طريق على الرمال -الجزء الثاني-
25-03-2009, 03:32 PM
نزل العازف من على الصخرة متجها نحوها,يريد أن يخفف عنها لكن الغريب أنها أجابته أنه لا يوجد شيء محدد يبكيها حين سألها عن سبب دموعها و في داخله كان يتأمل تلك العينين اللتان زادتهما الدموع لمعانا كأنما هما لؤلؤتان وسط الصدف... و عرف حينها أنها ذات حس مرهف و روح تقية و استلطفت هي اهتمامه,ثم مد يده إليها و كانت بها صدفة و قال :ضعيها في أذنك و اسمعي موسيقى الأمواج أينما كنت .أخذهما الحديث فتحدثا عن الفن و الموسيقى , عن البحر ,النخيل , الأمواج , الغروب عن أشياء كثيرةكانت تهمهما كليهما.
"رتيبة" نادت إحدى صديقاتها , إنها العودة....
رتيبة قال العازف اسم جميل ذكرني نداء صديقتك أننا لم نتعارف , أنا اسمي -نبيل- ...تشرفنا قالت رتيبة و همت بالذهاب...ناداها نبيل و قال هل يمكن أن نلتقي أود أن نكون أصدقاءوردت هي بالإيجاب...
اتفقا على اللقاء في قاعة شاي بجانبها نخلتان في نهايةالأسبوع.ذهب كل في طريقه و لم يبرح تفكير أحدهما بالآخر ,مر اليوم فاليومان ها هي نهاية الأسبوع,حضرت رتيبة نفسها ساعات قبل الموعد و اتجهت إلى المكان المتفق عليه فوجدته قد وصل قبلها بساعة هو الآخر....في داخلهما كان إحساسهما عميقا بأن هذاالموعد سيقلب كيانهما و حياتهما.و للمرة الثانية غلف الفن و الطبيعة حديثهما لكن هذه المرة تحدثا عن أشياء تصل كل واحد بالفن و الطبيعة و معانيهما بالنسبة إليهما ,تحدثا و كأنهما يعرفان بعضهما منذ مدة طويلة ,توالت لقاءاتهما في نفس المكان,كانا يترقبان نهاية الأسبوع و كأنها ليلة القدر....أصبحا يعرفان كل شيء تقريبا عن بعضهما عن البيت ,.عن العمل, الهواية...............
نبيل كان عاملا في إدارة إحدى الشركات التجارية أما العزف و الموسيقى فهي ما يهوى كان فيه بعض التناقض ,عمل هو الحسابات و حبه للفن...لم تكن رتيبة تدري أن هذا التناقض سيولد تناقضات....لم تكن تعلم أن الغوص في بحر متلاطم الأمواج لا يولد إلا الغرق...لم تكن لتفهم فصول مسرحية يجتمع فيها الدمع بالابتسامة...كانت مغمضة العينين...لا ترى سوى الهام الفنان في عيني العازف...مرت الأيام و توالت اللقاءات في قاعة الشاي... على شاطئ البحر كانت الحرارة تزداد لهبا يوما بعد يوم....حل الصيف و حلت الإجازة و آن لرتيبة أن تأخذقسطا من الراحة بعد النتائج الممتازة التي تحصلت عليها.
توجهت رتيبة إلى المحطة...إذ نبيل في انتظارها..".رغم أن الوداع صعب إلا أني لم أستطع أن لا أراك" قال نبيل هذا و كأنهما لن يلتقيا....غمرت الدموع عيني رتيبة و لم تنطق ببنت شفة...صعدت أخذت مكانا بالقرب من النافذة في مؤخرة الحافلة كانت تنظر إلى نبيل وكأنها لم تره من قبل أو لن تراه بعد هذا ,إلى أن توارى عن أنظارها , لم يكفها هذا بل التفتت تنظر إلى مؤخرة الحافلة سابحة بنظرها إلى المكان البعيد الذي تحس أنها تركت شيئا ثمينا تملكه هناك ثم غطست في محيط أفكارها , كل شيء في هذه الدنيا له بداية و نهاية , كل خطوة من نقطة إلى نقطة تشدنا إلى الماضي , لا نستطيع السير قدما قبل أن نتصفح كتاب ماضينا سواء كان ناصع البياض أو حالك السواد بكل بساطة إنسان بلاماض هو إنسان بلا حاضر بلا مستقبل.أفكارها قادتها إلى الماضي و الحاضر أعادتها إلى قصص الأحلام أعادت إلى ذاكرتها قصص روميو و جولييت ,قيس و ليلى, عنتر و عبلة....إلى غيرها من قصص الحب و التضحية بالنفس و النفيس لأجل الشريك الذي يمكن أن يكون مدى الحياة أو لا , نهاية لا يعرفها إلا الله , و كأنها كانت تقارن بما يختلج صدرها وبما حدث في ذاك الزمن البعيد , كان إحساسا غريبا لم تعرفه قبلا لهذا لم تستطع تفسيره و جالت مرة أخرى بفكرها أمواج متلاطمة تدفعها للتساؤل.
هل الحب هو الحب ؟ هل الحب تضحية أم لعبة أم حلم ؟هل حقيقة أو خيال ؟هل الحب يصنع المتحابين ؟أم المتحابين هم الذين يخلقون الحب ؟هل الحب حب قلب يتحكم فيه ؟أم هناك حب بالعقل أو حب عقلاني؟ هل نعبر عن حبنا لغيرنا فييوم محدد ؟ و هل ينسى الحب؟ أسئلة حامت و دارت حول فكرها فإذا بها تسمع صوتا خافتا يهتف لها كأنه خارج من بين الجبال يقول لها ,الحب سفينة بربانين كل منهما يميل الدفة إلى جانبه تارة و يتركها للجانب الآخر تارة أخرى حتى تحافظ على توازنها...الحب زهرة لا ينفع أن تكون ساقا بدون أوراق و لا أوراقا بدون ساق...الحب بحر جماله يزداد بعد هدوء أمواجه...الحب دواء رغم مرارته في بعض الأحيان إلا أن به الشفاء...الحب لبنة في أساس البيت إن نزعت سقط و انهار...الحب تضحية..الحب لعبة ليس فيها خاسر ان كان حقيقيا و حلم للذين في قلوبهم ضغينة فمن لا يستطيع أن يحب لا ينتظرمن الناس أن يحبوه...الحب حقيقة لمن يعرفون معناه الحقيقي...و خيال لمن يرون أنفسهم مثال الكره...الحب يصنع المتحابين و هم يصنعونه...الحب مفتاح القلب و القلب حاكم الحب في نفس الوقت...الحب شعور لازمني يسبح في أي يم شاء و أنى شاء...الحب حين يكون نابعا من القلب لا ينسى فان حلاوته تمحو مرارته...و القلب الذي ينبض بالحب لا يعرفالكره و لا النسيان و لو طالت الأيام. حرارة الصيف شديدة و كل يوم يأتي أشد حرارة من سابقه رتيبة و نبيل كانت نفسيهما أشد حرارة, حرارة الحنين حرارة الحب الذي طرق قلبيهما...لقد فسرا ذاك الإحساس لكن بتحفظ كلاهما يشك في شعور الآخر , كانت رتيبة تعد الساعات و الأيام لتمر عاصفة الحر لأول مرة تستعجل الدخول الجامعي فهي من النوع الذي يحب المكوث بالبيت هو الآخر يقلب صفحات يوميته في العمل الذي يقوم به بكل تثاقل و هو من عهده زملاؤه نشيطا ينجز أعماله في أوقاتها المحددة أو قبل وقتها ....أضحى عزفه هو الآخرمليئا بالحزن و الكآبة. في إحدى تلك الأيام الحارة حرارة الشوق الذي يحرق قلبها ,كانت رتيبة مستلقية في فراشها تضعرأسها على الوسادة ,قبالة النافذة ,الليلة بدر و هي عاشقة البحر و البدر و أخذت أفكارها تلتف و تجيء كأنها سيارة يسوقها سكير ,كانت تبحث في ذاكرتها عن أيام طفولتها كيف كانت تنهض باكرا,تذهب لحلب العنزة الوحيدة لديهم,رغم صغر سنها كانت تحب الاعتماد على نفسها لم تكن لتشرب القهوة سوداء حتى و هي كبيرة لهذا تناديها أخواتهابالقطة الصغيرة تشربها ثم ترتدي ملابسها و تلبس حذاءا من البلاستيك يصل حتى الركبتين ,كان لها حذاء آخر جميل من الجلد لكن هذا كان فقط حين تذهب إلى المدينة للتسوق أو زيارة الأهل والأعياد ,أما ذاك فكان سلاحها ضد الوحل و الأمطار ,تذكرت هذا و قد اعترت شفتيها ابتسامة فرغم قساوة تلك الأيام إلا أنها كانت جميلة ,تذكرت كيف كانت تعود من المدرسة فتتغذى ثانية لأن قطعة الخبز التي تأخذها كل صباح في محفظتها كانت لا تشد بطنها إلا لفترة وجيزة بعد تناولها خاصة و القر كان في أدنى درجاته ,ثم تخرج إلى رعي الغنم لتناوب أختها و لم تكن تنسى كراستها لتراجع دروسها وهي جالسة على الحشائش الباردة المبللة ,كانت كراستها مليئة بخطوط مائلة و كلمات قلائل تحتل سطرا كاملا لشدة كبرها ربما لأن أغلب شؤون الدنيا مائلة تعصف رياحها فتأتي على الأخضر و اليابس إلا ما هو ثخين الجذع , و هكذا كانت تحوم بأفكارها في أجواء طفولتها إلى أن غالب عينيها النعاس و استسلمت للنوم. في الجهة الأخرى كان نبيل هو الآخر لم ينم بعد فعلى غرار رتيبة التي وجدت في طفولتها أنسا باسما,ارتمى نبيل في أحضان ماضيه الأليم فتذكر والديه ,كيف كان يعيش بينهما في سعادة و هناء و تفاهم وسط منزل صغير يقع على أطراف قرية,اجل هو الآخر كان يقطن القرية لكنه لم يجد صعوبة في إكمال تعليمه بكل بساطة ذكر , انتقل من طور إلى طور إلى أن أنهى الجامعة و أصبح محاسبا ,عاد إلى قريته بالطبع لم يكن فيها منصب لمثل هذه الشهادة لكنه هو الآخر لم يذهب ليستقر بقريته بل كان يقصدها لزيارة والديه كل أسبوع إذ اشتغل في إحدى الشركات لكن ما لم يسطع عليه صبرا وفاة والدته و بعدها بأربعين يوما مات والده كان افجع ما حدث له في حياته فاستقر في المدينة و لم يعد إلى القرية أراد أن ينسى أو بالأحرى يتناسى رأى نفسه يسير في طريق مظلم لا أنوار لا أضواء يسير يضع خطاه عليه دون أن يعرف أين أو إلى أين يصل ثم يلمح ضوءا من بعيد فيقصده جاريا و كلما اقترب ابتعد الضوء ثم فجأة سمع صوت المنبه و ها هو ذا يستعد ليوم جديد من العمل و التعب و كذا من حرقة القلب الذي يشتعل شوقا.
جاء الدخول و رجعت رتيبةو دبت الحياة في كليهما ....كانا يتحدثان بتحفظ ,خائفان من رد الفعل بعد الانزلاق في الكلام ....صار كل منهما يحس بالاختناق من شدة ما في صدريهما من مشاعر. هي لا تستطيع البوح بشيء فلا العادات و لا التقاليد تسمح لها بذلك و هو من جهته خائف أن يخسرها إلى الأبد إن هوحاول مصارحتها ,لكن لابد من خطوة ما.................يتبع
التعديل الأخير تم بواسطة وجد48 ; 25-03-2009 الساعة 03:44 PM