نونية ابن زيدون
05-06-2008, 10:54 AM
نونية إبن زيدون

أَضْحَى التَّنَائِي بَدِيْلاً مِنْ تَدانِيْنا * * * وَنَابَ عَنْ طِيْبِ لُقْيَانَا تَجَافِيْنَا

ألا وقد حانَ صُبح البَيْنِ صَبَّحنا * * * حِينٌ فقام بنا للحِين ناعِينا

مَن مُبلغ المُبْلِسينا بانتزاحِهم * * * حُزنًا مع الدهر لا يَبلى ويُبلينا

أن الزمان الذي ما زال يُضحكنا * * * أنسًا بقربهم قد عاد يُبكينا

غِيظَ العِدى من تساقينا الهوى فدعوا * * * بأن نَغُصَّ فقال الدهر آمينا

فانحلَّ ما كان معقودًا بأنفسنا * * * وانبتَّ ما كان موصولاً بأيدينا

لم نعتقد بعدكم إلا الوفاءَ لكم * * * رأيًا ولم نتقلد غيرَه دينا

ما حقنا أن تُقروا عينَ ذي حسد * * * بنا، ولا أن تسروا كاشحًا فينا

كنا نرى اليأس تُسلينا عوارضُه * * * وقد يئسنا فما لليأس يُغرينا

بِنتم وبنا فما ابتلت جوانحُنا * * * شوقًا إليكم ولا جفت مآقينا

نكاد حين تُناجيكم ضمائرُنا * * * يَقضي علينا الأسى لولا تأسِّينا

حالت لفقدكم أيامنا فَغَدَتْ * * * سُودًا وكانت بكم بيضًا ليالينا

إذ جانب العيش طَلْقٌ من تألُّفنا * * * وموردُ اللهو صافٍ من تصافينا

وإذ هَصَرْنا غُصون الوصل دانية * * * قطوفُها فجنينا منه ما شِينا

ليسقِ عهدكم عهد السرور فما * * * كنتم لأرواحنا إلا رياحينا

لا تحسبوا نَأْيكم عنا يُغيِّرنا * * * أن طالما غيَّر النأي المحبينا

والله ما طلبت أهواؤنا بدلاً * * * منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا

يا ساريَ البرقِ غادِ القصرَ فاسق به * * * من كان صِرفَ الهوى والود يَسقينا

واسأل هناك هل عنَّي تذكرنا * * * إلفًا، تذكره أمسى يُعنِّينا

ويا نسيمَ الصِّبا بلغ تحيتنا * * * من لو على البعد حيًّا كان يُحيينا

فهل أرى الدهر يَقصينا مُساعَفةً * * * منه ولم يكن غِبًّا تقاضينا

ربيب ملك كأن الله أنشأه * * * مسكًا وقدَّر إنشاء الورى طينا

أو صاغه ورِقًا محضًا وتَوَّجَه * * * مِن ناصع التبر إبداعًا وتحسينا

إذا تَأَوَّد آدته رفاهيَة * * * تُومُ العُقُود وأَدْمَته البُرى لِينا

كانت له الشمسُ ظِئْرًا في أَكِلَّتِه * * * بل ما تَجَلَّى لها إلا أحايينا

كأنما أثبتت في صحن وجنته * * * زُهْرُ الكواكب تعويذًا وتزيينا

ما ضَرَّ أن لم نكن أكفاءَه شرفًا * * * وفي المودة كافٍ من تَكَافينا

يا روضةً طالما أجْنَتْ لَوَاحِظَنا * * * وردًا أجلاه الصبا غَضًّا ونَسْرينا

ويا حياةً تَمَلَّيْنا بزهرتها * * * مُنًى ضُرُوبًا ولذَّاتٍ أفانِينا

ويا نعيمًا خَطَرْنا من غَضَارته * * * في وَشْي نُعمى سَحَبْنا ذَيْلَه حِينا

لسنا نُسَمِّيك إجلالاً وتَكْرِمَة * * * وقدرك المعتلى عن ذاك يُغنينا

إذا انفردتِ وما شُورِكْتِ في صفةٍ * * * فحسبنا الوصف إيضاحًا وتَبيينا

يا جنةَ الخلد أُبدلنا بسَلْسِلها * * * والكوثر العذب زَقُّومًا وغِسلينا

كأننا لم نَبِت والوصل ثالثنا * * * والسعد قد غَضَّ من أجفان واشينا

سِرَّانِ في خاطرِ الظَّلْماء يَكتُمُنا * * * حتى يكاد لسان الصبح يُفشينا

لا غَرْو فِي أن ذكرنا الحزن حِينَ نَهَتْ * * * عنه النُّهَى وتَركْنا الصبر ناسِينا

إذا قرأنا الأسى يومَ النَّوى سُوَرًا * * * مكتوبة وأخذنا الصبر تَلْقِينا

أمَّا هواكِ فلم نعدل بمنهله * * * شِرْبًا وإن كان يروينا فيُظمينا

لم نَجْفُ أفق جمال أنت كوكبه * * * سالين عنه ولم نهجره قالينا

ولا اختيارًا تجنبناه عن كَثَبٍ * * * لكن عدتنا على كره عوادينا

نأسى عليك إذا حُثَّت مُشَعْشَعةً * * * فينا الشَّمُول وغنَّانا مُغَنِّينا

لا أَكْؤُسُ الراحِ تُبدى من شمائلنا * * * سِيمَا ارتياحٍ ولا الأوتارُ تُلهينا

دُومِي على العهد، ما دُمْنا، مُحَافِظةً * * * فالحُرُّ مَنْ دان إنصافًا كما دِينَا

فما اسْتَعَضْنا خليلاً مِنك يَحْبسنا * * * ولا استفدنا حبيبًا عنك يُثْنينا

ولو صَبَا نَحْوَنا من عُلْوِ مَطْلَعِه * * * بدرُ الدُّجَى لم يكن حاشاكِ يُصْبِينا

أَوْلِي وفاءً وإن لم تَبْذُلِي صِلَةً * * * فالطيفُ يُقْنِعُنا والذِّكْرُ يَكْفِينا

وفي الجوابِ متاعٌ لو شفعتِ به * * * بِيْضَ الأيادي التي ما زلْتِ تُولِينا

عليكِ مِني سلامُ اللهِ ما بَقِيَتْ * * * صَبَابةٌ منكِ نُخْفِيها فَتُخفينا