مرض العشق
10-11-2008, 11:41 AM
بسم الله الرّحمن الرّحيم
العِشق: تعريفه، حقيقته،أسبابه، الوقاية والعلاج منه
توطئة :
الحمدلله الّلطيف الخبير ، والصّلاة والسّلام على نبيّنا المُْرسل للأخذ بحُجِزنا عن التّفلّت في السّعير أمّا بعد:
فإنّ محبّة النّفوس للصّوت والصّورة قد تكون عظيمة جدّاً ، فإذا جُعِل ذلك ديناً ، وسمّيَ لله ، صار كالأنداد ، والطّواغيت المحبوبة تدّيّناً ، وعبادة كما قال تعالى :" وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم "(البقرة:93).
فالعبادة : معناها الذّلّ ، وهي تتضمّن معنى الذّلّ ومعنى الحبّ ، أي :غاية الذّلّ لله بغاية المحبّة له.
والمحبّة مراتب:
أوّلهـــا : العُلاقة ، وهي تعلّق القلب بالمحبوب .
الثّانيـة : الإرادة ، وهي ميل القلب إلى محبوبه وطلبه له.
الثّالثـة : الصّبابة ، وهي انصباب القلب إليه بحيث لايملكه صاحبه.
الرّابعة : الغرام ، وهو الحبّ الملازم للقلب .
الخامسة: المودّة ،والودّ ، وهي صفوّ المحبّة وخالصها ولُبّها.
السّادسة: الشّغَف ، وهي وصول المحبّة إلى شِغاف القلب.
السّابعة : العِشق ، وهو محبّة مع شهوة.
الثّامنـة : التّيم ، وهو بمعنى التّعبّد.
التّاسعة : التّعبّد .
العاشرة : الخلّة ، وهي المحبّة الّتي تخلّلت روح المحبّ وقلبه .
كما أنّ المحبّة أنواع متعدّدة : فأفضلها وأجلّها المحبّة في الله ولله ؛ وهي تستلزم محبّة ما أحبّ الله تعالى، وتستلزم محبّة الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم .
وليس في دين الله محبّة أحد لحسنه قطّ ، فإنّ مجرّد الحسن لايثيب الله عليه ولايعاقب ، ولو كان كذلك لكان يوسف عليه السّلام ، لمجرّد حسنه ، أفضل من غيره من الأنبياء ، وإذا استوى شخصان في الأعمال الصّالحة ، وكان أحدهما أحسن صورة و صوتاً ، كانا عند الله سواء ، فإنّ أكرم الخلق عند الله تعالى أتقاهم ، يعمّ ذلك صاحب الصّورة الحسنة والصّوت الحَسَن ، فإذا استعمل ذلك في طاعة الله دون معصية ، كان أفضل من هذا الوجه..
ومن أنواع المحبّة ، محبة الاتّفاق في طريقة ، أو دين ، أو مذهب ، أو نحلة ، أو قرابة، أو صناعة ، أو مراد ما .
ومنها ، محبّة لنيل غرض من المحبوب ، إمّا من جاه أو من مال أو من تعليمه وإرشاده ، أو قضاء وطر منه ، وهذه هي المحبّة العرضيّة الّتي تزول بزوال موجبها ، فإنّ من ودّك لأمر ، ولى عنك عند انقضائه.
وأمّا محبّة المشاكلة والمناسبة الّتي بين المحبّ والمحبوب ، فمحبّة لازمة لاتزول إلاّ لعارض يُزيلها ، ومحبّة العشق من هذا النّوع ، فإنّها استحسان روحاني ، وامتزاج نفساني ، ولايعرض في شئ من أنواع المحبّة من الوساوس والنّحول ، وشغل البال ، والتّلف ،ما يعرض من العشق.
· تعريف العشق وتبيان ماهيّته وحقيقته:
العشق ،كما تقدّم ، مرتبة عالية في المحبّة ، فهو الإفراط في المحبّة بحيث يستولي المعشوق على قلب العاشق حتّى لايخلو من تخيّله وذكره والفكر فيه بحيث لايغيب عن خاطره وذهنه طرفة عين ، كما قال أحدهم :
تغيبُ فـلاأفـــــــرح ** فليتك ماتبـــــرح
وإن جـــئتَ عذّبتنــي ** بأنّك لاتسمــــــــح
فأصبحت مابين ذَيـــــ**ـــنِ لي كبدٌ تجرح
والعشق خفيّ أن يُرى ، وجليّ أن يُخفى ، فهو كامن ككمون النّار في الحجر إن قدحته أورى وإن تركته توارى.
هو مرضٌ من أمراض القلب ، مُخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه ، وإذا تمكّن واستحكم ، عزّ على الأطبّاء دواؤه و أعيَ العليل داؤه ، وإنّما حكاه الله سبحانه في كتابه عن طائفتين من النّاس : النّساء ، وعشّاق الصّبيان و المُردان ، فحكاه عن امرأة العزيز في شأن يوسف عليه السّلام ، كما حكاه عن قوم لوطٍ عليه السّلام.
والعاشق لصورة إذا بقيَ قلبه مُتعلّقاً بها ، مستعبداً لها، اجتمع له من أنواع الشرّ والفساد مالايُحصيه إلاّ ربّ العباد وتأمّل قول القائل:
ياسُعاد الّتي سبتني فــؤادي ** ورقــادي هبي لعيني رُقادي
· أسباب العشق :
من أعظم أسباب هذا البلاء إعراض القلب عن ذكر الله تعالى وتدبّر كلامه ؛ قال تعالى :" ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشةً ضنكى"( طه :124).
كذلك خلوّ القلب من محبّة الله سبحانه ، فعشق الصّور،والأصوات، إنّما تبتلى به القلوب الفارغة من محبّة الله جلّ في علاه ، المتعوّضة بغيره عنه.
والهوى والشّهوة وضعف الإخلاص ونقص الإيمان والتّقوى أسبابٌ له ، فأهل الأهواء والشّهوات من النّساء والرّجال يميلون إلى ذي الصّورة الحسنة –وكذا الصّوت الحسن- ويحبّونه ويعشقونه ، ويرغبّونه بأنواع الكرامات ويرهبّونه عند الإمتناع بأنواع المخوّفات ، كما جرى ليوسف عليه السّلام وغيره.
· الوقاية من العشق:
العشق مركّب من أمرين :
استحسان للمعشوق، وطمعٌ في الوصول إليه ، فمتى انتفى أحدهما انتفى العشق.
وإذا كان القلب محبّاً لله وحده مخلصاً له الدّين لم يُبتلَ بحبّ غيره أصلاً ، فضلاً أن يبتلى بالعشق ، وحيث ابتلى بالعشق فلنقص محبته لله وحده.
ولهذا لمّا كان يوسف محبّاً لله مخلصاً له الدّين لم يُبتلَ بذلك ،بل قال تعالى :"كذلك لنصرف عنه السّوء والفحشاءَ إنّه من عبادنا المخلصين"(يوسف:24).
وأمّا امرأة العزيز فكانت مشركة هي وقومها ، فلهذا أُبتلِيت بالعشق،ومايبتلى بالعشق أحد إلاّ لنقص توحيده وإيمانه ، وإلاّ فالقلب المنيب إلى الله الخائف منه فيه صارفان عن العشق:
أحدهما : إنابته إلى الله ، ومحبّته له ،فإنّ ذلك ألذّ وأطيب من كلّ شئ ، فلا تبقي مع مبّة الله محبّة الله محبّة مخلوق تزاحمه.
والثّاني : خوفه من الله ، فإنّ الخوف المضادّ للعشق يصرفه ، وكلّ من أحبّ شيئاً بعشق أو دونه فإنّه يصرف من محبّته بمحبّة ماهو أحبّ إليه منه إذا كان يزاحمه ، وينصرف عن محبّته بخوف حصول ضرر يكون أبغض إليه من ترك ذاك الحبّ ، فإذا كان الله أحبّ إلى العبد من كلّ شئ وأخوف عنده من كلّ شئ ، لم يحصل معه عشق ولامزاحمة إلاّ عند غفلة أو عند ضعف هذا الحبّ والخوف ، بترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرّمات ، فإنّ الإيمان يزيد بالطّاعة وينقص بالمعصية .
فبخٍ بخٍ من أمتلى قلبه بذكر الله ، قال تعالى :" الذّين آمنوا وتطمئنّ قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب "( الرّعد:28).
· علاج العشق:
من فاته الوقاية من العشق فعليه بتحصيل العلاج والإلتزام به ، وهو أنواع:
· فإن كان ممّا للعاشق سبيل إلى وصل محبوبه شرعاً وقدراً ، فهو علاجه ، كما ثبت في "الصّحيحين" من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : {يامعشر الشّباب من استطاع منكم أن الباءة فليتزوّج ، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم ، فإنّه له وجاء}.
فدلّ المحبّ على علاجين : أصلي وبدلي. وأمره بالأصلي ، وهو العلاج الذّي وضع لهذا الدّاء، فلاينبغي العدول عنه إلى غيره ماوجد إليه سبيلاً.
وروى ابن ماجه في سننه "ح1847" عن ابن عبّاس رضي الله عنهما ، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال :{ لم نرَ للمتحابّين مثل النّكاح}(صحيح/الصّحيحة624).وهذا هو المعنى الذّي أشار إليه سبحانه عقيب إحلال النّساء حرائرهنّ وإمائهنّ عند الحاجة بقوله :" يُريد الله أن يخفّف عنكم وخُلِق الإنسان ضعيفاً"(النّساء:28).
فذكر تخفيفه في هذا الموضع ، وإخباره عن ضغف الإنسان يدلّ على ضعفه عن احتمال هذه الشّهوة ، وأنّه-سبحانه- خفّف عنه أمرها بما أباحه له من أطايب النّساء مثنى وثُلاث ورباع ، وأباح له ماشاء مّما ملكت يمينه ، ثمّ أباح له أن يتزوّج بالإماء إن احتاج إلى ذلك علاجاً لهذه الشّهوة ، وتخفيفاًً عن هذا الخلق الضّعيف ،ورحمة به.
· وإن كان لاسبيل للعاشق إلى وصال معشوقه قدراً أو شرعاً ، أو هو ممتنع عليه من الجهتين ، وهو الدّاء العضال ، فمن علاجه إشعار نفسه اليأس منه ، فإن النّفس متى يئست من الشّئ استراحت منه ، ولم تلتفت إليه ، فإن لم يَزُل مرض العشق مع اليأس ، فقد انحرف الطّبع انحرافاً شديداً ، فينتقل إلى علاج آخر ، وهو علاج عقله بأن يعلم بأنّ تعلُّق القلب بما لامطمع في حصوله نوعٌ من الجنون ، وصاحبه بمنزلة من يعشق الشّمس ، وروحه متعلّقة بالصّعود إليها.
· وإن كان الوصال ممتنعاً شرعاً لاقَدَراً ، فعلاجه بأن ينزله منزلة الممتنع قَدَراً ، إذ لم يأذن فيه الله...
· ومن العلاج أن يقارن بين لذّة الدّنيا سريعة الزّوال والممثّلة بتحقيق هذا الوصال المتنع ، مع لذّة أعظم وأدوم في الآخرة ، فيظهر له التّفاوت.
· ومن العلاج تذكّر قبائح المحبوب ، وما يدعوه إلى النّفرة عنه.
· ومنه التضرّع إلى الله تعالى بالدّعاء والاستعانة بالصّبر والصّلاة وملئ الفراغ بالطّاعات .
فمتى وفّق لذلك ، فقد قرع باب التّوفيق ، فليعفّ وليكتُم ، ولايشبّب بذكر المحبوب ، ولايفضحه بين النّاس ويعرّضه للأذى ، فإنّه حينها يكون ظالماً معتدياً.
انتهى.
وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم.
كتبه الفقير إلى الله تعالى : عابر سبيل.
..................
المراجع:
v مجموع الفتاوى لابن تيمية : 10/135-136 و186-187.
v الإستـقامــــــــة لابن تيمية :1/348-349 و372-374.
v زاد المـــــــــعاد لابن القيّم :4/265-276 وانظرأيضاً الجواب الكافي .
v شرح العقيدة الطــــــحّاويّة : ص165/ط8، المكتب الإسلامي.
منقول
العِشق: تعريفه، حقيقته،أسبابه، الوقاية والعلاج منه
توطئة :
الحمدلله الّلطيف الخبير ، والصّلاة والسّلام على نبيّنا المُْرسل للأخذ بحُجِزنا عن التّفلّت في السّعير أمّا بعد:
فإنّ محبّة النّفوس للصّوت والصّورة قد تكون عظيمة جدّاً ، فإذا جُعِل ذلك ديناً ، وسمّيَ لله ، صار كالأنداد ، والطّواغيت المحبوبة تدّيّناً ، وعبادة كما قال تعالى :" وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم "(البقرة:93).
فالعبادة : معناها الذّلّ ، وهي تتضمّن معنى الذّلّ ومعنى الحبّ ، أي :غاية الذّلّ لله بغاية المحبّة له.
والمحبّة مراتب:
أوّلهـــا : العُلاقة ، وهي تعلّق القلب بالمحبوب .
الثّانيـة : الإرادة ، وهي ميل القلب إلى محبوبه وطلبه له.
الثّالثـة : الصّبابة ، وهي انصباب القلب إليه بحيث لايملكه صاحبه.
الرّابعة : الغرام ، وهو الحبّ الملازم للقلب .
الخامسة: المودّة ،والودّ ، وهي صفوّ المحبّة وخالصها ولُبّها.
السّادسة: الشّغَف ، وهي وصول المحبّة إلى شِغاف القلب.
السّابعة : العِشق ، وهو محبّة مع شهوة.
الثّامنـة : التّيم ، وهو بمعنى التّعبّد.
التّاسعة : التّعبّد .
العاشرة : الخلّة ، وهي المحبّة الّتي تخلّلت روح المحبّ وقلبه .
كما أنّ المحبّة أنواع متعدّدة : فأفضلها وأجلّها المحبّة في الله ولله ؛ وهي تستلزم محبّة ما أحبّ الله تعالى، وتستلزم محبّة الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم .
وليس في دين الله محبّة أحد لحسنه قطّ ، فإنّ مجرّد الحسن لايثيب الله عليه ولايعاقب ، ولو كان كذلك لكان يوسف عليه السّلام ، لمجرّد حسنه ، أفضل من غيره من الأنبياء ، وإذا استوى شخصان في الأعمال الصّالحة ، وكان أحدهما أحسن صورة و صوتاً ، كانا عند الله سواء ، فإنّ أكرم الخلق عند الله تعالى أتقاهم ، يعمّ ذلك صاحب الصّورة الحسنة والصّوت الحَسَن ، فإذا استعمل ذلك في طاعة الله دون معصية ، كان أفضل من هذا الوجه..
ومن أنواع المحبّة ، محبة الاتّفاق في طريقة ، أو دين ، أو مذهب ، أو نحلة ، أو قرابة، أو صناعة ، أو مراد ما .
ومنها ، محبّة لنيل غرض من المحبوب ، إمّا من جاه أو من مال أو من تعليمه وإرشاده ، أو قضاء وطر منه ، وهذه هي المحبّة العرضيّة الّتي تزول بزوال موجبها ، فإنّ من ودّك لأمر ، ولى عنك عند انقضائه.
وأمّا محبّة المشاكلة والمناسبة الّتي بين المحبّ والمحبوب ، فمحبّة لازمة لاتزول إلاّ لعارض يُزيلها ، ومحبّة العشق من هذا النّوع ، فإنّها استحسان روحاني ، وامتزاج نفساني ، ولايعرض في شئ من أنواع المحبّة من الوساوس والنّحول ، وشغل البال ، والتّلف ،ما يعرض من العشق.
· تعريف العشق وتبيان ماهيّته وحقيقته:
العشق ،كما تقدّم ، مرتبة عالية في المحبّة ، فهو الإفراط في المحبّة بحيث يستولي المعشوق على قلب العاشق حتّى لايخلو من تخيّله وذكره والفكر فيه بحيث لايغيب عن خاطره وذهنه طرفة عين ، كما قال أحدهم :
تغيبُ فـلاأفـــــــرح ** فليتك ماتبـــــرح
وإن جـــئتَ عذّبتنــي ** بأنّك لاتسمــــــــح
فأصبحت مابين ذَيـــــ**ـــنِ لي كبدٌ تجرح
والعشق خفيّ أن يُرى ، وجليّ أن يُخفى ، فهو كامن ككمون النّار في الحجر إن قدحته أورى وإن تركته توارى.
هو مرضٌ من أمراض القلب ، مُخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه ، وإذا تمكّن واستحكم ، عزّ على الأطبّاء دواؤه و أعيَ العليل داؤه ، وإنّما حكاه الله سبحانه في كتابه عن طائفتين من النّاس : النّساء ، وعشّاق الصّبيان و المُردان ، فحكاه عن امرأة العزيز في شأن يوسف عليه السّلام ، كما حكاه عن قوم لوطٍ عليه السّلام.
والعاشق لصورة إذا بقيَ قلبه مُتعلّقاً بها ، مستعبداً لها، اجتمع له من أنواع الشرّ والفساد مالايُحصيه إلاّ ربّ العباد وتأمّل قول القائل:
ياسُعاد الّتي سبتني فــؤادي ** ورقــادي هبي لعيني رُقادي
· أسباب العشق :
من أعظم أسباب هذا البلاء إعراض القلب عن ذكر الله تعالى وتدبّر كلامه ؛ قال تعالى :" ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشةً ضنكى"( طه :124).
كذلك خلوّ القلب من محبّة الله سبحانه ، فعشق الصّور،والأصوات، إنّما تبتلى به القلوب الفارغة من محبّة الله جلّ في علاه ، المتعوّضة بغيره عنه.
والهوى والشّهوة وضعف الإخلاص ونقص الإيمان والتّقوى أسبابٌ له ، فأهل الأهواء والشّهوات من النّساء والرّجال يميلون إلى ذي الصّورة الحسنة –وكذا الصّوت الحسن- ويحبّونه ويعشقونه ، ويرغبّونه بأنواع الكرامات ويرهبّونه عند الإمتناع بأنواع المخوّفات ، كما جرى ليوسف عليه السّلام وغيره.
· الوقاية من العشق:
العشق مركّب من أمرين :
استحسان للمعشوق، وطمعٌ في الوصول إليه ، فمتى انتفى أحدهما انتفى العشق.
وإذا كان القلب محبّاً لله وحده مخلصاً له الدّين لم يُبتلَ بحبّ غيره أصلاً ، فضلاً أن يبتلى بالعشق ، وحيث ابتلى بالعشق فلنقص محبته لله وحده.
ولهذا لمّا كان يوسف محبّاً لله مخلصاً له الدّين لم يُبتلَ بذلك ،بل قال تعالى :"كذلك لنصرف عنه السّوء والفحشاءَ إنّه من عبادنا المخلصين"(يوسف:24).
وأمّا امرأة العزيز فكانت مشركة هي وقومها ، فلهذا أُبتلِيت بالعشق،ومايبتلى بالعشق أحد إلاّ لنقص توحيده وإيمانه ، وإلاّ فالقلب المنيب إلى الله الخائف منه فيه صارفان عن العشق:
أحدهما : إنابته إلى الله ، ومحبّته له ،فإنّ ذلك ألذّ وأطيب من كلّ شئ ، فلا تبقي مع مبّة الله محبّة الله محبّة مخلوق تزاحمه.
والثّاني : خوفه من الله ، فإنّ الخوف المضادّ للعشق يصرفه ، وكلّ من أحبّ شيئاً بعشق أو دونه فإنّه يصرف من محبّته بمحبّة ماهو أحبّ إليه منه إذا كان يزاحمه ، وينصرف عن محبّته بخوف حصول ضرر يكون أبغض إليه من ترك ذاك الحبّ ، فإذا كان الله أحبّ إلى العبد من كلّ شئ وأخوف عنده من كلّ شئ ، لم يحصل معه عشق ولامزاحمة إلاّ عند غفلة أو عند ضعف هذا الحبّ والخوف ، بترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرّمات ، فإنّ الإيمان يزيد بالطّاعة وينقص بالمعصية .
فبخٍ بخٍ من أمتلى قلبه بذكر الله ، قال تعالى :" الذّين آمنوا وتطمئنّ قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب "( الرّعد:28).
· علاج العشق:
من فاته الوقاية من العشق فعليه بتحصيل العلاج والإلتزام به ، وهو أنواع:
· فإن كان ممّا للعاشق سبيل إلى وصل محبوبه شرعاً وقدراً ، فهو علاجه ، كما ثبت في "الصّحيحين" من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : {يامعشر الشّباب من استطاع منكم أن الباءة فليتزوّج ، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم ، فإنّه له وجاء}.
فدلّ المحبّ على علاجين : أصلي وبدلي. وأمره بالأصلي ، وهو العلاج الذّي وضع لهذا الدّاء، فلاينبغي العدول عنه إلى غيره ماوجد إليه سبيلاً.
وروى ابن ماجه في سننه "ح1847" عن ابن عبّاس رضي الله عنهما ، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال :{ لم نرَ للمتحابّين مثل النّكاح}(صحيح/الصّحيحة624).وهذا هو المعنى الذّي أشار إليه سبحانه عقيب إحلال النّساء حرائرهنّ وإمائهنّ عند الحاجة بقوله :" يُريد الله أن يخفّف عنكم وخُلِق الإنسان ضعيفاً"(النّساء:28).
فذكر تخفيفه في هذا الموضع ، وإخباره عن ضغف الإنسان يدلّ على ضعفه عن احتمال هذه الشّهوة ، وأنّه-سبحانه- خفّف عنه أمرها بما أباحه له من أطايب النّساء مثنى وثُلاث ورباع ، وأباح له ماشاء مّما ملكت يمينه ، ثمّ أباح له أن يتزوّج بالإماء إن احتاج إلى ذلك علاجاً لهذه الشّهوة ، وتخفيفاًً عن هذا الخلق الضّعيف ،ورحمة به.
· وإن كان لاسبيل للعاشق إلى وصال معشوقه قدراً أو شرعاً ، أو هو ممتنع عليه من الجهتين ، وهو الدّاء العضال ، فمن علاجه إشعار نفسه اليأس منه ، فإن النّفس متى يئست من الشّئ استراحت منه ، ولم تلتفت إليه ، فإن لم يَزُل مرض العشق مع اليأس ، فقد انحرف الطّبع انحرافاً شديداً ، فينتقل إلى علاج آخر ، وهو علاج عقله بأن يعلم بأنّ تعلُّق القلب بما لامطمع في حصوله نوعٌ من الجنون ، وصاحبه بمنزلة من يعشق الشّمس ، وروحه متعلّقة بالصّعود إليها.
· وإن كان الوصال ممتنعاً شرعاً لاقَدَراً ، فعلاجه بأن ينزله منزلة الممتنع قَدَراً ، إذ لم يأذن فيه الله...
· ومن العلاج أن يقارن بين لذّة الدّنيا سريعة الزّوال والممثّلة بتحقيق هذا الوصال المتنع ، مع لذّة أعظم وأدوم في الآخرة ، فيظهر له التّفاوت.
· ومن العلاج تذكّر قبائح المحبوب ، وما يدعوه إلى النّفرة عنه.
· ومنه التضرّع إلى الله تعالى بالدّعاء والاستعانة بالصّبر والصّلاة وملئ الفراغ بالطّاعات .
فمتى وفّق لذلك ، فقد قرع باب التّوفيق ، فليعفّ وليكتُم ، ولايشبّب بذكر المحبوب ، ولايفضحه بين النّاس ويعرّضه للأذى ، فإنّه حينها يكون ظالماً معتدياً.
انتهى.
وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم.
كتبه الفقير إلى الله تعالى : عابر سبيل.
..................
المراجع:
v مجموع الفتاوى لابن تيمية : 10/135-136 و186-187.
v الإستـقامــــــــة لابن تيمية :1/348-349 و372-374.
v زاد المـــــــــعاد لابن القيّم :4/265-276 وانظرأيضاً الجواب الكافي .
v شرح العقيدة الطــــــحّاويّة : ص165/ط8، المكتب الإسلامي.
منقول
من مواضيعي
0 فتوى في الملون الغذائي الأحمر [e120] للشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس
0 ضربت الزلزلة في الجزائر العاصمة تقريب الساعة 1910 تقريبا من شعر بها
0 تحذير الجزائريين من مركز الدكتور محمد الهاشمي
0 خبر عاجل ..........غداً أول أيام رمضان ...في السعودية و الأردن و فلسطين
0 ماذا يفعل من تزوج بنتا وبعد الدخول لم يجدها بكرا ؟!
0 مباريات كرة القدم التي على مال أو نحوه من جوائز حرام؛ لكون ذلك قمارا
0 ضربت الزلزلة في الجزائر العاصمة تقريب الساعة 1910 تقريبا من شعر بها
0 تحذير الجزائريين من مركز الدكتور محمد الهاشمي
0 خبر عاجل ..........غداً أول أيام رمضان ...في السعودية و الأردن و فلسطين
0 ماذا يفعل من تزوج بنتا وبعد الدخول لم يجدها بكرا ؟!
0 مباريات كرة القدم التي على مال أو نحوه من جوائز حرام؛ لكون ذلك قمارا









