طريق الايمان (2)
01-04-2007, 06:03 PM
السلام عليكم وبعد :

لقد تناولنا في الحلقة الاولى كيفية ايجاد نهضة صحيحة عن طريق تبني فكر بديل يكون بمثابة الاساس الذي تبنى عليه هذه النهضة، والذي لا يتم الا بحل العقدة الكبرى لدى الانسان وبحلها يتم ايجاد ما يسمى بالعقيدة التي أطلقنا عليها مصطلح الفكرة الكلية عما وراء هذا الكون والانسان والحياة وعلاقة هذه الاشياء بما قبلها وما بعدها، وقلنا بأنها هي القاعدة الفكرية التي تبنى عليها جميع الافكار عن الحياة. كما اشترطنا في هذا الحل شرطين هامين لا بد من توفرهما حتى يكون هذا الحل حلا صحيحا يستطيع ايجاد نهضة صحيحة والذي الا وهو :
ـ أن يكون هذا الحل موافقا لفطرة الانسان أي مشبعا لغريزة التدين الموجودة فيه.
ـ وأن يكون هذا الحل مقنعا للعقل فيملأ القلب طمأنينة.
وقد استنتجنا من خلال إعمال الفكر والعقل أن لهذا الكون والانسان والحياة خالق مدبر أوجد كل شيء من عدم والا لما كان خالقا وهو الله جلت قدرته. وفي هذه الحلقة سنتطرق لاثبات نبوة محمد عليه الصلاة والسلام ولاثبات أن القرآن كلام الله تعالى :
رغم وجوب استعمال الانسان العقل في الوصول الى الايمان بالله تعالى فإنه لا يمكنه إدراك ما هو فوق حسه وفوق عقله، وذلك لأن العقل الانساني محدود، ومحدودة قوته مهما سمت ونمت بحدود لا تتعداها ولذلك كان محدود الادراك، ومن هنا كان لا بد أن يقصر العقل عن ادراك حقيقة ذات الله، لأن الله وراء الكون والانسان والحياة، والعقل في الانسان لا يدرك حقيقة ما وراء هذه الاشياء ولذلك كان عاجزا عن إدراك ذات الله. ولكن قد يقول القائل هنا : كيف امن الانسان بالله عقلا مع أن عقله عاجز عن إدراك ذات الله ؟ لأن الايمان إنما هو ايمان بوجود الله ووجوده مدرك من وجود مخلوقاته، وهي الكون والانسان والحياة. وما دامت هذه المخلوقات داخلة في حدود ما يدركه العقل، فأدركها وأدرك من إدراكه إياها وجود خالق لها، وهو الله تعالى. ولذلك كان الايمان بوجود الله عقليا وفي حدود العقل، بخلاف إدراك ذات الله فإنه مستحيل، لأن ذاته الكريمة وراء الكون والانسان والحياة، فهي وراء العقل. والعقل لا يمكن أن يدرك حقيقة ما وراءه لقصوره عن هذا الادراك. وهذا القصور نفسه يجب أن يكون من مقويات الايمان، وليس من عوامل الارتياب والظن والشك. فإنه لما كان ايماننا بالله اتيا عن طريق العقل كان إدراكنا لوجوده إدراكا تاما، ولما كان شعورنا بوجوده تعالى مقرونا بالعقل كان شعورنا بوجوده شعورا يقينيا، وهذا كله يجعل عندنا إدراكا تاما وشعورا يقينيا بجميع صفات الألوهية. وهذا من شأنه أن يقنعنا أننا لن نستطيع إدراك حقيقة ذات الله على شدة إيماننا به، وأننا يجب أن نسلم بما أخبرنا به مما قصٌر العقل عن إدراكه، وذلك للعجز الطبيعي عن أن يصل العقل الانساني بمقاييسه النسبية المحدودة إلى إدراك ما فوقه. إذ يحتاج هذا الادراك إلى مقاييس ليست نسبية وليست محدودة، وهي مما لا يملكه الانسان ولا يستطيع أن يملكه.
وأما ثبوت الحاجة الى الرسل ، فهو أنه ثبت أن الانسان مخلوق لله تعالى، وأن التدين فطري في الانسان، لأنه غريزة من غرائزه، فهو في فطرته يقدس خالقه، وهذا التقديس هو العبادة، وهي العلاقة التي تربط بين الانسان والخالق وهذه العلاقة اذا تركت دون نظام يؤدي تركها إلى اضطرابها والى عبادة غير الخالق، فلا بد من تنظيم هذه العلاقة بنظام صحيح، وهذا النظام لا يأتي من الانسان لأنه لا يتأتى له إدراك حقيقة الخالق حتى يضع نظاما بينه وبين الخالق، فلا بد من أن يكون هذا النظام من الخالق. وبما أنه لا بد أن يبلٌغ الخالق هذا النظام للانسان، لذلك كان لا بد من الرسل يبلٌغون الناس دين الله تعالى.
والدليل على حاجة الناس الى الرسل هو أن الانسان بحاجة الى إشباع غرائزه وحاجاته العضوية حتى يعيش، وهذا الاشباع اذا سار دون نظام مصدره الوحي يؤدي الى الاشباع الخطأ أو الشاذ ويسبب شقاء الانسان مثل اشباع غريزة النوع عن طريق اللواط والسحاق والزنا كما يحدث عند الرأسماليين بوضعهم نظاما مصدره العقل وليس الوحي الالهي ، فلا بد اذن من نظام ينظم سلوك الانسان، وهذا النظام لا يأتى من الانسان، لأن فهمه لتنظيم غرائزه وحاجاته العضوية عرضة للتفاوت والاختلاف والتناقض والتأثر بالبيئة التي يعيش فيها، فما يراه الانسان خيرا اليوم قد يراه شرا في يوم اخر، فإذا ترك ذلك له كان النظام عرضة للتفاوت والاختلاف والتناقض وأدى إلى شقاء الانسان كما نرى في هذا العصر، فلا بد اذن أن يكون النظام من عند الله جلت قدرته.
وأما ثبوت كون القرآن من عند الله، فهو أن القرآن كتاب عربي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام. فهو إما أن يكون من العرب وإما أن يكون من محمد، وإما أن يكون من عند الله تعالى. ولا يمكن أن يكون من غير واحد من هؤلاء الثلاثة، لأنه عربي اللغة والأسلوب.
ـ أما أنه من العرب فباطل لأنه تحداهم أن يأتوا بمثله :(قل فأتوا بعشر سور مثله)، (قل فأتوا بسورة مثله)، وقد حاولوا أن يأتوا بمثله وعجزوا عن ذلك. فهو اذن ليس من كلامهم، لعجزهم عن الاتيان بمثله مع تحديه لهم ومحاولتهم الاتيان بمثله.
ـ وأما أنه من محمد فباطل، لأن محمدا عربي من العرب، ومهما سما العبقري فهو من البشر وواحد من مجتمعه وأمته، ومادام العرب لم يأتوا بمثله فيصدق على محمد العربي أنه لا يأتي بمثله فهو ليس منه، علاوة على أن لمحمد عليه الصلاة والسلام أحاديث صحيحة وأخرى رويت عن طريق التواتر الذي يستحيل معه إلا الصدق، واذا قورن أي حديث بأية آية لا يوجد بينهما تشابه في الاسلوب، كما كان يتلو الاية المنزلة ويقول الحديث في وقت واحد، وبينهما اختلاف في الاسلوب، وكلام الرجل مهما حاول أن ينوعه فإنه يتشابه في الاسلوب، لأنه صادر منه، وبما أنه لا يوجد أي تشابه بين الحديث والاية في الاسلوب فلا يكون القرآن كلام محمد مطلقا، للاختلاف الواضح الصريح بينه وبين كلام محمد عليه الصلاة والسلام. على أن العرب قد ادعوا أن محمدا يأتي بالقرآن من غلام نصراني اسمه (جبر)فرد الله تعالى عليهم بقوله :(ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين).
وبما أنه ثبت أن القرآن ليس كلام العرب ، ولا كلام محمد، فيكون كلام الله تعالى قطعا، ويكون معجزة لمن أتى به، وبما أن محمدا هو الذي أتى بالقرآن، وهو كلام الله وشريعته، ولا يأتي بشريعة الله إلا الأنبياء والرسل، فيكون محمد نبيا ورسولا قطعا بالدليل العقلي.
هذا دليل عقلي على الايمان بالله وبرسالة محمد وبأن القرآن كلام الله تعالى.
نكتفي بهذا القدرمن موضوع طريق الايمان (2)أي الحلقة الثانية وسنتبعها بحلقة ثالثة وأخيرة إن شاء الله، والرجاء من الاخوة والأخوات الأعضاء في هذا المنتدى أن يدلو بدلوهم بتعقيب أو إضافة أو تصحيح وهم مأجورين لأن غايتنا من هذه المواضيع هو إرساء عقيدة سليمة تكون لصاحبها بمثل الوقاء الذي يقيه فساد الأفكار الغربية التي لوثت عقول مثقفينا ونخبنا وحتى شعوبنا نتيجة الغزو الفكري. فإلى اللقاء في فرصة قادمة ودمتم في رعاية الله وحفظه والسلام عليكم. ( يتبع )