أصول المدرسة العنقاوية
02-12-2008, 01:33 PM
**أصول المدرسة الشعبية العنقاوية

** لقد عرفت الساحة الفنية في بلادنا الجزائر تحولا فنيا كبيرا في مجال * الطرب الفني الشعبي* و تكونت معالم هذا الفن مع بروز إبداع فني جديد جاء مخالفا لكلما هو موجود على الساحة الفنية آنذاك ة التي كانت و ظلت تتبنى عدة مناهج فنية كالأندلسي و الكلاسيكي و ما شابههما..و استبدلت هذه المناهج بأسلوب جديد أعطى صيغة فنية مرموقة و رسم شخصية مميزة للفن بصفة عامة ببلادنا.
** هذا المنهج الفني الجديد هو ما عرف من بعد ** بالمدرسة الشعبية العنقاوية ** التي كان الفضل في بروزها **للمرحوم الحاج أمحمد العنقا*
** و جاء ظهور هذا المدرسة أو بالأحرى هذا النمط الجديد من الطرب بمثابة ثورة حقيقة في الميدان الفني ببلادنا, و أصبح الشيخ العنقا رحمه الله يحتل المكانة المرموقة بهذا الإبداع النفيس..
** كما أن إبداعه هذا, لم يكن مجرد موضة أو إبداع عادي نبت وسط مدارس الفنون المعروفة في تلك الفترة التاريخية و لكن جاء و بلا شك, بأساليب غنية الأصول و شديدة التأثير و كثيرة الحيوية التي أعطت نفسا جديدا للفن في الجزائر, بحيث لم يكن بإمكان أي فنان من أصحاب المدارس الفنية الجزائرية أن يتجاهل صدى و أهمية هذه المدرسة العملاقة و أكثر من ذلك أصبحت كل مدرسة فنية تحدد موقفها بالاعتماد على * المدرسة العنقاوية* في قضايا الأداء, و النص, و اللحن, و الإيقاع الخ...
** و نظرا لأهميتها كما سبق الإشارة إليها, ارتأينا إلى أن نسلط بعض الضوء على جوانب مهمة منها, طالما أهملها المهتمون إن صح التعبير و تتمثل هذه الجوانب في أصول المدرسة العنقاوية وامتدادها الشعبي و التاريخي.
** استمدت المدرسة العنقاوية أصولها من الجذور الشعبية العميقة التي كانت إحدى روافدها الرئيسية و إلى جانب ذلك فقدت تبنت من المناهج الفنية و من تصوراتها, اللغة الأساسية التي قامت عليها الكثير المفاهيم. و لعل أهم تلك المفاهيم و الآراء, هي الفكر الشعبي في النصوص و الطبوع و الموازين , التي أمدتها بأسس المنهجية و النظرة الفنية الجديدة التي جاءت مختلفة في تناولها للظاهرة الفنية الشعبية الجديدة, و هكذا و من كل هذه الدعائم استمدت المدرسة العنقاوية مقومات بنائها..يعني أصولها.
** الشيء الذي لم يدركه السابقون و دفعهم إلى الارتداد و التقهقر في الوقت الذي انتشرت فيه المدرسة العنقاوية انتشارا باهرا لبى الحاجة الماسة في الذهاب قدما نحو الجديد الذي ارتبط ارتباطا حميما بالطبقة الشعبية.
** لقد بلغ الانتشار ذروته من خلال تسلله عبر قنوات الاتصال المختلفة الراسية في القاعدة الشعبية و بالصورة الطبيعية الأصيلة.
** و جاء التفاعل الشعبي مع * العنقا* و إبداعه الجديد بشكل ملفت للانتباه و بشكل فعال في صياغة الشهرة لهذا النوع الجديد من الموسيقى الشعبية.
** و شعر أصحاب المدارس الأخرى بتعثر مناهجهم و ركودها وفي الكثير من الأحيان بزوالها, في إمكانية التعبير عم معاناة الطبقات الاجتماعية المقهورة تحت سيطرة الاستعمارين طريقته في مسخ الهوية الوطنية للشعب الجزائري و بشكل مثير للانتباه.. تفسره نصوص فنية محدودة الانتشار لا تخدم إلا فئة اجتماعية معينة نقلتها تقليدا عن مجتمعات أخرى و أبعدت بها عن الأغلبية الشعبية و طموحاتها.
** تبني مثل هذه المناهج الغريبة عن أصالة المجتمع الجزائري و تجريدها من أصولها هو السبب الرئيسي في انقطاعها عن الجذور و دفعها للنظر إلى الفن على انه وسيلة ترويح عن لنفس يحتكر بطريقة تسببت في ضياع الكثير من التراث الفني و اندثار نصوصه التي كانت مصممة طبقا للتدرج الزمني ..لليوم و الساعة..
** و على الرغم من ضياع هذه المناهج و الوظائف و النصوص و الطبوع...فان المدرسة العنقاوية لم تترك الفراغ يستحوذ على ما تبقى من مساحة فنية بل أتت إلى نقطة النهاية لتبتدئ مشوارا فنيا لا يفهم أصوله كل من هب و دب.
إن إصرار الشيخ أمحمد العنقا على الذهاب قدما للعمل بتصوراته الجديدة , كرجوعه إلى * الشعبية* من خلال الكفاءة اللغوية المستمدة من اللغة الحقيقة للشعب الجزائري – متكلما أو مستمعا- عدلت الكثير من وظائف اللغة كالتي هي موجودة في النصوص الغنائية الأندلسية .
** إن الإبداع الشعبي كونه حصيلة خبرات متوارثة, فهو أيضا تعبير عن فلسفة حياة يومية و تفاعل مع ظروف خاصة اجتماعية و ثقافية و حتى سياسية.
** فالفن العنقاوي الجديد يعتبر إبداعا شخصيا , اكتسب اسمه صفة الشعبية* بانتقاله من التعبير الشخصي للفنان إلى التعبير عن ما تعانيه الأمة و المجتمع الشيء الذي يعطي تفسيرا واضحا لكلمة * شعبي* التي طالما اختلف حول معناها الكثير..
ان أصل المدرسة العنقاوية و أصالتها الشعبية لا تسمح لنا الحكم عليها من معيار اللهجة أو النصوص..و لكن من خلال تعبيرها عن انشغالات مختلف بل أغلبية شرائح المجتمع الجزائري و مهما تنوعت لهجانهم و لغاتهم و مراتبهم الاجتماعية و الثقافية..
** و قد لجأ الحاج أمحمد العنقا إلى استعمال كلمة * شعبي * للتمييز بين مدرسته الجديدة و المناهج الموسيقية الأخرى, و كان لصياغة الشكل الفني سببا جوهريا مكنه من التعبير عن أفكاره و معاناة شعبه.
** لا يجوز الخلط بين العبقرية التي جسدها المرحوم الحاج أمحمد العنقا في استخدامه عناصر التفاعل الشعبي اى الاجتماعي و بين ما كان يدور في الحلقات الفنية السابقة من أنماط تقوم على تزيين واجهة الطبوع بإسقاطات فنية مستمدة في أغلبها من الطرب الأندلسي و غيره.
** و من المعروف أن التغيير الذي جاء به الشيخ العنقا أحدث طفرة فاجأت الجميع نتج عنها تغيير شامل في أسلوب حياة الناس, و إن دل على شيء فإنما جاء ليوضح القدرات الهائلة التي يمتاز بها عملاق الأغنية الشعبية في الجزائر.
** أبدع الشيخ رحمه الله طريقة ذكية في تعامله مع الفن, بحيث يعيد صياغة الجمل الموسيقية في قالب جديد متجدد مما يعطي للأغنية * فضاء* أصيلا في كل مرة يؤدي فيها تلك * القصيدة* أو * الأغنية* بصفة شاملة, و يضاف لهذا تعدد النصوص بتعدد * الطبوع* و اختلافها في المكان و الزمان.
و تبدو ظاهرة التغيير في الفن الشعبي العنقاوي في طول القصائد و تنوع مواضيعها ذات المنهج الذي يصيغ النظم التقليدي و لا ننسى الإشارة إلى التغيير الذي مس المكونات العامة للموسيقى لان الأنماط السابقة لم تعد تلاءم الذوق العام الأمر الذي أسقطها من الذاكرة الشعبية.
** عكس الفن الأندلسي و غيره لم يعد الشعبي العنقاوي مجرد شيء قديم بل أصبح إبداع قادر على التجدد و مواكبة ظروف العصر..انه لا يموت و لا تتوقف وظيفته الاجتماعية مهما قل عدد مؤيديه أو مغنيه.
** و أحسن طريقة للحفاظ عليه هي العمل بكل صدق على اكتشاف مكوناته و تدوينها في أعمال حتى تتعرف عليها الأجيال.


محمد داود