تسجيل الدخول

لكل أمة رجال مخلصون يقفون إلى جانب شعوبهم وقت الشدائد والمحن.
وإذا حق على للجزائر أن تفتخر بأبطالها أمثال الأمير عبد القادر، والمقراني، وغيرهما، فمن واجب أبنائها أن يعرفوا من هؤولاء الرجال الذين يعتبرون رموزا ومعالم تاريخية في مسيرة البلاد.
مولده:
ينحدر عبد الحميد بن باديس من عائلتين ماجدتين شهيرتين بقسنطينة، فأبوه محمد بن مصطفى بن مكي بن باديس وأمه زهيرة بنت علي بن جلول، وعائلة بن باديس عائلة وجاهة إمتازت بالتبحر في العلم والابتكار والعمل والذكاء والوقار، وقد شاركت منذ سبعة قرون في وظائف دينية وسياسية حيث يرتفع نسبهم إلى أمراء صنهاجة الذين ملكوا المغرب الأدنى والأوسط في القرون الرابع والخامس والسادس الهجريين وكذلك بالنسبة لعائلة بن جلول التي اشتهرت بالعفة والفقه، ففي حصن هاتين الأسرتين ولد عبد الحميد بن باديس في 04 ديسمبر 1889م.
دراسته:
تربى تربية إسلامية فأتى له بالمعلم إلى البيت وكان الشيخ محمد بن المداسي أول معلم وقد حفظ القرآن الكريم على يده وفي سن مبكرة فأعجب به شيخه بن المداسي وقدمه لإمامة المصلين لصلاة التراويح ثلاث سنوات كاملة في الجامع الكبير بقسنطينة، ويعتبر الشيخ حمدان لونيسي من الأساتذة الذين تركوا أثرا كبيرا في حياة عبد الحميد بن باديس.
زواجه:
عند بلوغه سن الخامسة عشر زوجه والده وكانت ثمرة ذلك طفلا سماه إسماعيل محمد عبده تأثرا بالإمام المصلح محمد عبده.
لم يتردد عبد الحميد بن باديس في طلب العلم بل سلك السبيل الذي إنتهجه الطامحين من قبله حيث إلتحق بجامع الزيتونة تحصل على شهادة العالمية بعد أربع سنوات.
أنهى عبد الحميد بن باديس تعلمه في 23 سنة، فاكتسب علما إلى جانب الأخلاق العالية المستمدة من الإسلام، فكان يجامل في الحق وكان يتميز بالتسامح كما كان شديد الوفاء والشجاعة والجرأة والصدق. وتسامح عبد الحميد بن باديس كان مع كل الأجناس والأديان فيقول في ذلك" أنا زارع المحبة على أساس العدل الإنصاف والإحترام مع كل أحد من أي جنس كان، ومن أي دين كان".
منعه من التدريس:
منعته السلطات الفرنسية من التدريس لأن أفكاره كانت ناتجة عن الإسلام الصحيح الرافض للإستعمار والظلم والجهل مما يمكن أن يكشف عملاء الإستعمار الذين كانوا يستترون وراء الدين، والإبقاء على تخلف الشعب الجزائري وجهله.
هجرته:
هاجر عبد الحميد بن باديس إلى الحجاز هروبا من القمع الفرنسي وكان يتلقى بالشيخ العقبي، وأستاذه المفضل حمدان لونيسي والشيخ البشير الإبراهيمي الذين تحدثوا معه حول أوضاع الجزائر وكيفية إنقاذها من براثن الجهل والطغيان، وفي تلك الأثناء كون الشيخ عبد الحميد بن باديس رصيدا من العلم يجعله قادرا على رد أفكار المستعمر الغاشم، وبتشجيع من علماء المسلمين رجع عبد الحميد بن باديس إلى أرض الوطن مستقرا في قسنطينة مسقط رأسه واتخذ التدريس منطلقا لعمله ضد الإستعمار فكان يحارب بقلمه وينشر العلم داخل الفئات المتوسطة وغيرها.
فأسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في 05/ 05/ 1931 وكان أغلب أعضائها من العلماء المصلحين مثل البشير الإبراهيمي والذين كانوا يحاربون البدع والخرافات والأباطيل ومقاومة الشر من أي ناحية جاء.
لم تكن السلطة الفرنسية راضية على نشاط الجمعية فأخذت ترمي سرا إلى الإستلاء عليها وتحولها عن أهدافها الحقيقية من الإصلاح والتوعية ولما لم تجد محاولاتها السرية أعلنتها حرب عليها جهرا.
أهداف عبد الحميد بن باديس:
1. الحفاظ على الشخصية الوطنية والخرافات.
2. محاربة الشعوذة والخرافات.
3. الحفاظ على وحدة الأمة والوطن.
وسائل أساليب جهاده:
1. تأسيس جمعية العلماء المسلمين سنة 1931م.
2. إنشاء الكشافة الإسلامية الجزائرية.
3. التعليم وإنشاء المدارس الحرة.
4. الصحافة.
- أنشأ صحيفة النجاح سنة 1919م، تهدف لنشر الأفكار الإصلاحية.
- المنتقد سنة 1925 وشعارها كان " الحق فوق كل أحد ".
- الشهاب: 1929 ترمز إلى حرق التقاليد البالية من الماضي.
كما كتب في الصفح كالبصائر والشريعة وكان ينشر مقالات مترجمة إلى الفرنسية تهدف إلى إيصال الأفكار الإصلاحية.
5. الخطابة: كان خطيبا مفوها فقد قال عنه صحفي فرنسي أنه" قد ملك مقاليد الكلام بصوته الناري يستفز الجماهير... ونبرات صوته لتنزع منك الإعجاب انتزاعا ".
6. النوادي: أنشأ النوادي كنادي كرة القدم وفرق مسرحية وموسيقية الهدف منها ترقية الشعب ونشر الأفكار الوطنية الإصلاحية وإخراج الشعب من الإنحطاط والتخلف.
وفاته:
كان يتابع عمله رغم مرضه تحت الإقامة الجبرية التي وضعه الإستعمار الفرنسي تحتها في مقره الدائم مدرسة التربية والتعليم، وفي مساء الثلاثاء 16 أفريل عام 1940 إلتحقت روحه الطاهرة بخالقها فكان ذلك اليوم يوم الوداع له من كل السكان الذين خرجوا لتوديعه رغم الظروف العسكرية المتشددة.
بعد الإستقلال اتخذ هذا التاريخ يوم 16 أفريل كذكرى لعمل هذا الرجل الصالح العلامة عبد الحميد بن باديس، عرفانا لما قدمه من تضحياته لأبناء وطنه ضد الإستعمار الغاشم فها هو الجيل يحفظ ذكرى هذا العظيم الثائر بقلمه، وندعوا الله أن يسكنه فسيح جنانه.

شكرا لك
في انتظار المزيد