كتب أوباما الأربعة
20-11-2008, 01:02 PM
الرئيس باراك أوبامايوسف القعيد
أخيراً نجح باراك أوباما... في تلك الانتخابات الأميركية التي يمكن وصفها بأنها انتخابات على الهواء... انتخابات من أجل العالم، بالتحديد من أجل أن يعرف العالم الكثير عن ديموقراطية أميركا... وتستعيد أميركا بذلك جماهيرها على مستوى العالم بعد أن فقدتها بسبب حماقات جورج بوش، غير المسبوقة... بين جميع الرؤساء الأميركيين الذين تولوا قبله.
لن أتوقف أمام القضية المثارة الآن في الشارع العربي، عن الأصول الأفريقية لأوباما... وعن سنوات عمره الأولى، ولا عن تعبيره عن الفقراء... واقترابه منهم، لمجرد أنه كان فقيراً لفترة طويلة من الوقت... فقط سأتكلم عن كتب أوباما... وأنا شخصياً اهتممت به كثيراً بمجرد أن عرفت أنه كان مؤلفاً، وأنه كان يخطط لحياته لكي يعيش من الكتابة... لكنه تحول - في منتصف الطريق - من الكتابة إلى السياسة، بعد فترة من الوقت عمل فيها بالمحاماة.
ورغم تخرجه في هارفارد «التي تعد واحدة من أهم جامعتين في العالم كله الآن»، إلا أنه كان محامي المفصولين من العمل... حتى يعيدهم إلى العمل مرة أخرى... وهو موقف يحسب له، لكن لا يمكن مطالبته بالاستمرار فيه الآن... لأنه أصبح في مكان آخر يختلف تماماً عن مكانه السابق.
لا تسأل نفسك مثلما عذبت نفسي بالسؤال، إن كان أوباما له أربعة كتب مؤلفة... نشرت وصدرت من قبل... أين «الأشاوس» من المترجمين العرب، وفي المقدمة منهم المصريون... أين هم من ترجمة هذه الأعمال؟ وإن كان المترجمون قد تقاعسوا عن القيام بواجبهم... وقصروا في مهامهم... أين الناشر العربي الهمام الذي يمكن أن يهتم بمثل هذه الكتب ويسعى إلى ترجمتها؟ أليست مأساة كاملة الأركان أن تهمل هذه الكتب ولا تتم ترجمتها؟ لا يوجد مبرر واحد معه... وأسهل جميع الطرق للانتصار عليه، لكننا نمنا في العسل نوماً.
عرفت بكتب أوباما الأربعة... من عروض لها... في الصحافة المصرية والعربية، وتعجبت من الحال... لكن ما لا يدرك كله... لا يترك كله.
كنت قد قرأت مقال... زميلي القديم في دار الهلال ومجلة المصور، في زمان مضى وانقضى عبدالتواب عبدالحي: «باراك أوباما وكتـــبه الغـــريبة جدا» - العالم اليوم - عدد 31/5/2008 وقبله - كنت قد قرأت في الطـــبعة العربية من نيوزويك 1/4/2008... كيف أصبح باري باراك، وفي المقالين إشارات لمؤلفات أوباما الأربعة... وهي سابقة على فكرة ترشيح نفسه لرئاسة أميركا... وأهمها كتابه الأول: «أحلام من أجل أبي»، وكتابه الثاني وهو مذكراته الشخصية... لا تتصور أنها في لعبة أكثر الكتب مبيعاً... فهي لعبة تجارية صــرفة... لا عــلاقة لها بالثقافة... ولا إقبال القراء... وللأسف فقد بدأت هذه اللعـــبة في الولايات المتحدة الأميركية نفسها، وفي زمن بعـــيد جداً... ربما كان نهايات القرن التاسع عشر أو بدايات القرن العشرين... ثم وصلت إلينا اخيراً عبر أوروبا... ولا يذهب بالك إلى لعبة خطف المؤلفين... التي يتم الإعلان عنها الآن باعتـــبارها حفلات التوقيع، حتى لو كان التوقيع لطبعة خامسة من كتاب... صدرت طبعته الأولى منذ سنوات... إنها أعراض خصخصة العالم... وكأن جميع دور النشر أصبحت ترقص على إيقـــاع هـــوليودي.
أصل لهدفي... ألا وهو ما عرفته عن باراك أوباما، من العروض التي قرأتها في كتابه الأول: «أحلام من أجل أبي»... وذلك من باب التعرف على هذا القادم من المجهول، الذي وصل إلى المكان الأكثر أهمية في عالم اليوم... لفت نظري أوباما الفتى... عندما وقع بصره على صورة مزعجة لرجل أسود، حاول تبييض بشرته باستعمال مواد كيماوية... فأصبح وجه الرجل كأنه يعاني تسمماً إشعاعياً... كانت رؤية هذه الصورة عنيفة بالنسبة لي... كما كتب أوباما لاحقاً... كان آخر... أن هناك عدواً خفياً يمكنه أن يؤثر عليّ من دون معرفة أحد، حتى في غفلة منه... أصبح أوباما أكثر وعياً بكونه أسود... ففي مدرسته الجديدة أرادت فتاة صهباء أن تلمس شعره، فتهرب منها... وأراد أحد الصبيان - من البيض طبعاً - أن يعرف إن كان والده يأكل الناس، قد تقول لي إنه تصرف هكذا مع الفتاة والفتى لأنهما من البيض.
ولكن هـــا هـــو أوبـــامـــا ذات نفــسه يعتـــرف أنه دفـــع فـــــتاة ســـوداء بعيداً عنه برفق عندما استهزأ أولاد آخــرون بكليهما، قائلين انها صديقـــته... عرقه... كان يقرأ كتباً لأدباء سود، جيمس بولدوين... ورالف آليسون... ولانغيستون هيوار، لا أعرف لماذا أغفل ريتشـــارد رايت مع أنه الأهم من بينهم، وكتاباته الروائية والقصصية كانت بالنـــسبة لي ثغـــرة مبكرة في جدار الدعاية الأميركية الرهيبة... المســـلطة على وعينا... منذ أواخر الستينات وحتى الآن، كان أوباما نصف أسود ونصف أبيض... ولذلك حاول الخروج من صراعه الداخلي بأقل الخسائر الممكنة، وإن كان قد اكتشف أنه من الصعب على الإنسان تغيير نفسه... إن كان محاطاً بأشخاص يعرفونه منذ زمن.
أكثر الأمور إثارة في قصة أوباما... أن الذين عرفوه مبكراً تولد لديهم انطباع أنه يعد نفسه لأن يصبح كاتباً، لقد اكتشف أن الروايات... كتابة وقراءة... جعلت الجوانب الأكثر غموضاً من الحياة مفهومة، أو على الأقل منحته الثقة بأنه قادر على أن يكتب قصة حياته... ويصبح بالتالي مسيطراً على الرواية، وليس ضحية لها... لقد استفاد أوباما من تدوين المذكرات اليومية... إنها لم تزوده فقط بمواد يستخدمها في كتابة كتابه، بل علمته طريقة التصفيق... إنه الرئيس الذي صنعته علاقته المبكرة بالكلمة... قراءة وكتابة.
** منشور بصحيفة "الرأي العام" الكويتية بتاريخ 11 نوفمبر 2008