حرب شوارع على جبهة بلا ناصية
28-05-2015, 05:45 AM





حبيب راشدين



للمرة التاسعة يُدعى كوادر جبهة التحرير وممثلون كثر عن قواعدها المحلية للمشاركة في تجديد هياكل الحزب وإعادة انتشاره، وقد سبقتهم نخبة النخبة بالحزب إلى تنشيط فعاليات معركة خنادق بلا بنادق، تريد قسمة كعكة السلطة داخل الحزب حتى قبل أن ينخل طحينها، ويعجن عجينها، وتُطهى داخل المخابز الرسمية للمؤتمر.
ومنذ أول انقلاب علمي دبّره فريقٌ مشترك من الفريقين المتخاصمين اليوم ضد قيادة شرعية للحزب العتيد زمن المرحوم عبد الحميد مهري، لم تتوقف المناورات والمناوشات، بين "الروافض" و"النواصب" من قادة الجبهة، انقسمت بلا رجعة إلى شيع وقبائل متناحرة، الله وحده يعلم كيف أمكن لها ـ مع هذا التشرذم في القيادة ـ أن تصمد في صدارة المشهد السياسي، وتستحوذ على الأغلبية البرلمانية وعلى المؤسسات المحلية المنتخبة.
عشية كل مؤتمر، يصدمنا الحزب العتيد بمشاهد التنابز بالألقاب بين "الروافض من آل البيت" المرضي عنهم من قبل رب بيت السلطة، ومن يناصبهم العداوة والبغضاء في صراع "طائفي" ليس له مذهبٌ ولا شريعة، يلاحق ظل فريسة الإمارة ولو على الحجارة، أغلب شعاراته تحاكي شعار "يا لثارات.. فلان".
فالمؤتمر التاسع لجبهة التحرير كان قد وضعه النقيب القيّم، وضع تحت شعار "إعادة الانتشار والهيكلة" يعد بالتفاتة لمواجهة انكماش قاعدته النضالية، وتراجع وعائه الانتخابي، الذي لن يصمد ساعة في أي استحقاق يغيب عنه المدد من "شياطين" الإدارة المردفين، كما يعد بمراجعة لهياكل الحزب المترهلة، الموروثة عن العصر الذهبي للجبهة زمن قيادة ثورة التحرير، وحتى في الزمن الذي كانت الجبهة فيه تضطلع بدور "الجهاز" قبل أن تصير محض هيكل استقطاب لطائفة محترفة من المنتفعين.
برنامج المؤتمر التاسع، مع تواضعه وخلوده إلى الأرض، يبقى بعيد المنال عند من تابع ورصد انشغال قيادات القواعد بالتهارش على حصص مقاعد المشاركة في المؤتمر، بدل إدارة تفكير جدي ومنتِج لأفكار جديدة في ما عرض عليهم من خطوط لهذا الاستحقاق، وقد غاب عنها إشراكُ القواعد في مراجعة البرامج السياسية للحزب، ربما لأنه لم يعد لها وجودٌ أو حاجة، بعد أن تعودت أحزاب السلطة على المناولة الحصرية لبرنامج الرئيس.
الإحتراب الدائم بين قيادات الحزب يمنعه اليوم من استشراف مستقبله كحزب دائم الحضور عند كرسي عرش السلطة، وهو لا يرى التغيير النوعي الحاصل في مكوّنات القوى الاجتماعية التي بدأ يستند إليها النظام، والتي وجد لها موطئ قدم في التجمع الوطني: الحزب الثاني للسلطة، الذي قد ينتزع من الجبهة وظيفة المناولة الحصرية للسلطة، إذا ما صدقت التسريبات المتواترة حول الشخصية التي يتم الإعدادُ لها بعيدا عن الأضواء لخلافة الرئيس.
وتبقى فراسة زميلنا الكاتب الشاعر أزراج عمر قائمة، حيث أن الجبهة التي رفضت أن "تتعدد" حتى أحيطت بتعددية وافدة من خارج رحمها، وأخفقت حتى الآن في "التجدد" بعد أن مُنحت ربع قرن من النظرة وفرص التربص لمسايرة العهد الجديد، فلم يبق لها سوى الخيار الثالث: "التبدد" الطوعي بالتقسيط المريح ما بين مؤتمرين للتآمر بين الروافض منهم والنواصب.