موقف علماء المالكية من الدولة الفاطمية
02-09-2008, 05:10 PM
موقف علماء المالكية من الدولة الفاطمية هذا البحث من مشاركات القراء
بقلم : بن زاوي طارق / باحث
بمناسبة تنظيم معرض خاص حول الدولة الفاطمية في قصر المعارض مفدي زكريا بالجزائر العاصمة ،الذي أقيم منذ شهور قليلة ، تحت عنوان " كتامة و الدولة الفاطمية " ، رأيت أنّه من المناسب أن أبيّن جزءا من تاريخ هذه الدولة الباطنية الرافضية الشيعية التي لم يحدّثنا التاريخ عنها إلا عن مآس و مجازر ارتكبها هؤلاء الشيعة الروافض في حق الأبرياء من أهل السنة من سكان هذه البلاد .
و قبل الحديث عن جرائم الدولة العبيدية لا بأس أن نقف قليلا عند مواقف علمائنا المغاربة من المذاهب العقائدية الكلامية التي انتشرت في المنطقة لا سيما مذهب المعتزلة (1)حيث وصلت فتنة القول بخلق القرآن إلى المنطقة ، فحاربها العلمـاء محاربـة شديدة ، و وقفوا ضـد القائلين بها موقفا صارما ، فمثلا امتنعوا عن الصلاة على من عرف بالإعتزال و كان علماء المغرب مجمعين على ذلك (2) ، و كان الصراع بين أهل السنة و أهل البدع و الأهواء سجالا في أيام الدولة الأغلبية ، فقد طُرِد أهل الأهواء من المسجد الجامع في القيروان ، و كانت فيه حلقا للخوارج والصفرية ، و الذي تولّى طردهم القاضي سحنون (3) .
و بقيـام الدولة الفاطمية الرافضية سنة 297 هـ تشتدّ المحنة على أهل إفريقية و المغرب ، فالعنصر الذي جدّ في مناهضتهم كان قويا ، فبني عبيد إلى جانب كرههم لأهل السنة كانوا حاكمين و عملوا على نشر مذهبهم .
و حاول أبو عبد الله الشيعي(4) مؤسس الدولة العبيدية في أول أمره أن يقنع العلماء بمذهبه و يناظرهم عليه ، و في هذا الإطار فقد تناظر الشيعي مع أبي عثمان سعيد بن محمد بن صبيح الغساني ، فقال له : القـرآن يقرّ بأنّ محمـدا ليس بخـاتم النبيين ، فقال لـه سعيد : أين ذلك ؟ فقال له : في قولـه تعالى " و لكن رسول الله و خاتم النبيّين " (5) ، فخاتم النبيّين غير رسول الله ، فقال سعيد : هذه الواو ليست من واوات الابتداء إنّما هي من واوات العطف ، كقوله تعالى " و هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شيء عليم " (6) ، فهل من أحد غير الله يوصف بهذه الصفات ، و تكلّم عنده يوما ، فغضب من كلامه رجل من كتامة يعرف بأبي موسى شيخ المشايخ ، و قـام إليه بالرمح فمنعه أبو عبد الله من ذلك ، ثمّ عطف إلى أبي عثمان فقال له : يا شيخ لا تغضب ، إذا غضب هذا الشيخ غضب لغضبه اثنا عشر ألف سيف (7) ، و اشتهر سعيد بن محمد بمناظراته و ثباته على الحق ، لذلك عـلا شأنه بين الناس ، أمّا صاحبه أبو بكر بن القمودي الذي كان عـارفا بأصـول المناظرات فلم يدخل في قلوب القوم و لم تكن له المهابة و الإجلال التي كانت لأبي عثمان ، و سبب ذلك أنّه تناظر مع أبي العباس الداعي مناظرة أفحمه فيها ، فجعل أبو عبد الله الشيعي يحرّك له أصبعه و يقول لـه : إنّك لتظهر لأهل البيت ما أرى منك من البغضاء و تنصب في توهين أمرك ما أسمع من حجاجك ، فاضطر الرجل إلى الإعتذار و خاف سفك الدم (8) .
و لمّا خرج أبو عبد الله الشيعي في طلب عبيد الله استخلف أخاه أبا العباس ، فأطلق يد محمد بن عمر المرودي فتصلّب و تكبّر ، و كانت أيامه صعبة جدّا ، و أخاف أهل السنة و ترك أكثرهم الصلاة في المساجد ، و أخذ أموال الأحباس و الحصون ، و أخذ سلاح الحصون التي على البحر ، و أمر الفقهاء أن لا يفتوا و لا يكتبوا وثيقة إلا من تشرّق (9) وأن يزال من الحصون و المساجد اسم الذي بناها و أمر بها من السلاطين و يكتب اسم المهدي (10) .
و قد كان العلماء من أوائل ضحايا الإنتصار الشيعي الرافضي في إفريقية و بلاد المغرب ، فقد قتل أبو العباس الشيعي شقيق أبي عبد الله عالمين فاضلين هما ابن البردون و ابن هذيل ، و طيف بهما مربوطين إلى بغل مسحوبين على وجههما في القيروان ثمّ صلبا (11) .
و لمّا دخل عبيد الله (12) القيروان ادّعى أنّه المهدي المنتظر و أنّه الإمام المعصوم و جـاهر بسب أصحـاب النبيّ صلّ الله عليه و سلم و أزواجـه الطاهرين و حكم بكفرهم و ارتدادهم عن الإسلام و لم يستثن إلا عليّا و قليلا ممن أيده و ناصره (13) ، و نصّب حسينا السبّاب لعنه الله تعالى في الأسواق للسبّ بأسجاع لقّنها يوصل منها إلى سبّ النبي صلى الله عليه و سلم ، كقوله العنوا الغـار و ما وعى و الكساء و ما حوى و غير ذلك ، و علّقت رؤوس الأكباش و الحمر على الحوانيت عليها قراطيس معلقة فيها أسماء الصحابـة رضي الله عنهم (14) ، و قطع صـلاة التراويح و أبطل الآذان السني و أبدلـه بالآذان الشيعي ، و انتهكت حرمات المساجد في أيامه ، فقد روي أن بعض أتباعه أدخلوا خيولهم المسجد ، و لمّا قيل لهم : كيف تدخلون خيولكم المسجد ؟ ، قالوا : إنّ أرواثها و أبوالها طاهرة لأنّها خيل المهدي ، فقال لهم القيّم على المسجد : إنّ الذي يخرج من المهدي نجس ، فكيف بالذي يخـرج من خيله ، فقالوا لـه : طعنت على المهـدي ، و أخذوه ثمّ قتلوه (15) .
و هذا ما دفع علماء القيروان إلى إعلان معارضتهم الصريحة للعبيديين ، و كان أبو يوسف جبلة بن حمود بن عبد الرحمان على رأس المعارضين ، حيث ترك رباطه و أتى القيروان ليسكنها ، فسأل عن سبب ذلك ، فقال : كنّا نحرس عدوا بينه و بينه البحر فتركناه و أقبلنا على حراسة هذا الذي حلّ بساحتنا ، لأنّه أشدّ علينا من الـروم ، و لم يكن في وقته أكثر منه اجتهـادا منه في مجـاهدة عبيد الله و شيعته ، و كان لا يداري أحدا في ذلك (16) ، و عندما حضر أول خطبة لهم في جامع القيروان جلس عند المنبر فسمع خطبتهم ، فلمّا سمع ما لا يجوز سماعه قـام و كشف عن رأسه حتى رآه الناس و مشى من المنـبر إلى آخر بـاب في الجامع و النـاس ينظرون إليه و هو يقول : قطعوها قطعهم الله ، فمن حينئذ ترك العلمـاء حضـور جمعهم ، و هو أول من نبّه على ذلك (17) .
و إذا كان أبو يوسف قد سلّمه الله من الأذى ، فإنّ أبا محمد بن العباس بن الوليد المعروف بالهذلي فقد ضرب عريانا حتى سال الدم من رأسه ، ثمّ أركب على حمار عريانا و طيف به في أسواق القيروان ، ثمّ حبس و تـرك بعد ذلك ، و حدث لـه هذا بعد وشـاية مفادها أنّه يفتي بمذهب المالكية و يطعن على المهدي (18) ، و سجن حكم بن محمد بن هشام القرّشي لصلابته في السنة و إنكاره على أهل البدع ، ثمّ هجر إفريقية و استقرّ في الأندلس (19) ، و كذلك فعل حباشة بن حسن اليحصبي الذي كان يحدّث في الأندلس أنّ السنة تُعْرَضُ سرّا في القيروان (20)
و لقي "عروس" المؤذن حتفه مقتـولا بالرماح بأمـر من عبيد الله الشيعي سنة 307 هـ بعد أن قطع لسانه و طيف به في القيروان و لسانه بين عينيه ، و ذنبه أنّـه لم يقل في آذانـه حي على خير العمل (21) ،
و أمّا أبو عبد الله محمد بن عبد الله السدري المجاهر بعداوة الشيعة المبايع على جهادهم ، فقد أرسل عبيد الله الشيعي من يأتيه به إليه ، و لمّا أوقف بين يديه قال له عبيد الله : أنت الشاتم لنا الذاكر عنّا أنا أحدثنا في الإسلام الحوادث ، فقال له : نعم أنا القائل بذلك ، فقال له : و ما الذي رأيته منّا ؟ ، فأخبره بكلّ ما يعتقده في الدين و الإسلام و كلّ ما أحدث فيهما ، فقال حينئذ عبيد الله لأوليائه : اضربوا عنقه ، فقتل رحمه الله سنة 309 هـ (22) .
و أمّا من لم يستطع المقاومة من العلماء فاختار الفرار بدينه ، و من هؤلاء أبو محمد يونس بن محمد الورداني الذي فضّل رعي البقر في البـوادي بعيدا عن أعين الشيعة ، و ذلك حين طلبـوا أهـل العلـم و الفضل ، فخاف على نفسه ، و كان هذا سببا لأن يكون مخمول الذكر عند علماء القيروان (23) .
و أنكر أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي الأسدي و كان من أئمة المالكية بالمغرب على معاصريه من أهل القيروان سكناهم في مملكة بني عبيد و بقاؤهم بين أظهرهم ، و أنّه كتب إليهم مرّة بذلك ، فأجابوه بأنّ بقاءهم مع من هناك من عامة المسلمين تثبيت لهم على الإسلام و بقية صالحة للإيمان ، و أنّه لو خرج من إفريقية لتشيّع من بقي فيها من العامة ، فرجّحوا خير الشرّين (24)
و حامت حول بعض العلماء شبهة التعاطف مع بني عبيد ، و من هؤلاء أبو القاسم بن خلف بن أبي القاسم الأسدي المعروف بالبرادعي ، حيث لم تحل له رئاسة في القيروان رغم أنّه كان من حفّاظ المذهب المالكي المؤلفين فيه ، و كان مبغضا عند أصحابه بسبب صحبة سلاطين الشيعة ، و يقال إنّ الفقهاء أفتوا برفض كتبه و ترك قراءتها لأنّه وجد بخطّ يده في ذكر بعض العبيديين ، أو أنّه ألف كتابا في تصحيح نسبهم و أنّهم كانت تأتيهم إمامة (25) .
و فضلّ بعض أهل العلم القيروانيين التشيّع طمعا في المناصب و طلبا للدنيا ، فأبو جعفر بن خيرون ألّف في نسب عبيد الله ، فرشّحه للقضاء ، و لكنّ القاضي محمد بن عمر المرودي سعى بابن خيرون هذا حتى قتل (26) ، و أمّا عبد الملك بن محمد الضبي فتشيّع لحبّه المال ، و كانت خطّة كتابة الوثائق تكفل ذلك ، و الشيعة لا يمنحونها إلا لمن تشيّع ، فنالها الضبي و صار ثريا بما التزمه من أخذ الدراهم في كتب الوثائق (27) ، و نال علي بن المنصور منصب القضاء بعد تشيّعه هو الآخر (28) .
إنّ سياسة الإضطهاد التي اتبعها الفاطميون في إفريقية و بـلاد المغـرب لم تكن ضد السنة المالكية وحـدهم ، بل شملت جميع المـذاهب الأخرى لاسيما الخوارج الذين من أخصّ صفاتهم الخروج على الحكـام ، فهم لا يحتاجون إلى فتاوى كثيرة و تفكير عميق ليفعلوا ذلك ، و على النقيض منهم أهـل السنة و الجماعة الذين يمنعون من الخروج ، لذلك فإنّ الخوارج بعد أن استجمعوا قواهم و نظّموا أنفسهم لم يتأخروا في إعـلان التمرّد ضد الـدولة الفاطمية مستغلين وفاة عبيد الله الشيعي ، و عرفت ثورتهم هذه بثورة صاحب الحمار أبي يزيد مخلد بن كيداد الخـارجي الزناتي ، و كـان يغلب عليه الزهد و التقشف ولـد و نشأ في قسطيلة (29) ، و خالط النكارية و هم من الصفرية الخوارج ، و سافر إلى تاهرت حيث كان معلما للصبيان فيها ، خرج بناحية جبـل أوراس و تلقب بشيخ المؤمنين ، و قاتله عساكر القائم بأمر الله العبيدي (30) صاحب المغرب ، و عظم أمره ثم زحف على رقـادة فامتلكها ثم خضعت له القيـروان سنة 333هـ و حاصر الخليفة العبيدي في المهدية (31) ، و بعدها بدأت هزائمه تتوالى بانتقاض بعض البربر عليه ، فرجع إلى القـيروان سنة 334هـ و غنم أهل المهدية معسكره ، و توالت المعارك ، و مات القائم فتولى ابنه المنصور(32) فأخفى موت أبـيه و خـرج من المهدية فالتقى بمخلد في سوسة (33) ، فكانت الحرب سجالا ، ثم انهزم مخلد و قتل من أصحابه عدد كبير ، و تعقبه المنصور إلى أن قبض عليه حيـّا بعد أن أثخنته الجـراح ، فجعل في قفص من حديد ، و حمل إلى المهدية ، ثم قتله الخليفة و صلبه و أمر بسلخه سنة 336هـ (34) ، و يمكن القول إنّ هذه الثورة الخارجية لم تعرف الدولة الفاطمية أخطر منها ، حيث كادت تهدم أركانها و تقضي عليها .
و ما يميّز هذه الثورة الخارجية عن غيرها من الثورات مشاركة علماء أهل السنة المالكية فيها ، فقد رأى فقهاء القيروان و صلحاؤهم أنّ الخروج مع أبي يزيد متعيّن لكفر بني عبيد ، و منهم أبو إسحاق السبائي من فقهاء القيروان و من أشدّ الناس بغضا للشيعة ، فقد روي عنه أنّه كان إذا رقي أحدا يقرأ في رقيته الفاتحة و المعوذتين كلّ سورة سبع مرّات ، ثمّ يقول في آخر رقيته : ببغضي بني عبيد و ذويه و حبّي في نبيّك و أصحابه و أهل بيته ، و كان يشير إلى أصحاب أبي يزيد و يقول : هؤلاء من أهل القبلة ، فإن ظفرنا بهم – أي بالشيعة العبيديين – لم ندخل تحت طاعة أبي يزيد ، و الله يسلّط عليه إماما عادلا يخرجه عنّا (35) ، و حكى أبو عبد الله المالكي فيمن خرج معه أبو الفضل الممسي الذي كـان يقـول إنّ الخـوارج من أهل القبلة لا يزول عنهم اسم الإسلام و يورثون و يرثون ، و بنو عبيد ليسوا كذلك لأنّهم مجوس زال عنهم اسم الإسلام ، فلا يتوارث معهم و لا ينسب إليهم (36) ، و ربيع بن سليمان القطان الذي جعل على نفسه أن لا يشبع من طعام حتى يقطع الله دولة بني عبيد ، و عندما عوتب في خروجه قال : كيف لا أخرج و قد سمعت الكفـر بأذني ، فمن ذلك أني حضرت يوما إشهـادا فيه جمع كثير أهل سنة و مشارقة ، و كان بالقرب منّي أبو قضاعة الداعي ، فأتى إليه رجل مشرقي من أعظم المشارقة ، فقام إليه رجل منهم و قال له : إلى ها هنا يا سيدي ارتفع إلى جانب رسـول الله ، يعني أبا قضـاعة ، فكيف يسعني أن أتـرك القيـام عليهم (37) ، و أبو العرب بن تميم الذي حسم الأمر عندما تناظر الناس حول شرعية الخروج ، فقال لهم : اسكتوا ، فسكت النـاس فقـال : حدثني عيسى بن مسكين عن محمد بن عبد الله يرفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم أنّه قال :" يكون في آخـر الزمان قوم يسمون الـرافضة ، فإن أدركتموهم فاقتلوهم فإنهم كفّار" (38) ، فلما تمّ الحديث كبّر الناس و ارتفعت أصواتهم ثمّ خرجوا (39) ، و حتى أصحاب الأعذار أرادوا المشاركة في القتال و لو بشكل رمـزي ، فأبو ميسرة الضرير مشى شاهرا السلاح في القيروان (40) ، ثمّ اجتمعوا و ركبـوا بالسلاح التام و البنود و الطبول ، و أتوا حتى ركّزوا بنـودهم قبالة الجامع و كانت سبعة بنود ، و حضرت صلاة الجمعة فخطب خطيبهم أحمد بن أبي الوليـد خطبة بليغة ، و حرّض الناس على الجهاد و سبّ بني عبيد و أعلم الناس بالخروج من غدهم ، فخرج الناس مع أبي يزيد لجهادهم ، و حصروهم في المهدية ، فلما رأى أبو يزيد ذلك و لم يشكّ في غلبته أظهر ما أكنّه من الخارجية ، فقال لأصحابه : " إذا لقيتم القـوم فانكشفوا عن علمـاء القـيروان حتى يتمكن أعداؤهم منهم "، فقتلـوا منهم من أراد الله سعـادته و رزقه الشهـادة ، فمنهم الممسي و ربيع القطـان في خمسة و ثلاثين من الفقهـاء و الصـالحين ، و ذلك في رجب سنـة 333 هـ ، ففارق الناس أبا يزيد و أظهروا السنة و حلّقوا بالجامع (41) ، و قالوا : قتل أوليـاء الله شهداء ، و اشتـدّ بغضهم له (42) ، و كانت هذه إحدى أهم الأسباب التي أدّت إلى هزيمة أبي يزيد و قتله ، و كما هو متوقع لم يستتبع هذه الثورة إلا المزيد من العداء بين الفاطميين و العلماء .
لقد بذل علماء المالكية جهودا كبيرة للدفاع عن عقيدتهم أمام المدّ الشيعي الإسماعيلي الذي اجتاح المنطقة ، و وقفوا له بالمرصاد و ستستمر مقاومتهم للشيعة الفاطميين ما بقيت رايتهم تعلو في سماء بلاد المغرب و إفريقية .
و لمّا اعتلى الحاكم (43) عرش الدولة الفاطمية أظهر من الكفر و الزندقة ما لم يظهره غيره ، فكان ممّا أحدث أن بنى دارا و جعل لها أبوابا و أطباقا و جعل فيها قيودا و أغلالا و سمّاها جهنّم ، فمن جنى جناية عنده قال : " أدخلوه جهنّم " و أمر أن يكتب في الجوامع بسبّ الصحابة ، و أرسل إلى المدينة من ينبش قبر النبي صلى الله عليه و سلم ، و عندما سئل الفقيه القـيرواني الزاهد ابن عذرة عن خطباء بني عبيـد ، و قيل له إنّهم يثنون عليهم ، قال : " أليس يقولون اللهم صلّ على عبـدك الحاكم و ورّثه الأرض " ، قـالوا : " نعم " ، قـال : " أرأيتم لـو أنّ خطيبا خطب فأثـنى على الله ثمّ قـال أبو جهل في الجنة ، أيكون كافرا " ، قالوا : " نعم " ، قـال : " فالحاكم شرّ من أبي جهل " ، و سئل الداودي عن المسألة نفسها فأحاب بمثل ذلك تقريبا و أضاف أنّ من صلّى الجمعة وراءه أعادها ظهرا أربعا ، ثمّ لا يقيم إذا أمكنه الخروج و لا عذر له بكثرة عياله و لا غيره (44) .
و كان العبيديون قبل رحيلهم إلى المشرق باتجاه مصر سنة 361 هـ عينوا على المغرب بلكين بن زيري(45) عاملا لهم على البلاد ، و توارث أبناؤه الحكم ، و في عهد المعز بن باديس(46) أظهر السنة و نبذ البدعة ، فجهر الناس بمعتقداتهم و أقاموا شعائرهم الدينية بحرّية كبيرة ، ثمّ قام المعز بتحريض من علماء السنة بقطع صلاته السياسية بالفاطميين العبيديين الرافضة و أعلن مبايعته للخليفة العباسي القائم في بغداد سنة 435 هـ (47) و قام العبيديون بعد ذلك بإرسال أعراب بني هلال و بني سليم إلى بلاد المغرب ، فأحدثوا فيها خرابا كبيرا كما هو مذكور في مظّانه .
و هذا العرض الموجز ليس إلا قطرة في بحر جرائم العبيديين ضد أجدادنا من أهل السنة ، فأي حضارة أقامها هؤلاء في بلادنا التي كانوا ينظرون إليها أنّها مجرّد منطقة عبور و نقطة انطلاق لتحقيق هدفهم الأكبر المتمثل في غزو المشرق و القضاء على الخلافـة العباسية السنية في بغداد ، و من تمّ الإنفراد بحكم العالم الإسلامي ؟.
و لنـدع الماضي و مآسيه و لننظر في حاضرنا ، فما أشبه اليوم بالبارحة ، فشيعة الأمس هم شيعة اليوم ، و العالم بأسره يشهد ما يحدث لأهل السنة في العراق من تقتيل و تهجير و تشريد على يد عصابات القتل الرافضية التي تمـدّها دولة إيران الشيعية بكل ما استطاعت من دعم مـادي و معنوي ، ألم يملأ الشيعة الروافض العالم شعارات عن الشيطان الأكبر الذي يجب جهاده ، فأين أنتم و قد غزا مدنكم " المقدسة النجف و كربلاء " .
و أخيرا أقول : أين مالكية اليوم من مالكية الأمس ؟ أليس فيكم رجل رشيد ؟ أليس فيكم من يقتدي بابن الـبردون و ابن هذيل و ابن أبي زيـد القيرواني و أبو الحسن علي بن خلـدون و محـرز بن خلف العـابد و الداودي و ابن المنمّر الطرابلسي و أبو عمران الفاسي و غيرهم ، فينكر على الذين يحاولون تبييض تاريخ الدولة الفاطمية في بلادنا ، ذلك التاريخ الذين كانت بدايته قتلا للمسلمين و إماتة للدين و إعلاء للبدعة و نهايته وبالا على الأمة ، فقد كانوا عـونا للصليبيين الذين دخلـوا بيت المقدس و ارتكبوا أفظع المجازر في حق المسلمين ، و من لطف قدر الله عزّ و جلّ أن تمكنّ الناصر صلاح الدين الأيوبي من القضاء على الدولة الفاطمية ففتح الله على يديه بيت المقدس .
الهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المعتزلـة : و يسمون أنفسهم أهل العدل و التوحيد ، نشأ المعتزلـة في البصرة في القرن الثاني الهجري على يد واصل بن عطاء و كان تلميذا للحسن البصري ، و لهم أصـول خمسة يتفقون حولها و هي : العـدل و التوحيد و الوعـد و الوعيد و المنزلة بين المنزلتين و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و هم فرق كثيرة منهم الواصلية و الهذيلية و النظّامية و الجاحظية ( الشهرستاني، المـلل و النحـل، تحقيـق محمد سيـد الكيـلاني، دار المعرفـة، بـيروت، ج1، ص 43 . دائرة المعارف الإسلامية، ج30، ص 9384 ) .
(2) إبراهيم التهامي، جهـود علماء المغرب في الدفاع عن عقيدة أهل السنة، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت، الطبعة الأولى، 2005، ص 45 .
(3) القاضي سحنون : الإمام سحنون بن سعيد بن حبيب التنوخي ، من شيوخ إفريقية المالكية ، ولد سنة 160 هـ ، اجتمعت فيه خلال كثيرة كالفقه البارع و الورع الصادق و الزهد في الدنيا ، ولي القضاء سنة 234 هـ دون أجر ، توفي الإمام سحنون سنة 240 هـ ( أبو العرب أحمد بن تميم، طبقات علماء إفريقية و تونس، تحقيق علي الشابي و نعيم حسن اليافي، الدار التونسية للنشر، تونس، الطبعة الثانية، 1985، ص 184 ) .
(4) أبـو عبد الله الشيعي : الحسين بن أحمد بن محمد بن زكريا المعروف بالشيعي ، من أهـل مدينة صنعاء باليمن ، القائم بدعـوة عبيد الله المهـدي ، تمكـن من التوطيد لدولة العبيديين الباطنية في بلاد المغرب ، حرّر سيده عبيد الله المهدي من سجنه في مدينة سجلماسة ، و لمّا قامت الدولة الفاطمية الباطنية خالف إمامه عبيـد الله و أضمر له الشر ، فعلم "المهدي" بذلك فـدسّ عليـه من قتله و أخاه أبا العباس أحمـد في ساعـة واحـدة سنـة 298هـ ( أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكـان، وفيـات الأعيـان و أنبـاء أبنـاء الزمـان، تحقيق إحسان عبـاس، دار الثقـافة، بيروت ، ج2، ص 192 ) .
(5) الأحزاب، الآية 40 .
(6) الحديد، الآية 3 .
(7) أبو بكر عبد الله بن محمد المالكي، ريـاض النفـوس في طبقـات علمـاء القيروان و إفريقية و زهّادهم و نسّاكهم و سير أخبارهم و فضائلهم و أوصافهم، تحقيق بشير البكوش و محمد العروسي المطوي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1994، ج2، ص 72 .
(8) محمد بن حارت بن أسد الخشني، طبقـات علمـاء إفـريقية، نشر محمد بن أبي شنب، طبعة باريس، 1915، ص 214 .
(9) قـال القاضي النعمان : و اشتهر أمـر أبي عبد الله ببلد كتامة و سمّي المشرقي لقدومه من المشرق ، ثمّ نسب إليه كل من بايعـه و دخل في دعوته و سمّـوا المشـارقـة ( القاضي النعمان، كتـاب افتتـاح الدعوة، تحقيـق فرحات الدشـراوي، الشركة التونسية للتوزيع، تونس، الطبعة الثانية، 1986، ص 79 ) .
(10) المالكي، المصدر السابق، ج2، ص 55 .
(11) نفسه، ج2، ص 48 .
(12) عبيد الله الشيعي : مؤسس الدولة العبيدية الإسماعيلية الباطنية في بـلاد المغـرب الإسلامي و أول خلفائهم ، اختلف النـاس في نسبه اختلافا كثيرا قديـما و حديثا ، بين مؤيد لمّا ادعاه من النسب الشريف ، و أنّه من ولد الحسين بن علي و فاطمة رضي الله عنهما ، و طاعن في نسبه ، فمن المؤيدين لمـا قاله و المثبتين له فضلا عن مؤرخي الإسماعيلية ، نجد بعض كبار مؤرخي أهل السنّة على رأسهم ابن الأثير الذي ردّ أقوال الطاعنين في نسبه قـائلا : " وهذه الأقوال – الطاعنة في نسب عبيد الله – فيها ما فيها ، فيا ليت شعري مـا الذي حمل أتباع أبـا عبد الله الشيعي و غيره ممن قـام به في إظهار هـذه الدعوة حتى يخرجوا هـذا الأمر من أنفسهم و يسلموه إلى ولـد يهودي ؟ و هل يسامح نفسـه بهذا الأمر من يعتقده دينـا و ثوابـا ؟ ( أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثيـر الجزري، الكامل في التاريخ، تحقيق عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1995، ج6، ص 453 ) . و نحا نحوه مؤرخون آخرون كابن خلـدون و المقريزي .
أمّـا الطاعنون في نسبـه و المكذبون لدعواه فكثيرون أيضا ، قال ابن خلكان : " و أهل العلم بالأنساب من المحققين ينكرون دعـواه في النسب ، كانت ولادته سنة 259 هـ و قيل 260هـ وقيل 266هـ بمدينة سلمية في الشام وقيل بالكوفة (ابن خلكـان ، المصدر السابق، ج3، ص117 ) ، و كذلك ابن عـذارى المراكشي الذي قال : " و قال سائر النـاس إنّـه دعيّ ، و أنّ انتسابه للطاليين دعـوة باطلة ، و ذكـروا عن أبي القاسم بن طباطبا العلوي أنّه قال : " و الله الذي لا إله إلا هو ، ما عبيد الله الشيعي منا و لا بيننا و بينه نسب "، و قد فضح القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني نسبه في كتاب كشف الأسرار و هتك الأستار ، و ذكر أنّهم قرامطة و أنّ أبا عبد الله الشيعي أحدث لهم هذا المذهب و نسبهم هذا النسب ( ابن عذارى المراكشي، البيـان المغـرب في أخبـار الأنـدلس و المغـرب، تحقيق ج.س كولان و ل.بروفنسال ، دار الثقافة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1983، ج1، ص 158 ) .
(13) ابن عذارى المراكشي،المصدر السابق، ج1، ص159 .
(14) القاضي عياض، المصدر السابق، ج3، ص 318 .
(15) ابن عذارى، المصدر السابق، ج1، ص 284 .
(16) المالكي، المصدر السابق، ج2، ص 37 .
(17) المالكي، المصدر السابق ، ج2، ص 43 . القاضي عياض، المصدر السابق، ج3، ص 247 .
(18) المالكي، المصدر السابق، ج2، ص 265 .
(19) ابن الفرضي، تـاريخ علمـاء الأنـدلس، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب اللبناني، بيروت، الطبعة الثانية، 1989، ج1، ص 222، ترجمة رقم 275 .
(20) نفسه، ج1، ص 236، ترجمة رقم 393 .
(21) المالكي، المصدر السابق، ج2، ص 152.
(22) نفسه، ج2، ص 170 .
(23) نفسه، ج2، ص 45 .
(24) القاضي عياض، المصدر السابق، ج3، ص 709 .
(25) نفسه، ج3، ص 709 .
(26) الخشني، المصدر السابق، ص 175.
(27) نفسه، ص 218 .
(28) نفسه، ص 217 .
(29) قسطيلية : في بلاد الجريد من أرض الزاب الكبيرة و هي مدينة كبيرة عليها سور حصين ، و بها تمر يجلب إلى إفريقية ، لكنّ ماءها غير طيّب و سعرها غال و أهلها شراة (خوارج) وهبيه و إباضية ( ياقوت الحموي، معجم البلـدان، دار صادر، بيـروت، الطبعة الثانية، 1995، ج4، ص 348 )
(30) القائم : أبو القاسم بن عبيد الله ، ثاني الخلفاء الفاطميين ، ولد بسلمية من بلاد الشام سنة 280 هـ ، بويع يوم مات أبوه سنة 322 هـ ، خرج في أيامه أبو يزيد الخارجي ، و مـات وهو محارب له سنة 334 هـ ( ابن حماد الصنهاجي، المصدر السابق، ص 170) .
(31) المهدية : تقع بين سوسة و صفا قس على الساحل ، بناها المهـدي، فكان ابتداؤه بالنظر فيها سنـة 300هـ و كمل سورها سنة 305هـ و انتقل إليها سنة 308هـ ، و بنا فيها قصره و قصرا لابنه و دارا للصناعة ، و جعل لها أبراجا من جهة البحر الغربيـة و جعل لها بابين من حديد (أبو عبيد البكري، المغـرب في ذكر بـلاد إفريقية و المغـرب، مكتبة المثنى، بغداد، ص28 )
(32) المنصور بالله : إسماعيل بن أبي القاسم بن عبيد الله ، ثالث الخلفاء العبيديين في بلاد المغرب و إفريقية ، ولد بمدينة المهدية سنة 299هـ و قيل سنة 302هـ ، و ولي بعد وفـاة أبيـه القائم بأمــر الله سنة 334هـ ، بنى مدينة صبرة (المنصورية) و واصل حرب أبيه ضد أبي يزيد الخارجي و انتصر عليه انتصارا حاسمـا ، و توفي سنة 341هـ ( ابن حماد الصنهاجي، المصدر السابق، ص 176) .
(33) سوسة :مدينة بإفريقية طيبة على نحـر البحر ، و لـها سور حصين و ماؤها معين و بهـا أعمال صالحة نبيلة ، و لها أسـواق حسنة و فنـادق و حمـامات ، و هي من القيـروان على مرحلة (أبو القاسم بن حوقل النصيبي، صـورة الأرض، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت ، ص 74 ) .
(34) ابن حماد الصنهاجي، المصدر السابق، ص171 و ما بعدها . ابن عذارى، المصدر السابق، ج 1، ص 216 و ما بعدها .
(35) المالكي، المصدر السابق، ج2، ص 469 . القاضي عياض، المصدر السابق، ج3، ص 376 .
(36) المالكي، المصدر السابق، ج2، ص 298 .
(37) المالكي، المصدر السابق، ج2، ص 323 و ما بعدها .
(38) روي هذا الحديث في كتب أهل الحديث ، و ممّن رواه مسندا و بألفاظ مختلفة الحافظ أبو بكر عمرو بن أبي عاصم الشيباني في كتابه السنة قال : باب في ذكر الرافضة أذّلهم الله ، و علّق على أسانيدها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني مبينا ضعفها ، و في تخريج الحديث رقم 981 و نصّه كاملا : حدّثنا إسماعيل بن سالم حدثنا يونس بن محمد حدثنا عمران بن زيد عن الحجاج بن تميم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله يقول : " يكون في آخـر الزمـان قوم ينبزون الرافضة يرفضون الإسـلام و يلفظونه فاقتلوهم فإنّهم مشركون " . قال الألباني : و الحديث أخرجه أبو يعلى من طريق أخرى عن عمران بن زيد به ، و قال الهيثمي رواه أبو يعلى و البزار و الطبراني ، و رجاله وثقوا و في بعضهم خلاف ، ثمّ ساقه بلفظ آخر عنه " يا علي سيكون قوم في أمتي ينتحلون حب أهل البيت ، لهم نبز يسمون الرافضة ، قاتلوهم فإنهم مشركون " ، و قال : رواه الطبراني و إسناده حسن ( أبو بكر عمرو بن أبي عاصم الضحّاك بن مخلد الشيباني، كتـاب السنـة، تخريج محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1993، ص460 ) .
(39) المالكي، المصدر السابق، ج2، ص 309 .
(40) القاضي عياض، المصدر السابق، ج3، ص 317 .
(41) القاضي عياض، المصدر السابق، ج3، ص 318 . و حول مشاركة علماء السنة المالكية في ثورة صاحب الحمار أنظر أيضا : المالكي، المصدر السابق، ج2، ص 340 و ما بعدها .
(43) ابن عذارى، المصدر السابق، ج1، ص 218 .
(44) الحاكم بأمر الله : أبو علي المنصور بن العزيز بن المعز بن المنصور بن القائم بن عبيد الله ، ولد سنة 375هـ بالقاهرة ، ولاه أبوه العهد سنة 383هـ ، و ولي الخلافة سنة 386هـ ، كان جوادا بالمال سفّاكا للدماء قتل عددا كبيرا من أهل دولته ، و كانت سيرته من أعجب السير، يخترع كل وقت أحكاما يحمل الناس على العمل بهـا ، و منها أنّه في سنة 395هـ أمر بكتب سبّ الصحـابة في حيطان المساجد و الشوارع ، ثم أمر بقطع ذلك في سنة 397 هـ ، و منها أنّه أمر في سنة 402 هـ بعدم بيع الزبيب و نهى التجـار عن حمله إلى مصر ، و أمر النصارى بلبس العمائم السود ، و أن يعمل النصارى في أعناقهم الصلبان ، و أن تحمل اليهود في أعناقهم قوامي الخشب على وزن صلبان النصارى ، و في سنة 408 هـ أمر بهدم الكنائس في الديار المصرية ، ثم عاد عن هذا ، توفي الحاكم سنة 411هـ (ابن خلكان، المصدر السابق، ج5، ص 292 ) .
(45) القاضي عياض، المصدر السابق، ج3، ص 719 .
(46) بلكين بن زيري :أبو الفتوح بلكين بن زيري بن مناد الحميري الصنهاجي ، و يسمى أيضا يوسف لكن بلكين أشهر ، استخلفه المعز العبيدي على إفريقية ، و كان استخلافه سنة 361هـ ، و أمر الناس بالسمع و الطاعة له ، ولم يزل حسن السيرة تام النظر في مصالح دولته إلى حين وفـاته (ابن الخطيب : أعمـال الأعـلام "القسم الثالث"، تحقيق : د/ أحمــد مختار العبّادي، دار الكتـاب ،الدار البيضــاء ، ص99 ) .
(47) المعـز بن باديس : صاحب إفريقية ولد بالمنصورية سنة 398هـ ، و ملك بعد وفاة أبيه سنة 406هـ ، حمل الناس على مذهب الإمام مالك و قطع الخطبة للمستنصر العبيدي و خلـع طاعته ، و خطب للقائم بأمر الله العباسي ، فكتب إليه المستنصر يتهدّده و بقول له : هلا اقتفيت آثـار آبائك في الطاعـة و الولاء ، فأجاب :"إن آبـائي و أجدادي كانوا ملـوك المغرب قبل أن يملكه أسلافـك" ، توفي المعز سنة 454هـ بالقيروان ( ابن خلكان ،المصدر السابق، ج5، ص233 . ابن الخطيب ، المصدر السابق، ص72 ) .
(48) ابن الأثير، الكامل في التاريخ،ج8، ص 266 .
بقلم : بن زاوي طارق / باحث
بمناسبة تنظيم معرض خاص حول الدولة الفاطمية في قصر المعارض مفدي زكريا بالجزائر العاصمة ،الذي أقيم منذ شهور قليلة ، تحت عنوان " كتامة و الدولة الفاطمية " ، رأيت أنّه من المناسب أن أبيّن جزءا من تاريخ هذه الدولة الباطنية الرافضية الشيعية التي لم يحدّثنا التاريخ عنها إلا عن مآس و مجازر ارتكبها هؤلاء الشيعة الروافض في حق الأبرياء من أهل السنة من سكان هذه البلاد .
و قبل الحديث عن جرائم الدولة العبيدية لا بأس أن نقف قليلا عند مواقف علمائنا المغاربة من المذاهب العقائدية الكلامية التي انتشرت في المنطقة لا سيما مذهب المعتزلة (1)حيث وصلت فتنة القول بخلق القرآن إلى المنطقة ، فحاربها العلمـاء محاربـة شديدة ، و وقفوا ضـد القائلين بها موقفا صارما ، فمثلا امتنعوا عن الصلاة على من عرف بالإعتزال و كان علماء المغرب مجمعين على ذلك (2) ، و كان الصراع بين أهل السنة و أهل البدع و الأهواء سجالا في أيام الدولة الأغلبية ، فقد طُرِد أهل الأهواء من المسجد الجامع في القيروان ، و كانت فيه حلقا للخوارج والصفرية ، و الذي تولّى طردهم القاضي سحنون (3) .
و بقيـام الدولة الفاطمية الرافضية سنة 297 هـ تشتدّ المحنة على أهل إفريقية و المغرب ، فالعنصر الذي جدّ في مناهضتهم كان قويا ، فبني عبيد إلى جانب كرههم لأهل السنة كانوا حاكمين و عملوا على نشر مذهبهم .
و حاول أبو عبد الله الشيعي(4) مؤسس الدولة العبيدية في أول أمره أن يقنع العلماء بمذهبه و يناظرهم عليه ، و في هذا الإطار فقد تناظر الشيعي مع أبي عثمان سعيد بن محمد بن صبيح الغساني ، فقال له : القـرآن يقرّ بأنّ محمـدا ليس بخـاتم النبيين ، فقال لـه سعيد : أين ذلك ؟ فقال له : في قولـه تعالى " و لكن رسول الله و خاتم النبيّين " (5) ، فخاتم النبيّين غير رسول الله ، فقال سعيد : هذه الواو ليست من واوات الابتداء إنّما هي من واوات العطف ، كقوله تعالى " و هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شيء عليم " (6) ، فهل من أحد غير الله يوصف بهذه الصفات ، و تكلّم عنده يوما ، فغضب من كلامه رجل من كتامة يعرف بأبي موسى شيخ المشايخ ، و قـام إليه بالرمح فمنعه أبو عبد الله من ذلك ، ثمّ عطف إلى أبي عثمان فقال له : يا شيخ لا تغضب ، إذا غضب هذا الشيخ غضب لغضبه اثنا عشر ألف سيف (7) ، و اشتهر سعيد بن محمد بمناظراته و ثباته على الحق ، لذلك عـلا شأنه بين الناس ، أمّا صاحبه أبو بكر بن القمودي الذي كان عـارفا بأصـول المناظرات فلم يدخل في قلوب القوم و لم تكن له المهابة و الإجلال التي كانت لأبي عثمان ، و سبب ذلك أنّه تناظر مع أبي العباس الداعي مناظرة أفحمه فيها ، فجعل أبو عبد الله الشيعي يحرّك له أصبعه و يقول لـه : إنّك لتظهر لأهل البيت ما أرى منك من البغضاء و تنصب في توهين أمرك ما أسمع من حجاجك ، فاضطر الرجل إلى الإعتذار و خاف سفك الدم (8) .
و لمّا خرج أبو عبد الله الشيعي في طلب عبيد الله استخلف أخاه أبا العباس ، فأطلق يد محمد بن عمر المرودي فتصلّب و تكبّر ، و كانت أيامه صعبة جدّا ، و أخاف أهل السنة و ترك أكثرهم الصلاة في المساجد ، و أخذ أموال الأحباس و الحصون ، و أخذ سلاح الحصون التي على البحر ، و أمر الفقهاء أن لا يفتوا و لا يكتبوا وثيقة إلا من تشرّق (9) وأن يزال من الحصون و المساجد اسم الذي بناها و أمر بها من السلاطين و يكتب اسم المهدي (10) .
و قد كان العلماء من أوائل ضحايا الإنتصار الشيعي الرافضي في إفريقية و بلاد المغرب ، فقد قتل أبو العباس الشيعي شقيق أبي عبد الله عالمين فاضلين هما ابن البردون و ابن هذيل ، و طيف بهما مربوطين إلى بغل مسحوبين على وجههما في القيروان ثمّ صلبا (11) .
و لمّا دخل عبيد الله (12) القيروان ادّعى أنّه المهدي المنتظر و أنّه الإمام المعصوم و جـاهر بسب أصحـاب النبيّ صلّ الله عليه و سلم و أزواجـه الطاهرين و حكم بكفرهم و ارتدادهم عن الإسلام و لم يستثن إلا عليّا و قليلا ممن أيده و ناصره (13) ، و نصّب حسينا السبّاب لعنه الله تعالى في الأسواق للسبّ بأسجاع لقّنها يوصل منها إلى سبّ النبي صلى الله عليه و سلم ، كقوله العنوا الغـار و ما وعى و الكساء و ما حوى و غير ذلك ، و علّقت رؤوس الأكباش و الحمر على الحوانيت عليها قراطيس معلقة فيها أسماء الصحابـة رضي الله عنهم (14) ، و قطع صـلاة التراويح و أبطل الآذان السني و أبدلـه بالآذان الشيعي ، و انتهكت حرمات المساجد في أيامه ، فقد روي أن بعض أتباعه أدخلوا خيولهم المسجد ، و لمّا قيل لهم : كيف تدخلون خيولكم المسجد ؟ ، قالوا : إنّ أرواثها و أبوالها طاهرة لأنّها خيل المهدي ، فقال لهم القيّم على المسجد : إنّ الذي يخرج من المهدي نجس ، فكيف بالذي يخـرج من خيله ، فقالوا لـه : طعنت على المهـدي ، و أخذوه ثمّ قتلوه (15) .
و هذا ما دفع علماء القيروان إلى إعلان معارضتهم الصريحة للعبيديين ، و كان أبو يوسف جبلة بن حمود بن عبد الرحمان على رأس المعارضين ، حيث ترك رباطه و أتى القيروان ليسكنها ، فسأل عن سبب ذلك ، فقال : كنّا نحرس عدوا بينه و بينه البحر فتركناه و أقبلنا على حراسة هذا الذي حلّ بساحتنا ، لأنّه أشدّ علينا من الـروم ، و لم يكن في وقته أكثر منه اجتهـادا منه في مجـاهدة عبيد الله و شيعته ، و كان لا يداري أحدا في ذلك (16) ، و عندما حضر أول خطبة لهم في جامع القيروان جلس عند المنبر فسمع خطبتهم ، فلمّا سمع ما لا يجوز سماعه قـام و كشف عن رأسه حتى رآه الناس و مشى من المنـبر إلى آخر بـاب في الجامع و النـاس ينظرون إليه و هو يقول : قطعوها قطعهم الله ، فمن حينئذ ترك العلمـاء حضـور جمعهم ، و هو أول من نبّه على ذلك (17) .
و إذا كان أبو يوسف قد سلّمه الله من الأذى ، فإنّ أبا محمد بن العباس بن الوليد المعروف بالهذلي فقد ضرب عريانا حتى سال الدم من رأسه ، ثمّ أركب على حمار عريانا و طيف به في أسواق القيروان ، ثمّ حبس و تـرك بعد ذلك ، و حدث لـه هذا بعد وشـاية مفادها أنّه يفتي بمذهب المالكية و يطعن على المهدي (18) ، و سجن حكم بن محمد بن هشام القرّشي لصلابته في السنة و إنكاره على أهل البدع ، ثمّ هجر إفريقية و استقرّ في الأندلس (19) ، و كذلك فعل حباشة بن حسن اليحصبي الذي كان يحدّث في الأندلس أنّ السنة تُعْرَضُ سرّا في القيروان (20)
و لقي "عروس" المؤذن حتفه مقتـولا بالرماح بأمـر من عبيد الله الشيعي سنة 307 هـ بعد أن قطع لسانه و طيف به في القيروان و لسانه بين عينيه ، و ذنبه أنّـه لم يقل في آذانـه حي على خير العمل (21) ،
و أمّا أبو عبد الله محمد بن عبد الله السدري المجاهر بعداوة الشيعة المبايع على جهادهم ، فقد أرسل عبيد الله الشيعي من يأتيه به إليه ، و لمّا أوقف بين يديه قال له عبيد الله : أنت الشاتم لنا الذاكر عنّا أنا أحدثنا في الإسلام الحوادث ، فقال له : نعم أنا القائل بذلك ، فقال له : و ما الذي رأيته منّا ؟ ، فأخبره بكلّ ما يعتقده في الدين و الإسلام و كلّ ما أحدث فيهما ، فقال حينئذ عبيد الله لأوليائه : اضربوا عنقه ، فقتل رحمه الله سنة 309 هـ (22) .
و أمّا من لم يستطع المقاومة من العلماء فاختار الفرار بدينه ، و من هؤلاء أبو محمد يونس بن محمد الورداني الذي فضّل رعي البقر في البـوادي بعيدا عن أعين الشيعة ، و ذلك حين طلبـوا أهـل العلـم و الفضل ، فخاف على نفسه ، و كان هذا سببا لأن يكون مخمول الذكر عند علماء القيروان (23) .
و أنكر أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي الأسدي و كان من أئمة المالكية بالمغرب على معاصريه من أهل القيروان سكناهم في مملكة بني عبيد و بقاؤهم بين أظهرهم ، و أنّه كتب إليهم مرّة بذلك ، فأجابوه بأنّ بقاءهم مع من هناك من عامة المسلمين تثبيت لهم على الإسلام و بقية صالحة للإيمان ، و أنّه لو خرج من إفريقية لتشيّع من بقي فيها من العامة ، فرجّحوا خير الشرّين (24)
و حامت حول بعض العلماء شبهة التعاطف مع بني عبيد ، و من هؤلاء أبو القاسم بن خلف بن أبي القاسم الأسدي المعروف بالبرادعي ، حيث لم تحل له رئاسة في القيروان رغم أنّه كان من حفّاظ المذهب المالكي المؤلفين فيه ، و كان مبغضا عند أصحابه بسبب صحبة سلاطين الشيعة ، و يقال إنّ الفقهاء أفتوا برفض كتبه و ترك قراءتها لأنّه وجد بخطّ يده في ذكر بعض العبيديين ، أو أنّه ألف كتابا في تصحيح نسبهم و أنّهم كانت تأتيهم إمامة (25) .
و فضلّ بعض أهل العلم القيروانيين التشيّع طمعا في المناصب و طلبا للدنيا ، فأبو جعفر بن خيرون ألّف في نسب عبيد الله ، فرشّحه للقضاء ، و لكنّ القاضي محمد بن عمر المرودي سعى بابن خيرون هذا حتى قتل (26) ، و أمّا عبد الملك بن محمد الضبي فتشيّع لحبّه المال ، و كانت خطّة كتابة الوثائق تكفل ذلك ، و الشيعة لا يمنحونها إلا لمن تشيّع ، فنالها الضبي و صار ثريا بما التزمه من أخذ الدراهم في كتب الوثائق (27) ، و نال علي بن المنصور منصب القضاء بعد تشيّعه هو الآخر (28) .
إنّ سياسة الإضطهاد التي اتبعها الفاطميون في إفريقية و بـلاد المغـرب لم تكن ضد السنة المالكية وحـدهم ، بل شملت جميع المـذاهب الأخرى لاسيما الخوارج الذين من أخصّ صفاتهم الخروج على الحكـام ، فهم لا يحتاجون إلى فتاوى كثيرة و تفكير عميق ليفعلوا ذلك ، و على النقيض منهم أهـل السنة و الجماعة الذين يمنعون من الخروج ، لذلك فإنّ الخوارج بعد أن استجمعوا قواهم و نظّموا أنفسهم لم يتأخروا في إعـلان التمرّد ضد الـدولة الفاطمية مستغلين وفاة عبيد الله الشيعي ، و عرفت ثورتهم هذه بثورة صاحب الحمار أبي يزيد مخلد بن كيداد الخـارجي الزناتي ، و كـان يغلب عليه الزهد و التقشف ولـد و نشأ في قسطيلة (29) ، و خالط النكارية و هم من الصفرية الخوارج ، و سافر إلى تاهرت حيث كان معلما للصبيان فيها ، خرج بناحية جبـل أوراس و تلقب بشيخ المؤمنين ، و قاتله عساكر القائم بأمر الله العبيدي (30) صاحب المغرب ، و عظم أمره ثم زحف على رقـادة فامتلكها ثم خضعت له القيـروان سنة 333هـ و حاصر الخليفة العبيدي في المهدية (31) ، و بعدها بدأت هزائمه تتوالى بانتقاض بعض البربر عليه ، فرجع إلى القـيروان سنة 334هـ و غنم أهل المهدية معسكره ، و توالت المعارك ، و مات القائم فتولى ابنه المنصور(32) فأخفى موت أبـيه و خـرج من المهدية فالتقى بمخلد في سوسة (33) ، فكانت الحرب سجالا ، ثم انهزم مخلد و قتل من أصحابه عدد كبير ، و تعقبه المنصور إلى أن قبض عليه حيـّا بعد أن أثخنته الجـراح ، فجعل في قفص من حديد ، و حمل إلى المهدية ، ثم قتله الخليفة و صلبه و أمر بسلخه سنة 336هـ (34) ، و يمكن القول إنّ هذه الثورة الخارجية لم تعرف الدولة الفاطمية أخطر منها ، حيث كادت تهدم أركانها و تقضي عليها .
و ما يميّز هذه الثورة الخارجية عن غيرها من الثورات مشاركة علماء أهل السنة المالكية فيها ، فقد رأى فقهاء القيروان و صلحاؤهم أنّ الخروج مع أبي يزيد متعيّن لكفر بني عبيد ، و منهم أبو إسحاق السبائي من فقهاء القيروان و من أشدّ الناس بغضا للشيعة ، فقد روي عنه أنّه كان إذا رقي أحدا يقرأ في رقيته الفاتحة و المعوذتين كلّ سورة سبع مرّات ، ثمّ يقول في آخر رقيته : ببغضي بني عبيد و ذويه و حبّي في نبيّك و أصحابه و أهل بيته ، و كان يشير إلى أصحاب أبي يزيد و يقول : هؤلاء من أهل القبلة ، فإن ظفرنا بهم – أي بالشيعة العبيديين – لم ندخل تحت طاعة أبي يزيد ، و الله يسلّط عليه إماما عادلا يخرجه عنّا (35) ، و حكى أبو عبد الله المالكي فيمن خرج معه أبو الفضل الممسي الذي كـان يقـول إنّ الخـوارج من أهل القبلة لا يزول عنهم اسم الإسلام و يورثون و يرثون ، و بنو عبيد ليسوا كذلك لأنّهم مجوس زال عنهم اسم الإسلام ، فلا يتوارث معهم و لا ينسب إليهم (36) ، و ربيع بن سليمان القطان الذي جعل على نفسه أن لا يشبع من طعام حتى يقطع الله دولة بني عبيد ، و عندما عوتب في خروجه قال : كيف لا أخرج و قد سمعت الكفـر بأذني ، فمن ذلك أني حضرت يوما إشهـادا فيه جمع كثير أهل سنة و مشارقة ، و كان بالقرب منّي أبو قضاعة الداعي ، فأتى إليه رجل مشرقي من أعظم المشارقة ، فقام إليه رجل منهم و قال له : إلى ها هنا يا سيدي ارتفع إلى جانب رسـول الله ، يعني أبا قضـاعة ، فكيف يسعني أن أتـرك القيـام عليهم (37) ، و أبو العرب بن تميم الذي حسم الأمر عندما تناظر الناس حول شرعية الخروج ، فقال لهم : اسكتوا ، فسكت النـاس فقـال : حدثني عيسى بن مسكين عن محمد بن عبد الله يرفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم أنّه قال :" يكون في آخـر الزمان قوم يسمون الـرافضة ، فإن أدركتموهم فاقتلوهم فإنهم كفّار" (38) ، فلما تمّ الحديث كبّر الناس و ارتفعت أصواتهم ثمّ خرجوا (39) ، و حتى أصحاب الأعذار أرادوا المشاركة في القتال و لو بشكل رمـزي ، فأبو ميسرة الضرير مشى شاهرا السلاح في القيروان (40) ، ثمّ اجتمعوا و ركبـوا بالسلاح التام و البنود و الطبول ، و أتوا حتى ركّزوا بنـودهم قبالة الجامع و كانت سبعة بنود ، و حضرت صلاة الجمعة فخطب خطيبهم أحمد بن أبي الوليـد خطبة بليغة ، و حرّض الناس على الجهاد و سبّ بني عبيد و أعلم الناس بالخروج من غدهم ، فخرج الناس مع أبي يزيد لجهادهم ، و حصروهم في المهدية ، فلما رأى أبو يزيد ذلك و لم يشكّ في غلبته أظهر ما أكنّه من الخارجية ، فقال لأصحابه : " إذا لقيتم القـوم فانكشفوا عن علمـاء القـيروان حتى يتمكن أعداؤهم منهم "، فقتلـوا منهم من أراد الله سعـادته و رزقه الشهـادة ، فمنهم الممسي و ربيع القطـان في خمسة و ثلاثين من الفقهـاء و الصـالحين ، و ذلك في رجب سنـة 333 هـ ، ففارق الناس أبا يزيد و أظهروا السنة و حلّقوا بالجامع (41) ، و قالوا : قتل أوليـاء الله شهداء ، و اشتـدّ بغضهم له (42) ، و كانت هذه إحدى أهم الأسباب التي أدّت إلى هزيمة أبي يزيد و قتله ، و كما هو متوقع لم يستتبع هذه الثورة إلا المزيد من العداء بين الفاطميين و العلماء .
لقد بذل علماء المالكية جهودا كبيرة للدفاع عن عقيدتهم أمام المدّ الشيعي الإسماعيلي الذي اجتاح المنطقة ، و وقفوا له بالمرصاد و ستستمر مقاومتهم للشيعة الفاطميين ما بقيت رايتهم تعلو في سماء بلاد المغرب و إفريقية .
و لمّا اعتلى الحاكم (43) عرش الدولة الفاطمية أظهر من الكفر و الزندقة ما لم يظهره غيره ، فكان ممّا أحدث أن بنى دارا و جعل لها أبوابا و أطباقا و جعل فيها قيودا و أغلالا و سمّاها جهنّم ، فمن جنى جناية عنده قال : " أدخلوه جهنّم " و أمر أن يكتب في الجوامع بسبّ الصحابة ، و أرسل إلى المدينة من ينبش قبر النبي صلى الله عليه و سلم ، و عندما سئل الفقيه القـيرواني الزاهد ابن عذرة عن خطباء بني عبيـد ، و قيل له إنّهم يثنون عليهم ، قال : " أليس يقولون اللهم صلّ على عبـدك الحاكم و ورّثه الأرض " ، قـالوا : " نعم " ، قـال : " أرأيتم لـو أنّ خطيبا خطب فأثـنى على الله ثمّ قـال أبو جهل في الجنة ، أيكون كافرا " ، قالوا : " نعم " ، قـال : " فالحاكم شرّ من أبي جهل " ، و سئل الداودي عن المسألة نفسها فأحاب بمثل ذلك تقريبا و أضاف أنّ من صلّى الجمعة وراءه أعادها ظهرا أربعا ، ثمّ لا يقيم إذا أمكنه الخروج و لا عذر له بكثرة عياله و لا غيره (44) .
و كان العبيديون قبل رحيلهم إلى المشرق باتجاه مصر سنة 361 هـ عينوا على المغرب بلكين بن زيري(45) عاملا لهم على البلاد ، و توارث أبناؤه الحكم ، و في عهد المعز بن باديس(46) أظهر السنة و نبذ البدعة ، فجهر الناس بمعتقداتهم و أقاموا شعائرهم الدينية بحرّية كبيرة ، ثمّ قام المعز بتحريض من علماء السنة بقطع صلاته السياسية بالفاطميين العبيديين الرافضة و أعلن مبايعته للخليفة العباسي القائم في بغداد سنة 435 هـ (47) و قام العبيديون بعد ذلك بإرسال أعراب بني هلال و بني سليم إلى بلاد المغرب ، فأحدثوا فيها خرابا كبيرا كما هو مذكور في مظّانه .
و هذا العرض الموجز ليس إلا قطرة في بحر جرائم العبيديين ضد أجدادنا من أهل السنة ، فأي حضارة أقامها هؤلاء في بلادنا التي كانوا ينظرون إليها أنّها مجرّد منطقة عبور و نقطة انطلاق لتحقيق هدفهم الأكبر المتمثل في غزو المشرق و القضاء على الخلافـة العباسية السنية في بغداد ، و من تمّ الإنفراد بحكم العالم الإسلامي ؟.
و لنـدع الماضي و مآسيه و لننظر في حاضرنا ، فما أشبه اليوم بالبارحة ، فشيعة الأمس هم شيعة اليوم ، و العالم بأسره يشهد ما يحدث لأهل السنة في العراق من تقتيل و تهجير و تشريد على يد عصابات القتل الرافضية التي تمـدّها دولة إيران الشيعية بكل ما استطاعت من دعم مـادي و معنوي ، ألم يملأ الشيعة الروافض العالم شعارات عن الشيطان الأكبر الذي يجب جهاده ، فأين أنتم و قد غزا مدنكم " المقدسة النجف و كربلاء " .
و أخيرا أقول : أين مالكية اليوم من مالكية الأمس ؟ أليس فيكم رجل رشيد ؟ أليس فيكم من يقتدي بابن الـبردون و ابن هذيل و ابن أبي زيـد القيرواني و أبو الحسن علي بن خلـدون و محـرز بن خلف العـابد و الداودي و ابن المنمّر الطرابلسي و أبو عمران الفاسي و غيرهم ، فينكر على الذين يحاولون تبييض تاريخ الدولة الفاطمية في بلادنا ، ذلك التاريخ الذين كانت بدايته قتلا للمسلمين و إماتة للدين و إعلاء للبدعة و نهايته وبالا على الأمة ، فقد كانوا عـونا للصليبيين الذين دخلـوا بيت المقدس و ارتكبوا أفظع المجازر في حق المسلمين ، و من لطف قدر الله عزّ و جلّ أن تمكنّ الناصر صلاح الدين الأيوبي من القضاء على الدولة الفاطمية ففتح الله على يديه بيت المقدس .
الهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المعتزلـة : و يسمون أنفسهم أهل العدل و التوحيد ، نشأ المعتزلـة في البصرة في القرن الثاني الهجري على يد واصل بن عطاء و كان تلميذا للحسن البصري ، و لهم أصـول خمسة يتفقون حولها و هي : العـدل و التوحيد و الوعـد و الوعيد و المنزلة بين المنزلتين و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و هم فرق كثيرة منهم الواصلية و الهذيلية و النظّامية و الجاحظية ( الشهرستاني، المـلل و النحـل، تحقيـق محمد سيـد الكيـلاني، دار المعرفـة، بـيروت، ج1، ص 43 . دائرة المعارف الإسلامية، ج30، ص 9384 ) .
(2) إبراهيم التهامي، جهـود علماء المغرب في الدفاع عن عقيدة أهل السنة، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت، الطبعة الأولى، 2005، ص 45 .
(3) القاضي سحنون : الإمام سحنون بن سعيد بن حبيب التنوخي ، من شيوخ إفريقية المالكية ، ولد سنة 160 هـ ، اجتمعت فيه خلال كثيرة كالفقه البارع و الورع الصادق و الزهد في الدنيا ، ولي القضاء سنة 234 هـ دون أجر ، توفي الإمام سحنون سنة 240 هـ ( أبو العرب أحمد بن تميم، طبقات علماء إفريقية و تونس، تحقيق علي الشابي و نعيم حسن اليافي، الدار التونسية للنشر، تونس، الطبعة الثانية، 1985، ص 184 ) .
(4) أبـو عبد الله الشيعي : الحسين بن أحمد بن محمد بن زكريا المعروف بالشيعي ، من أهـل مدينة صنعاء باليمن ، القائم بدعـوة عبيد الله المهـدي ، تمكـن من التوطيد لدولة العبيديين الباطنية في بلاد المغرب ، حرّر سيده عبيد الله المهدي من سجنه في مدينة سجلماسة ، و لمّا قامت الدولة الفاطمية الباطنية خالف إمامه عبيـد الله و أضمر له الشر ، فعلم "المهدي" بذلك فـدسّ عليـه من قتله و أخاه أبا العباس أحمـد في ساعـة واحـدة سنـة 298هـ ( أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكـان، وفيـات الأعيـان و أنبـاء أبنـاء الزمـان، تحقيق إحسان عبـاس، دار الثقـافة، بيروت ، ج2، ص 192 ) .
(5) الأحزاب، الآية 40 .
(6) الحديد، الآية 3 .
(7) أبو بكر عبد الله بن محمد المالكي، ريـاض النفـوس في طبقـات علمـاء القيروان و إفريقية و زهّادهم و نسّاكهم و سير أخبارهم و فضائلهم و أوصافهم، تحقيق بشير البكوش و محمد العروسي المطوي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1994، ج2، ص 72 .
(8) محمد بن حارت بن أسد الخشني، طبقـات علمـاء إفـريقية، نشر محمد بن أبي شنب، طبعة باريس، 1915، ص 214 .
(9) قـال القاضي النعمان : و اشتهر أمـر أبي عبد الله ببلد كتامة و سمّي المشرقي لقدومه من المشرق ، ثمّ نسب إليه كل من بايعـه و دخل في دعوته و سمّـوا المشـارقـة ( القاضي النعمان، كتـاب افتتـاح الدعوة، تحقيـق فرحات الدشـراوي، الشركة التونسية للتوزيع، تونس، الطبعة الثانية، 1986، ص 79 ) .
(10) المالكي، المصدر السابق، ج2، ص 55 .
(11) نفسه، ج2، ص 48 .
(12) عبيد الله الشيعي : مؤسس الدولة العبيدية الإسماعيلية الباطنية في بـلاد المغـرب الإسلامي و أول خلفائهم ، اختلف النـاس في نسبه اختلافا كثيرا قديـما و حديثا ، بين مؤيد لمّا ادعاه من النسب الشريف ، و أنّه من ولد الحسين بن علي و فاطمة رضي الله عنهما ، و طاعن في نسبه ، فمن المؤيدين لمـا قاله و المثبتين له فضلا عن مؤرخي الإسماعيلية ، نجد بعض كبار مؤرخي أهل السنّة على رأسهم ابن الأثير الذي ردّ أقوال الطاعنين في نسبه قـائلا : " وهذه الأقوال – الطاعنة في نسب عبيد الله – فيها ما فيها ، فيا ليت شعري مـا الذي حمل أتباع أبـا عبد الله الشيعي و غيره ممن قـام به في إظهار هـذه الدعوة حتى يخرجوا هـذا الأمر من أنفسهم و يسلموه إلى ولـد يهودي ؟ و هل يسامح نفسـه بهذا الأمر من يعتقده دينـا و ثوابـا ؟ ( أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثيـر الجزري، الكامل في التاريخ، تحقيق عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1995، ج6، ص 453 ) . و نحا نحوه مؤرخون آخرون كابن خلـدون و المقريزي .
أمّـا الطاعنون في نسبـه و المكذبون لدعواه فكثيرون أيضا ، قال ابن خلكان : " و أهل العلم بالأنساب من المحققين ينكرون دعـواه في النسب ، كانت ولادته سنة 259 هـ و قيل 260هـ وقيل 266هـ بمدينة سلمية في الشام وقيل بالكوفة (ابن خلكـان ، المصدر السابق، ج3، ص117 ) ، و كذلك ابن عـذارى المراكشي الذي قال : " و قال سائر النـاس إنّـه دعيّ ، و أنّ انتسابه للطاليين دعـوة باطلة ، و ذكـروا عن أبي القاسم بن طباطبا العلوي أنّه قال : " و الله الذي لا إله إلا هو ، ما عبيد الله الشيعي منا و لا بيننا و بينه نسب "، و قد فضح القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني نسبه في كتاب كشف الأسرار و هتك الأستار ، و ذكر أنّهم قرامطة و أنّ أبا عبد الله الشيعي أحدث لهم هذا المذهب و نسبهم هذا النسب ( ابن عذارى المراكشي، البيـان المغـرب في أخبـار الأنـدلس و المغـرب، تحقيق ج.س كولان و ل.بروفنسال ، دار الثقافة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1983، ج1، ص 158 ) .
(13) ابن عذارى المراكشي،المصدر السابق، ج1، ص159 .
(14) القاضي عياض، المصدر السابق، ج3، ص 318 .
(15) ابن عذارى، المصدر السابق، ج1، ص 284 .
(16) المالكي، المصدر السابق، ج2، ص 37 .
(17) المالكي، المصدر السابق ، ج2، ص 43 . القاضي عياض، المصدر السابق، ج3، ص 247 .
(18) المالكي، المصدر السابق، ج2، ص 265 .
(19) ابن الفرضي، تـاريخ علمـاء الأنـدلس، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب اللبناني، بيروت، الطبعة الثانية، 1989، ج1، ص 222، ترجمة رقم 275 .
(20) نفسه، ج1، ص 236، ترجمة رقم 393 .
(21) المالكي، المصدر السابق، ج2، ص 152.
(22) نفسه، ج2، ص 170 .
(23) نفسه، ج2، ص 45 .
(24) القاضي عياض، المصدر السابق، ج3، ص 709 .
(25) نفسه، ج3، ص 709 .
(26) الخشني، المصدر السابق، ص 175.
(27) نفسه، ص 218 .
(28) نفسه، ص 217 .
(29) قسطيلية : في بلاد الجريد من أرض الزاب الكبيرة و هي مدينة كبيرة عليها سور حصين ، و بها تمر يجلب إلى إفريقية ، لكنّ ماءها غير طيّب و سعرها غال و أهلها شراة (خوارج) وهبيه و إباضية ( ياقوت الحموي، معجم البلـدان، دار صادر، بيـروت، الطبعة الثانية، 1995، ج4، ص 348 )
(30) القائم : أبو القاسم بن عبيد الله ، ثاني الخلفاء الفاطميين ، ولد بسلمية من بلاد الشام سنة 280 هـ ، بويع يوم مات أبوه سنة 322 هـ ، خرج في أيامه أبو يزيد الخارجي ، و مـات وهو محارب له سنة 334 هـ ( ابن حماد الصنهاجي، المصدر السابق، ص 170) .
(31) المهدية : تقع بين سوسة و صفا قس على الساحل ، بناها المهـدي، فكان ابتداؤه بالنظر فيها سنـة 300هـ و كمل سورها سنة 305هـ و انتقل إليها سنة 308هـ ، و بنا فيها قصره و قصرا لابنه و دارا للصناعة ، و جعل لها أبراجا من جهة البحر الغربيـة و جعل لها بابين من حديد (أبو عبيد البكري، المغـرب في ذكر بـلاد إفريقية و المغـرب، مكتبة المثنى، بغداد، ص28 )
(32) المنصور بالله : إسماعيل بن أبي القاسم بن عبيد الله ، ثالث الخلفاء العبيديين في بلاد المغرب و إفريقية ، ولد بمدينة المهدية سنة 299هـ و قيل سنة 302هـ ، و ولي بعد وفـاة أبيـه القائم بأمــر الله سنة 334هـ ، بنى مدينة صبرة (المنصورية) و واصل حرب أبيه ضد أبي يزيد الخارجي و انتصر عليه انتصارا حاسمـا ، و توفي سنة 341هـ ( ابن حماد الصنهاجي، المصدر السابق، ص 176) .
(33) سوسة :مدينة بإفريقية طيبة على نحـر البحر ، و لـها سور حصين و ماؤها معين و بهـا أعمال صالحة نبيلة ، و لها أسـواق حسنة و فنـادق و حمـامات ، و هي من القيـروان على مرحلة (أبو القاسم بن حوقل النصيبي، صـورة الأرض، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت ، ص 74 ) .
(34) ابن حماد الصنهاجي، المصدر السابق، ص171 و ما بعدها . ابن عذارى، المصدر السابق، ج 1، ص 216 و ما بعدها .
(35) المالكي، المصدر السابق، ج2، ص 469 . القاضي عياض، المصدر السابق، ج3، ص 376 .
(36) المالكي، المصدر السابق، ج2، ص 298 .
(37) المالكي، المصدر السابق، ج2، ص 323 و ما بعدها .
(38) روي هذا الحديث في كتب أهل الحديث ، و ممّن رواه مسندا و بألفاظ مختلفة الحافظ أبو بكر عمرو بن أبي عاصم الشيباني في كتابه السنة قال : باب في ذكر الرافضة أذّلهم الله ، و علّق على أسانيدها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني مبينا ضعفها ، و في تخريج الحديث رقم 981 و نصّه كاملا : حدّثنا إسماعيل بن سالم حدثنا يونس بن محمد حدثنا عمران بن زيد عن الحجاج بن تميم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله يقول : " يكون في آخـر الزمـان قوم ينبزون الرافضة يرفضون الإسـلام و يلفظونه فاقتلوهم فإنّهم مشركون " . قال الألباني : و الحديث أخرجه أبو يعلى من طريق أخرى عن عمران بن زيد به ، و قال الهيثمي رواه أبو يعلى و البزار و الطبراني ، و رجاله وثقوا و في بعضهم خلاف ، ثمّ ساقه بلفظ آخر عنه " يا علي سيكون قوم في أمتي ينتحلون حب أهل البيت ، لهم نبز يسمون الرافضة ، قاتلوهم فإنهم مشركون " ، و قال : رواه الطبراني و إسناده حسن ( أبو بكر عمرو بن أبي عاصم الضحّاك بن مخلد الشيباني، كتـاب السنـة، تخريج محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1993، ص460 ) .
(39) المالكي، المصدر السابق، ج2، ص 309 .
(40) القاضي عياض، المصدر السابق، ج3، ص 317 .
(41) القاضي عياض، المصدر السابق، ج3، ص 318 . و حول مشاركة علماء السنة المالكية في ثورة صاحب الحمار أنظر أيضا : المالكي، المصدر السابق، ج2، ص 340 و ما بعدها .
(43) ابن عذارى، المصدر السابق، ج1، ص 218 .
(44) الحاكم بأمر الله : أبو علي المنصور بن العزيز بن المعز بن المنصور بن القائم بن عبيد الله ، ولد سنة 375هـ بالقاهرة ، ولاه أبوه العهد سنة 383هـ ، و ولي الخلافة سنة 386هـ ، كان جوادا بالمال سفّاكا للدماء قتل عددا كبيرا من أهل دولته ، و كانت سيرته من أعجب السير، يخترع كل وقت أحكاما يحمل الناس على العمل بهـا ، و منها أنّه في سنة 395هـ أمر بكتب سبّ الصحـابة في حيطان المساجد و الشوارع ، ثم أمر بقطع ذلك في سنة 397 هـ ، و منها أنّه أمر في سنة 402 هـ بعدم بيع الزبيب و نهى التجـار عن حمله إلى مصر ، و أمر النصارى بلبس العمائم السود ، و أن يعمل النصارى في أعناقهم الصلبان ، و أن تحمل اليهود في أعناقهم قوامي الخشب على وزن صلبان النصارى ، و في سنة 408 هـ أمر بهدم الكنائس في الديار المصرية ، ثم عاد عن هذا ، توفي الحاكم سنة 411هـ (ابن خلكان، المصدر السابق، ج5، ص 292 ) .
(45) القاضي عياض، المصدر السابق، ج3، ص 719 .
(46) بلكين بن زيري :أبو الفتوح بلكين بن زيري بن مناد الحميري الصنهاجي ، و يسمى أيضا يوسف لكن بلكين أشهر ، استخلفه المعز العبيدي على إفريقية ، و كان استخلافه سنة 361هـ ، و أمر الناس بالسمع و الطاعة له ، ولم يزل حسن السيرة تام النظر في مصالح دولته إلى حين وفـاته (ابن الخطيب : أعمـال الأعـلام "القسم الثالث"، تحقيق : د/ أحمــد مختار العبّادي، دار الكتـاب ،الدار البيضــاء ، ص99 ) .
(47) المعـز بن باديس : صاحب إفريقية ولد بالمنصورية سنة 398هـ ، و ملك بعد وفاة أبيه سنة 406هـ ، حمل الناس على مذهب الإمام مالك و قطع الخطبة للمستنصر العبيدي و خلـع طاعته ، و خطب للقائم بأمر الله العباسي ، فكتب إليه المستنصر يتهدّده و بقول له : هلا اقتفيت آثـار آبائك في الطاعـة و الولاء ، فأجاب :"إن آبـائي و أجدادي كانوا ملـوك المغرب قبل أن يملكه أسلافـك" ، توفي المعز سنة 454هـ بالقيروان ( ابن خلكان ،المصدر السابق، ج5، ص233 . ابن الخطيب ، المصدر السابق، ص72 ) .
(48) ابن الأثير، الكامل في التاريخ،ج8، ص 266 .
من مواضيعي
0 رسالة خطيرة لولاة الأمر من محكم جزائري لمسابقة القرآن الكريم الدولية في ايران
0 القرضاوي يحرم المظاهرات ضد الرئيس مرسي
0 مرحلة جديدة من الصراع بين الجيش وبوتفليقة على مشارف رئاسيات 2014
0 الجيش الحر يستولي على مركز لـ الشبيحة في حمص و المفاجأة
0 الكشف عن ممر سري لعبور مقاتلي الصدر الشيعة للقتال في سوريا
0 إيران تحرّف في خطاب مرسي بحذف اسمي أبوبكر وعمر وتقحم كذبا البحرين في الربيع العر
0 القرضاوي يحرم المظاهرات ضد الرئيس مرسي
0 مرحلة جديدة من الصراع بين الجيش وبوتفليقة على مشارف رئاسيات 2014
0 الجيش الحر يستولي على مركز لـ الشبيحة في حمص و المفاجأة
0 الكشف عن ممر سري لعبور مقاتلي الصدر الشيعة للقتال في سوريا
0 إيران تحرّف في خطاب مرسي بحذف اسمي أبوبكر وعمر وتقحم كذبا البحرين في الربيع العر







