اللغة العربية ،و حملات الاستشراق والاستغراب
28-08-2015, 10:33 PM
الحلقة الثالثة
اللغة العربية ،و حملات الاستشراق والاستغراب

الأول :-إن المستشرقين الذين أوكلت لهم مهمة التدريس في الجامعات والمدارس، فشغلوا مناصب عليا ، وتولوا مهام جسيمة ، وسيطروا على كراسي الدراسة .. فألفوا كتباً في الدين واللغة ،هي اكبر من علمهم ،نفثوا فيها سمومهم ودسوا فيها أفكارهم ،هذا من جهة ، ومن جهة ثانية أنهم غرسوا في الطلاب والكوادر هذه الأفكار فأشربت قلوب العديد من العرب ,, ومن جهة ثالثة أنشأوا المدارس والجامعات التبشيرية والغربية في بلاد المسلمين وجعلوها أوكاراً لأغراض تجسسية خبيثة كالجامعة الأمريكية في بيروت التي كانت مركزاً للاستخبارات في فترة زمنية .
وقد وجدت تعريفات عديدة تحدد مفهوم الاستشراق وتحاول أن تعطيه أبعاده، و نوه الشيخ بسام عجك إلى أن تعريف الاستشراق مجملاً " هو دراسات وأبحاث قام بها غربيون .. تهدف إلى دراسة العالم الشرقي ولاسيما الإسلامي، دينياً وتاريخياً وحضارة وعادات وشعوباً، بهدف فهم حقيقة الإسلام، وقد نشأت منذ أكثر من ألف سنة في العالم الغربي، ومازالت موجودة حتى يومنا هذا، إلا أنها في الفترات الأخيرة بدأت تأخذ أشكالاً أخرى في الظهور، باسم مستشارين اقتصاديين أو سياسيين أو لغويين يتبعون وزارات الخارجية والاقتصاد والمال والحربية في العالم الغربي، ومهمة هذه الدراسات فهم طبيعة العالم الإسلامي وتوجهات المسلمين، وذلك من أجل التعامل الغربي معهم".

بداية بلا نهاية :ــ
في فترة العصور الوسطى في أوربا ، و الممتدة من 476م ـــ 1600م ، حدث في الوطن العربي الإسلامي أمران مهمان :-
الأمر الأول : الحروب الصليبية الممتدة من ( 489هـ ــ 690هـ) اي ( 1096م ــ 1291م )
لمدة قرنين كاملين انتهت بالإخفاق ، واليأس من حرب السلاح ، ولكنها تركت في نفس الوقت بصيصاً من التنبّه والتيقظ بسبب احتكاكهم المستمر بحضارة راقية غير عادية .
الأمر الثاني :- وقعت الواقعة في يوم الثلاثاء 20 جمادى الأول 857هـ / 29مايو1453م
سقطت القسطنطينية عاصمة المسيحية ، ودخلها محمد الفاتح بالتهليل والتكبير ، واهتز العالم الأوربي هزة عنيفة مليئة بالخزي وممزوجة بالحقد والكراهية والغضب . ومنذ ذلك اليوم ، بدأت أوربا تتغير إلى الأمام ، وبدأ العالم الإسلامي يتراجع إلى الوراء ، فكان أول تراجع هو سقوط الأندلس بعد أربعين عاما فقط من فتح القسطنطينية أي عام 1493م .. ومن يومئذ بدأ الرهبان وتلامذتهم معركة أخرى أقسى من معركة الحرب والسلاح ( معركة العلم والمعرفة )
لقد فتن العالم الشرقي أوربا فتنة لا توصف ، وامتلأت قلوبهم رغبة في امتلاكه ،، وتنبه الملوك والرهبان و عقلاء الرجال إلى سؤال خطير : ما سرّ قوة هذه الحضارة ؟؟ فكان الجواب : إن سرّ قوتها هو في العلم ( علم الدنيا وعلم الآخرة ) .
في ظل هذه الغفلة المطبقة على دار الإسلام ، كانت هناك نهضة هادئة ، سليمة ، بطيئة ، يقوم بها كوكبة من العلماء الذين تنبهوا لضرورتها وأهميتها ، نذكر منهم على سبيل المثال : ــ
البغدادي عبدا لقادر بن عمر ( في مصر ) 1620م ـــ 1683م . صاحب ( خزانة الأدب )
الجبرتي الكبير حسن بن إبراهيم ( في مصر) 1698م ــ 1774م .
المرتضى الزبيدي ( في الهند ومصر ) 1732م ــ 1790م . صاحب( تاج العروس )
الشوكاني محمد بن علي ( في اليمن ) 1760/ ـــ 1834م
هذه النهضة السليمة الهادئة لم يعرفها على حقيقتها غير ( المستشرقين ) فهبوا هبة الفزع ، وسارعوا ينقلون كل صغيرة وكبيرة ويضعونها تحت أبصار ملوك المسيحية الأوربية ورؤسائها ويبصرونهم بالعواقب الوخيمة المخوفة من هذه ( اليقظة ) الوليدة إن تمت .
و الاستشراق جهاز خبيث جاء متخفياً في عباءة العلم والبحث ، ساح في دار الإسلام في تركيا ، وفي الشام ، ومصر ، وفي الهند ... وفي غفلة أهل دار الإسلام عن حقيقة هذه الأشباح الغربية التي تتجوّل في الطرقات وتسير في الشوارع في كل لباس ، في زى التاجر ، وفي زى السائح ، وفي زى الباحث المنقب ، وفي زى طالب العلم ، وفي زى المسلم البسيط .... الخ . فاكتسب هذا الجهاز مع السنين خبرة واسعة عن دار الإسلام ( الحصينة) وصاروا يستخرجون كل شيء عن دار الإسلام عن أحوال الخاصة والعامة ، والعلماء والجهلاء ، والملوك والسوقة ، والجيوش والرعية ، والقوة والضعف ، وتدسسوا حتى أخبار النساء في الخدور ، لم يتركوا شيئا إلا وفتشوه وعرفوه ,.. ومضت سنوات طويلة ، والتقارير ترفع إلى ملوك المسيحية بكل ما يعلمونه عن دار الإسلام ،، وما خبروه وشاهدوه عياناً عن الغفلة المطبقة على دار الإسلام .. فنشأ بفضلهم ( طبقة الساسة ) ، أو من سموا بعد ذلك ( رجال الاستعمار ) .. ... و أكدت التقارير الاستشراقية انه ليس للمسيحية خيار سوى العمل السريع والمحكم .. و اغتنام الغفلة المحيطة بالمسلمين ،، فقد كان الفرق بيننا وبين ما وصلت إليه أوربا الآن هو خطوة واحدة لمن يصل إليها أولاً .

الاستعمار العسكري ومساوئه :ــ

وفي أواخر القرن السابع عشر الميلادي كان أول من حرّض فرنسا على اختراق دار الإسلام في مصر هو الفيلسوف الألماني ( ليبنتز ) ت/ 1716م .... وفي 1/7/1798م تحرك نابليون بجيوشه لاحتلال مصر ،، الذي يسمونه الآن (( عصر النهضة )) وخلف هذا الاستعمار جملة من النتائج السلبية عادت على العرب والعربية منها على سبيل المثال لا الحصر:ـــ
1. سرق المستشرقون المصاحبون للحملة الفرنسية كل نفيس من الكتب ، وكانت القاهرة يومئذ من أغنى بلاد العالم بالكتب ودليل السرقة قائم وموجود في مكتبات أوربا 24، وكان همهم يوم ذاك هو السطو على كتب ( الحضارة ) أولا ، ثم ( التاريخ ) ثم كتب ( الأدب ) فكأن الحملة الفرنسية جاءت لتجريد دار الإسلام في القاهرة من أسباب اليقظة المادية المتمثلة في : الكتب ، والمراجع ، وتصفية العلماء ، وإعدام الطلبة .
2. تصفية البلد من رؤوس العلم , ومن طلبة العلم , لأنهم مصدر المقاومة والصحوة (( فقد فعل هذا السفاح ما لم يفعله جنكيز خان ، إذ كان له في كل يوم خمسة أشخاص يقتلهم في القاهرة وحدها ويطوف برؤوسهم في شوارع القاهرة ، وكان يأمر قواه أن يتشبهوا به ،،، ويرشده المستشرقون أن يختارهم من الطلبة النابهين ورثة علم ( الزبيدي ) و( الجبرتي) ليستأ صلوا جذور اليقظة )) .
. ما كان للاستعمار الغربي بحقده الدفين وخبرته الواسعة .. أن يترك هذه اللغة التي يعرفها معرفة جيدة ويدرك آثارها الاجتماعية والسياسية (( ما كان له أن يدعها تنمو بإيقاعات سريعة تتساوق وإيقاعات النمو الحضاري العام , فأخذ يوجه إليها الضربة تلو الضربة , تارة بقرار سياسي .. وتارة بفتنة عمياء تثير الجدل وتعيق عن العمل .. وتارة باستعمال أبواق لا خلاق لها للترويج للغة مهجورة متخلفة أو للدعوة إلى عامية شائعة ...ففي مصر وجه اللورد كرومر ضربة قوية للعربية ؛ إذ جعل لغة التعليم الرسمي والعالي الإنكليزية ... وفي الجزائر أصدر الفرنسيون عام 1904م قانوناً يمنع أي معلم عربي أن يتعاطى مهنته إلا برخصة وضمن شروط محددة هي :ــ
أ - اقتصار التعليم على حفظ القرآن لا غير .
ب - عدم التعرض لتفسير الآيات التي تدعو إلى التحرر من الظلم والاستبداد .
ج - استبعاد دراسة التاريخ العربي والإسلامي , والتاريخ المحلي وجغرافية القطر الجزائري والأقطار العربية الأخرى .
د - استبعاد دراسة الأدب العربي بجميع فنونه .
ويمكن أن نقول أن ما حدث في مصر والجزائر حدث مثله في سائر الأقطار العربية المستعمرة)) حيث كان التعليم في البلاد العربية المحتلة يتم كله باللغات الأجنبية ( الإنجليزية في مصر والسودان والعراق ) والفرنسية في (سورية وتونس والجزائر والمغرب)، فقد كانت لحظة النفوذ الأجنبي ترمي إلى :
أولاً : تحويل أبجدية اللغات الإقليمية إلى اللاتينية وكانت تكتب أساساً بالحروف العربية ، كما حدث في إندونيسيا وبعض بلاد إفريقية وآسية .
ثانياً : تقديم اللغات الأجنبية في الأقطار الإسلامية على اللغة العربية .
ثالثاً : تقديم اللهجات واللغات المحلية وتشجيعها والدعوة إلى كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية.
رابعاً : ابتعاث الطلاب إلى الغرب لدراسة لغاته، وكان ذلك إيماناً بأن اللغة هي الوجه الثاني للفكر، وأن من يجيد لغة لا بد أن يعجب بتاريخها وفكرها ويصير له انتماء من نوع ما إلى هذه الأمة .
4. محاربة العقيدة الإسلامية ؛ لأن الإسلام يرفض الاعتداء ويحث على محاربة المعتدي (( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )) .
5. مسك الاستعمار زمام الجانب الاقتصادي , والتعليمي بيده ؛ فكانت النتيجة " الفقر و الجهل و المرض " .
حتى إذا انتهى عهد الاستعمار العسكري ــ أو في أثنائه ــ قام ( المستشرقون ) باستكمال بقية المخطط في السنوات التالية , فأخذ نمو العربية يتعثر هنا وهناك في الأقطار العربية كلها .

-ولعل من المناسب هنا أن نذكر أشهر المستشرقين وأهمهم :ــ
لويس ماسينيون كان من أشد الدعاة إلى إحياء اللهجات المحلية وإحلالها محل الفصحى .
دلمور القاضي الإنجليزي , عاش في مصر وألف عام 1902م كتابا أسماه( لغة القاهرة ) .
ويليام ويلكوكس دعا عام 1926م إلى هجر العربية , وترجم الإنجيل إلى اللهجة المصرية يقول : (( إن العامل الأكبر في فقد قوة الاختراع لدى المصريين هو استخدامهم اللغة العربية الفصحى في القراءة والكتابة )). وما يزال أحد الشوارع في حي (الزمالك) بالقاهرة يحمل اسمه .
دنلوب ، قسيس إنجليزي ومبشر خبيث وعاتٍ ،عين في 17 مارس 1897م سكرتيراً عاما لوزارة المعارف ، وكان أول ما فعله هو تفريغ الطلبة من ماضيهم المرتبط بالعربية ، وإثارة القومية الفرعونية البائدة ، فجعلهم في حيرة بين انتمائين : الثقافة العربية الإسلامية ، والانتماء إلى الفرعونية لغة الأجداد الكفار .
ارنولد توينبي ،هاجم العربية ورآها لغة دينية لا تصلح إلا للطقوس الدينية فقط كالصلاة والدعاء شأنها شأن العبرية لغة الكتاب المقدّس .
سبيتا،مستشرق ألماني دعا عام 1880م إلى العامية بدل الفصحى .
غلادستون رئيس وزراء بريطانيا الأسبق يقول: (( ما دام هذا القرآن موجوداً فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق ، ولا ان تكون هي نفسها في أمان )) .
هاملتون جاب يقول : (( إن الغرض من الجهود المبذولة لحمل المسلمين على الحضارة الغربية هو تفتيت حضارة الإسلام وتغيير خصائصها جذرياً عن طريق التعليم ، والإعلام ، والثقافة )).
كيمون مستشرق فرنسي له ( باثولوجيا الإسلام ) قال:ــ(( اعتقد أن من الواجب ابادة خمس المسلمين ، والحكم على الباقين بالأعمال الشاقة ،وتدمير الكعبة ، ووضع قبر محمد وجثته في متحف اللوفر) .
جولد زيهر مستشرق يهودي مجري من أخطر المستشرقين وأشدهم هجوما ، وهو عضو بارز من محرري دائرة المعارف الإسلامية ، ولد 1850م وهلك عام 1921م ، درس في مدارس اللغات برلين ، ليبزج ، فينّا ، رحل إلى سوريا عام 1873م ، تتلمذ على يد الشيخ / طاهر الجزائري ، ثم رحل إلى مصر حتى تضلّع في العربية ، له دراسات في القران و الحديث وعلومه ، والفقه وأصوله , ، آراؤه عفنة ، وبحوثه مسمومة ، وهجومه عنيف على المقررات العلمية الثابتة .
يوسف شاخت أحد محرري دائرة المعارف الإسلامية ، له كتب في الفقه أشهرها ( أصول الفقه الإسلامي ) .
عطية سوريال مصري الوطن ، مسيحي العقيدة ، شديد الحقد على الإسلام . كان أستاذا بجامعة الإسكندرية .
فيليب حتي لبناني مسيحي ، كان أستاذا بقسم الدراسات الشرقية ، كبير الدهاء ، واسع الحيل والمكر ، يخفي حقده على الإسلام بالتظاهر بالدفاع عن القضايا العربية ، كان مشرفاً على الدراسات التي يقدمها الطلاب في التاريخ الإسلامي ، واللغات الشرقية .
اللورد كرومر له كتاب ( مصر الحديثة ) وكتاب ( لغة القاهرة ) , جعل لغة التعليم الرسمية هي الإنجليزية , وقد أشار حافظ إبراهيم إلى محاربة كرومر للعربية بقوله :ـ
(قضيت على أم اللغات وإنه قضـــاء علينا أو سبيل إلى الردى)
هوارد ويلس رئيس سابق للجامعة الأمريكية ببيروت بقول :ــ(( التعليم في جامعتنا ومدارسنا هو الطريق الصحيح لزلزلة عقائد المسلم ، وانتزاعه من قبضة الإسلام ))، ولقد وصل فعلاً خريجو الجامعة الأمريكية ،ممن غُسلت أدمغتهم(من الثقافة الاسلامية) إلى المناصب القيادية في أكثر البلاد العربية .

ونحن لا ننكر دور المستشرقين في الدراسات الإسلامية ، ولكننا نرتاب في نواياهم !!!
- وللحقيقة العلمية ،نتساءل : هل من بين هؤلاء المستشرقين، من اتصف بالموضوعية والإنصاف؟
(( وهنا تقول أستاذه التاريخ د. نجاح محمد في موضوعية الاستشراق: " لا نستطيع أن نقول إن الاستشراق موضوعي بمجمله، كذلك لا نستطيع أن نقول بأنه مغرض بمجمله أيضاً، فالاستشراق لنحكم عليه تماماً يفترض أن نضعه ضمن سياقه التاريخي، وعبر هذه الرؤية نجد أنه احتوى على ثلاثة تيارات:
- الأول:هو استعماري مغرض، يرتبط ببحث الاستشراق الاستكشافي، وبما يريده الغرب المستعمر من الشرق، والمصالح المأمول الحصول عليها من الشرق، وقد دخل هذا الغرض الاستعماري في كل ما يتعلق بأمور الشرق ... اما التيار الثاني للاستشراق، وأصحابه ذوو الاتجاهات الموضوعية، وأصنفهم بين تيارين اثنين للاستشراق، الأول؛هو التيار المعتــدل التو فيقي ،الذي يوفق بين المصالح القومية، التي أصبحت مهيمنة ، لبلاده وبين الموضوعية العلمية.
-أما التيار الثاني؛ هو الموضوعي تماماً، فالحضارة الإنسانية ترتبط حتماً بالموضوعية، التي تستوجب العقل الحر القادر على إنتاج القيم والأحكام الحرة، غير المرتبطة بمصالح شخصية أو دينية أو سياسية أو اقتصادية،وهنا أخص بالذكر المستشرق الفرنسي بيير روسي في كتابه " مدينة ايزيس التاريخ الحقيقي للعرب" ، كما أخص بالذكر المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة المختصة بالحضارة الإسلامية والتي قدمت كتاب " شمس العرب تسطع على الغرب" رسمت فيه صورة رائعة عن الحضارة الإسلامية.) ومنهم المؤرخ الشهير صاحب كتاب " تاريخ الدعوة إلى الإسلام" السير توماس آرنولد ..
الاتجاه الثاني :- تعرضت العربية لضربات قاصمة من الخارج شدت أزرها فتن محرقة من الداخل أوهت عزيمتها ومزقت جسدها من أولئك الأذناب من المستغربين الذين يفكرون بالإنجليزية أو الفرنسية ثم يترجمونه إلى اللغة العربية مثل طلبة المستشرقين ، وبعض الذين يوفدون للدراسة في الخارج وكل متعصبي العرب الذين نبتوا في تربة نصرانية على أصول غربية ، أو متشبعين بالثقافة الغربية ،منهم على سبيل المثال لا الحصر :ــ
رفاعة الطهطاوي : أرسل في بعثة محمد علي إلى فرنسا عام 1826م وكان في الخامسة والعشرين من عمره . (( ذكياً نعم ، نابهاً بين أقرانه نعم ، محبا للعلم نعم ، ولكنه مع ذلك في الخامسة والعشرين من العمر .. غريراً ، طري العود ، جاء من أقصى الصعيد حيث البؤس والضنك إلى قلب باريس بحدائقها وميادينها ومباهجها ... وتم تسليمه إلى أخطر مستشرق وأدهاهم ، انه البارون الفرنسي سلفستر دي ساسي ، فتنوه وجعلوه يشاهد أروع المحافل التي تتألق أنوارها ، فتتألق معها مفاتن النساء ،، انتزعوه من بؤس الصعيد وأزقتها المخربة وقضى في باريس (6) سنوات ، تعلم فيها الفرنسية ، ودرس التاريخ ، والجغرافيا ، والفلسفة والآداب الفرنسية ، وقرأ مؤلفات فولتير ، وجان جاك روسو ، ومونتسكيو ، وتعلم فن العسكرية , والرياضيات )) ،حتى مدرسة الألسن التي أنشأها لم تكن من بنات عبقريته بل بإيعاز ممن درّبوه هناك .. وهذه المدرسة أحدثت صدعاً في ثقافة الأمة وقسمتها إلى شطرين ،، الأزهر في ناحية , و مدرسة الألسن في ناحية , والوظائف طبعا تكون للأخيرة حيث يدرس فيها المستشرقون ))
طه حسين :ــ ديكارتي المذهب ، علماني العقل والفكر ،عاش حياته كلها يحاول إقناع المسلمين والعرب بان لليهود فضلاً على أدبهم وتاريخهم وتراثهم . قال في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" : (( إن السبيل الى ذلك واحدة وهي ان نسير سير الأوربيين , ونسلك طريقهم ؛ لنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها حلوها ومرها )) ووصل به الولاء لمن تتلمذ عليهم أن يقول في صراحة أن مصر لم تكن قط جزءاً من الشرق وإنما كانت جزءا من حوض البحر المتوسط, وان روابطها الفكرية والروحية والثقافية كانت دائما مع أمم البحر الأبيض المتوسط وليست مع الشرق .... تتلمذ على يد المستشرق ( مرجيليوث ) وأشرف على رسالته ( في الشعر الجاهلي ) التي احدثت ضجة في الأوساط الأدبية , وشرخا في الثقافة الاسلامية .
( وقد ذكر الشيخ/ محمود محمد شاكر (( أن الدكتور طه ، قد رجع عن أقواله التي قالها في الشعر الجاهلي بما كتبه في جريدة الجهاد ، وبما صارحني به بعد ذلك ، وصارح به آخرين ، من رجوعه عن هذه الأقوال ).
ولكنه لم يكتب شيئا صريحاً يتبرأ به مما قال أو كتب . وهكذا عادة ( الأساتذة الكبار) يخطئون في العلن ويتبرأون من خطئهم في السرّ )).

ولا تزال آثار السموم الفكرية التي زرعها الاستشراق والاستعمار تبرز على أقلام أتباعهم وأجرائهم المتعاطفين معهم حيث لا فائدة منها سوى الهاء الباحثين عن القضايا الهامة إلى الرد على هذا وتفنيد آراء ذاك . فكم من باحث شغل نفسه ووقته للرد على سعيد عقلة مثلاً , أو على أنيس فريحة , او على سلامه موسى , أو على عبد العزيز فهمي وهذا الأخير شغل مجمع اللغة العربية بالقاهرة ثلاث سنين بمناقشات عقيمة حول الكتابة العربية بالحرف اللاتيني كان يمكن استثمارها في قضايا مصيرية مهمة تخدم الأمة واللغة والدين .(يُتبع)
بلادي و إن جارتْ علي عزيزة ٌ** و قومي و إن ضنوا علي كِرامُ