صلة البدعة بالديانات المحرفة والمناهج الضالة
05-03-2009, 02:01 AM
صلة البدعة بالديانات المحرفة والمناهج الضالة
















لم تحدث بدعة في الأمة الإسلامية، إلا وقد حدث مثلها، أو ما يشابهها في الأمم السابقة؛ لأن أهل الضلال يجتمعون على أسباب، إذا وجدت اتفقت النتائج عندهم جميعاً أو تشابهت.
من هذه الأسباب: الغلو، واتباع الهوى، والجهل بدعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام، ولكل طائفة من طوائف المسلمين المبتدعة تشبُّه بما قبلها.
فهؤلاء الرافضة ، يقول عنهم ابن تيمية : ... ولهذا كان بينهم وبين اليهود من المشابهة: اتباع الهوى، وغير ذلك من أخلاق اليهود ، وبينهم وبين النصارى من المشابهة: في الغلو، والجهل، واتباع الهوى، وغير ذلك من أخلاق النصارى ، وأشبهوا هؤلاء من وجه، وهؤلاء من وجه. (1).
وهذا مصداق لقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا: يا رسول الله! اليهود و النصارى ؟
قال: فمن؟
) (1) .
ووقع ما أخبر به صلى الله عليه وآله وسلم، فكان أكثر البدع، إن لم تكن كلها: مستمدة من مخالفات اليهود و النصارى .
فهذا معبد الجهني أخذ بدعته في القدر من النصارى ، يقول الأوزاعي : أول من نطق عنه -أي: عن سوسن النصراني - معبد ، وأخذ غيلان القدري عن معبد . (1).
فالمنهج الضال الذي كان يحمله سوسن النصراني ، حمله بعده مبتدع من مبتدعة هذه الأمة، وهو: معبد الجهني ، بجامع اتباع الهوى والجهل. ويأتي مبتدع آخر، وهو: الجعد بن درهم ، ويكون مصدره في بدعته: اليهود ، فينقل عنهم ضلالتهم وغيهم، وينشره بين أهل الإسلام.
يقول ابن كثير : وأخذ الجعد بدعته عن بيان بن سمعان ، وأخذها بيان عن طالوت ابن أخت لبيد بن أعصم ، وأخذها لبيد عن يهودي بـاليمن . (1).
وربما كانت هذه الصلة بين البدعة، والديانات المحرّفة، وجدت اتفاقاً لما في نفوس هؤلاء وهؤلاء من زيغ، وربما أتت بالتلقي والاستقراء.
وعلى كثرة هذه البدع، وتعدد اتجاهاتها، نجد أن لكل بدعة سابقة، وسالفة في الأمم الخالية، حتى ضلال الفلاسفة ، ومقالاتهم المنحرفة، كان له أصل وسالف.
يقول ابن القيم ، وهو يتكلم عن انحراف الفلاسفة : والمقصود: أن الملاحدة درجت على أثر هذا المعلم الأول يعني: (أرسطو )، حتى انتهت نوبتهم إلى معلمهم الثاني: (أبي نصر الفارابي )، فوضع لهم التعاليم الصوتية، كما أن المعلم الأول وضع لهم التعاليم الحرفية. (1).
وكثيراً ما يقص الله تبارك وتعالى علينا قصص الأمم الضالة السابقة؛ لنأخذ حذرنا من الوقوع فيما وقعوا فيه، وقد ذكر سبحانه وتعالى الضالين من هذه الأمة، وشبههم بما قبلهم.
يقول تعالى: ((كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً ...)) الآية، قال ابن عباس في معنى هذه الآية: [ما أشبه الليلة بالبارحة، كالذين من قبلكم هؤلاء بني إسرائيل شبهنا بهم]. (1) .
والمشابهة قد تكون في بعض الأمور دون بعض، لكن يكفي هذا لوجود صلة بين الانحراف، والضلال الواقع في هذه الأمة، والأمم التي قبلها.
يقول الشوكاني في تفسير قوله تعالى: ((كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً ...)) الآية، قال: فعلتم كأفعال الذين من قبلكم في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. (1).
ولقد أدرك علماء الإسلام وجه الشبه، والصلة بين هؤلاء المبتدعة، وبين الديانات المحرّفة، فأخذوا يحذرون الناس، ويبينون لهم هذه العلاقة بين الضلالتين.
يقول الشعبي عن الرافضة : يريدون أن يغمصوا دين الإسلام، كما غمص بولص بن يوشع ملك اليهود دين النصرانية ، ثم قال: منهم: عبد الله بن سبأ يهودي، من يهود صنعاء . (1).
وابن سبأ هذا الذي ذكر الشعبي ، هو: الذي نشر أفكار اليهود ، ودعا إليها، ووجد الرافضة أسرع طوائف المبتدعة مجاراة له في ضلاله.
قال المحققون من أهل السنة : إن ابن السوداء كان على هوى دين اليهود ، وأراد أن يفسد على المسلمين دينهم بتأويلاته في علي ، وأولاده؛ لكي يعتقدوا فيه ما اعتقدت النصارى في عيسى عليه السلام . فانتسب إلى الرافضة السَّبئيّة، حين وجدهم أعرق أهل الأهواء في الكفر، ودَلَّس ضلالته في تأويلاته. (1).
ومن الطريف في هذا المبحث: أن يذهب عالم كـابن القيم رحمه الله تعالى، فيذكر علاقة وصلة بين أهل البدع والزيغ، وبين رئيس الضلالة وأس الزيغ: إبليس اللعين، فيقول عن المعطلة والمُأوِّلَة: فهذا من شؤم جناية التأويل على الإيمان والإسلام، وقد قيل: إن طرد إبليس ولعنه إنما كان بسبب التأويل إلى أن قال..: فلا إله إلا الله، والله أكبر، كم لهذا اللعين من أتباع من العالمين، وأنت إذا تأملت عامة شبه المتأولين رأيتها من جنس شبهته (1) .
وقدماء الفلاسفة الصابئة اشتهر عنهم: عبادة الكواكب، وسلب صفات الباري تبارك وتعالى، وهذا ما فعله الجهمية فهم أخذوا هذا الضلال بالتلقي لا بالاتفاق.
يقول الإمام أحمد في الجعد : وكان يقال إنه من أهل حران ، وعنه أخذ الجهم بن صفوان مذهب نفاة الصفات، وكان بـحران أئمة هؤلاء الصابئة الفلاسفة: بقايا أهل هذا الدين: أهل الشرك، ونفي الصفات، والأفعال، ولهم مصنفات في دعوة الكواكب. (1).
ولقد توافرت النصوص على وجود هذه العلاقة، والصلة بين كل من انحرف من هذه الأمة، وبين منحرفي الأمم السالفة، فكان عليه الصلاة والسلام يذكر هذه الصلة، ويحذر من مغبة وقوع الزيغ في أمته، ويذكر ما وقعت فيه الأمم من قبل.
فعن أبي واقد الليثي قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى حنين، ونحن حديثوا عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها، وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لـموسى ((اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ))، لتركبن سنن من كان قبلكم) الحديث (1) .
فذكر صلى الله عليه وآله وسلم المشابهة، والصلة بين مقالة الصحابة رضوان الله عليهم، وبين بني إسرائيل، فكيف بمن جاء بعدهم من فرق الضلال؟
ومقالة بني إسرائيل السابقة، كما قال البغوي : لم يكن ذلك شكاً من بني إسرائيل في وحدانية الله، وإنما معناه: اجعل لنا شيئاً نعظمه، ونتقرب بتعظيمه إلى الله، وظنوا أن ذلك لا يضر الديانة، وكان ذلك لشدة جهلهم. (1).
وقد وقع هذا في طوائف من الأمة كغلاة الصوفية الذين يعظمون مشايخهم ويغلون في حبهم، وغلاة الرافضة الذين يفرطون في تفضيل أئمتهم، حتى ادعوا لهم العصمة، وهذه هي: السنن، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.


موافقة طوائف من المتصوفة لمن ضل من الأمم السابقة
غلاة الصوفية يمتازون باتباع الهوى والجهل، فاتباع الهوى: أفسد عليهم فهمهم لمقاصد الشريعة وأسرار الدين، وجهلهم: صدهم عن العلم النافع الموروث عن محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولهم في ذلك سلف سابق.
يقول الشوكاني : وفعلت الصوفية ، كما فعل أهل الرهبانية؛ وذلك لأنهم غلوا في العبادة، وحملوا على أنفسهم المشقات في الامتناع عن المطعم والمشرب والمنكح، وتعلقوا بالكهوف والصوامع. (1).
فأكثر طوائف المبتدعة صلة ومشابهة بالرهبانية هم: الصوفية ولذا يجد المطّلع على كتبهم ظاهرة عدم ذكر الجهاد في سبيل الله عزَّ وجل، وإنما يذكرون العزلة، والجوع، والسهر، وإجهاد النفس، كما في الإحياء للغزالي ، وقوت القلوب لـأبي طالب المكي ، ورسالة المسترشدين للحارث المحاسبي ، فهم ينهجون نهج الرهبانية تماماً.
يقول الشاطبي : ومن ذلك: أخذهم على المريد أن يقلل من غذائه، لكن بالتدريج شيئاً بعد شيء، لا مرة واحدة، وأن يديم الجوع، والصيام، وأن يترك التزويج ما دام في سلوكه. (1).
وهذا الانحراف في أهل الرهبانية، وأهل التصوف يأتي من الصلة العميقة بين الطائفتين، وهو: الجهل، فالرهبانية من النصارى ، إنما سموا ضالين؛ لأنهم عبدوا الله بالجهل، فضلوا بخلاف اليهود ، فإنهم: أهل علم لم يعملوا به، فغضب الله عليهم.
يقول ابن تيمية ، في معرض حديثه عن أوجه التشابه بين المتصوفة ومن قبلهم من الأمم الضالة: فالله عزَّ وجل وصف اليهود بأنهم كانوا يعرفون الحق قبل ظهور النبي الناطق به والداعي إليه، فلما جاءهم النبي الناطق به من غير طائفة يهوونها، لم ينقادوا له، فإنهم لا يقبلون الحق إلا من الطائفة التي هم منتسبون إليها، مع أنهم لا يتبعون ما لزمهم في اعتقادهم،...... ثم قال: وهذا يبتلى به كثير من المنتسبين إلى طائفة معينة في العلم أو الدين من المتفقهة، أو المتصوفة ، أو غيرهم، فإنهم لا يقبلون من الدين لا فقهاً ولا رواية، إلا ما جاءت به طائفتهم. (1).
فالمنهج الضال في القديم، والحديث: متفق في كثير من الجوانب؛ لوجود الشبه والصلة بين دعاته والمنتسبين إليه.


مبدأ الغلو في الأئمة عند الشيعة مأخوذ من اليهود
ادعى غلاة الشيعة لأئمتهم العصمة، فبرءوهم من الذنوب، والأخطاء، وربما رفعوا منزلتهم على منزلة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما فعلت الصوفية بالأولياء، وقد علم ذلك أئمة السلف، فأخذوا يذكرون هذا التشابه للناس محذرين من هذا النهج الضال.
وذكر جعفر بن الباقر : المغيرة بن سعيد أحد غلاة الشيعة ، وما كان يقول في حق آبائه، فقال: لعن الله المغيرة بن سعيد ، ولعن الله اليهودية ، كان يختلف إليها يتعلم منها السحر والشعوذة والمخاريق. (1).
وهذا الغلو، هو: ما دعا إليه ابن سبأ اليهودي الذي نشر أفكار التشيع الغالي ووطد له، فغلاة الشيعة أخذوا مبدأ الغلو بالتلقي عن اليهود ، فـاليهود غلوا في بعض أنبيائهم، حتى رفعوهم إلى درجة الألوهية، كما قال سبحانه: ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ)).
وكذلك فعل غلاة الشيعة في أئمتهم حذو القذة بالقذة، وهذا ما أخبر به صلى الله عليه وآله وسلم من أنه سيكون في أمته من يحذو حذو الأمم السابقة، وهم جاهلية الكتابيين وغيرهم كما فسر في الحديث، ولا شك أن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كائن لا محالة، فإنه الصادق المصدوق، وما ينطق عن الهوى، فلابد أن يكون الذين يحذون حذوهم هم من بدل، وغير، وابتدع، وحرّف، وحاكى الذاهبين الأولين في أفعالهم وأعمالهم. (1).
وقد يظن المطلع على سير هؤلاء المنحرفين من أهل الأهواء أنهم تواصوا بهذا الزيغ والانحراف؛ لوجود الموافقة في كثير من جوانب هذا الانحراف، لكنه قد لا يكون هذا التواصي، وإنما وجود نزعة الطغيان في المتقدم والمتأخر، ولذلك يقول سبحانه وتعالى، عن أهل الباطل: ((أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ)).
فغريزة الطغيان عند الجميع، حتى أن مذهب فرعون الإلحادي وجد في هذه الأمة، وفي القرون المتأخرة.
يقول ابن تيمية ، وهو يتكلم عن أهل الحلول: حتى أنه حدثني بهاء الدين عبد السيد الذي كان قاضي اليهود وأسلم، فقال لي: إنه لما دعاه حسن الشيرازي إلى هذا القول -يعني: الإلحاد- قال له: قولكم هذا يشبه قول فرعون ، فقال: نعم، ونحن على قول فرعون . (1).
فالمنهج الضال مد جذوره، حتى وصل إلى هذا العهد المتأخر، بجامع الزيغ واتباع الهوى، حتى أن مقالة بشر المريسي الحادثة في الأمة، والتي تنادي بخلق القرآن لم تكن جديدة، بل له شبه، ونظير في الأمم السابقة؛ لذلك يقول سفيان بن عيينة لما سمع هذه المقالة: ما أشبه هذا بكلام النصارى فلا تجالسوهم. (1).
وتأتي فرقة أخرى من فرق الضلال تدعو إلى التبرك بالقبور، وطلب النفع من الصالحين الموتى.
فنجد أن لهذه البدعة الضالة نظيراً وسلفاً وصلة وطيدة بمن ضل من اليهود و النصارى ، ولذلك يقارن شيخ الإسلام ابن تيمية بين هذه وتلك، فيقول: والمشركون ومن وافقهم من مبتدعة أهل الكتاب؛ كـالنصارى ، ومبتدعة هذه الأمة، أثبتوا الشفاعة التي نفاها القرآن. (1).
ولا يقتضي هذا أن هذه الأمة سوف تفعل كل بدعة فعلتها الأمم قبلها، لكنها قد تفعل غيرها فتشابهها في الابتداع، يوضح هذا قول الشاطبي : فهذه الأمة تبتدع في دين الله، مثل تلك البدع، وتزيد عليها ببدعة لم تتقدمها واحدة من الطائفتين، ثم قال: إلا أنه لا يتعين في الاتباع لهم أعيان بدعهم، بل قد تتبعها في أعيانها، وفي أشباهها. (1).
وبهذا علم أن صلة البدعة بالديانات المحرفة والمناهج الضالة صلة وطيدة وقوية تتم بالموافقة أو المشابهة، والله أعلم.
د.عائض القرني


قيل للحسن البصري
ما سر زهدك في الدنيا ؟
فقال علمت يأن رزقي لن يأخذه غيري فأطمأن قلبي له
و علمت بأن عملي لا يقوم به غيري فاشتغلت به
وعلمت ان الله مطلع علي فأستحييت ان اقابله على معصية و علمت ان الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء الله