حتى لا أشفق على الوهراني من أفكار أبي صالح الوهراني
07-01-2015, 07:29 AM
الكاتب:
عبد الرحمان سالم


شد انتباهي في حوار المدعو "أبو صالح الوهراني" مع اليساري المدافع عن فيلم "الوهراني" في برنامج قادة بن عمار..حين قال اليساري: إن القرآن أخبر أن قميص يوسف قد تمزق فانبرى أبو صالح يدافع عن القرآن، ويتهم محدثه بالكذب على الله، ولعابه يتطاير من شدة الصراخ، يحلف بالأيمان المغلظة أن القرآن لم يقل ذلك، ولأن اليساري غريب عن القرآن لم يألفه ولم يألفه، فلم يستطع أن يدافع عن نفسه، ونحن طبعا علينا أن نصدق أبا صالح لأنه يلتف لحية ويلبس قميصا، وذلك من علامات القرب من القرآن..

لقد أخبر القرآن فعلا أن المرأة مزقت قميص يوسف حين قال: "واستبقا الباب وقدّت قميصه من دبر، وألفيا سيدها لدى الباب" من الآية 25 من سورة يوسف.. بل إن شق القميص كان حجة براءة يوسف من إفكها بصريح القرآن "وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قدّ من قبل، فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت وهو من الصادقين"، فلما رءا قميصه قدّ من دبر قال "إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم" الآيات 26،27،28 من سورة يوسف .. وليس أشهر من هذه الآية عند الناس، غير أن داعيتنا هذا يجهلها أو لعله غفل عنها في تلك اللحظة، لأنه لم يكن منشغلا بالقرآن ولا بالدفاع عن القرآن بل كان منشغلا بخصمه وبنفسه يدافع عنها.. وما أخطر أن يختلط على المرء حظ نفسه وحظ ربه فلا يدري عن أيهما ينطق وذلك مسلك خطير يفسد الدنيا ويفسد الآخرة..

لنا أن نتساءل الآن ببساطة من كان يكذب على الله في تلك اللحظة.. ولئن كان في قلب صاحبنا ذرة من خوف من الله فإنه سيبكي الليالي لما بدر منه ويستغفر الله فيغفر له، حين ينشغل بنفسه فيقيمها أولا على منهج الله ويصونها بالحراسة المشددة من جند العلم والعقل، وليس عليه بعد ذلك أن يعلن نفسه على الناس مدافعا عن الحق حين يضبط الحدود بين حظ ربه وحظ نفسه ويعلّمها ..

لم يكن خصمه بريئا بل كان رصينا متأنيا يسحر أمثالي من المشاهدين بهدوئه وهو ابن المجاهدة حين يقول"والفن لا يحمل قيمة بعينها ولا يعبر عنها بل يعبر عن ذاته دون غيرها" -أو هكذا فهمت- أي أنه يعبر عن الحرية المطلقة التي لا تخضع لأي قيد من أي نوع كان .. ولا أعتقد إلا أن العبارة لم تستقم على لسان الرجل لكي يعبر لنا أن الفن يعني الإباحية (من المباح) بدل الحرية التي لا تخضع للقيم مهما كانت شرقية أم غربية وإن كانت القيم في أصلها إنسانية عالمية.. لا تكون إلا الإباحية التي خلق الله الكون عليها قبل أن ينزل الكتب ويرسل الرسالات..

إن فكرة الإباحية التي يدافع عنها صاحبنا لا يؤمن بها الغرب مثل الشرق إن كان لا بد أن نفرق بين الشرق والغرب في هذا الموقف ...

كنت وأنا صغير مولع بمشاهدة أفلام رعاة البقر (الكوي بوي) وترسخ في أعماقي من مشاهدتها أن الرجل الأبيض المتأنق على فرسه صاحب حق يريد أن ينقل الحضارة والتمدن إلى هؤلاء الهنود المتخلفون الذين لا يريدون للحياة أن تهدأ ولا للمدنية أن تستقر بأرضهم فسحقا لهم حين يقتلهم الرجل الأبيض المستنير.. ولكنني حين تكابرت أدركت أن هؤلاء الهنود الحمر ليسوا من طائفة "الفلاقة" بل هم من زمرة المجاهدين وأن الكوي بوي هؤلاء ليسوا من المستنيرين حقا بل هم من زمرة الجيش الفرنسي حين اغتصب بلدي ..

أيستطيع صاحبنا أن يقنعني بغير هذا.. لا أظن ..

إن الفن من أهم الأدوات الفاعلة - في البناء أو الهدم- بما يُشحن به من قيم متخفية لا تنفجر إلا حين يستوعبها لا شعور الإنسان وتستقر في أعماق عقله الباطن، وما أخطأ من قال "اعطني مسرحا أعطك شعبا" حتى يقول صاحبنا "الفن لا يحمل قيما".

ثم إن فكرة الإباحية التي يدعو إليها، فكرة جبانة لا يمكن أن تكون سمة للعظماء أيا من كان الداعي إليها، نظّر لها الذين غلبتهم أنفسهم برغباتها ورغائبها فأخضعتهم بدل أن يخضعوها، بل راحوا ينظّرون لخضوعهم لها ويقيمون له النظم.

أبسّط الهمس فأقول: إن عبقريتك ليست في أن تتحد الناس بأن تفعل نفسك ما تشاء بل عبقريتك في أن تتحد نفسك أنت بقدرتك على أن تحملها على ما تشاء أنت بإرادتك الواعية، فتجعل للعقل عليها سلطانا.. أما الإباحية فلن تنافس فيها كثيرا من خلق الله غير البشر ..

يا ابن المجاهدة، أُكبر رحم الجهاد التي أنجبتك غير أني لا أُكبر الذي تدعو إليه هاهنا فلا أتفه منه في عين الكبار.

وأعود إلى أبي صالح حين اعتبر جهاد المرأة شذوذا.. وقد يكون الشاذ محبب إذا خالف الشائع إلى ما هو أفضل منه، غير أن سياق أبي صالح في الحديث يدل على أنه ينكره ويرفضه.

في فقهكم وفكركم يا أبا صالح ألا يجب النفير العام على كل قادر - دون تفريق بالجنس - حين يُعتدى على الأرض والعرض ..

ثم أين أنت من قول من هو أفضل مني ومنك ـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ أم عمارة التي بُترت يدها في الجهاد لما ضحكت منها بعض النسوة"... ويحكم تضحكون من امرأة سبقها بعضها إلى الجنة"، وهي التي جاهدت من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومع أبي بكر.. الحمد لله أن لم يجعل مثل فكرك مُحكّم فينا وإلا لأحزنت المجاهدات على جهادهن.

يا أخي يا أبا صالح إن الحق لن يعدم الوسيلة للوصول إلى عقول الناس وقلوبهم، وهو في غنى عن صراخنا وعويلنا لأجله فلن ننصره بذلك.

يا أخي يا أبا صالح قد نكون بمسالكنا غير المتجردة دروعا تصد الناس عن الحق بدل أن تصدهم إليه.

يا أخي يا أبا صالح ماذا عليك لو التفت إلى نفسك فاعتكفت على تعليمها وتهذيبها قبل أن تخرج على الناس بدعوتك حتى لا أُشفق على العصاة من الدعاة أمثالك.