الشاعر الجزائري الذي مات شكلة في وطنه
07-05-2007, 05:22 PM
مصطفى بن رحمون

لا تعذِلُوهُ فإن الفقر أضواهُ

والحظُّ عاكسه والدهرُ عاداهُ


لا تنهروه إن استجدى أَكُفَّكمُ

فالجوعُ آلمه والصبرُ أعياه

ما كان يبسط للتسآل راحتَهُ

إلا وَوِجْدانُه عن ذاك ينهاه

تأمّلوا - إنْ أردتمُ - ما يكابدهُ

تدلّكم عن أليم الوخز عيناه

لولا غريزةُ حِفْظ الذات تدفعهُ

ما كان يأتي بأمر ليس يرضاه

لكنّما الفقرُ يا قومي مشقّتُهُ

قد تُرغِم النفسَ عمّا النفسُ تأباه

والجوعُ يُزْجي إلى ذلّ السؤال ولو

رأى الضميرُ من الإيلام أقساه

لا تشمخوا إن رأيتم منه مَسْكنَةً

بها تُناجي حنانَ الناس يُمناه

ولا يُساوِركم عُجْبٌ ولا بَطَرٌ

كلّ العبادِ لدى الخلاَّق أشباه

إن الحنايا التي فيهنَّ صَوَّرَكمْ

هي الحنايا التي فيهنَّ سوَّاهُ

ما كرّمَ اللهُ إنساناً لثروتهِ

بل ما يُكرّمه إلا لتقواه

من لم تُقرِّبْه من مولاه طاعتُهُ

فلن يُقرّبَه مالٌ ولا جاه

وإن بخلتم بأن تُولوه بِرَّكمُ

لا تجهلوا أن عينَ الله ترعاه

قد كان في ظلمات البطن يكلؤهُ

ومن لُباب غذاء الأمّ غذَّاه

لم يخلقِ اللهُ إنساناً ويُسلمهُ

ما لم يفِ الأجلُ المحدود أقصاه

أما العناءُ الذي يلقاه بينكمُ

فسِرّهُ لذوي الألباب فَحواه

يا من لنضْوٍ بَرَاه البؤسُ مكتئبٍ

دامي الفؤاد معنَّى الجسم مُضْناه

عقاربُ الجوع دبّتْ في جوانحهِ

وجذوةُ الهمّ شبّتْ في حناياه

في قلبه غادةُ الآمال عابسةٌ

تئنّ شاكيةً من لذع شكواه

أمّا المنامُ فطيفٌ لا يُساوِرُهُ

حتى يضجَّ من الإعياء جنباه

وكيف يألف طيفُ النوم مقلتَهُ

وفي الحَشَا أَلَمٌ يشوي سُويْداه؟

ما لذعةُ الجمر إلا بعضُ لوعتهِ

وما دُجى القبر إلا بعضُ دنياه

اليأسُ من رحمة الرزّاق فكرتُهُ

والدمعُ من بثّ ما يشكو قُصَاراه

لئن يجعْ فَفُتات الخبزِ مأكلُهُ

وإن ينمْ فرصيفُ النّهج مأواه

من الطوى ومن الهمّ الملمّ بهِ

تخدّدتْ من سُيول الدَّمع خدّاه

يرى الهوانَ ولا يُبْدي تأثّرَهُ

أشقى الورى مُرْغَمٌ عن كتم بلواه

لئن رأى البخلَ من بعضٍ تَجاهلَهُ

وإن رأى الضيمَ من بعضٍ تَناساه

يقضي النهارَ على الأعتاب منتصباً

الذُلُّ بُردته والهمُّ سيمَاه

مستعطفاً صوتُه للأذن نبرتُهُ

وللبصيرة والإحساس مَغزاه

لو يدرك الطفلُ ما بالصوت من أَلَمٍ

لابْيَضَّ من شِدَّة التأثير فَوْداه

تاللهِ لو كان يدري ما يُكابدهُ

أيَّانَ تمتدّ للتسآل يُمناه

فظٌّ يرى العطفَ أوهاماً وأخيلةً

مغلولةٌ بحبال البُخل كفَّاه

لَدَرَّ جُوداً وإحْسَاناً لمسمعِهِ

وذاب عطفاً وإشفاقاً لمرآه

لكنه ليس في الإمكان خبرةُ ما

لم يدرِ فحواه إلا ربُّنا الله

أو مَنْ بَلا طعمَه منا وجَّرَّبهُ

ولقَّنتْه الليالي سرَّ معناه

ما حسَّ من يأسر الأحلامَ مرقدُهُ

بما يكابد مَن بالنَّهج مثواه

وما درى مَن يروق العينَ جوربُهُ

بِخطبِ من تتمنّى النعلَ رجلاه

ومن قضى الليل تسهيداً يكابدهُ

لم يدرِ وحشتَه في الناس إلا هو

كذلك الذلُّ لا يدري بليَّتَهُ


في الناس إلا الذي منهم تعاطاه

فكيف يشعر من لم يدرِ أهونَه

بما يرى من سؤال الناس أدهاه

لا يعرف الذلَّ إلا مَن تجرَّعهُ

وذاق من قَدَح التسآل بلواه

لو صنتُمُ بنداكم خَوْدَ عِزّتِهِ

فالمؤمنُ البَرُّ مِعوان وأوَّاه

إن تحسنوا فالذي تُولونه لكمُ

فكلّ ما ادَّخر الإنسانُ يلقاه

فأعربوا بنَداكم شكرَ رازِقكم

فذو الحجا ليس ينسى حقَّ مولاه

لا تقطعوا بمدى الكفران نِعمتَهُ

يمدّكم بأياديه ونعماه

ليس النعيمُ الذي تهفو الجسومُ لَهُ

بل النعيمُ الذي الأرواحُ تهواه

ما قيمةُ الجسم في الدنيا ولذّتِهِ

إن لم يكنْ في كمال الروح مَسعاه

من قدّم المنعَ والخذلانَ نائلُه

فالمنعُ لا ريب والخذلانُ عُقباه

إن تخذلوه فعينُ الله ترقبكم

ومن سعى عملاً لا ريبَ يُجزاه

شتّانَ ما بين من دان الثراءُ لهُ

ومات إذ يطرق الأسماعَ منعاه

وبين من جعل الإحسانَ شيمتَهُ

وقدَّم البِرَّ للرحمن زُلْفاه

فشيَّعتْ نفحاتُ الحمد موكبَهُ

وخلّدتْ صفحاتُ المجد ذكراه

في قبره روحُه الطُّهرى مُنوّرةً

عنها يضوع شذا الحُسنى بريَّاه

البِرُّ خيرُ رداء أنتَ لابسُهُ

وخيرُ حبٍّ جعلتَ القلبَ مَغناه

............

رحم الله الشاعر مصطفى بن رحمون