هل العقيدة تتزعزع؟
17-05-2016, 11:53 AM
هل العقيدة تتزعزع؟
د. محمد منصوري
منذ سنوات عديدة وموضوع التعايش وحرية العقيدة يمثل الجزء الأهم من الحوارات السائدة في المجتمع. ربما بسبب الانفتاح الذي واكب التقدم العلمي والمعرفي وتعدد الفضاءات التي تتيح المجال للنقاش وتبادل الآراء بعد أن أخذ موضوع حرية العقيدة بعدا عالميا وأصبح من الحقوق المتعارف عليها دوليا، وربما فقط لأنه من المواضيع الوجودية التي لا يمكننا تجاهلها. من جهة ثانية تبقى مسألة زعزعة العقيدة من الأمور التي يصعب تقبلها واستيعابها في مجتمع متفتح يحترم حرية الفرد ويعامل الناس على أنهم مواطنون كاملي المواطنة وليس على أنهم قاصرون في حاجة إلى مراقبة. لكن قبل الحديث عن حرية العقيدة وزعزعتها هل سبق وتساءلنا عن ماهيتها ومعانيها؟
فالعقيدة إجمالا تعني ما عَقدَ الإنسانُ عليه قلبَه جازما به من الأفكار والمبادئ، وصار بالنسبة له حقا لا يَقبل الشكَّ فيه وإن كان غيره يراه باطلا أو مخالفا للصواب. من هذا نفهم أن العقيدة ليست بالشيء الثابت المستقر ما دامت مبنية من جهة على الأفكار والمبادئ التي تتطور بتطور العقل والوعي، ومن جهة أخرى على القلب أي على الشعور بأحقية الشيء دون أن تعلمه علم اليقين وبالتالي فهي تتغير بتغير الإحساس والشعور. فلم الحديث إذن عن زعزعة شيء غير ثابت لا يحتاج أصلا إلى زعزعة؟
ثم حين نتحدث عن العقيدة فنحن ضمنيا نتحدث عن الإيمان وعن الانتماء لأحد الأديان. وهذا بحد ذاته موضوع يحتاج إلى كثير من التفكر والإمعان. فهل الإيمان لحظة بعينها نتبنى فيها فجأة هذه الأفكار وهذه المبادئ؟ أم أنه عملية مستمرة تتكشف تدريجيا وتتطور إلى أن تصبح عقيدة، حتى أننا لا ندري متى أصبحت كذلك؟ وهل الهوية الدينية أو الانتماء الديني هوية فطرية تأتي مع الولادة كالاسم والنسب؟ أم أنها هوية مكتسبة تتأتى بالبحث الجاد وتحري الحقيقة بنِيَّة صادقة؟
بدأ الموضوع يتشعب والأسئلة تتكاثر وكأني بأحد القراء يتساءل: ما حاجتي بهذه التساؤلات التي لن ينولني منها سوى ضيق في النفس أو صداع في الرأس؟ الأمر فعلا كذلك، فموضوع الإيمان والعقيدة يجلب كليهما معا !! لذلك فمجرد اعترافنا بهذا التعقيد يحثنا على اجتناب تكفير كل من خالفنا أو الاعتقاد بأن أفضل دين هو ديننا. وإذا كان موضوع العقيدة يهمنا حقا ويلامس عمقنا ووجودنا فكيف لنا إذن ألا نتساءل؟
كيف لنا ألا نتساءل عن أصل الأديان ومصدرها؟ كيف لنا ألا نتساءل عن وجود كل هذه الأديان مع بعضها؟ ألسنا جميعا من أصل واحد وإلهنا إله واحد؟ فلم لا يكون دين الله أيضا واحدا؟ أم أنه في كنهه ومقصده كذلك، وإنما اختلاف الأديان في مظهرها لا في جوهرها؟ أليس هذا مرده إلى اختلاف المكان والزمان وتطور الإنسان؟ لماذا نجد إذن كل قوم بما لديهم فرحون وفي كل مناسبة يرددون نحن هم المختارون ونحن هم الفائزون؟ كيف لنا ألا نتساءل لم الخالق عز وجل سيجازينا ويكافئنا على دين تركه لنا آباؤنا وأجدادنا؟ ولم يُحاسَبُ الآخرون ويُعاقبون على دين تركه لهم آباؤهم وأجدادهم كذلك؟ ماذا فعل هؤلاء حتى استحقوا هذا التفضيل وهذا الامتياز؟ وماذا فعل أولئك حتى استحقوا امتحانا صعب الاجتياز؟ أم أننا في نفس الكفة والميزان ما دمنا على نفس القدر من الإيمان؟ وهل الموروث الديني يُعد أصلا من الإيمان؟
أظن أنه لا جدوى من أن نغوص في معاني الكلمات والسياق التاريخي لظهورها وتداولها، ولكن يمكننا طرح بعض التساؤلات البسيطة لعلها تقربنا من فهم الموضوع. فمثلا، من يولد من أبوين يهوديين وفي مجتمع يهودي ما هي حظوظه ليعتنق المسيحية أو الإسلام؟ ومن يتربى في مجتمع هندوسي أو بوذي كيف له أن يختار غير هذه الأديان؟ وحتى بالنسبة لدين بعينه، ينتمي المرء غالبا لمذهب والديه ومجتمعه ويكون مجرد اختيار مذهب أو طريقة مختلفة خروجا عن المألوف وتفريقا للصفوف. فكيف نسمي الأمر إذن عقيدة؟ ومن يتمرد على هذا الوضع السائد ويتحرى الحقيقة بنفسه ويختار دينه أو مذهبه، لماذا تتنكر له جماعته الأصلية وكأنه لم يولد من صلبهم؟ ولماذا تجد الجماعة الدينية التي انضم إليها حديثا ترحب به أيما ترحيب وهو الغريب، وكأنه تربى بين ظهرانيهم؟
وإذا كنا نعيش اليوم مرحلة العالمية حيث لا شيء يعلو على الهوية الإنسانية، فلماذا إذن لا زلنا نتمسك بهوياتنا المتقاتلة؟ لماذا نفضل من يشاركنا نفس العقيدة ونسارع للدفاع عنه ولو كان مذنبا ونتحامل على من خالفنا الرأي والهوية ولو كان محسنا؟ لماذا تزر وازرة وزر أخرى وتجدنا نَكرَهُ إنسانا فقط لأنه من بني فلان؟ أين هو إذن أصلنا المشترك وأين هو عمل الإنسان؟ هل هذا ما ينص عليه الدين حقاًّ؟ أم أن تعصُّبنا هو من يعمينا؟ فالتعصب إذن هو الذي يحتاج إلى زعزعة وليس العقيدة !! التعصب هو الذي يجعلنا نتمسك برأينا ويتركنا نجادل في الأمور ولو عن غير عقيدة. التعصب هو من أنتج القبلية والطائفية والقومية والوطنية المتطرفة، التي تخدم مصالحها على حساب الأوطان المختلفة. التعصب هو الذي يغدي نار الفتنة والعداوة ويجعل التفكير في التعايش أقرب إلى الغباوة. التعصب كان ولا يزال آفة كل العصور والأزمنة، فباسمه وليس باسم الله ارتُكبت المجازر وسُفكت الدماء واستُعبدت أقوامٌ آمنة.
والتعصب مرده الجهل الذي يمكن إزالته من خلال العمليات التعليمية. والمقصود بالعملية التعليمية ليس فقط تحصيل العلوم والمعرفة بل أيضا إيجاد البصيرة الروحانية التي تحفزنا على البناء والتغيير وتنمي فينا الحس بالهدف المشترك. وهذا يشمل التربية الروحانية والتربية على المواطنة والتربية على القيم. فلنزعزع التعصب بالعلم ونجتنب التقليد والخرافة ونبتعد عن الظن ونتحرى الحقيقة بكل حصافة. وما دامت الحقيقة الإلهية واحدة ورسالة الأديان واحدة، ما همنا إن بقيت العقيدة نفس العقيدة أو لبست حلة جديدة؟
تساؤلات عديدة لو تمعنا فيها بعين الإنصاف وبعين الباحث عن الحقيقة سنعيد حساباتنا في كل دقيقة. وبغض النظر عن انتمائنا الديني والطائفي، سنجد أننا في الغالب نؤمن بالخالق الغيب المنيع الذي لا يدركه إنسان، وبأن الهدف من وجودنا ليس طبعا هو الحرب والعدوان. وسندرك حينها أن العمل خير عبادة إذا أنجز بإخلاص، وأن في وحدتنا فقط يكمن الخلاص. سندرك كذلك أن قوى الهدم ليست لها هوية ولا ترعى إلا مصالحها الشخصية، وأن قوى البناء موجودة في كل الأرجاء ولا تحتاج إلى تعريف أو هوية، فالشجرة الطيبة تُعرف من ثمارها وتتزين بها كل برية. ولا يهمنا في الإنسان تَدَيُّنُه بقدر ما يهمنا ما يقدمه للبشرية.
فالعقيدة إجمالا تعني ما عَقدَ الإنسانُ عليه قلبَه جازما به من الأفكار والمبادئ، وصار بالنسبة له حقا لا يَقبل الشكَّ فيه وإن كان غيره يراه باطلا أو مخالفا للصواب. من هذا نفهم أن العقيدة ليست بالشيء الثابت المستقر ما دامت مبنية من جهة على الأفكار والمبادئ التي تتطور بتطور العقل والوعي، ومن جهة أخرى على القلب أي على الشعور بأحقية الشيء دون أن تعلمه علم اليقين وبالتالي فهي تتغير بتغير الإحساس والشعور. فلم الحديث إذن عن زعزعة شيء غير ثابت لا يحتاج أصلا إلى زعزعة؟
ثم حين نتحدث عن العقيدة فنحن ضمنيا نتحدث عن الإيمان وعن الانتماء لأحد الأديان. وهذا بحد ذاته موضوع يحتاج إلى كثير من التفكر والإمعان. فهل الإيمان لحظة بعينها نتبنى فيها فجأة هذه الأفكار وهذه المبادئ؟ أم أنه عملية مستمرة تتكشف تدريجيا وتتطور إلى أن تصبح عقيدة، حتى أننا لا ندري متى أصبحت كذلك؟ وهل الهوية الدينية أو الانتماء الديني هوية فطرية تأتي مع الولادة كالاسم والنسب؟ أم أنها هوية مكتسبة تتأتى بالبحث الجاد وتحري الحقيقة بنِيَّة صادقة؟
بدأ الموضوع يتشعب والأسئلة تتكاثر وكأني بأحد القراء يتساءل: ما حاجتي بهذه التساؤلات التي لن ينولني منها سوى ضيق في النفس أو صداع في الرأس؟ الأمر فعلا كذلك، فموضوع الإيمان والعقيدة يجلب كليهما معا !! لذلك فمجرد اعترافنا بهذا التعقيد يحثنا على اجتناب تكفير كل من خالفنا أو الاعتقاد بأن أفضل دين هو ديننا. وإذا كان موضوع العقيدة يهمنا حقا ويلامس عمقنا ووجودنا فكيف لنا إذن ألا نتساءل؟
كيف لنا ألا نتساءل عن أصل الأديان ومصدرها؟ كيف لنا ألا نتساءل عن وجود كل هذه الأديان مع بعضها؟ ألسنا جميعا من أصل واحد وإلهنا إله واحد؟ فلم لا يكون دين الله أيضا واحدا؟ أم أنه في كنهه ومقصده كذلك، وإنما اختلاف الأديان في مظهرها لا في جوهرها؟ أليس هذا مرده إلى اختلاف المكان والزمان وتطور الإنسان؟ لماذا نجد إذن كل قوم بما لديهم فرحون وفي كل مناسبة يرددون نحن هم المختارون ونحن هم الفائزون؟ كيف لنا ألا نتساءل لم الخالق عز وجل سيجازينا ويكافئنا على دين تركه لنا آباؤنا وأجدادنا؟ ولم يُحاسَبُ الآخرون ويُعاقبون على دين تركه لهم آباؤهم وأجدادهم كذلك؟ ماذا فعل هؤلاء حتى استحقوا هذا التفضيل وهذا الامتياز؟ وماذا فعل أولئك حتى استحقوا امتحانا صعب الاجتياز؟ أم أننا في نفس الكفة والميزان ما دمنا على نفس القدر من الإيمان؟ وهل الموروث الديني يُعد أصلا من الإيمان؟
أظن أنه لا جدوى من أن نغوص في معاني الكلمات والسياق التاريخي لظهورها وتداولها، ولكن يمكننا طرح بعض التساؤلات البسيطة لعلها تقربنا من فهم الموضوع. فمثلا، من يولد من أبوين يهوديين وفي مجتمع يهودي ما هي حظوظه ليعتنق المسيحية أو الإسلام؟ ومن يتربى في مجتمع هندوسي أو بوذي كيف له أن يختار غير هذه الأديان؟ وحتى بالنسبة لدين بعينه، ينتمي المرء غالبا لمذهب والديه ومجتمعه ويكون مجرد اختيار مذهب أو طريقة مختلفة خروجا عن المألوف وتفريقا للصفوف. فكيف نسمي الأمر إذن عقيدة؟ ومن يتمرد على هذا الوضع السائد ويتحرى الحقيقة بنفسه ويختار دينه أو مذهبه، لماذا تتنكر له جماعته الأصلية وكأنه لم يولد من صلبهم؟ ولماذا تجد الجماعة الدينية التي انضم إليها حديثا ترحب به أيما ترحيب وهو الغريب، وكأنه تربى بين ظهرانيهم؟
وإذا كنا نعيش اليوم مرحلة العالمية حيث لا شيء يعلو على الهوية الإنسانية، فلماذا إذن لا زلنا نتمسك بهوياتنا المتقاتلة؟ لماذا نفضل من يشاركنا نفس العقيدة ونسارع للدفاع عنه ولو كان مذنبا ونتحامل على من خالفنا الرأي والهوية ولو كان محسنا؟ لماذا تزر وازرة وزر أخرى وتجدنا نَكرَهُ إنسانا فقط لأنه من بني فلان؟ أين هو إذن أصلنا المشترك وأين هو عمل الإنسان؟ هل هذا ما ينص عليه الدين حقاًّ؟ أم أن تعصُّبنا هو من يعمينا؟ فالتعصب إذن هو الذي يحتاج إلى زعزعة وليس العقيدة !! التعصب هو الذي يجعلنا نتمسك برأينا ويتركنا نجادل في الأمور ولو عن غير عقيدة. التعصب هو من أنتج القبلية والطائفية والقومية والوطنية المتطرفة، التي تخدم مصالحها على حساب الأوطان المختلفة. التعصب هو الذي يغدي نار الفتنة والعداوة ويجعل التفكير في التعايش أقرب إلى الغباوة. التعصب كان ولا يزال آفة كل العصور والأزمنة، فباسمه وليس باسم الله ارتُكبت المجازر وسُفكت الدماء واستُعبدت أقوامٌ آمنة.
والتعصب مرده الجهل الذي يمكن إزالته من خلال العمليات التعليمية. والمقصود بالعملية التعليمية ليس فقط تحصيل العلوم والمعرفة بل أيضا إيجاد البصيرة الروحانية التي تحفزنا على البناء والتغيير وتنمي فينا الحس بالهدف المشترك. وهذا يشمل التربية الروحانية والتربية على المواطنة والتربية على القيم. فلنزعزع التعصب بالعلم ونجتنب التقليد والخرافة ونبتعد عن الظن ونتحرى الحقيقة بكل حصافة. وما دامت الحقيقة الإلهية واحدة ورسالة الأديان واحدة، ما همنا إن بقيت العقيدة نفس العقيدة أو لبست حلة جديدة؟
تساؤلات عديدة لو تمعنا فيها بعين الإنصاف وبعين الباحث عن الحقيقة سنعيد حساباتنا في كل دقيقة. وبغض النظر عن انتمائنا الديني والطائفي، سنجد أننا في الغالب نؤمن بالخالق الغيب المنيع الذي لا يدركه إنسان، وبأن الهدف من وجودنا ليس طبعا هو الحرب والعدوان. وسندرك حينها أن العمل خير عبادة إذا أنجز بإخلاص، وأن في وحدتنا فقط يكمن الخلاص. سندرك كذلك أن قوى الهدم ليست لها هوية ولا ترعى إلا مصالحها الشخصية، وأن قوى البناء موجودة في كل الأرجاء ولا تحتاج إلى تعريف أو هوية، فالشجرة الطيبة تُعرف من ثمارها وتتزين بها كل برية. ولا يهمنا في الإنسان تَدَيُّنُه بقدر ما يهمنا ما يقدمه للبشرية.
من مواضيعي
0 التغذية: نصائح وحيل حول الأكل الصحي اهمالها قد يسبب لنا مشاكل صحية لا نعرف اين سببها؟
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة





