الحكومة تعتقد أنها تدفع ''أجورا'' والجزائريون يتظاهرون بـ''العمل''
03-04-2009, 11:09 PM
الحكومة تعتقد أنها تدفع ''أجورا'' والجزائريون يتظاهرون بـ''العمل''
وعد وزير المالية الأسبق، عبد اللطيف بن أشنهو، من على منبر المجلس الشعبي الوطني، بتنظيم ندوة وطنية بحضور جميع الفاعلين لمناقشة ''السياسة الوطنية للأجور''، لكنه رحل دون أن تفي الحكومة بهذا الالتزام السياسي والاقتصادي.
والنتيجة أن البلاد تعيش، منذ سنوات، على وقع إشكالية كبرى كل طرف فيها يشكك في الآخر، فالحكومة تعتقد أنها ''تدفع أجورا''، والجزائريون يتظاهرون بأنهم ''يشتغلون''.
مثلما تبرر الحكومة رفضها الزيادة في أجور العمال والموظفين في كون الجزائريين لا يشتغلون بما فيه الكفاية ومردوديتهم ضئيلة، مثلما يردّ الجزائريون بأن الأجور المدفوعة لهم لا تشجعهم على بذل المجهود ورفع وتيرة العمل والإنتاج. وبين هذا وذاك، الحكومة تتهم النقابات بالشعبوية، وهذه الأخيرة تحتج وترى في تعاطي السلطات العمومية مع مطالبها بـ''المخالف'' لقواعد الحوار الاجتماعي. لقد حددت الحكومة لنفسها معادلة تقول إنها ''البارومتر'' المعتمد من طرفها لرفع الأجور أو الإبقاء عليها في مستواها الحالي، تتعلق بالنمو، الإنتاج والتضخم، وهي معادلة معمول بها في كل الدول. ولكن هل حقا هذه الثلاثية ''نمو، إنتاج وتضخم'' هي التي تحكم السياسة الوطنية للأجور في الجزائر؟ للوهلة الأولى، يبدو هذا الإجراء واقعيا من خلال تتبع التطور الذي عرفه الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون الذي انتقل من 1000 دينار في عام 90 إلى 12 ألف دينار في .2007 غير أنه عندما نتأمل بدقة المحطات التي أوقعت فيها الحكومة تلك الزيادات، نجدها مرتبطة أكثر بأسباب سياسية بحتة من علاقتها بالنمو أو التضخم، إلى درجة أنه تم رفع الأجور في 2005 في وقت عرفت البلاد نموا سلبيا. كما تم رفض مراجعة الأجور رغم تحقيق نسبة نمو قاربت الـ5 بالمائة في عدة سنوات.
نظريا، من المفروض أن الأجور يتم تحديدها استنادا إلى ''الاحتياجات الإنسانية والعائلية''، على اعتبار أن أي تنمية هدفها الأساسي تحسين ظروف معيشة المواطنين. وهو ما يعني أن الحد الأدنى للأجر المضمون في أي بلد لا بد أن يكفي لتغطية ضروريات الحياة. فهل الـ12 ألف دينار المحددة في الجزائر تضمن العيش في دولة اختارت شعار ''العزة والكرامة''؟
جاء في دراسة أعدتها المركزية النقابية بأن ''الحد الأدنى للعيش في الجزائر لا يجب أن يقل عن 25 ألف دينار''. وهو مطلب ليس شعبويا، لأن الخبير الاقتصادي والوزير الأسبق عبد اللطيف بن أشنهو، اعترف بعظمة لسانه أنه ''يجب أن يكون لكل عائلة جزائرية 3 مداخيل على الأقل ليكون بإمكانها مواجهة متطلبات الحياة''. لكن السلطات العمومية لا تنظر للأمر من هذه الزاوية، بل تعتمد ''عدة معايير'' في تعاطيها مع مطلب الأجور؛ فقد رفعت أجور النواب والوزراء والقضاة بنسب خيالية، بحيث تمثل رواتب النواب ما يقارب الـ30 مرة من الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون، في حين يطبّق على العمال والموظفين مبدأ ''النمو، الإنتاج والتضخم''. فما هي الإنتاجية التي يقدمها النواب ولا يقوم بها بقية موظفي الدولة؟
الجزائريون مقتنعون بأن العوامل السياسية هي التي تحكم تسيير ملف الأجور ولا علاقة للاقتصاد به. ولم يعد بمقدور الحكومة إخفاء هذه الحقيقة الماثلة للعيان، خصوصا بعدما دخل معطى جديد ويخص أجور الشركات الأجنبية العاملة بالجزائر التي استطاعت أن تكسر ''الطابوهات'' وتكشف للجزائريين إمكانية للمقارنة بين أجور حكومتهم ورواتب الآخرين. وحتى لا يبقى حوار ''الطرشان'' بين الحكومة والنقابات العمالية بشأن حقيقة الأجور، لا بد من تنظيم ندوة وطنية تشارك فيها كل الفعاليات لإيجاد سياسة وطنية للأجور بإمكانها إخراج الجزائر من بين فكي كماشة ''الحكومة تقسط في الأجور والعمال يتظاهرون بأنهم يعملون''.


المصدر :الجزائر: ح. سليمان
الخبر