أسرار وكواليس "المؤامرة العلمية" ضد مهري
31-01-2016, 02:17 AM

حسان مرابط / وهيبة سليماني / سعيد باتول / نادية سليماني



تكشف شخصيات تاريخية وسياسية وإعلامية في الذكرى الرابعة لوفاة المجاهد الكبير، زعيم الآفلان السابق، عبد الحميد مهري، عن جوانب مهمة في حياة الرجل تتعلق بمواقفه الثورية والسياسية والفكرية، وإنجازاته قبل وبعد الاستقلال.. شهادات حية أدلوا بها هؤلاء في ندوة تاريخية عن الراحل التي نظمتها جريدة "الشروق" في مقرها، تقديرا واعترافا به، كشخصية جزائرية لها صيتها على الصعيد الوطني والدولي.

المشاركون في ندوة "الشروق" في الذكرى الرابعة لوفاته أثنوا كلهم على الراحل، عبد الحميد مهري، واعترفوا بجرأته وصراحته في علاج القضايا الشائكة وحنكته في مواجهة المواقف، واصفين إياه بـ"صوت الحكمة والنظرة البعيدة المدى والكلمة البسيطة المفيدة ".

اللواء عبد الحميد مطاطلة:
مهري كان له الفضل في التحاق طلبة تونس بالثورة
اللواء المتقاعد عبد الحميد مطاطلة
أثنى اللواء المتقاعد عبد الحميد مطاطلة، عن دور المجاهد والقيادي السياسي، عبد الحميد مهري، في دفع الطلبة الجزائريين بتونس خلال سنوات 1956 للالتحاق جيش جبهة التحرير الوطني، وقال انه لم يعاشر المرحوم ولكنه سجل له في ذاكراته موقفا لم يمح لحد الساعة، موضحا انه تعرف عليه حينها في تونس، عندما كان المرحوم رئيسا لمقر جمعية الطلبة .
وقال اللواء مطاطلة في تأبينية عبد الحميد مهري في مقر الشروق "لاحظت لهجته الثورية ونشاطه الحيوي. كان يتكلم في كل مرة يجتمع بنا عن الثورة، يحرضنا تحريضا صريحا للالتحاق بها في الجزائر ويعتبر كل طالب يتأخر عن ذلك خائنا".
كان لابد من الالتحاق بالجيش بعد كل هذا التحريض والتشجيع الصريح، يضيف مطاطلة والذي اعتز بموقف المرحوم مهري آنذاك، حيث أكد أنه كان له الفضل في التحاق اغلب الطلبة المتواجدين في تونس بجيش التحرير الوطني في الجبال الجزائرية وذلك بعد إضراب الطلبة سنة 1956.
"لقد كنت طالبا ابلغ من العمري 15سنة أو ربما 16 سنة،عندما صادفته مهري لأول مرة وكنت أذهب من حين لآخر إلى مقر جمعية الطلبة في تونس منذ التحاقي بالدراسة هناك سنة 1954" يقول مطاطلة، والذي حمل لمهري الكثير من الإعجاب والاحترام رغم انه لم يحتك به كثيرا بعد الاستقلال، حيث قال إن التحاقه بالولاية الثانية سنة 1956، لم يسمح له بالاحتكاك كفرد في جيش التحرير بالشخصيات المدنية كغيره من الجنود.
يعتبر اللواء عبد الحميد مطاطلة، أن شخصية عبد الحميد مهري، جعلت منه شخصية بارزة في الحكومة المؤقتة الجزائرية إبان الاستقلال، ومكنه من احتلال مكان مرموق، حيث كان يتابع أخباره عن بعد لغاية توليه مسؤولية أخرى.
ولمح المتحدث خلال حديثه عن القيادي السابق في الآفلان عبد الحميد، إلى أن المرحوم كان من بين الشخصيات السياسية التي أبعدت في فترة حكم بن بلة، حيث ذكر بمقولة هذا الأخير الشهيرة "من لديه كرش كبيرة .. نذبولوا الشحمة".

المستشار الإعلامي لـ "الشروق" علي دراع:
يجب احتضان مبادئ المرحوم مهري وكتابة التاريخ من زاويته الإيجابية
المستشار الإعلامي للشروق
في ختام الندوة التي جمعت رفاق المرحوم عبد الحميد مهري في الذكرى الرابعة لوفاته، دعا علي دراع، المستشار الإعلامي لـ"الشرق"، إلى احتضان المبادئ والأخلاق والأفكار والهوية التي كان يدافع عنها المرحوم عبد الحميد مهري قبل رحيله في الـ30 جانفي 2012. مؤكدا أنّ مهري قال إنّ الهوية لا تبنى بطريقة سريعة بل بشكل تدريجي.
قال علي دراع، المستشار الإعلامي لمؤسسة "الشروق"، إنّ المرحوم مهري كان يؤمن بجزائر الجميع، جزائر لا تشوهها ولا تفتتها الجزئيات، وأنّ ما حدث في الماضي لا يؤثر لأنّ الجزائر والثورة التحريرية أكبر منه. مشيرا في معرض حديثه أنّ التصريحات والتصريحات المضادة الحالية أو التيارات التي عارضت ووقفت ضد المرحوم مهري سابقا لا يمكن أن تزيل الجزائر، قد يعتقد البعض- حسب ما قاله علي دراع، أنّ الجزائر زالت وانقسمت بسبب الجزئيات التي تحدث، لكن الواقع يفند ذلك، من خلال التضامن والالتفاف لكل الأجيال وفي مختلف الفترات. ووجه علي دراع نداء إلى المؤرخين والمهتمين بالتاريخ لأن يكتبوا في الجانب الإيجابي للتاريخ والهوية الجزائرية ويجتنبوا الزاوية السلبية التي قد تنفر جيل اليوم من احتضان هويته ووطنيته.


محمد أزرقي فراد:
المرحوم تحدث بصوت الحكمة في انتفاضة الربيع الأمازيغي
الباحث والبرلماني السابق الدكتور محمد ارزقي فراد
وصف الباحث والبرلماني السابق، الدكتور محمد ارزقي فراد، المرحوم عبد الحميد مهري بالشخصية الشامخة في الأخلاق وحب الوطن، حيث قال إنه عرفه لأول مرة عندما كان مديرا لدار المعلمين بالعاصمة فترة الاستقلال، واعتبره حينها، الأب المربي والمتخلق، اقتدى به عندما كان شابا في الـ16 سنة في دار المعلمين كمدرس مساعد يدرس بالدار، وسجل له موقفا نبيلا، حيث أكد أنه حينها نجح في مسابقة دار المعلمين فالتحق بها، وفي يوم من أيام العطلة الأسبوعية المصادفة ليومي السبت والأحد نهض متأخرا بتخلف عن موعد قهوة الصباح في نادي الدار.
قال فراد، انه تصرف ببراءة الأطفال وقصد منزل مهري بصفته رئيسا لدار المعلمين، وطرق الباب وعندما خرج إليه، اخبره أن المشرفين على مقهى النادي منعوا عنه شرب القهوة والحليب، فرد عليه برزانة ودعاه لشربهما في بيته.
كشف الدكتور، محمد ارزقي فراد، في تأبينية مهري، في مقر الشروق، عن موقفه من حادثة حجز المرحوم في أحد مطارات الخليج، حيث أكد انه وجه سؤالا شفويا حينها لوزير الخارجية الجزائري بصفته نائبا في البرلمان ممثلا لحزب الأفافاس، وكان مهري نائبا عن حزب جبهة التحرير الوطني، قال فراد أن سؤاله الشفوي الذي طالب من خلاله لتحرك الخارجية وحل مشكلة مهري بصفته شخصية وقامة شامخة، حيث احتج كنائب إزاء الصمت الذي انتهجته الخارجية الجزائرية تجاه قضية حجز مهري، وتفاعلت الصحافة مع السؤال الشفوي لفراد.
تطرق المؤرخ، محمد ارزقي فراد، لموقف المرحوم حسين آيت احمد، زعيم حزب الأفافاس، تجاه مهري، حيث قال "سجلت لعبد الحميد مهري العديد من المواقف الشجاعة والتي قلما نجدها في شخصياتنا السياسية، كان حسين آيت احمد يحمل له احتراما كبيرا". ويضيف المتحدث أن انتفاضة الربيع الأمازيغي التي عرفتها منطقة القبائل كانت السبب في كبر شخصية مهري في عينه أكثر من أي وقت مضى.
"كنت حينها أستاذا في التاريخ والجغرافيا في ثانوية بالعاصمة وسعدت كثيرا عندما سمعت عبد الحميد مهري يتحدث عن الأمازيغية بإعجاب في تصريح للإذاعة الألمانية "دوتشي فيلا" يقول الباحث فراد.
ووصف تصريح مهري فيهذه الفترة بـ"صوت الحكمة" الذي جاء في خضم الحملة الإعلامية الشرسة غير المسؤولة حسبه، ضد منطقة القبائل.
يرى الدكتور فراد، أن عبد الحميد مهري، ساهم في الدعوة لسياسة لغوية في الجزائر، حيث اعتبر يضيف، الأمازيغية من الهوية الجزائرية، و قال إنه كان حث على ذلك في محاضرة بالجاحظية.
ويجد فراد في مهري، مثال التواضع، حيث أكد انه رفض ان يكون عضوا مؤسسا في مؤسسة العلامة مولود قاسم نايت بلقاسم، بحجة انه منشغل بالأبحاث، ولما علم أن مهري رئيسا لها غير موقفه، على أساس أن هذا الأخير شخصية شامخة وتواضع لترأسه للمؤسسة التي لم تتحصل على اعتماد.

وزير الاتصال السابق بوكرزازة:
مهري رجل مرحلة التحول السياسي وصاحب الإجابات البسيطة والمقنعة في الأفلان

الوزير السابق للاتصال عبد الرشيد بوكرزازة
اعتبر الوزير السابق للاتصال، عبد الرشيد بوكرزازة، المرحوم عبد الحميد مهري، برجل مرحلة التحول السياسي في الفترة بين 1980 و1889، وقال إنه وضع بصمة في هذه المرحلة واصفا إياه بـ"العلم والقلم والهرم" مضيفا انه المسؤول عن تنظيم الشباب حينها. وقال بوكرزازة "عندما عرفت مهري عن قرب.. عرفته انه ثابت المواقف والوفاء لقيم الثورة التحريرية" ويؤكد ان مهري كان صاحب إجابة بسيطة ومقتنعة واستطاع ان يكون الفيلسوف في طرح جدليات حزب جبهة التحرير الوطني والتي استمر النقاش حولها منذ أحداث أكتوبر 1988.
"عندما جاء على رأس الأمانة العامة للحزب لم يهتم بالتنظيم .. اهتم بالقضايا السياسية وبدأ بأهداف أول نوفمبر" قال بوكرزازة مشيرا إلى انه كان دائما يتساءل "هل وصلنا إلى بناء الدولة والديمقراطية والاجتماعية؟.. هل وضعناها في الإطار الأسمى "الإسلامي؟"، ويهتم بثلاثية "الديمقراطية، الاجتماعية، الإسلامية".
أبدى وزير الاتصال السابق، بوكرزازة أسفه تجاه موقف عبد الحميد مهري أياما قبل وفاته، الغصة التي كانت في حلقه حيث قال إن المرحوم تحدث بحرقة عن عدم تمكنه من التنظيم والحساب في حزب جبهة التحرير الوطني، مضيفا أنه كان يؤمن بهذه الأهداف ويرى أن الشرط لبقائك مناضلا في الحزب هو تجسيدك للأهداف الثلاثة وإنجازها.
"كتاباته ومقولاته القصيرة مقنعة جدا وجدلياته لا تزال محل نقاش" يقول عبد الرشيد بوكرزازة حيث اثني على تجاربه و حنكته السياسية والإعلامية والفكرية، معترفا بلجوئه إليه عندما تولى مهمة وزير الاتصال، حيث يقول "عندما وليت على رأس وزارة الاتصال كان لي جلسة مع مهري، قلت له أعطني تعريفا للاتصال تنور لي الطريق فقال لي الاتصال ظل السياسة .. فأكمل" ويضيف بوكرزازة "وطبعا..لا يستقيم الظل إلا إذا استقام صاحبه".

السفير السابق بن قبي:
"التعليم" جهاد آخر لـ "مهري" بعد الاستقلال
المجاهد السفير السابق صالح بن قبي
تحدث المجاهد، السفير السابق، صالح بن قبي، بكل احترام وتقدير عن المجاهد عبد الحميد مهري، وأنه عرفه في بداية سنوات الاستقلال، وشهد له الكثير من المواقف التي تنم عن بقائه مجندا لبناء وتشييد الجزائر بعد خروج الاستعمار الفرنسي.
قال بن قبي إنه التقى لأول مرة بمهري إبان الاستقلال في اجتماع اليونسكو بباريس وكانت أول مرة تدخل الجزائر اليونسكو، ومنذ ذلك الحين تقرب من مهري خاصة بعد توليه منصبا في وزارة التربية وكان عبد الحميد مهري رئيسا لدار المعلمين، تعاونا على تطوير التعليم وتنوير الأجيال.
"مهري كان بالنسبة إلي مثالا للتواضع، يعرف كيف يغرس القيم وكيف يخطط لنجاح المشروع التعليمي في إطار الهوية الجزائرية الإسلامية"، يقول السفير السابق بن قبي، حيث تطرق إلى العراقيل والصعوبات التي عرفها رفقة المجاهد مهري في ترشيد وتوجيه التعليم بعد خروج الاستعمار الفرنسي، وكيف أن مهري ساهم في النداء الذي وجه حينها إلى البلدان الشقيقة، والاشتراكية، لمساعدة الجزائر في التعليم، حيث قال إن الأردن أرسلت فتيات في سن الزهور لمباشرة مهمة التعليم في الجزائر.
وأكد أن مهري وضع بصمته حتى في مجال التعليم، كما وضعها في الجهاد والسياسة، وأنه كان حريصا على بلاده. وجهاده في قطاع التعليم لم يكن أقلا من جهاده إبان ثورة التحرير الوطني.

قال إن قضية المغرب العربي كانت مقدسة له.. مصطفى نويصر:
"مهري بئر من الأسرار وقدم الكثير للثورة التحريرية "
نوه المؤرخ والأستاذ الجامعي مصطفى نويصر بخصال الفقيد عبد الحميد مهري، لما قدمه من خدمات جليلة ابن الثورة وما بعدها، واصفا إياه بـ"بئر من الأسرار والحقائق" التي لو حفظت أنجزت حولها أطروحات ومجلدات.
وأكد تلميذ المناضل الكبير عبد الحميد مهري، أن الفقيد كانت له علاقات مميزة مع الجميع بغض النظر عن توجهاتهم وأفكارهم، ولا تزال العديد من الحقائق والأسرار التي لم يكشف عنها حين كان على قيد الحياة والمتعقلة بالعديد من المحطات التي مر بها طوال مراحل حياته النضالية، بدءا بالتحضير لتفجير الثورة المجيدة مرورا بمحاولات تحقيق وحدة المغرب العربي الكبير.
وقال نويصر إن قضية المغرب العربي كانت مقدسة جدا لدى عبد الحميد مهري، خصوصا وأنه كان من بين أبرز المناضلين الذين شكلوا النواة الأولى من اجل النضال لتحقيق مشروع اتحاد المغرب العربي الكبير، قبل أن تتفطن السلطات التونسية آنذاك وتعيده إلى الجزائر.
وأضاف المتحدث أن من بين المواقف التي تحسب للفقيد إشرافه على خلايا التنسيق لنقل المتطوعين قصد المشاركة في الحرب ضد اليهود في عام النكبة، ناهيك عن النشاط السري والفعال له في سبيل تشكيل جيش تحرير المغرب العربي مع المجاهد عبد الكريم الخطابي، وهي إسهامات بالغة كشف عنها مبعوث الأخير الهاشمي الطود في مذكراته.
وأثنى المؤرخ مصطفى نويصر كثيرا على الثقافة الكبيرة للفقيد وفصاحته البليغة التي دفعه قادت الثورة إلى إيفاده لخدمة القضية الوطنية بدمشق، حيث عمل كمنسق لجبهة التحرير الوطني بين مختلف العواصم العربية وتحقيق تضامن الرأي العام العربي مع الثورة التحريرية، من خلال تزويد الصحف بكل الأخبار وكذا مقالات كان يكتبها بسامر مستعار يرمز له باسم "عربي" حول أخر الأخبار المتعلقة بالثورة التحريرية، إلى جانب مساهمته في فتح أبواب الجامعات العربية على مصراعيها أمام الطلبة الجزائريين وتقديمه كافة التسهيلات لهم، فضلا عن مسؤوليته الكبيرة في إنجاح عملية تهريب السلاح من بغداد إلى مصر بالتنسيق مع أحمد بن بلة.

عامر رخيلة، عضو المجلس الدستوري سابقا
مهري قامة سامية.. هُمش في وطنه فكان له حضور متميز عربيا

العضو السابق في المجلس الدستوري، عامر رخيلة
قال العضو السابق في المجلس الدستوري، عامر رخيلة، إن عبد الحميد مهري قامة كبيرة مكّن جيلا بأكمله ممن جالسوه من الاستفادة من أفكاره النيرة، رغم ما تعرض له من تهميش في إطار سياسة إحداث القطيعة مع رجالات الحركة الوطنية بعد سنة 1962. وذكر رخيلة أن علاقته بالمرحوم بدأت في السبعينات من القرن الماضي، وتعرف عليه حين كان مسؤولا عن قسم الإعلام بحزب جبهة التحرير الوطني، حيث عشق شخصيته التي لطالما اعتبرها رمزا للاعتزاز، لما امتاز به من خصال حميدة في المختلف الجوانب السياسية والثقافية والحزبية والإنسانية.
ورغم تعبيره عن أسف المتحدث للتهميش والمضايقات التي كان عرضة لها بعد نيل الجزائر استقلالها وعمليات التصفية التي تعرض لها رجالات الحركة الوطنية من طرف الذين تولوا السلطة بعد سنة 1962، وانتهت بالانقلاب عليه بمؤامرة أمنية لإبعاده من الأمانة العامة للحزب واصفا ما تعرض له محاولة لإحداث قطيعة ناجمة عن العقدة التي كانت تتملك أولئك، إلا أن ذلك حسب المتحدث كان فرصة له للإدلاء بدلوه في مختلف القضايا العربية وتمكين الجزائر من أن يكون لها صوت في العالم العربي.

ماجوري تهامي عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
الشيخ شيبان أمرنا باستشارة مهري بشأن التضامن مع فلسطين
كشف عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ماجوري تهامي، أن المرحوم عبد الحميد مهري كان معروفا عنه سداد رأيه وحنكته الكبيرة في معاجلة القضايا المطروحة على مستواها، مشيرا إلى أن الرئيس الراحل للجمعية عبد الرحمان الشيبان أوصاهم مرة بالاحتكام إليه لتقصي رأيه في قضية إرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة في إطار حملة فك الحصار.
وقال ماجوري إن أعضاء الجمعية اختلفوا اختلافا شديدا عند مناقشتهم موضوع إرسال المساعدات الإنسانية نحو غزة والمشاركة في قافلة كسر الحصار، كونه يتنافى مع القانون الأساسي لها، ورغبتهم في تجنب القيام بعمل مواز في عملية كسر الحصار، حينها توجهوا نحو رئيس الجمعية عبر الرحمان الشيبان الذي كان عاجزا عن حضور الاجتماعيات لوضعه الصحي فاوصاهم باستشارة المرحوم عبد الحميد مهري.
وأردف، حين سألنا مهري، أخبرنا قائلا نحن في الثورة كنا نستغل كل ثغرة ضد الاستعما وهو ما حفزنا على تنظيم أول قافلة من نوعها. وقال إن مهري كان يؤمن بمصطلح الدولة الإسلامية، حيث كان يقول إن لكل تصورا عن الدولة الإسلامية لما تحويه هذه الفكرة من قضية الدالة والحريات التي تأصلت في مفهوم الدولة في ديننا الحنيف.
وأكد المتحدث أن مهري كان يقتنع بأن بيان أول نوفمبر جانب مؤسس لمشروع مجتمع، بينما تمثلت مهمة وثيقة الصومام في العمل التنظيمي وتوزيع المهام، مشيرا إلى أنه كان مؤمنا بضرورة رحيل هذا، حيث روى ما دار بينهما، قال لي مرة "الشعب أشعل ثورة ونجح فيها ولكن النظام مات متكئا على منسأته".

رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري:
مهري ظُلم في طريقة تنحيته من الأفالان.. ونتمنى المنافسة السّياسيّة مع أشخاص مثله
أكد رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، معرفته الوطيدة بشخص الراحل عبد الحميد مهري، حيث قال: "عملت تحت قيادته في مؤسسة "القدس" المساندة للقضية الفلسطينية، فكنا نلتقيه لساعات، للاستفادة من تجاربه وخبراته". وحسب مقري، المرحوم مهري كان يقول لنا عندما نجد صعوبة في توصيل الموارد المالية إلى الفلسطينيين عن طريق البنوك الجزائرية: "جئنا من مقاومة مسلحة، لنساند مقاومة، وإذا لم نجد الطرق القانونية لدعم فلسطين، نلجأ إلى الطرق غير القانونية". ومهري كان يُسدي لنا التوجيهات للقيادات الفلسطينية، ومنها حسب محدثنا "المزاوجة بين المقاومة والعمل الدبلوماسي، مع جعل المقاومة الخيار الاستراتيجي". كما كان يحظى باحترام كبير من مختلف الفصائل الفلسطينية.
وتحدث مقري عن لقاءاته بمهري، أثناء جولات الحوار مع الرئيس اليامين زروال، عندما كان يشغل منصب الأمين العام للأفالان، فوصفه "بالمحاور الحكيم والشرس والقوي، الذي تظهر عليه علامات الصدق أثناء الدفاع عن الديمقراطية". ومما يذكره أن مهري قال للشيخ محفوظ نحناح، عندما شكا إليه الأخير سطوة النظام: "يخطئ النظام عندما يعتقد أن إضعاف الأحزاب يقوي النظام". واعتبر محدثنا أن مهري "ظُلم" في طريقة تنحيته من الأفالان، ومع ذلك قال فيه عبد القادر حجار، يقول مقري: "أنا قدت الانقلاب على مهري، ليس لأنه لم يكن في المستوى... لا يوجد على الإطلاق من هو في مستوى مهري في النضال والتاريخ والكفاءة... لكنه خرج عن السلطة"، ليختم: "كم نتمنى أن نتنافس مع أحزاب يقودها أشخاص مثل مهري".

المفكر صالح عوض:
عبد الحميد مهري قائد فلسطيني بامتياز
التقيت الأستاذ المرحوم عبد الحميد مهري، مرات عدة كان أولها في أوائل التسعينات، عندما كان أمينا عاما لحزب جبهة التحرير.. كانت الظروف العربية ملبدة بغيوم سوداء وفي الأفق عدوان يستهدف البلدان العربية التي كان لها في يوم من الأيام موقف واضح من القضية الفلسطينية.. استمعت إليه مطولا وهو يشرح لي الظروف الدولية وكيف أننا كعرب نواجه تحديا خطيرا يريد العدو من خلاله إخضاع الدول العربية للاعتراف بإسرائيل.. وبعد شرح مستفيض عن الأوضاع، قال لي بكل حزم وبكلمات قليلة: سنقاتل دون الاعتراف بإسرائيل ولن تمر مخططاتهم بتركيعنا للاعتراف بإسرائيل.
رأيته بعدها عدة مرات كنت أراه مهموما بالوضع العربي جملة وبالوضع الفلسطيني خاصة، كان قائدا عربيا كبيرا وقائدا فلسطينيا بامتياز وبعد عودتي من غزة إلى الجزائر بعد عدوان إسرائيل على غزة 2010 زرته في بيته الكائن بحيدرة واستقبلني بترحاب وشوق ليسمع مني أخبار غزة وصمود أهلها في مواجهة العدوان الصهيوني.. وفي هذا اللقاء كشف لي سرا خلف الإعلان عن دولة فلسطين بالجزائر.. قال لي رحمة الله عليه: كنا نتابع المفاوضات الفلسطينية الأمريكية بتونس ومحاولات الأمريكان لتتويه الفلسطينيين فأحببنا أن نضع حدا أدنى يكون مرتكزا للفلسطينيين في عملية المفاوضات المحتملة التي تلوح في الأفق.. فكان إعلان عن الدولة وعاصمتها القدس ونشطنا وبذلنا كل جهد لاعترافات دولية واسعة بالدولة الفلسطينية وهذا ما حدث فعلا، حيث نال الإعلان عن دولة فلسطين أكثر مما كان متوقعا ليتم التفاوض فيما بعد على استحقاقات الدولة وليس عليها.. كنا نتمنى أن يكون التمسك بالدولة قاعدة منتهى من تحقيقها ولا يتم العودة إلى طرحها من جديد.

محمد الصالح حرز الله :
لولا مهري لكنت راعيا.. ومهري كان من طينة الكبار
قال الكاتب محمد الصالح حرز الله إنّه بفضل المرحوم عبد الحميد مهري دخل المدرسة وتعلم وعمل.. ولو لم يكن وقتها ولم يساعده لكان اليوم راعيا بسيدي خالد ببسكرة أو يمتهن شيئا آخر غير العلم والمعرفة والكتابة.
أكدّ الكاتب والشاعر محمد الصالح حرز الله، في الندوة الخاصة، التي أقامتها "الشروق" بمقرها للمناضل السياسي والمثقف والمجاهد عبد الحميد مهري، في ذكرى وفاته الرابعة، التي حضرها مثقفون وسياسيون ورفقاء الراحل، أنّه لن ينسى الموقف الذي قام به المرحوم مهري في حقه على خلفية منعه من إجرائه امتحانا رفقة زملائه بالمدرسة العليا ببوزريعة، حيث تدخل مهري وأنقذهم بل وأدخلهم إلى حجرة الامتحان. ما يعكس حسب حرز الله قوة شخصية مهري وتشبعه بالثقافة والعلم والاهتمام بهما إدراكا منه أنّهما أسس بناء المجتمعات.
وأردف المتحدث ساردا قصة منعهم من إجراء الاختبار: "ذات يوم سمعت أنّه سيجرى امتحان في بوزريعة، فقررت المشاركة، حملت حقائبي مع الشباب، ووقت الامتحان، دخلنا الحجرة ولم يتم مناداتنا لأنّها لا توجد في الرسائل التي أحضرها أحدهم، فكان مهري مدرسا واكتشف الأمر وتساءل عن السبب". يتابع حرز الله حديثه: "لم يكن يعرفنا، قلنا له لم ينادونا، فقال من أين أتيتم، قلنا من الصحراء، وكان عدد المترشحين آنذاك 1500 شخص، يجرون المسابقة وينجح منهم 25 فقط، الأمر الذي يدلّ على إبلاء الثقافة والتعليم عناية خلاصة في تلك الفترة". مشيرا أنّه من بين 7 نجح 4 في الامتحان الكتابي.
وأوضح المتحدث حرز الله أنّ موعد الامتحان الشفهي تزامن مع انقلاب 19 جوان 1965، حيث كان الراحل مهري يطرح الأسئلة علي، فمن بين الأسئلة التي طرحها علي أسئلة "ذكية" مثل: من رئيس الجزائر؟ فردّ حرز الله: لا أعرفه، وسأله سؤالا ثانيا: من هو رئيس مصر، أجاب الممتحن حرز الله أنّه جمال عبد الناصر. هنا- حسب حرز الله- قال مهري: كيف تعرف رئيس مصر ولا تعرف رئيس بلدك، فكانت إجابة حرز الله بأنّ رئيس مصر درسوه في المؤلفات والكتب. ليأتي ردّ مهري بالقول: "أنت شيطان".
وبعد نجاحهم في الامتحان الشفوي شرعوا في الدراسة، حيث كان مدرسوهم قامات كبيرة سواء في الرياضيات أم التاريخ أم الموسيقى أم الفيزياء. وذكر أنّ عبد الحميد مهري تنقل خصيصا إلى سوريا وقتها لإحضار أساتذة ذوي مستوى كبير ومن خيرة المعلمين حرصا منه على تقديم تعليم جيد لأبناء الجزائر. ومن هؤلاء شومان المختص في مادة الرياضيات، رياض العشابي أستاذ في مادة الفيزياء، وفي الموسيقى أحضر صلاح الدين مرسي الموسيقى الشهير وغيرهم.
في السياق، لم يخف المتحدث محمد الصالح حرز الله أنّ العظماء أمثال عبد الحميد مهري تم تهميشهم و"تخوينهم" قائلا: "إذا كان رأي التيارات الأخرى هكذا... فأنا أول خائن، وأعتز أن أكون "خائنا" مع مهري والكولونيل شعباني وحسين آيت أحمد وسي الطيب الوطني "الرئيس الراحل محمد بوضياف". وفي السياق ذاته، أقرّ حرز الله أنّ الوزير الأسبق لوزارة الثقافة والإعلام الراحل مهري كان من طينة الكبار والعظماء وأنّ التيار الذي كان يقف ضده لا يزال يحكم الجزائر إلى غاية اليوم، لكنّنا سنظلّ على خطّ المرحوم مهري.