الطّريقة التي غادر بها والدي الافلان لا تليق بنضاله وتاريخه
31-01-2016, 02:35 AM

حاوره: رشيد ولد بوسيافة

رئيس تحرير مكلف بالمتابعة


قال سهيل مهري نجل الراحل عبد الحميد مهري في هذا الحوار إن مذكرات والده سترى النور قبل نهاية العام الجاري، وقال إن العمل الذي قام به الأستاذ محمد عباس كان منظما ومنهجيا ولكنه لا زال منقوصا، مشيرا إلى أنهم بصدد جمع المزيد من الوثائق والصور والشهادات ليكون العمل في مستوى الراحل، وعبر المتحدث عن حزنه عن الطريقة التي تم التعامل بها مع الوالد خلال تسعينيات القرن الماضي حين غادر الأفلان والتي لا تليق بمقامه وتاريخه.
من هو سهيل مهري؟

أنا سهيل عبد الحميد مهري من مواليد الجزائر العاصمة سنة 1968، درست بالعاصمة إلى غاية بلوغي سن 14 أو 16 سنة ـ لا أتذكر جيدا ـ ثم انتقلت إلى فرنسا حيث كان والدي يشتغل كسفير للجزائر، درست هناك وعدت إلى أرض الوطن سنة 1988 وواصلت دراستي إلى غاية 1992، وبعدها مارست مهنتي كمهندس معماري إلى يومنا هذا .

كيف كان عبد الحميد مهري رحمه الله يتعامل معكم، حدثنا عنه كيف كان في البيت؟

في البيت تسقط الزعامة، هو من كان يفضل إسقاطها ولم يعتبر نفسه زعيما، كان ديمقراطيا، مسؤولا في عمله، أبا عاديا كباقي الآباء، غيابه الطويل عن المنزل كان يجعله محاورا أكثر، ابتعد عن الطفولة وتقلد مناصب في سن مبكرة، هذا ما جعله يحب العائلة والأطفال، وذلك بحكم السيرة النضالية التي تميز بها، كان يقترب أكثر منا لتعويض حرمانه في سنوات الطفولة .

هل كان يتحدث عن الشأن السياسي العام في البيت؟ وكيف كانت مواقفه مما كان يحدث في الساحة السياسية قبل وفاته؟

والدي لخص ما أراد قوله في رسالته الأخيرة لرئيس الجمهورية، والجميع تعرف على الرسالة واطلعوا على أبعادها، اليوم اختلفت الظروف ونترك أهل الاختصاص كي يتحدثوا.

أين وصل مشروع مذكراته؟ ولماذا تأخر نشرها؟

مذكراته قطعت أشواطا هامة، وسبب تأخرها هو أن المرحوم بدأها متأخرا وليس بمبادرة منه ولكن بمبادرة من جهات أخرى حيث أن الدكتور خير الدين حسيب، هو من شجعه ومنحه تسهيلات، وطلب منه تقديم شهاداته وقال إن مركز الوحدة العربية ستنشر هذه المذكرات وكان ذلك سنة ونصف سنة قبل الوفاة، ووقع الاختيار على الأستاذ محمد عباس، قام بالمهمة مع الوالد، وأوصلها إلى ما وصلت إليه يوم وفاته، ولما اطلعنا عليها، أدركنا أن العمل يحتاج إلى المزيد من الجهد، فقد قام محمد عباس بعمل كبير في تفريغ الشهادات مع القيام ببعض التعديلات وقام فعلا بعمل منهجي من خلال تنظيمها وترتيبها، وقد لاحظنا من جهتنا أن بعض الأشياء كانت ناقصة، والوالد كلمنا في بعض المناسبات عن رغبته في إدماج بعض الأشياء التي لم تظهر في الكتاب بالطريقة التي سلمنا إياها محمد عباس، فارتأينا التّصحيح وإعادة ترتيب الكتاب وهذه المهمة أخذت وقتا أكثر مما تصورناه، كان علينا البحث في وثائق الوالد وبعض الصور، لإتمام الكتاب، ولن يكون على شكل أطروحة فقط وإنما أيضا وثائق تاريخية وشهادات لبعض المواطنين، وبالنسبة لشخص مثلي هذا العمل يتطلب وقتا للتمحيص والتدقيق، لا يمكن فقط وضع المعلومات، يجب تحري الدقة وتجنب الهفوات، حاولنا ألا نستعجل حتى تكون لائقة بالمستوى الذي كانت عليه مثلما كان يريدها عندما كان على قيد الحياة، وهذه أسباب تأخر الجلسات.

كم دامت الجلسات مع مهري وهل قال الكثير فيها علما أن الراحل لا يحب الكلام على نفسه؟

اسأله هوـ يقصد محمد عباس ـ ليس لي تفاصيل، ولكن كان يعمل مع الوالد بطريقة ناجعة خاصة وأن صاحب الشهادة كان على قيد الحياة، اليوم المهمة على عاتقنا نحن كمسؤولين تجاه الجزائر، لتكون الشهادات مضبوطة.

أين وصلتم في العمل على المذكرات؟

نحن مع فريق العمل نعيد الترتيب، سيكون عملا متواضعا وليس خارقا للعادة، قد يتضمن نقائص ولكننا سنسرع قدر المستطاع، وأحيطكم علما هنا هو أن القراءة والتصحيح ليسا في متناول الجميع، سنحاول العمل مع الشخص المناسب.

في رأيك لماذا تأخر في جمع مذكراته، بعبارة أخرى لماذا لم يبادر الراحل مهري بكتابة مذكراته عندما كان يتمتع بصحة جيدة؟

من الأسباب هو انشغاله بمستقبل الجزائر وليس ماضيها، كان ينظر للأمام وليس للخلف، شغله المستقبل وتريث في العودة للماضي، ولم تخطر بباله الفكرة من قبل.

هل من تاريخ محدّد لصدور المذكرات؟

أقول للذين ينتظرونها بإذن الله ستصدر قبل نهاية 2016.

هل ننتظر فيها أمورا جديدة أم هي تجميع لما كان يردّده من آراء سياسية؟

من بين الأشياء التي وعد بشأنها والدي مركز الدراسات العربية، هي حصرية مذكراته، لا أستطيع التصرف في هذا الأمر وتسريب بعض ما جاء فيها بحكم التزامه قبل الوفاة، فهي بمثابة وصية، ولكني أعترف أن الوقت مر أكثر من اللازم وأتفق معك أن المذكرات تأخرت، يسكت قليلا ثم يضيف ساخرا "خلي البير بغطاه"

الوالد كان يحب الكتابة أكثر من أي شخص وهناك مشروع لإعادة جمع كل ما كتبه، ونحن نعمل عليه، وهو جمع مقالات مهري ورسائله في كتيب ، هذا الأمر اشتغل عليه الوالد قبل وفاته، ومقالاته نشرت معظمها في الحوار آنذاك التابعة لجبهة التحرير الوطني ثم جريدة "المجاهد".

بالعودة لحياتكم معه وتنقلكم معه إلى فرنسا، كيف كان يوجهكم؟هل كان له تأثير على قرارتكم ودراستكم؟

بالعكس تماما الوالد أعطانا الحرية الكاملة، كانت له ثقة كبيرة فينا وكانت تتبلور في مجال الاختيار الذي كان مفتوحا والدراسة أيضا لم يتدخل بتوجيهنا للاقتصاد أو السياسة، ـ يسكت قليلا ثم يضيف ـ "على كل حال الدراسة المعمارية كان خياري، وكان يوجهنا للتحكم في زمام الأمور".

في شهادة لابن بوضياف، تحدث عن مهري بشكل سلبي عن لقاء الرجلين بفرنسا، هل تابعت ما قاله، وما تعليقك؟

لا أعرف هذه التفاصيل بدقة، ولكن والدي من بين الأشياء التي اشترطها قبل توليه لمهام كبرى، على رأسها سفير الجزائر بفرنسا، وهي أكبر سفارة للجزائر بالنظر للعلاقات الثنائية الاقتصادية والسياسية والتاريخية بين البلدين، من بين ما اشترط آنذاك على الشاذلي هو الحرية التامة في اعتبار أرض سفارة الجزائر بفرنسا مفتوحة لكافة الجزائريين بغض النظر عن أي تفاصيل أخرى.

ربما من هذا المنطلق جاءت تفاصيل اللقاء، ألا تعتقد ذلك؟

والدي رحمه الله فتح باب السفارة أمام كل الجزائريين من بينهم المعارضون وحسين آيت أحمد ضمنهم، هذا ما جعل ردود فعل من هذا النوع تنتشر ولكن بقيت مجرد ردود فعل.

بعد 1992، وما أعقبها من هزات حيث كان مهري على رأس الأفلان، وبعد مجيء بوضياف غاب مهري عن بروتوكلات استقباله في المطار، وقد لفت ذلك انتباه الراحل بوضياف فسأل عنه، هل كان يحدثكم عن تفاصيل ما حدث؟

مواقفه السياسية لم تكن للمناقشة في البيت، وبالفعل لم نكن لنفتح الموضوع معه، لم يتكلم معنا في السياسة، ليس لي اطلاع على هذه التفاصيل، ولكن ما يمكنني قوله هو أن علاقات الوالد مع جماعة بوضياف، كانت طيبة، هو من يقول ذلك في مذكراته، كان يقول "هنالك عشرة مع بوضياف"، ربما يختلفان في بعض الأشياء، ولكن الخلاف لا يفسد الود، لا أتصور خلافات بحجم كبير.

في شهادة له حول بوضياف، قال مهري: لدي ألف دليل أن بوضياف كان يتلقى شهادات خاطئة عن الجزائر، والتسجيل موجود بحوزة الأستاذ لمجد ناصر، ما تعليقك؟

لحد الآن لم أسمع التسجيل حرفيا، لكم حرية التحدث عن مصادركم، وأنا لا أتحدث حتى أسمع، ناصر لمجد أحترمه ولا أشكك في كلامه.. لكني لا أعلق.

كيف كان موقف بوضياف وتفاعله النفسي، مع حادثة اغتيال بوضياف؟

مثل أي جزائري، كان الحادث إحباطا جماعيا ومصيبة كبرى للجزائر، وفقدان أحد أعمدة الجزائر ويمكنك تصوّر الوضع وكيف تحس عندما تفقد أخاك في النضال.

صف لنا كيف عاش ما اصطلح على تسميته بـ"المؤامرة العلمية " للإطاحة به من على رأس الأفلان؟

هي أشياء نراها فقط في خطاباته واليوتيوب ..ربما في خطابه الأخير، مهري تحمّل مسؤولياته التاريخية، كان والدي عمليا ونضاليا يحب الجزائر قبل كل شيء، يحب جبهة التحرير، كان يريد أن تبقى جبهة التحرير كبقية الأحزاب، أن لا تكون غطاء لأي عمل سياسي، أن لا تكون مطية لمن هبّ ودبّ لبلوغ مآرب سياسية أو غير سياسية، كان يعتبر الحزب عملا سياسيا وفق برنامج وليس غطاء لصالح فلان أو فلتان أو نظام معين، فمثل هذه الأمور كان ضدها، وهو ما جعله يصل إلى ما وصل إليه، أما شعوره آنذاك، فهذا يعنيه هو ولا يمكنني أن أصفه لك.

هل يمكن لك أن تصف لنا طريقة مغادرته الأفلان .. على الأقل أخبرنا كيف كان مزاجه في البيت؟

الطريقة التي خرج بها لم تكن تليق بمكانته التاريخية ونضاله الطويل، ولكن مشيئة الله، كل شخص وظروفه والتاريخ سينصف الحقيقة فقط.

ما هي المحطات التي تحتفظ بها له في ذاكرتك كابن لمهري؟

أحتفظ بصورة الأب القدوة، فمن الصعب التحدث عنه، خاصة وإن كان والدك مهري، الشخصية الكبيرة، من عرفه عن قرب يلخصه في البساطة، كان إنسانا بسيطا في متناول الجميع، يقصده الكل في كافة الأوقات، يفتح الباب لكافة الناس، وبسرعة، يكلم من يحدثه ويرد على من يحتاجه، لم يكن بينه وبين أي إنسان أي حاجز من أي نوع، هي من بين الأشياء التي بقيت في ذاكرتي.

من هي الشخصية التي كان مهري يتحدث عنها كثيرا من بين قادة الثورة؟

لم يكن كثير الكلام عن هذه الأمور، ولكن من بين الأشياء التي كان يتحدث ويروي لنا عنها، مساره التاريخي، طريقة خروجه من الجزائر، طريقة رجوعه، من رآهم هناك، لم يكن هناك شخص محدّد أثر فيه، كان يحترم الجميع والجميع يحترمه، بحكم مشواره السياسي، كان مع أعضاء الحكومة المؤقتة، وهو ما خلق نوعا من العلاقة المميزة مع فرحات عباس ومحمد يزيد رحمهما الله، مثل هؤلاء كان لابد أن يذكرهم أكثر من الآخرين وهذا لا يجعل بالضرورة أن علاقته معهم كانت أحسن من الآخرين.
كلمة أخيرة؟

نشكر هيئة تحرير الشروق، كنتم دائما في الريادة لذكر الوالد رحمه الله.