دولة المسلمين لا دولة الاسلام.
13-05-2015, 05:18 PM
الدولة الإسلامية وهم أم حقيقة
بقلم : مدار القمر .
لقد أردت أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع , وأنا أعلم مدى حساسيته , لما يمكن أن يثير من غبار, قد يصل إلى حد التكفير, وهنا افتح قوسا ( لأذكر فيه بتحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم, بمغبة من يرمي أحدا بالكفر إن لم يكن كذلك ) , لذلك لا أرى شيئا يثنيني عن قول ما اعتقده من الحق , مع إقراري سلفا , بأن ما أراه صوابا قد يكون غير ذلك , ويكفيني منه أجرا واحدا . ولعله من المفيد أن نبدأ بمقارنة بين مفهوم الدولة ومفهوم الإسلام أولا.
1 إن الإسلام منهج إلهي للإنسان , أما الدولة فهي رؤية بشرية من صنع الإنسان.
2 الإسلام دين لإسعاد الإنسان في الحياة الدنيا والآخرة أما الدولة فغايتها إسعاد البشر في الحياة الدنيا لاغير .
3 الإسلام ديانة ثابتة , والدولة شكل متغير بتغير الزمان والمكان, يموت و يحيى كأي ظاهرة اجتماعية.
4 الإسلام مسؤولية فردية أمام الله أما الدولة فهي مسؤولية جماعية في الحياة الدنيا وفردية للراعي يوم القيامة.
5 إن الدولة بمعنى الحكم تسبق في تاريخ وجودها , ظهور الإسلام , وهي تظل موجودة ولو لم تأخذ به.
إن دلالة هذه المقارنة , تدعو إلى القول , بأن نظام الدولة أمر من أمور الدنيا وليس من أمور الدين .
ثانيا الدولة والمسلم .
إن المسلم, مطلوب منه شرعا التعامل مع ثلاث دوائر.
أ – الدائرة الأولى, دائرة الإيمان, وتعني التصديق بالخبر الذي أخبرنا به الله عن طريق رسوله محمد عليه الصلاة والسلام, عن وجود الله, وملائكته, وكتبه, ورسله, والقدر خيره و شره, واليوم الآخر.
ان هذه الدائرة لا علاقة للدولة فيها بالمعتقد الذي يعتقده الناس حتى وإن أرادت إجبارهم على ذلك , وبالتالي فالإنسان يبقى مطلق الحرية في ان يكون مؤمنا أو كافرا .
ب – الدائرة الثانية , دائرة العبادات , وتعني العمل على تنفيذ أوامر الله تحقيقا لعبودية الإنسان لله وحده من خلال الأركان الخمسة للإسلام , من شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , وإقامة الصلاة , وإيتاء الزكاة , وصوم رمضان , وحج البيت لمن إستطاع إليه سبيلا .
إن هذه الدائرة أيضا كما هو واضح , لا علاقة للدولة بإجبار الناس على ممارسة مناسكها , فإجبارهم عليها يعد في حد ذاته إلغاء لها فالله لا يقبل عبادة المكرهين على عبادته.
ج – والدائرة الأخيرة , دائرة المعاملات , وتعني على وجه الخصوص علاقة الفرد مع بقية الأفراد وما يصلح في الأرض وتتعلق بكل ما تتسع له الأخلاق من مبادئ وقيم , الصدق والوفاء والبر والإحسان ورعاية الجار والإيثار والإخلاص والسعي في الخير والتضحية ووووو إلخ . ونجزم بأن العمل بمثل هذه القيم والمناقب متروك لحرية الإنسان إن شاء سلكه وإن شاء تركه , ولا يمكن للدولة أن تجبره على فعل ذلك إلا بالقدر الذي يحفظ حقوق الغير وفقا للقانون . وإن الإشكال الذي يعترضنا في هذه الدائرة , هو ما يتعلق بما يسمى بالحدود الشرعية وهي خمس حالات , قتل النفس – السرقة – الزنا – قذف المحصنات – قطع الطريق(حد الحرابة) , ولكل من ذلك عقوبة محددة بنصوص قرآنية , وإن عدم الإلتزام بتطبيقها من الحاكم يدخله مباشرة تحت طائلة العصيان أو الكفر , وهنا يتشعب القول في توصيف ماهية ومكنون عدم إلتزام الحاكم أهو كفر بواح أم فسوق وعلى التوصيف يأتي الحكم عليه.
ومن خلف هذه الحدود توجد أيضا ما يسمى بالعقوبات التعزيرية المستمدة من السنة والفقه الإسلامي وما يعتمده الحاكم منها في شكل قوانين وضعية يرجحها وهي في مجملها ما يسمى بأوامر أولي الأمر الواجب إطاعتها بقدر ما هي في طاعة الله .
ثالثا إسلام الفرد لا إسلام الدولة .
إن خير هدي في الإسلام على الإطلاق , هو هدي النبي محمد عليه الصلاة والسلام , وهو القائل : ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة , فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) , وهو القائل :أيضا ) كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته..)
ان مؤدى القولين , يلقي بمسؤولية غرس التدين على الوالدين او من يقوم مقامهما اولا , لتليها فيما بعد مسؤولية الحاكم المسلم من خلال تمكين أفراد المجتمع من تعلم دينهم , وممارسة عبادتهم , وتركهم للاختيار الحر عند بلوغهم سن التكليف , ويعد هذا في نظري أهم الأدوار التي من الواجب على الحاكم القيام به في مجتمع مسلم , فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من عبد يسترعيه الله رعية لم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة ) رواه مسلم, وجاء عنه أيضا (ما من وال يلي رعية مسلمة من المسلمين فيموت وهو غاش لهم ,إلا حرم الله عليه الجنة)رواه البخاري ومسلم. اما بالنسبة للرعية فقد جاء عنه ( ستكون أمراء , فتعرفون و تنكرون , فمن عرف فقد برئ ومن أنكر فقد سلم , إلا من رضي وتابع , قالوا أفلا نقاتلهم ؟ قال لا ما صلوا ) رواه مسلم . وقال في حديث لأبي هريرة ( ستكون خلفاء فتكثر , قالوا فما تأمرنا ؟ قال فوا بيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم , فإن الله سائلهم عما إسترعاهم ) رواه مسلم , وقال كذلك ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلا أن يؤمر بمعصية , فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) رواه مسلم . وقال ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) رواه أحمد وبن ماجة . ان المستخلص من هذه الأحاديث ,هو أن على الحاكم رعاية شؤون المسلمين بما يستطيع , وأن لا يأمرهم بمعصية الله . وأن على الرعية السمع والطاعة للحاكم وقول كلمة الحق نصحا وحجة عليه . وهذا ما يتبين من قول الخليفة أبي بكر رضي الله عنه ( أطيعوني ما أطعت الله فيكم ,فإن عصيته (– أي أمرتكم بمعصية-) فلا طاعة لي عليكم) وكذلك قول الفاروق رضي الله عنه ( لاخير فيكم إن لم تقولوها (– النصيحة وكلمة الحق-) ولا خير فينا إن لم نسمعها ) .
مما تقدم , يتبين لنا أن للمسلم طريق لا يتلازم مع طريق الدولة ولكن يتقاطع معها في بعض النقاط , فللإنسان إذا أراد أن يكون مسلما , فله حرية ذلك بشرط ألا يكون تحت سلطة حاكم يجبر الناس على إتباع دين معين , وهو الأمر الذي أصبح غير موجود في الدول المعاصرة , وعلى الأخص في الدول التي تسمى إسلامية , من هنا نستطيع القول , أن الإسلام لا ينتظر إقامة الدولة الإسلامية حتى يكون موجودا , ولو أنه انتظر ذلك لما وصل الى كل بقاع العالم وهو يواصل إنتشاره بكل هدوء رغم محاولات التشويه التي طالته من بين يديه ومن خلفه.( أبنائه وأعدائه) تحقيقا لحكم الله تعالى (( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله )).
إن الحالمين أو الطامحين أو المتوهمين لقيام الدولة الإسلامية , سيغضبون من كلامي ولا شك , ولكني سأسوق لهم مثلا وعليهم إجابتي , فإذا كان الحاكم كافرا كفرا غير مخرج من الملة أي بمعنى فاسقا سمح ببيع الخمر او لم يطبق حد السرقة ,كما هو واقع من أغلب دول المجتمعات المسلمة , فأنا كمسلم المطلوب مني في ظل حكمه ألا أشرب الخمر أو أسرق, فإن فعلت فمساءلتي امام الله ستكون لماذا شربت أو سرقت , ولا تكون لماذا سمحت ببيع الخمر او لماذا لم تطبق الحد ؟ فذلك سؤال يوجه إلى الحاكم , وهكذا الحال في جميع المحرمات والمنكرات , فأنا كفرد من الرعية تنتهي مسؤوليتي عند الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر إن إستطعت لذلك سبيلا ,ان لم يكن قد قام مقامي آخرون , لأن ذلك فرض كفاية ( الدين النصيحة) .
وخلاصة القول فأنا لست ممن يؤيد الخروج على الحاكم بالسيف لإقامة الدولة الإسلامية بالقوة ,كما يرى المتأولون للآيات القرآنية من سورة البقرة ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) . فبالرجوع الى قول بن عباس رضي الله عنه وهو حبر الأمة , نجده يقول بنزول تلك الآيات في الطائفتين من اليهود ( الذليلة والعزيزة ) عندما أرادتا تحكيم رسول الله في أمر الدية بينهما , وفي رواية علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال( من جحد ما أنزل الله فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم به فهو فاسق ) أخرجه بن جرير وصححه الألباني, وعليكم بالرجوع الى تفاصيل كتب التفسير المعتبرة , وفي النهاية ننصح دعاة تكفير حكام المجتمعات المسلمة بأن يتنبهوا لخطورة الأمر لقول رسول الله عليه الصلاة والسلام ( ... ... ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله ) رواه البخاري . وإن حال المسلم ليس بأحسن من حال الحاكم المسلم, فمن منا من هو منزه عن ارتكاب الخطايا صغيرة كانت أم كبيرة ؟ فلننظر إلى أنفسنا لإصلاحها أولًا , ولنكن كما قال أحدهم ( أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقوم لكم في واقعكم ) أخذا من قول الله تعالى (( لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)).
(( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ظل إذا اهتديتم )) طبعا مع النصيحة وقول كلمة الحق كما تقدم . إنتهى.







