وقفات وتأملات حول مسألة ( جنس البدعة و جنس الكبائر ) مع تعليقات الشيخين
30-03-2009, 09:12 AM
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد ،،،


فإن ثمة مسألة أصبح يثيرها بعض الأخوة اليوم - هداهم الله - ، وهي مسألة ( جنس البدع شر من جنس الكبائر ولكن قد تكون بعض أفراد الكبائر شر من بعض أفراد البدع ) ، ورأيت أنه لا بأس من كتابة بعض التأملات والوقفات ، وآثرت القول اللين في المسألة لسببين رئيسيين :


أولا : الكثير من الأخوة الفضلاء تلقف هذه المسألة على حسن نية ، شأن كل طالب علم يحب نوادر المسائل ، يذاكر فيها إخوانه ويسليهم ، دون النظر فيما يراد من هذه المسألة من خلف الكواليس ، لذا وجب القول اللين مع أمثالهم ، وأخص بالذكر أخا فاضلا لا أعرفه إلا من هذا المنتدى ، نقل هذا الموضوع وأثاره في هذا المنتدى ، رأيت فيه طلبا للحق ، وخلقا وتواضعا كبيرين ، خاصة لما ناصحه بعض الأخوة أن هذه المسألة من قبيل ضرب الأمثال للسنة ، فأجاب : أنه لا علم له بذلك ، أسأل الله له التوفيق والسداد .


فأنصح إخواني أن لا يطيروا خلف كل مسألة غريبة ، فكم أتى أصحاب الغرائب بالعجائب ، حتى ذهبت كلمة جرح يقولها أهل الحديث : فلان يأتي بالغرائب .


ثانيا : للأسف الشديد البعض ذهب يستفتي هنا وهناك بعض العلماء الكبار ، فرأيت أنه لا بأس من التأمل في المصالح والمفاسد من هذه المسألة ، وما أقوله من تأملات فما هي إلا محض اجتهاد مني ، فإن أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان ، وأستغفر الله وأتوب إليه .


أما هؤلاء القوم فهذا الأمر منهم ليس بغريب ، فقد اعتدنا على مثل هؤلاء القوم الذين يقولون بالقول وليس عندهم في ذلك مستند من قول إمام متقدم أو متأخر ، فإذا أحرجوا وطُولبوا بالدليل ، اشتدت همتهم للقراءة ، ونفضوا الغبار عن مكتباتهم ، وذهبوا لسؤال العلماء ، ولو أنهم سكتوا واكتفوا بما قاله السلف لما تكلفوا مغبة التنقيب والقراءة الشاقين .


وفرق كبير بين أن يُسأل العالم عن المسألة فيجيب عنها اقتضاء السؤال وحق السائل ، وبين من يتكلم بها ابتداء ويتناولها على أساس أنها مسألة علمية .



التأملات والوقفات



الوقفة الأولى :


كفانا إشغالا للشباب وطلاب العلم في مسائل لن تعود علينا إلا بالخيبة والخسران ، فكم اشتغل الشباب بمسألة جنس العمل ؟ ، وكم ألفت فيه من مؤلفات ؟ ، وكم شغلوا الشباب في مسألة إقامة الحجة في التبديع وأنها لا تشترط كما في التكفير ؟ ، ثم اكتشفنا أن أتباع فالح هم المستفيدون من مثل هذه المسائل – بغض النظر إن كانت حقا أو باطلا - ، فرموا الألباني - رحمه الله - بالإرجاء ، وألحقوا به الشيخ ربيعا - حفظه الله - ، وكان بعضهم ممن أعرفه يبدع بالأعيان انطلاقا من هذه المسألة ، وكم شُغلت هذه الشبكة السلفية بمثل هذه المسائل ؟ ، واليوم ولله الحمد لقد أقصت هذه الشبكة كل عابث وكل مخرب وكل مفسد لنراها على الوجه الذي نراه اليوم ، فلماذا نعود اليوم ونشغل أنفسنا في مسائل لا نعلم ماذا يراد من خلفها ؟ ، ومن تخدم ؟ ، ولأي مغزى ستسخر غدا ؟ .


المشكلة اليوم أننا أصبحنا نوضع تحت قناعات تفرض علينا وهي غير صحيحة ، أصبحنا نظن أنه يتعين علينا أن نتكلم في كل مسألة ، ويتعين على كل العلماء الكلام فيها سلبا أو إيجابا حتى لو لم يتكلم فيها السلف الصالح .


ففي مسألة جنس العمل فرضوا علينا إما أن تقول تارك جنس العمل كافر أو غير كافر وإلا فلن تسلم من الطعن بالإرجاء أو الخارجية !!


فزرعوا الخوف في نفس كل سلفي أنه لابد أن يكون له قول في هذه المسألة مع أنها لم ترد عن السلف الصالح ، ولا يجب أن تقول بها ، ويكفيك أن تقول ما قاله الإمام الفطن الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : طنطنة لا فائدة منها .


فعلينا أن نستفيد مما مضى ، ولا نجعل من أنفسنا عرضة للمسائل الغريبة ، فلسنا مجبرين على أي قول في هذه المسألة ، ولا نجعل من هذه الشبكة السلفية مسرحاً جديداً لمسائل غريبةٍ ، لا نعرف المصلحة من خلفها ، والمغزى من إثارتها .


لذا ومن هذا المنطلق أدعوا إخواني المشرفين على هذا الموقع عدم نشر مثل هذه المسائل ، ومنع إثارتها إلا بعد تقدمة علمائنا الكبار لها ، والموافقة عليها حسما لمادة الخلاف .



الوقفة الثانية :


لقد أطلق السلف الصالح القول بأن البدعة شر من المعصية دون تفصيل ، وما ذاك إلا لغاية مهمة ، وهي شدة التنفير من البدع ، لما هو مستقر في النفوس سلفا شدة الكبائر ، واستقباحها عقلا ودينا ، فلا حاجة أن نقول جنس البدع أو نقول كل بدعة شر من كل معصية ، والاستدراك عليهم بألفاظ كالجنس ، وأنه قد يكون بعض الكبائر أشد من بعض البدع ، لأنه يذهب بمراد السلف ، ويأتي على نقيض المصلحة المرجوة من الإطلاق .


والقول أن إطلاق السلف هذا إنما عنوا به البدع الخمس الكبرى قول لا أساس له من الصحة ، فكم أخذ العلماء بهذا الإطلاق من السلف وردوا فيه أصناف البدع الأخرى غير الخمسة في كل عصر ، وقد رد الشيخ ربيع – حفظه الله – قريبا من هذا القول على أبي الحسن المأربي .




وسأضرب أمثلة أخرى للتوضيح من إطلاقات السلف :


المثال الأول : قوله – صلى الله عليه وسلم - في الخوارج : ( شر قتلى تحت أديم السماء ) وإنما أطلق ذلك – صلى الله عليه وسلم – لأمرين : تنفيرا من شر بدعتهم أولا ، وحثا على قتلهم وقطعا لدابر الشك من قتلهم ثانيا ، ومعنى الحديث أنهم شر من قتلى اليهود والنصارى والمجوس ، فلو جاء أحد واستدرك على رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في ذلك وقال : إنما ذلك في الدنيا ، أما المآل الأخروي فقتلى اليهود والنصارى والمجوس أشر من قتلى الخوارج لأن مآلهم إلى النار ، لكان قد ذهب بمقصود الرسول – صلى الله عليه وسلم – ولو قالها لعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لأوجعه ضربا بالدرة كما فعل بصبيغ ! مع أن الكلام قد يكون حقا في نفسه على قول من يقول بعدم كفر الخوارج .


المثال الثاني : من المعلوم أن من هدي السلف مع نصوص الوعيد إمرارها كما جاءت من غير تفسير ، وهذا منهم حتى تبقى هيبتها وبلاغتها في الزجر .


روى الأوزاعي عن الزهري أنَّه روى أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يزني الزاني حين يزنى وهو مؤمن ) ، فسألت الزهري ما هذا ؟ فقال : من الله العلم ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التسليم . أمِرُّوا أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما جاءت . وفي رواية : فإنَّ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمروها ) . ا.هـ


وفي رواية أخرى عن الأوزاعي – رحمه الله – قال : ( كان الزهري ومكحول يقولان : أمروا الأحاديث كما جاءت ) . ا.هـ


سواء أحاديث الصفات منها أو أحاديث الوعيد .


وقال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل – كما في أصول السنة – عند حديث (( ثلاث من كن فيه فهو منافق ... )) : على التغليظ نرويها كما جاءت ولا نفسرها .... ثم ذكر عدة أحاديث ثم قال : ونحو هذه الأحاديث صح وحفظ ، فإنا نسلم له وإن لم نعلم تفسيرها ولا نتكلم فيها ولا نجادل فيها ولا نفسر هذه الأحاديث إلا مثل ما جاءت لا نردها إلا بأحق منها . ا.هـ


وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ – رحمه الله – عند موضع شرحه لحديث ( ليس منا من ضرب الخدود و ... ) : هذا من نصوص الوعيد ، وقد جاء عن سفيان الثوري وأحمد كراهة تأويلها ، ليكون أوقع في النفوس ، وأبلغ في الزجر . ا.هـ ( فتح المجيد : ص 424 )



الوقفة الثالثة :


ينبغي علينا الوقوف عند أقوال السلف ، وعدم الخروج عن أقوالهم ، فما ورد عنهم في هذا الباب هو قولهم : البدعة شر من المعصية ولا يُعرف من قولهم : كل بدعة شر من كل معصية أو جنس البدع شر من جنس المعاصي وقد يكون من أفراد المعاصي ما هو أعظم من أفراد البدع ، ومن كان عنده نقل عن السلف في ذلك فليفيدنا فيه.


وسأضرب مثالا يبين لنا حرص الأئمة أن لا يتكلموا في مسألة لم يتكلم فيها السلف الصالح - والأمثلة في ذلك كثيرة جدا لو جمعت لكان فيها خير كثير - .



وهذا المثال هو من قول الإمام محمد بن جرير الطبري قال : وأما القول في ألفاظ العباد بالقرآن فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي مضى ، ولا عن تابعي قفا إلا عن من في قوله الشفا والغناء وفي اتباعه الرشد والهدى ومن يقوم لدينا مقام الأئمة الأولى : أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فإن أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول : اللفظية جهمية قال الله تعالى : ( حتى يسمع كلام الله ) ممن يسمع ؟



قال ابن جرير وسمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم يحكون عنه أنه كان يقول : من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع .



قال ابن جرير : ولا قول عندنا في ذلك يجوز أن نقوله غير قوله إذ لم يكن لنا إمام نأتم به سواه وفيه الكفاية والمقنع وهو الإمام المتبع . ( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2 / 392 ) .


وليس كل مسألة يصلح أن يجاب عنها خاصة إذا احتملت وجوها عدة وفي هذه المسألة خاصة قال الشيخ حافظ الحكمي – رحمه الله : س : ما حكم من قال لفظي بالقرآن مخلوق ؟


جـ : هذه العبارة لا يجوز إطلاقها نفيا ولا إثباتا ؛ لأن اللفظ معنى مشترك بين التلفظ الذي هو فعل العبد ، وبين الملفوظ به الذي هو القرآن ، فإذا أطلق القول بخلقه شمل المعنى الثاني ، ورجع إلى قول الجهمية ، وإذا قيل : غير مخلوق شمل المعنى الأول الذي هو فعل العبد ، وهذا من بدع الاتحادية ، ولهذا قال السلف الصالح رحمهم الله تعالى : من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي ، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع . ( أعلام السنة المنشورة )



الوقفة الرابعة :


بغض النظر عن هذا القول ، سواء كان حقا أو باطلا في نفسه ، فليس كل قول أو فعل - حق - يقال أو يفعل في كل زمان ومكان وحال .


فمن الزمان :


من الفعل : حديث ابن عمر : ( لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان ) ورواه عمرو بن عتبة وزاد بعده : ( وحينئذ يسجد لها للكفار ) ، وهذا على الصحيح يشمل حتى الفرائض ، فضلا عن صلاة ذات السبب ، لأن العلة فيه مشابهة لعلة النهي في حديث إبل بوانة إلا أن حديث إبل بوانة في المكان ، وحديث السجود عند طلوع الشمس في الزمان ، وكلاهما اشتركا في علة مشابهة الكفار ، وسد ذرائع الشرك ، وإن كانت الصلاة لله وفي نفسها حق .


ومن القول : نَهَى الحسن أنسَ بنَ مالك - رضي الله عنه - عن التحديث بحديث العرنيين زمن الحجاج حتى لا يتخذه الحجاج ذريعة للقتل .


مع أن الرواية عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أعظم الأقوال التي يتقرب بها العبد إلى الله .


ومن المكان :


عن ثابت بن الضحاك قال : نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال : إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ ، قالوا : لا ، قال : هل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ ، قالوا : لا ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أوف بنذرك ، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ، ولا فيما لا يملك ابن آدم ) . صحيح أبي داود ( 3313 )


فلو كان فيها مظهر واحد من مظاهر عبادات أهل الكفر لنهاه – صلى الله عليه وسلم – أن يوفي بنذره مع أنها عبادة أريد بها وجه الله لكن المكان عرف بالعبادة والذبح لغير الله فيُظن في الذابح لله أنه يذبح لغير الله هذا من وجه ، والوجه الثاني سد ذرائع الشرك فلا يقتدي ولا يغتر به أحد فيذبح لغير الله .


ومن الأحوال :


حديث معاذ بن جبل – رضي الله عنه – لما سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله : ( أفلا أبشر الناس قال : إذا يتكلوا ) . فأخبر بها معاذ عند موته تأثما .


وحديث أبي موسى عن أبيه عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (أبشروا و بشروا الناس من قال لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة ) فخرجوا يبشرون الناس ، فلقيهم عمر - رضي الله عنه - فبشروه ، فردهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ردكم ؟ " . قالوا : عمر ، قال : " لم رددتهم يا عمر ؟ " قال : إذا يتكل الناس يا رسول الله ) وفي رواية أبي هريرة : ( قال عمر : فلا تفعل ، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها ، فخلهم يعملون ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فخلهم).



ومنه قول علي - رضي الله عنه - : حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله ورسوله .


وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - : ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة .



فهذه أحوال ثلاثة من أحوال الناس إذا تأملتها فيما سبق وهي : ضعف الهمة – وقلة العلم – وقلة الفهم .



نقل الألباني – رحمه الله – بعد هذه الأحاديث والآثار في السلسلة الصحيحة ( 3 / 388 ) قول ابن حجر : وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان ، ومالك في أحاديث الصفات ، وأبو يوسف في الغرائب ، ومن قبلهم أبوهريرة كما تقدم عنه في الجرابين وأن المراد ما يقع من الفتن ، ونحوه عن حذيفة ، وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين ، لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي .


وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة ، وظاهره في الأصل غير مراد ، فالإمساك عنه عند من يُخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب ، والله أعلم . ا.هـ



وكل ذلك مراعاة لأحوال الناس ، واختلاف مراتبهم في الفهم ، مع أن كل هذه الأقوال في نفسها حق ! .



الوقفة الخامسة :


أستغرب ممن ينقل هذا القول عن الشيخ صالح آل الشيخ ويقتطع من قوله ما يشتهي ويحذف ما لا يشتهي !!


فالشيخ صالح يقول ذلك حتى في الشرك الأصغر ، ويرى أن جنس الشرك الأصغر أشد من جنس الكبائر ، ولا يخفاكم ما ذهب إليه بعض العلماء من أن الشرك لا يغفره الله إن مات العبد غير تائب منه ، فإن كان شركا أكبرا خلد في النار ، وإن كان شركا أصغرا عذب ثم مآله الجنة ، بخلاف باقي الذنوب التي قد يغفرها الله حتى لو مات العبد دون توبة ولا يعذبه عليها ، ومن هؤلاء العلماء شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وأكثر علماء الدعوة كما ينقله الشيخ صالح نفسه ، لعموم قوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) ، ولعل هذا القول من الشيخ صالح بناء على أنه لا يرى دخول الشرك الأصغر في عموم الآية وأنه قد يغفر .


قال الشيخ صالح آل الشيخ - حفظه الله - : الشرك بأنواعه من حيث الجنس أعظم من الكبائر؛ كبائر الأعمال المعروفة . ا.هـ ( أشرطة كفاية المستفيد بشرح كتاب التوحيد عند شرح الآية )


وقال في موضع آخر : الشركيات إذا كانت من الشرك الأكبر فإنها محبطة للعمل ، وإذا كانت من الشرك الأصغر فإنها أعظم من البدع والمعاصي المختلفة ، يعني من حيث الجنس . ا.هـ ( شرح القواعد الأربعة / الشريط الأول )


وغايتي من هذه الوقفة أن أقول : إن من الأمانة العلمية نقل الكلام ومذهب القائل بتمامه .



الوقفة السادسة :


فتح مثل هذه الأبواب من الأسئلة الغريبة لا يسلم فيه المرء من الزلل.


فقولهم : بدعة قول صدق الله العظيم شر من الزنى واللواط وشرب الخمر ؟ عليها بعض الملاحظات التي لابد منها :


أولا : أنه كلام مجرد عن الأعيان ونية العامل ، فهو من قبيل الجهل كما قال شيخ الإسلام - في معرض نقده على من توب العصاة من قطاع الطرق بالسماع البدعي المحرم - : من نظر إلى ظاهر العمل وتكلم عليه ولم ينظر إلى فعل العامل ونيته كان جاهلا متكلما في الدين بلا علم . ا.هـ ( مجموع الفتاوى 11 / 633 ) .


فالسؤال بهذه الطريقة غير صحيح ، لأنه مجرد من الأعيان ، وكذلك السؤال بأيهما أشر رجل زنى بأمه ورجل قال صدق الله العظيم أيضا غير صحيح ، لأنه سؤال مجرد عن النيات – كنية التقرب إلى الله بذلك – ، وكلا السؤالين من قبيل الجهل والكلام في الدين بلا علم ، وعلى السائل أن يتقي الله في نفسه .


ثانيا : مثل هذا السؤال حتى لو صيغ بالشكل الصحيح فهو خطأ من الأساس ، فالأصل في المقارنة أن تكون بين شيئين من جنس واحد ، فإما أن تقارن بين كبيرة وكبيرة أخرى ، أو بين بدعة وبدعة أخرى ، ولا تكون بين كبيرة وبدعة ، وإذا ما خرج المرء عن ذلك كان سؤاله مجملا ، وترد عليه العديد من الإشكالات ، ولابد من الإجابة عليها من الاستيضاح والاستفسار ، ولابد أن تؤول بعد ذلك إلى الأوجه النسبية لإزالة تلكم الإشكالات .


فهل تعني أن مرتكب الزنى المعتقد لتحريمها شر من قائل صدق الله العظيم المتقرب بها إلى الله - من كل وجه - ؟


فهذا – والله أعلم - غير صحيح ، بل ما ورد من الأوجه في البدعة أكثر بكثير من الأوجه المذكورة في الكبائر ، مثل الوجه الذي نقله بعض الإخوة عن شيخ الإسلام – رحمه الله - ، أو الوجه الذي نُقل عن الشيخ ربيع – حفظه الله – في رواية الحديث ، بل يكفينا إطلاق السلف القول في البدعة شر من الكبائر ما لا يوجد مثله في الكبائر .


وهذه بعض الأوجه :


1- البدعة من باب الشبهات ، والمعصية من باب الشهوات ، وباب الشبهات أخطر من باب الشهوات .


2- البدعة تقتضي الاستدراك على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، والطعن على الدين بالنقص ، والطعن على رسوله بالتقصير في تبليغ رسالته ، فيما لا يوجد ذلك في المعاصي .


3- البدعة من القول على الله بغير علم الذي حرمه الله وقرنه بالشرك في قوله تعالى : ( وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ...) الآية .


4- المبتدع يرى أنه على حق فلا يتوب من بدعته ، بخلاف مرتكب الكبيرة ، وهذا معنى نفي السلف التوبة عن المبتدع ، والمعنى الآخر أنه لا يُوفق للتوبة في غالب أمره .


قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في معرض نقله لمناظرة له مع الصوفية : فقال لي : البدعة مثل الزنا ؟! ، وروى حديثا في ذم الزنا ، فقلت : هذا حديث موضوع على رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، والزنى معصية ، والبدعة شر من المعصية ، كما قال سفيان الثوري : البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ، فإن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها . وكان قد قال بعضهم : نحن نُتوب الناس ، فقلت : مماذا تتوبونهم ؟ ، قال : من قطع الطريق ، والسرقة ، ونحو ذلك ، فقلت : حالهم قبل تتويبكم خير من حالهم بعد تتويبكم ، فإنهم كانوا فساقا يعتقدون تحريم ماهم عليه ، ويرجون رحمة الله ، ويتوبون إليه ، أو ينوون التوبة ، فجعلتموهم بتتويبكم ضالين مشركين خارجين عن شريعة الإسلام ، يحبون ما يبغضه الله ، ويبغضون ما يحبه الله ، وبينت أن هذه البدع التي هم وغيرهم عليها شر من المعاصي . ا.هـ ( مجموع الفتاوى 11 / 472 ) .


5- البدعة نوع من التشريع من دون الله ، لذلك جرى هدي العلماء تنزيل أدلة الشرك والاستدلال بها على البدع ، وكمثال على ذلك ما صنعه شيخ الاسلام محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله - في كتاب فضل الاسلام فقال : باب ما جاء أن البدعة شر من الكبائر . فكان أول ما ذكر من الآيات ذكر قوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) !


6- قال ابن مسعود – رضي الله عنه - منكرا على الطائفة التي اجتمعت في المسجد يكبرون ويسبحون بشكل جماعي مع عد الحصا : ويحكم يا أمة محمد ، ما أسرع هلكتكم ، هؤلاء صحابة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - متوافرون ، وهذه ثيابه لم تبل ، وآنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة ، قالوا : والله يا أبا عبدالرحمن ما أردنا إلا الخير ، قال : وكم من مريد للخير لن يصيبه ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم ، ثم تولى عنهم ، فقال عمرو بن سلمة : رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج . ( السلسة الصحيحة 5 / 4 رقم 2005 ) .


فانظر كيف أنكر ابن مسعود هذه البدعة التي تعد من البدع الصغيرة - كما يقوله الألباني - ومن البدع الإضافية بمثل هذا الإنكار فقال :


1- ما أسرع هلكتكم ( الهلاك ) .


2- أنتم على ملة ( التشريع من دون الله ) .


3- مفتتحوا باب ضلالة ( الضلال والاستنان في الإسلام سنة سيئة ) .


4- لعل أكثركم من الخوارج ( بريد إلى البدع الكبيرة ) .


كل هذه الأوجه في هذه البدعة التي لا يقول ابن مسعود – رضي الله عنه – بمثله في الكبيرة !!


قال الألباني - رحمه الله – عند هذا الأثر : ومنها – أي من الفوائد - : أن البدعة الصغيرة بريد إلى البدعة الكبيرة . ا.هـ


7- المبتدع يجب هجره ، بينما الفاسق يستحب هجره ، كما قال ذلك الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي - رحمه الله - .


ثالثا : لا ينبغي دغدغة مشاعر الناس بمثل هذا السؤال ، وتهوين شأن بعض البدع بمثل هذه الطريقة ، شئنا أم أبينا فعامة الناس هم ممن لا علم لهم ، وينظرون إلى المسائل بشكل سطحي ، بعيد كل البعد عن الحكم الشرعية والمصالح المرعية ، ومليء بالعاطفة والحماسة الغير منضبطة . فلو قلت لعامي - مثلا - ابن لادن المجاهد الذي هز أمريكا – هكذا يراه هو – أشر من اليهود والنصارى ، فماذا تتوقع أن يكون جوابه ؟


فالحسن ما جعله الشارع حسنا والقبيح ما جعله الشارع قبيحا وليس ما استحسنه أو استقبحه الناس ، فلو أردت أن تقارن قول : والله لن يغفر الله لك التي أوبقت صاحبها وأدخلته النار عند فجور وكبائر الرجل الآخر ، لوجدت الناس يستقبحون هذه الكبائر على تلك الكلمة ، إلا أن التألي على الله – سبحانه وتعالى - أعظم عند الله من هذه الكبائر .


ولينتبه المرء أنه ليس كل من حضر الدروس كان مؤهلا أن يستقي كل المسائل .


رابعا : أليس هذا التمثيل فيه إجحاف في حق المخالف ؟ ، فلماذا عند التمثيل للكبيرة يمثل لها بأكبر الكبائر المجمع عليها ويضرب لها مثلا بأكثر من كبيرة ، وعند ضرب المثل بالبدعة يمثل لها ببدعة اختلف العلماء فيها كقول صدق الله العظيم ، أو صلاة التسابيح ، أو وضع اليدين على الصدر بعد الركوع ، أو صلاة التراويح عشرين ركعة ؟


هذا والله لدليل واضح على شيء في النفوس ، وإيثار للغلبة ، بعيد كل البعد عن النقاش العلمي الهادف الذي يريد صاحبه الوصول إلى الحق .



الوقفة السابعة :


وهي وقفة خاصة ، ليست على وجه التفصيل ، فالمقام بذلك يطول ، ولكنها إشارات سريعة على ما كتب في الآونة الأخيرة المدعو حاتم شريف العوني - عضو مجلس الشورى السعودي - رسالة باسم (( التعامل مع المبتدع بين رد بدعته ومراعاة حقوق اسلامه )) واعجب من هذا العنوان الفريد من نوعه والأوحد في الدفاع عن حقوق أهل البدع !!


وهذا الرجل وأمثاله ممن يسعون جاهدين في تأويل كلام السلف الذي نقل فيه شيخ الإسلام الإجماع وهي : أن البدعة شر من الكبائر حتى يتسنى لهم بعد ذلك الدفاع عن رؤوس أهل البدع والضلالة .


فنحن والله اليوم في حرب شعواء على أصل أصيل من أصول أهل السنة وهي التعامل مع أهل البدع .


وهذا العمل - والله أعلم - أشر ممن يأتي بقواعد جديدة دون أن يحرف نصوصا للسلف الصالح لتخدم ما يرومه ، فهؤلاء جمعوا بين خبث القاعدة والجرأة على إجماع سلف الأمة .


والأعجب من ذلك أن لا يعرف السلفيون ماذا يراد لعقيدتهم وثوابتهم السلفية اليوم ، فيخدمون من حيث شعروا أو لم يشعروا أعدائهم وخصومهم بالتطرق إلى مسائل كهذه المسألة .


قال في ص 74 : إن المبتدع قد يكون أقرب إلينا وأحب ، بل قد يستوجب من الإجلال والإكرام مالا يستحقه السني الفاسق ، فإن البدعة والفسق كليهما خلاف المنهج النبوي وخلاف السنة ، فلا يصح أن أقدم الفاسق (بوصفه أنه سني ) مطلقا على صاحب البدعة بإخراجه عن دائرة أهل السنة (بوصفه أنه بدعي) .


فالتقديم والتأخير بين صاحب البدعة والفاسق يكون مبنيا على مقدار ما عند كل واحد منهما من الخير والشر ، ومن الخطأ المنتشر بيننا تصور أن شر المبتدع مطلقا أعظم من شر الفاسق


وقد ذكر هذا الأمر شيخ الإسلام ابن تيمية ، حيث قال : ( وجنس البدع وإن كان شرا لكن الفجور شر من وجه آخر وذلك أن الفاجر المؤمن لا يجعل الفجور شرا من الوجه الآخر الذي هو حرام محض لكن مقرونا باعتقاده لتحريمه وتلك حسنة في أصل الاعتقاد وأما المبتدع فلا بد أن تشتمل بدعته على حق وباطل لكن يعتقد أن باطلها حق أيضا ففيه من الحسن ما ليس في الفجور ومن السيء ما ليس في الفجور وكذلك بالعكس ) . ا.هـ.


والنقول عنه كثيرة جدا يطول المقام بذكرها .


فتأمل كيف لجأ إلى الإجمال حتى يتسنى له التهوين من شأن البدعة عند المعصية بحجة أن كليهما : خلاف المنهج النبوي وخلاف السنة ؟! ، شأن أهل الأهواء من الكلام في المجملات وترك المفصل .


وتأمل كيف يطبق بعد ذلك تأصيله وينزله على الأحوال بقوله : إن المبتدع قد يكون أقرب إلينا وأحب ، بل قد يستوجب من الإجلال والإكرام مالا يستحقه السني الفاسق ؟!


أما التنزيل على الأعيان فلا تسأل عنه فمعلوم اليوم من يؤصل مثل هذه التأصيلات وأمثالها عمن يدافع وينافح .



هذه تأملات ووقفات كان لابد منها أحببت نصيحة إخواني في ذلك ، مع علمي - واعتذاري المقدم – أن بعض مشايخنا لا يرتضون الولوج في هذه المسألة ، وأخذها من جانب علمي ، والانجراف وراء حبائل من يجرون الشباب إليها جرا ، ولكن كما قدمت فإني آثرت التأمل مع إخواني من طلبة العلم في هذه الشبكة السلفية .


أسال الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح ، وأن يعصمنا من الزلل في القول والفعل ، إنه على كل شيء قدير ، وبالإجابة جدير .


وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله ، وصحبه ، وسلم .



كتبه أخوكم


جاسم الكوهجي




بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمَّدٍ وآله وصحبه أجمعين، وبعدُ:
شكرَ الله للأخ مقَالهُ وتَنبيههُ، و هُنَا نَقلان عَنْ إِمَامين مِنَ الأئمَّة يُسْعِفَان الْمَقَام:
الأول: قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (المجموع)(2/360) في مَعْرض بيانهِ لِضَلاَلِ وَبدعِ بعض غُلاة المتصوفة:" فإنَّ ضَررها علَى المسلمين أعظم مِنْ ضَرر السُّموم الَّتي يأكلونها و لا يَعْرفون أنَّها سُموم، وأعظم مِنْ ضِرر السُّرَّاق والخونَة، الَّذين لا يَعْرفونَ أنَّهم سُرَّاقٌ وخونةٌ.
فإنَّ هؤلاء: غاية ضَررهم موت الإنْسَان أو ذهاب ماله، وهذه مُصيبة في دنياهُ، قَد تَكُون سَبباً لرحمتهِ في الآخرة، وأمَّا هؤلاء: فيسقون النَّاس شرابَ الكُفر والإلحاد في آنيةِ أنبياءِ الله وأوليائه، وَيَلْبَسُونَ ثِيَاب الْمُجَاهدين فِي سَبيل الله، وَهُم فِي البَاطِنِ مِنَ الْمُحَاربين لله ورسولهِ، ويُظهرونَ كَلام الكفَّار والمنافقين، فِي قَوالب ألفاظ أولياء الله الْمُحَقِّقينَ، فَيدخل الرَّجل مَعهم على أنْ يَصيرَ مُؤمناً وليَّاً لله، فيصيرُ مُنَافقاً عَدوَّاً لله".
الثَّاني: قالَ الإمام ابن القيم في (مدارج السَّالكين)(1/372):" واشْتدَّ نكيرُ السَّلفِ والأئمَّة لَهَا- أي البدعة-،وصَاحوا بأهلهَا مِنْ أَقطار الأرضِ، وحَذَّروا فِتْنَتَهُمْ أَشدَّ التَّحذير، وبَالغوا في ذلك ما لَمْ يُبَالِغُوا مثله فِي إنكار الفَواحشِ، وَالظُّلم، والعُدوان؛ إذْ مَضرَّةُ البِدَعِ، وَهَدْمِهَا للدِّينِ، وَمنافاتها لَه أَشدّ".
والحمدُ لله أوَّلاً وآخراً، ظاهراً وباطناً، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا مُحمَّدٍ وآله وصحبه أجمعين.
وكتب
عبدالله بن عبدالرحيم البخاري




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد
فجزى الله أخانا جاسماً الكوهجي على هذا المقال الرائع السلفي الناصع فقد أبان فيه الحق، ورد به على افتراءات بعض الخلق، وكشف اللبس الذي أثاره أهل اللبس بالحجة والبرهان.
وشكر الله لأخينا الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد الرحيم البخاري على تعليقه وتتميمه.
وأحب أن أشارك ولو بالقليل فأقول مستعيناً بالله تعالى:
قال الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - : " لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء "
أخرجه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي (182) وأبو نعيم في الحلية (9/111).
وقال المروذي : قلت لأبي عبد الله من مات على الاسلام والسنة مات على خير ؟
فقال : اسكت . بل مات على الخير كله" أخرجه الذهبي في النبلاء (11/296).
البدع والضلالات سبب لذهاب الإسلام :

قال محمد بن الفضل :" ذهاب الإسلام من أربعة:
أوله: لا يعملون بما يعلمون!
والثاني: يعملون بما لا يعلمون!
والثالث: لا يتعلمون ما لا يعلمون!
والرابع: يمنعون الناس من التعلم"
أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (10/232).
وعلق عليه الذهبي بقوله سير أعلام النبلاء (14/525) :" هذه نعوت رؤوس العرب والترك وخلق من جهلة العامة :
فلو عملوا بيسير ما عرفوا لأفلحوا،
ولو وقفوا عن العمل بالبدع لوفقوا،
ولو فتشوا عن دينهم وسألوا أهل الذكر لا أهل الحيل والمكر لسعدوا، بل يعرضون عن التعلم تيهاً وكسلاً !!!
فواحدة من هذه الخلال مُرْدية فكيف بها إذا اجتمعت! فما ظنك إذا انضم إليها كبر وفجور وإجرام وتجهرم على الله! نسأل الله العافية"انتهى
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في المجموع (20/103) : إن أهل البدع شر من أهل المعاصي الشهوانية بالسنة والإجماع ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتال الخوارج ونهى عن قتال أئمة الظلم وقال في الذي يشرب الخمر :" لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله " وقال في ذي الخويصرة:"يخرج من ضئضىء هذا أقوام يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين ـ وفي رواية : من الإسلام ـ كما يمرق السهم من الرمية يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم يوم القيامة".
ثم إن أهل المعاصي ذنوبهم : فعل بعض ما نهوا عنه من سرقة أو زنا أو شرب خمر أو أكل مال بالباطل
وأهل البدع ذنوبهم ترك ما أمروا به من اتباع السنة وجماعة المؤمنين". انتهى
وكلام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى الذي نقله الشيخ عبد الله البخاري له مقدمة قوية جداً تؤيد المقال الذي كتبه الأخ جاسم الكوهجي حفظه الله تعالى : حيث اعتبر ابن قيم الجوزية البدع والضلالات مبنية على القول على الله بلا علم : وهو أعني القول على الله بلا علم أشد المحرمات تحريماً وأعظمها إثماً، وإليك سياق كلامه :
قال ابن قيم الجوزية في مدارج السالكين (1/372) :" القول على الله بلا علم هو أشد المحرمات تحريماً وأعظمها إثماً ولهذا ذكر في المرتبة الرابعة من المحرمات التي اتفقت عليها الشرائع والأديان ولا تباح بحال بل لا تكون إلا محرمة وليست كالميتة والدم ولحم الخنزير الذي يباح في حال دون حال فإن المحرمات نوعان :
محرم لذاته لا يباح بحال ومحرم تحريما عارضا في وقت دون وقت قال الله تعالى في المحرم لذاته {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} ثم انتقل منه إلى ما هو أعظم منه فقال تعالى{وَ الْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} ثم انتقل منه إلى ما هو أعظم منه فقال تعالى{وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} فهذا أعظم المحرمات عند الله وأشدها إثما فإنه يتضمن الكذب على الله ونسبته إلى ما لا يليق به وتغيير دينه وتبديله ونفي ما أثبته وإثبات ما نفاه وتحقيق ما أبطله وإبطال ما حققه وعداوة من والاه وموالاة من عاداه وحب ما أبغضه وبغض ما أحبه ووصفه بما لا يليق به في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله فليس في أجناس المحرمات أعظم عند الله منه ولا أشد إثماً.
وهو أصل الشرك والكفر وعليه أسست البدع والضلالات فكل بدعة مضلة في الدين أساسها القول على الله بلا علم ولهذا اشتد نكير السلف والأئمة لها وصاحوا بأهلها من أقطار الأرض وحذروا فتنتهم أشد التحذير وبالغوا في ذلك ما لم يبالغوا مثله في إنكار الفواحش والظلم والعدوان إذ مضرة البدع وهدمها للدين ومنافاتها له أشد" انتهى.


وقال ابن قيم الجوزية في إغاثة اللهفان (1/62) :" لا تجد مبتدعاً إلا وهو متنقص للرسول وإن زعم أنه معظم له بتلك البدعة فإنه يزعم أنها خير من السنة وأولى بالصواب أو يزعم أنها هي السنة إن كان جاهلاً مقلداً وإن كان مستبصراً في بدعته فهو مشاق لله ورسوله r "انتهى
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (20/142) :ينبغي للمسلم أن يستعيذ من الفتن ولا يشغب بذكر غريب المذاهب لا في الأصول ولا في الفروع فما رأيت الحركة في ذلك تحصل خيراً بل تثير شراً وعداوة ومقتاً للصلحاء والعباد من الفريقين فتمسك بالسنة والزم الصمت ولا تخض فيما لا يعنيك وما أشكل عليك فرده إلى الله ورسوله وقف وقل الله ورسوله أعلم اهـ
وسئل الشيخ الفوزان كما في الأجوبة المفيدة (8) : أيهما أشد عذاباً : العصاة أم المبتدعة ؟
فأجاب حفظه الله :
المبتدعة أشد؛ لأن البدعة أشد من المعصية والبدعة أحب إلى الشيطان من المعصية؛ لأن العاصي يتوب أما المبتدع فقليلاً ما يتوب؛ لأنه يظن أنه على حق بخلاف العاصي فإنه يعلم أنه عاص وأنه مرتكب لمعصية ، أما المبتدع فإنه يرى أنه مطيع وأنه على طاعة ؛ فلذلك صارت البدعة – والعياذ بالله - شراً من المعصية ولذلك يحذر السلف من مجالسة المبتدعة ؛ لأنهم يؤثرون على من جالسهم وخطرهم شديد .
لا شك أن البدعة شر من المعصية وخطر المبتدع أشد على الناس من خطر العاصي ولهذا قال السلف : اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة" انتهى

محبكم
أحمد بازمول