مضاداً لزماننا، لأن الضوء الخارج منه لابد أن يكون في اتجاه عكسي، لو افترضنا أنك رأيته وتريد أن تكلمه وتقول له يابنيامين مثلاً فإنه لن يسمعك، لأن أمواج الصوت الخارجة من فمك بالنسبة له ستكون داخلة في فمك، وهو لن يراك، سيرى بقعة ظلماء لأن الضوء الساقط عليك والمفروض أن ينعكس على عينيه على الشبكية سيكون بالعكس راجع إليك، إذن بنيامين هذا لو انعكس زمانه ليعود إلى الشباب والطفولة فلن يعيش كما قال فيتزجيرالد أي يتزوج ويدخل الجامعة ..الخ، هو سيعود ولكن إلى كون مظلم صامت أشبه بالعدم.
ما أحسن كلمة سقراط عميد فلاسفة اليونان: "لولا خشيتي أن يقول أهل أثينا أنني متكبر ومغرور أدَّعي كل شئ لقلت أنني لا أعلم شيئاً"، والمفروض أن يقول العكس، لماذا؟ لأن الذي يقول لا أفهم شئ فإنه ينم عن عقلية جبارة بعكس الذي يقول إنني أفهم كل شئ.
في علم الكونيات الحديث يفترض العلماء أن هناك أكوان نقيضة، بمعنى أن كوننا له كون نقيض، ومعنى نقيض أن سير الأحداث لديه يسير عكس كوننا، وهذا ما يسمونه بـ "صورة المرآة"، ربما يسأل سائل هل يمكن أن نراه؟ مستحيل، لأن الضوء المنعكس من أي كوكب لن ينعكس في اتجاهك ولكن في اتجاه آخر، والماضي لديهم هو المستقبل لدينا، المستقبل لديهم هو الماضي لدينا، وكيف عرف العلماء ذلك؟ بالرياضيات والمعادلات والدراسات، ولكها معرفة نسبية.
لدينا مفهوم شائع هو مفهوم التواقت أو التزامن، حسب تصور نيوتن للزمان المطلق الموضوعي، هل ممكن أن يكون التواقت في كل أجزاء الكون بمعنى أنه يمكن أن تقع حادثة في الشعرة اليمنية وتقع في كوكب الجبار وتقع على الأرض في نفس الوقت؟ في أي وقت؟ قال أينشتين في أي وقت، عن أي وقت نتحدث؟ عن وقت الله إن جاز هذا التعبير أي قوة مهيمنة فوق كونية، ممكن أو غير ممكن؟ هذه مسألة معقدة، دعنا نتحدث عنها بعد ذلك، قال أينشتين عن أي وقت نتحدث، المسألة ليست كذلك، ربما تقول هناك وقت معين مش شرط أن يكون وقت الشمس، اللحظة هذه، كأن في الكون زمان ينساب، هذا كلام غير صحيح، هناك زمان تجريد ذهني بأثر تتابع الحوادث، وعندما تتابع الحوادث، متى يمكن أن تحدث في نفس الوقت؟ في نظام متصل، فإذا كان هناك إمكانية للتواصل السريع ولكنه ليس آني ولكن أشبه بالآني ممكن أن نقول بمفهوم التزامن والتواقت، أما إذا كان هناك نظامان غير متواصلين مستحيل أن نقول أن هناك تواقت، كيف ذلك؟
إذا كان هناك شخص في نيويورك يرفع السماعة ويهاتف شخص آخر في لندن، فنقول تجاوزاً أنهم تكلموا في نفس اللحظة نظراً لأنهم ينتميان إلى نظام شمسي واحد، فنقول أن هناك إمكانية تواصل بينهما، لكن المسألة تصير أعقد لو أن واحد كلَّم واحد على كوب آخر يبعد عن كوكبنا سنة ضوئية، فلو أراد أن يكلمه بإشارات تسير بسرعة الضوء، علشان يقول يافلان فإن هذه الكلمة سوف تصل بعد سنة للطرف الآخر، وحينما يسمعها ويرد ويقول نعم، سوف تصل أيضاً بعد سنة، بمعنى أنهم لو أرادوا أن يتبادلوا أقل الكلمات لاحتاجوا إلى 15 أو 16 عاماً على الأقل، لأنهم صاروا في نظامين وأصبح هناك تباعد شديد وعدم التواصل.
إذن مسألة التوقيت نضع لها اعتبار، فلو سألت أحد هل تراني الآن في نفس اللحظة؟ تقول نعم، مش صحيح أنت لا تراني في نفس اللحظة، تراني بعد باستمرار، كيف أراك أنا؟ عبر الضوء عندما ينزل على الشبكية فينعكس عليك فأراك، وهل الضوء وسرعته مطلقة؟ لا محدودة، فهي 186 ألف ميل/ثانية أو 300 ألف كيلو/ثانية، لذلك فإن في عالم الفلك والأضواء العليا يظهر الضوء أنه ضعيف ويحتاج لوقت هائل، هناك أشياء تبعد عنا 15 بليون سنة ضوئية، أي أن الضوء يسير 15 ألف مليون سنة حتى يصل إلينا، إذن سرعته ليست مطلقة بل محددة، ونقصد بالمطلقة الذي ليس نهائياً، ومعناه أنك لو تبعد عني بمقدار متر واحد يلزمك أن تقول متر تقسيم 300 ألف كيلو وكل كيلو فيه 1000 متر× 1000 أي 300 مليون، معنى ذلك أنني أراك بعد 1 على 300 مليون من الثانية، ولو كنت تبعد عني ثلاث أمتار تصير العملية أعقد، فسوف أراك بعد 3 من مليار من الثانية ..الخ وهلم جر حسب البعد.
لو قال شخص ما أن هذا الكلام غير صحيح لأنني أرى هذا مثل ذلك، أرى القريب مثل البعيد، طبعاً لأن الجهاز الفسيولوجي والشبكية لدى الإنسان لا تستوعب هذه الفروق الزمنية الضئيلة، فإذا كان تردد الأشياء أو المشهد أمام العين أكثر من 16 مرة في الثانية فإنها لا تستطيع أن تراه، هناك علاقة وطيدة جداً نسيجية رحمية بين الزمان والحركة.
هل زمان الجسم الثابت كزمان الجسم المتحرك؟ نيوتن قال نعم، أما أينشتين فقال لا، الرياضيات تنبئني بعكس ذلك فالجسم كلما سار بسرعة أكبر تباطء زمانه، ولذلك قانون زمان الجسم المتحرك:
زمان الجسم المتحرك = زمان الجسم الثابت 1 _ مربع سرعة الجسم
مربع سرعة الضوء
كما قال إن الجسم كلما زادت سرعته زادت كتلته، وقد درسنا من قبل أن الكتلة لا تتغير أما الوزن فيتغير، فوزن جسم على الأرض غير وزنه على كوكب المشترى، فعلى المش
https://www.facebook.com/Dr.Ibrahimadnan
https://scontent-a-cdg.xx.fbcdn.net/...61&oe=550ADE81
يأتي في آخر الزمــان قوم: حدثــاء الأسنان، سفهاء الأحــلام، يقولون من خير قــول البــرية ، يقتــلون أهل الإسلام ويدعون أهـل الأوثان، كث اللحيـة (غزيرو اللحيــة)، مقصرين الثيــاب، محلقيــن الرؤوس، يحسنون القــيل ويسيئون الفعــل، يدعون إلى كتاب الله وليسوا مــنه في شيء.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذين يحملون هذه الصفات:
يقرأون القرآن لا يتجـاوز حنــاجرهم، يمــرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرَّميَّــة، فأينما لقيـتموهم فاقتــلوهم، فإن قتــلهم أجر لمن قتــلهم يوم القــيامة. قال النبي عليه الصلاة والسلام: فإن أنـا أدركتهــم لأقتــلنهم قتــل عاد.
مصــادر الحديث:
===========
صحيح بخارى - صحيح مسلم-مسند احمد بن حنبل - السنن الكبرى للنسائى- السنن الكبرى للبيهقى - الجمع بيين الصحيحين بخارى ومسلم - كتاب الأحكام الشرعية الكبرى - سنن أبى داود
يأتي في آخر الزمــان قوم: حدثــاء الأسنان، سفهاء الأحــلام، يقولون من خير قــول البــرية ، يقتــلون أهل الإسلام ويدعون أهـل الأوثان، كث اللحيـة (غزيرو اللحيــة)، مقصرين الثيــاب، محلقيــن الرؤوس، يحسنون القــيل ويسيئون الفعــل، يدعون إلى كتاب الله وليسوا مــنه في شيء.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذين يحملون هذه الصفات:
يقرأون القرآن لا يتجـاوز حنــاجرهم، يمــرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرَّميَّــة، فأينما لقيـتموهم فاقتــلوهم، فإن قتــلهم أجر لمن قتــلهم يوم القــيامة. قال النبي عليه الصلاة والسلام: فإن أنـا أدركتهــم لأقتــلنهم قتــل عاد.
مصــادر الحديث:
===========
صحيح بخارى - صحيح مسلم-مسند احمد بن حنبل - السنن الكبرى للنسائى- السنن الكبرى للبيهقى - الجمع بيين الصحيحين بخارى ومسلم - كتاب الأحكام الشرعية الكبرى - سنن أبى داود
من مواضيعي
0 لكل اعداء الحكومات
0 لكل اعداء الحكومات
0 نعم او لا
0 يا محمد امتك ما احمدت
0 ايها الغبي هل تصفحت القرءان..؟
0 اللغة
0 لكل اعداء الحكومات
0 نعم او لا
0 يا محمد امتك ما احمدت
0 ايها الغبي هل تصفحت القرءان..؟
0 اللغة
التعديل الأخير تم بواسطة بنالعياط ; 29-01-2014 الساعة 09:10 PM







