رد: المفهوم القانوني الحديث للمشروع وسلطات الإدارة
15-05-2009, 06:58 PM
الفرع الثاني :أحكام مسؤولية سلطات الإدارة في المشروع
لقد اهتم المشرع منذ بداية هذا القرن بإيجاد عقوبات خاصة لأعمال الإدارة في الشركات ، تتميز عن تلك التي وردت في قانون العقوبات العام كجرائم النصب والاحتيال والتزوير والرشوة وخيانة الأمانة . وعند متابعة النصوص التشريعية ذات العلاقة بالشركات نلاحظ وجود تطور كبير يميل إلي تشديد نوع العقوبات التي تتعرض لها سلطة الإدارة عند ارتكابها التجاوزات التي تضر بنشاط المشروع ومصيره . وهذه العقوبات لا تتوقف فقط بدفع التعويضات لإصلاح الضرر ، وإنما فرضت المسئولية العقابية في كثير منها بجانب المسئولية المدنية .فلقد أدرك المشرع بأن نظام الحد من تصرفات الإدارة الخاطئة ، أو مجرد إزالة التعسف في استعمال سلطة الأغلبية ، ليس حلا كافيا ورادعا لمعاقبة ظواهر الاحتيال أو ارتكاب الأخطاء الجسيمة من قبل هيئات الإدارة عندما تتعمد في تصرفها لغرض تحقيق المنافع الشخصية أو تغليب منفعة طرف من أطراف المنفعة الجماعية على حساب منفعة بقية الأطراف الأخرى . وإن مثل هذه الظواهر بدأت تتزايد بتطور حجم الاستثمارات الاقتصادية والتجارية وتنوعها وتعقدها وتزايد عدد المشروعات وتنوع طبيعة نشاطاتها .
اولا: المسئولية الجزائية لسلطات الإدارة
لا تنشأ المسئولية العقابية إلا عندما يتوفر فيها ركنين أساسين هما الركن المادي والركن المعنوي .
وغالبا ما نجد توفر هذين العنصرين في المخالفات التي ترتكبها سلطة الإدارة عند اتخاذها القرارات المالية او الادارية في سياق اعمالها . رغم ذلك نلاحظ كثير من الجرائم التي ممكن أن تنسب إلى الإدارة في المشروع ، شركة أو مؤسسة ، حتى وان كانت الافعال الصادرة تتمتع بركن واحد فقط هو الركن المادي . ويعود سبب ذلك إلى طبيعة المسئولية العقابية في الشركات لأنها تتصل بشكل دقيق ووثيق مع التنظيم الخاص بالشركة وكيفية أداء الوظيفة فيها ، بالشكل الذي يفرض
على سلطة الإدارة أن تمارس نشاطاتها بالطرق القانونية (1) . وينتج عن ذلك بأن على سلطة الإدارة أن لا تهمل واجبا وان لا ترتكب عملا مخالفا . إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود العنصر المعنوي في مخالفات سلطة الإدارة . ففي جرائم الإهمال مثلا والتي تعبر بصراحة عن توفر الركن المادي نجد إن النصوص التشريعية واضحة حيث تقضي بمعاقبة المدراء في الشركات بمجرد عدم قيامهم بأجراء ما يجب إنجازه من شكليات متصلة بواجباتهم الوظيفية . أما الركن المعنوي فيمكن استخلاصه بمجرد توفر حالة الإهمال لعدم قيام هؤلاء بالعمل اللازم . وفي جرائم الأفعال المخالفة يتعرض كذلك المدراء للعقوبات بمجرد ارتكابهم عملا من الأعمال التي يمنع القانون سلطة الإدارة القيام بها في ممارسة نشاطهم . وفي هذا النوع من الجرائم يمكن استنتاج الركن المعنوي من طبيعة هذه التصرفات التي تثبت بحد ذاتها عن توفر القصد والنية في ارتكاب الجريمة . وهذا الافتراض يؤكد وجود الباعث في ارتكاب الجريمة من قبل سلطة الإدارة كما هو الحال مثلا في جريمة تقديم ونشر معلومات غير صحيحة حيث الهدف منها إخفاء الوضع الحقيقي المالي أو القانوني للمشروع .
ما يهمنا في هذا البحث هو التطرق فقط وباختصار إلى جريمتين من جرائم سلطات الإدارة التي تقع بعد تأسيس المشروع ، أي تلك التي تتصل بمبادلاته المالية أو التجارية وهي :
أ - جريمة تقديم ونشر حسابات غير أمينة
ب - جريمة التعسف في استعمال أموال أو سمعة الشركة .
هاتين الجريمتين يمكن اعتبارهما مصدرا لنشوء عدد من الجرائم الأخرى التي تناولها قانون عقوبات الأعمال التجارية وخاصة قانون عقوبات الشركات التجارية . ونذكر مثلا جريمة توزيع أرباح صورية devidendes fictifs حيث إن أساسها هو تقديم حسابات غير صحيحة توهم الغير وحتى الشركاء بأن
( 1 ) هذه هي القاعدة العامة في اغلب التشريعات . تنص المادة 112 من قانون الشركات العراقي رقم 36 لسنة 1983 ما يلي : ( على رئيس وأعضاء مجلس الإدارة أن يبذلوا من العناية في تدبير مصالح الشركة ما يبذلونه في تدبير مصالحهم الخاصة و أدارتها إدارة سليمة وقانونية على أن لا ينزلوا في ذلك عن عناية الشخص المعتاد من أمثالهم . وهم مسئولون أمام الهيئة العامة عن أي عمل يقومون به بصفتهم هذه ) . وكذلك نص المادة 185 فقرة أ من قانون الشركات الأردني لسنة 1989 ، ونص المادة 75 من نظام الشركات السعودي .و ما ورد كذلك في نص المادة 547 من قانون التجارة الكويتي لسنة 1961.
الشركة مازالت تحقق ربحا ولكنها في الحقيقة تتستر على أزمة أكيدة تتعرض إليها . ومن جانب آخر فإن تقديم حسابات غير حقيقية تنتج عن مخالفات متعمدة يرتكبها المحاسب القانوني وإنه طرفا أساسيا في تقديمها ، مما اعتبرها المشرع الفرنسي جريمة تنسب إليه تستوجب العقاب.وهنالك أيضا جريمة الإفلاس بالتدليس أو التقصير التي تنتج عن إساءة استعمال أموال الشركة من قبل أعضاء هيئة الإدارة . ( 1 ) . هذه الجرائم سوف لا نتطرق إليها في بحثنا هذا ونكتفي في عرض الجريمتين الرئيسيتين التاليتين :
أ :- جريمة تقديم أو نشر حسابات غير صحيحة
سبق القول بان حماية المنفعة الجماعية تتحقق في أحد جوانبها من خلال تزويد أطرافها بالمعلومات الصحيحة التي تبين حقيقة المركز المالي والقانوني الناتج عن نشاط المشروع (2 ) . أما عندما يتم تقديم ونشر حسابات غير حقيقية ، فلقد اعتبرها المشرع جريمة مستكملة عناصرها واعتبرها أحد الضوابط العقابية التي تهدد سلطة الإدارة في المشروع لمنعهم ارتكاب مثل هذه الأفعال الضارة ، أو تحمل نتائجها العقابية عند اقترافها .
تشكل الحسابات في الواقع عنصرا ماديا أساسيا ودليلا في تقييم الوضع المالي الحقيقي للمشروع . فهي من جانب تقدم إلى كافة الأطراف المستفيدة من نشاطه بالمعلومات الاقتصادية والمالية بالشكل الذي يسمح لها أن تعرف بيقين وضعه المالي ومدى ما تحقق في إطار برنامجه الاستثماري وأغراضه التي نشأ من اجلها . وتعتبر الحسابات من جانب أخر كوسيلة متابعة لإدارة أعماله الداخلية وصورة حقيقية لما تقدمه للغير من معلومات ذات اثر على تعاملهم مع المشروع والانضمام لنشاطه .
ولكي تحقق الحسابات هذه الأهداف وغيرها ،لابد أن تتمتع بالوضوح وان تقدم المؤشرات الاقتصادية الأكيدة والتي تعبر بصدق عن وضعها المالي والقانوني ، وعكس ذلك فإنها ستنقاد إلى ارتكاب مخالفات
( 1 ) لدراسة كافة الجرائم في قانون عقوبات الشركات التجارية الفرنسية، انظر :
Constantin , Le droit pénal des société par actions
Dupont - Delestrain , Le droit pénal des affaires et sociétés commerciales , Dalloz
Touffait et Robin , Délits et sanctions dans les société .Sirey
Jean Larguier , Droit pénal des affaires , coll. PUF .
( 2 ) هنالك موقفا متشابها لدى بعض التشريعات العربية : تنص المادة 132 من نظام الشركات السعودي بان على مراقب الحسابات إبداء رأيه في مدى مطابقة حسابات الشركة للواقع . انظر كذلك نص المادتين 164 و 165 - قانون الشركات الكويتي .
أخرى كتوزيع الأرباح الصورية المقصود منها خلق سمعة باطلة وائتمانا مزيفا للشركة (1 ) . لقد أدرك المشرع الفرنسي زيادة استغلال سلطة الإدارة بالوضع الحسابي للمشروع لارتكاب تجاوزات عديدة وعدم مراعاتها القوانين والأنظمة الخاصة التي تحدد سلطاتها ، مما يولد نتائج تضر في منفعة المشروع تعرض شخصه المعنوي للمسئولية عن الأضرار التي تسببت للغير ، ومن جانب آخر يلحق أضرارا جسيمة بمصالح الأطراف الأخرى ذات العلاقة . ونتيجة لذلك حصل تعديلا أعطى تعريفا جديدا لقيام مثل هذه الجريمة في القانون 30 نيسان 1983 ، ومحتوى ذلك يتجاوز في تطبيقاته نطاق مضمون ما جاء به القانون السابق لعام 1966 حيث تناول هذا الأخير المخالفات التي ترافق فقط حسابات الميزانية السنوية (2) .
أما التعديل الحديث فانه يتناول كافة الأخطاء الجسيمة التي تحصل في الحسابات على امتداد فعاليات السنة المالية للمشروع . وهذا الموقف واضح عند تعريفه لهذه الجريمة وهي ( تقديم أو نشر حسابات سنوية لا تعطي عن كل سنة مالية صورة أمينة عن معاملاتها التجارية لهذه السنة المالية ، للوضع المالي وللذمة المالية ، في نهاية هذه المدة ) (3) .
ولغرض أن تكون هذه الجريمة قائمة بسبب أعمال سلطة الإدارة ، فلابد أن تحتوي على الركنين المادي المعنوي .أما الركن المادي للجريمة يتحقق من خلال وجود عنصرين هما :
( 1 ) المادة 229 فقرة 5 نظام الشركات السعودي ، المادة 148 ، شركات كويتي .
( 2 ) قانون 24 تموز 1966 المواد 432-2 ، 425-3 ،460 ق. ش. فرنسي .
( 3 ) قانون 30 نيسان لعام 1983 من قانون الشركات الفرنسي .
العنصر الأول : الحسابات السنوية الغير حقيقية . ويثبت لنا هذا الافتراض عندما لا تنطبق الحسابات مع الواقع . فقد يكون أعدادها مخالفا للقواعد والأصول الحسابية المنصوص عليها
في أحكام قانون الشركات أو في عقد الشركة . أو قد تكون البيانات الواردة في هذه الحسابات بحد ذاتها غير صحيحة متناقضة وغير صادقة أي لا يتوفر في تحضيرها حسن النية (1) . والملاحظ أن الحسابات السنوية للمشروع تتركز في ثلاث وثائق رئيسية مترابطة فيما بينها ولا يمكن فصل أحدهما عن الأخرى وهي :
1-الميزانية السنوية . ومن خلالها يتبين المركز المالي للمشروع الحالي عن السنة المالية المنقضية (2)
2- حساب النتائج المتحققة لإعمالها والطريقة المقترحة لتوزيع الأرباح الصافية (3)
3-الملحقات التي تقدم إيضاحات إضافية للحسابات السنوية .
العنصر الثاني : فعل الإشهار للحسابات السنوية : ويكمن ذلك الفعل عندما تقوم سلطة الإدارة المعنية بهذا الواجب من قبل أعضاء مجلس الإدارة أو رئيسها أو المدير المفوض ، وذلك بأعلام المساهمين أو الجمعية العامة للشركة بالبيانات الحسابية السنوية بتقديمها لهم ووضعها تحت تصرفهم للإطلاع عليها باعتبارها مؤشرا للمركز المالي للشركة . كما أن فعل الإشهار ممكن أن يتحقق بنشر هذه البيانات الحسابية على الجمهور بكافة وسائل الأعلام المكتوبة كالنشرات الدورية المالية أو صحف الإعلانات القانونية .. أو أن يحصل هذا النشر بإجراءات شفوية بإلقائه على الجمعية العامة بشكل مباشر عند الاجتماع بها . وأهمية الإشهار بغض النظر عن وسيلة إيصاله يعتبر ضمان لحماية حقوق الأطراف ذات العلاقة كافة بالمشروع في تشخيص الثغرات واقتراح الحلول للمشاكل التي تعترض العمل داخل المشروع قبل تفاقمها . فلابد إذن أن تكون
( 1 ) تقديم ميزانية غير صحيحة Faux Bilan محكمة النقض الفرنسية - جنايات 5 نوفمبر 1991 , Dalloz , 1992 ,IR , 13 , Rev .soc .1992 ,91 , note Bouloc . محكمة النقض الفرنسية -جنايات 12 كانون ثاني 1981 Dalloz 1981, 348 note Cosson . ـ J.C.P 1981 ,II, 19660 , note Guyon . محكمة النقض الفرنسية -جنايات 8 نيسان 1991 Bull,crim, 8 avril 1991 , n°, 291 . محكمة النقض الفرنسية -جنايات 27 نوفمبر 1978 Bull , crim , n°, 331 .
( 2 ) انظر كذلك محتوى المادة 123 من نظام الشركات السعودي والمادة 157 من قانون الشركات الكويتي .
( 3 ) انظر نص المادة 123 من نظام الشركات السعودي .المادة 223 فقرة ب قانون الشركات الأردني .
مواضيع الإشهار محددة ودقيقة وصحيحة لكي تعطي فائدتها باعتبارها الصيغة المثالية من صيغ الرقابة قبل سلطة الإدارة ( 1 ) . أما الركن المعنوي للجريمة فانه يتكون من عنصرين هما :
الأول : هو قصد الجاني لارتكاب الجريمة وذلك عندما تتعمد سلطة الإدارة إشهار الحسابات المالية وهي على علم تام بأنها تتضمن بيانات كاذبة غير حقيقية (2) . ومن المعلوم بان هذا التصرف يثبت سوء النية لدى الفاعل لأنه على علم تام بما فعل (3) . والقضاء الفرنسي يتخذ موقفا صارما تجاه أصحاب الخبرة qualité professionnelle في العمل التجاري ومنهم المدراء في المشروعات . والاحتراف عندهم يعتبر كقرينة لا تقبل الدحض بان لديهم المعرفة التامة لما يقومون به من تصرفات تتصل بحرفتهم . ونتيجة لذلك فان عبء الإثبات ينتقل من المدعي ويصبح على المدعي عليه إثبات العكس وذلك لقيام افتراض الخطأ لديه (4).
الثاني : هو الباعث le mobile لارتكاب الجريمة من قبل سلطة الإدارة . وهذا يعني النتيجة المقصودة من وراء عمل تقديم أو نشر حسابات غير أمينة وهو هدف إخفاء المركز المالي الحقيقي للمشروع . والملاحظ بان نص القانون لا يأخذ بالاعتبار سواء تحقق هذا الهدف أو لن يتحقق ، إنما يكتفي بنية الجاني تقديم أو نشر بيانات غير حقيقية كان يقصد منها لتحقيق هذا الهدف .ومن المعلوم إن موقف المشرع الفرنسي باعتبار الباعث عنصر من عناصر الجريمة ما هو إلا استثناء لمبادئ قانون العقوبات العام التي لا تعتد بوجود الباعث ، وانه عديم الأهمية في قيام الجريمة (5)
وفي الواقع أن إخفاء الوضع المالي للشركة لا يعتبر بحد ذاته الهدف المقصود من الجريمة ، إنما هو مجرد وسيلة للوصول إلى بعض النتائج التي تستحق العقاب ، إذا علمنا أن طبيعتها تجلب كثيرا من الأضرار لأطراف المنفعة الجماعية في المشروع ، وإنها غالبا ما ترمي إلى خداع المساهمين أو الغير من الدائنين
أو محاولة الغش الضريبي يقصد منه التهرب من دفع الضرائب وغير ذلك .
( 1 ) انظر موفق حسن رضا ، قانون الشركات ، بغداد 1985 ، ص 152 وما يليها وكذلك طبقا لما ورد في نص المادة 164 من قانون الشركات الكويتي
( 2 ) محكمة النقض الفرنسية - جنايات 5 نوفمبر 1991 Dalloz , 1991 , IR ,13 , Rev soc , 1992 -91 , note Bouloc . . محكمة النقض الفرنسية - جنايات 27 نوفمبر 1978 Bull , crim , N 331 . محكمة النقض الفرنسية - جنايات 12 كانون ثاني 1981 . Dalloz ,1981 , 348 , note Cosson . J.C.P.1981 ,II , 19660 , note Guyon
( 3 ) انظر نص المادة 229 فقرة 6 من نظام الشركات السعودي .
( 4 ) انظر محكمة النقض الفرنسية - جنايات 2 مارس 1983 Dalloz , 1983 , IR , 492
( 5 ) محكمة النقض الفرنسية ، قسم الجرائم ، 18 ديسمبر 1956 ،
, Cass crim, 18 déc ,1956 : Dalloz 1957 , p. 705 .
لقد اعتبر المشرع الفرنسي جريمة تقديم أو نشر حسابات غير أمينة من الجنح ، وعاقب فيها أعضاء سلطة الإدارة ( المدراء أو أعضاء مجلس الإدارة ومراقب الحسابات بموجب المادة 437 من قانون تموز
1966 بالحبس لمدة لا تقل عن سنة واحدة وعن فترة لا تتجاوز الخمس سنوات وبغرامة تتراوح بين 5000فرنك فرنسي إلى نصف مليون فرنك فرنسي أو بإحدى هاتين العقوبتين . وقد اتخذ نظام الشركات السعودي في المادة 229فقرة 6 موقفا عقابيا مماثلا تجاه كل مدير أو عضو قي مجلس إدارة أو مراقب حسابات أو مصرف ذكر عمدا بيانات كاذبة في الميزانية أو في حساب الأرباح والخسائر ..، وعاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة شهور ولا تتجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف ريال سعودي ولا تجاوز عشرين آلف ريال سعودي أو بإحدى هاتين العقوبتين . كما أن هذه العقوبة لا تمنع من قيام الدعوى المدنية من قبل كافة الأشخاص المتضررين ماديا لما ينتج من آثار مباشرة لهذه الجريمة (1) . وتسري أحكام هذه العقوبة على المساهمين في الجريمة ، ومن المعلوم بأن للقضاء موقفا صارما تجاه مسئولي الحسابات وكذلك مراقبي الحسابات ، كما تدل على ذلك كثير من القرارات القضائية لمحكمة النقض الفرنسية ( 2 ) .
ب :- جريمة التعسف في استعمال أموال وسمعة الشركة
تتعرض منفعة المشروع ، شركة أو مؤسسة ، لمخاطر جسيمة عندما تستغل الإدارة سلطاتها وتتجاوز واجباتها معرضة أموال المشروع واعتماده للضياع والتبذير .و يعتبر القضاء الفرنسي بأن جناية إساءة استعمال أموال الشركة مفادها هو ليس منفعة المساهمين ، إنما لغرض حماية الذمة المالية لمنفعة الشركة نفسها و الغير(2). ومن المبدأ العام بأن رئيس مجلس الإدارة أو أي عضو في هذا المجلس وكافة المدراء في المشروع لا يحق لأي منهما أن تكون له مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في المعلومات التجارية والعقود التي تبرم مع المشروع . وهذه القاعدة تأخذ بها أغلب التشريعات حيث تنص المادة 69 من
( 1 ) محكمة السين 31 أكتوبر 1963 . 1963 , 54 -1 , P 173 G. P.
( 2 ) Cass . - crim , 4 janv 1969 Bull ,cass ,69 n° 5 .
cass - crim , 14 janv 1980 , Bull , cass , 1980 , n° 21
- cass - crim , 12 janv 1981 , J.C.P 81 -19660
-cass - crim , 15 mai 1974 , Bull ,cass , 1974 .n°,117 ( 3 ) Cass. Crim. 5 nov. 1963, D. 1964 , Jur. P. 52, ، انظر كذلك القرارات القضائية التي ذكرها
Dekeuewer A. : les intérêts protéges en cas d'abus de biens sociaux, JCP éd. E 1995, I ,n° 500.
نظام الشركات السعودي بأنه ( لا يجوز أن يكون لعضو مجلس الإدارة آية مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في الأعمال والعقود التي تتم لحساب الشركة إلا بترخيص من الجمعية العامة العادية ..) ( 1 ) رغم ذلك نجد كثير من تصرفات الإدارة تميل إلى تحقيق بعض المنافع الشخصية أو تفضيل هذه المنافع على حساب المنفعة العامة للمشروع . وهذا النوع من المخالفات بدأ يزداد في السنوات الأخيرة بفعل تطور حجم ونوع الأنشطة الاقتصادية والمالية في سوق التعامل التجاري . وكذلك وجود الإمكانيات الذهنية لدى بعض أعضاء سلطة الإدارة التي يدفعها سوء النية في تصرفاتها . ومن الطبيعي أن تلحق مثل هذه الأعمال لسلطة الإدارة أضرارا كبيرة في مصالح الشركاء والغير الذين لهم حقوق ومنافع مشتركة مع الوضع العام ومصير المشروع . كما أن مثل هذه المخالفات تؤدي في كثير من الحالات الأضرار بالمركز المالي للمشروع وربما يعرضها للانهيار أو التصفية القضائية (2) . فكان لابد أن يتدخل المشرع لحماية المشروع وحماية حقوق الآخرين ومصالحهم المرتبطة به ، ومعاقبة الجاني عند ارتكاب عملا من الأعمال المخالفة الذي يستوفي عناصر الجريمة.
لقد عرف القانون الفرنسي لعام 1966 الخاص بالشركات هذه الجريمة كما يلي : ( يعاقب بالسجن …المدراء سيئ النية استعملوا أموال وسمعة الشركة مع علمهم بأنه خلاف منفعتها ، ولأغراض شخصية أو تفضيل شركة أو مؤسسة أخرى لهم فيها مصالح مباشرة أو غير مباشرة ) (3) . وإذا كان تشخيص الركن المادي للجريمة لا يثير غموضا لأنه يتحقق من خلال معيار الإساءة في استعمال أموال وسمعة المشروع ، إلا انه يصعب أحيانا تحديد طبيعة الباعث الدافع لارتكاب المخالفة من قبل سلطة الإدارة . وهذا الافتراض هو الذي يفسر تباين الموقف القضائي في تقييم وتوفر العنصر المعنوي في بعض أفعال الإدارة لكي تستكمل الجريمة كافة أركانها .
أولا : الركن المادي
يتكون العنصر المادي لجريمة سوء استعمال أموال المؤسسة وسمعتها من القيام بعمل تقوم به سلطة الإدارة بالتجاوز على أموال المشروع أو استغلال مكانتها التجارية . وأموال المشروع هي كافة الموجودات المنقولة وغير المنقولة من وسائط النقل ، ومبالغ نقدية ومتاجر ، ولا يهم سواء كانت هذه الأموال مادية أو معنوية كالعلامات التجارية وبراءات الاختراع .
( 1 ) انظر كذلك نص المادة 176 فقرة ج من قانون الشركات الأردني لسنة 1989 ، وكذلك نص المادة 111 من قانون الشركات العراقي لسنة 1983.انظر المادتين 148 و 151 ق. ش. الكويتي.
( 2 ) القضاء الفرنسي حافل بمثل هذه القضايا ومنها أخيرا قضية مشروعات رجل الأعمال TAPIE وكذلك البنك الفرنسي Crédit Lyonnais .
( 3 ) المادة 437 -3 من قانون الشركات الفرنسي في 24موز 1966.
ومن المعلوم بأن كافة أموال المشروع قد تم تخصيصها ، سواء عند التأسيس أو في فترة حياته بهدف تحقيق المنفعة الجماعية ، ونتيجة لذلك فهنالك مصالح أطراف متعددة تتعلق بها ، فلا يجوز استغلالها خارج نطاق تحقيق الهدف الذي يسعى المشروع إلى إنجازه من خلال نشاطه . وهذا المبدأ تتفق عليه كافة القوانين عندما تحدد واجبات سلطة الإدارة وحدود واجباتها ، فانه لا يجوز أن يكون لها مثلا أية مصلحة مباشرة أو غير مباشرة (1) في الأعمال والعقود التي تتم لحساب المشروع إلا بترخيص من الجمعية العامة العادية ، فلا يجوز أن تشترك في أي عمل من شأنه منافسة نشاط المشروع أو المتاجرة في أحد فروع نشاطها ، كما لا يحق لها استغلال أموال المشروع للحصول على قرض لصالحها أو للغير من خلال ضمان الذمة المالية للمشروع ، كما لا يجوز لسلطة الإدارة عقد القروض الطويلة الأمد أو بيع عقارات الشركة أو رهنها أو بيع متجر أو رهنه أو إبراء المدينين من التزاماتهم (2) إلا ضمن الشروط التي يقرها نظامها القانون الحسابي والداخلي ، ومهما تكن طبيعة مخالفات سلطة الإدارة فإنها تنشأ أما نتيجة اتخاذها قرارا إداريا (3) ، أو أن تقترن بحيازة الأموال ماديا والتصرف بها لأغراض شخصية (4) . وكثير من المخالفات تحصل بتخصيص مرتبات عالية أو مكافآت ومنح يتم إنفاقها (5) . ويتابع القضاء دائما تقيم ضرورتها وأهميتها لنشاط المشروع ، وكذلك شرعيتها في نظر القوانين المرعية .
ففي إحدى قرارات محكمة النقض الفرنسية أيدت فيها حكم محكمة استئناف باريس عندما اعتبرت الجريمة قائمة ، حيث ثبت لها كون مدير عام الشركة المساهمة موضوع الدعوى كان قد قبض مرتبات وافق عليها مجلس الإدارة . ولكن بموجب تقدير المحكمة تعتبر مرتبات مفرطة إذا أخذنا بنظر
( 1 ) محكمة النقض الفرنسية ، جنايات 10 تموز 1995 ..JCP 1996 éd G. II, Bull ,crim , N°,253 .,. م . note Paillusseau . ،محكمة النقض ’ جنايات 15 مارس 1972 Rev .société 1973 , P.357. شرح Bouloc . . محكمة النقض ، جنايات 27 نيسان 1993 Pourvoi , N, E 91-82-363
( 2 ) المواد 69،70،71،73من نظام الشركات السعودي.المواد 148 ، 151 من ق. ش. الكويتي
( 3 ) المواد 101 ، 148 ،50 من قانون الشركات الفرنسي
( 4 ) محكمة باريس في 29 كانون ثاني 1976 ومحكمة النقض 15 مارس 1972 Rev , soc .1973 , p.357
( 5 ) محكمة الجنح الفرنسية في مدينة ROUEN 10 تموز 1977 ، قرار محكمة النقض ، جنايات في 17 أكتوبر 1973.
الاعتبار من ناحية بأن الشركة منذ عام 1970 لن تحقق إلا انخفاض في نشاطها ، أو إنها لن تحقق زيادة في جدول استثماراتها طوال الفترة المعينة000 ومن جانب آخر وجدت المحكمة بأن هذه المرتبات لما كان بالإمكان تسديدها للمتهم إلا بفضل القروض المالية المكلفة تم الحصول عليها بنفقات كبيرة أبرمتها الشركة لهذا السبب . هذه المرتبات إذن اعتبرتها المحكمة استقطاعات قام بها المتهم لمصلحته الشخصية
على حساب منفعة المشروع (1) .
أما ما يتعلق بسمعة المشروع فأنه معيار شامل لوضعها الاقتصادي . وهو كل ما يتصل بمركزها المالي والتجاري وكذلك الأعمال والاستثمارات التي تقوم بها . ويتمثل ذلك بمقدار إجمالي رأس المال والعلامات التجارية وبراءات الاختراع التي يمتلكها المشروع وغير ذلك من عوامل الائتمان التي يتمتع بها في سوق الأعمال التجارية .وإذا كان للقضاء الفرنسي أحكاما كثيرة تدين فيها سلطة الإدارة لسوء استعمال أموال وسمعة الشركة أو المؤسسة ، إلا أن اغلبها ينكشف عند المبالغة في حجم النفقات والاستقطاعات المالية التي تعرض للخطر التوازن المالي للمشروع ، وينتج عن ذلك بالضرورة هبوطا كبيرا في حساب الأرباح أوقد يجعلها ضئيلة جدا . أو قد تؤدي إلى العجز المالي التام للمشروع عند الإفراط بهذه النفقات .
رغم ذلك ، قدم لنا القضاء الفرنسي في الآونة الأخيرة موقفا جديدا في تقيم شرعية بعض النفقات في أعمال سلطة الإدارة (2) . فقد تلجأ هذه الأخيرة إلى تقديم بعض الأموال على شكل منح أو مكافآت لبعض الوسطاء في البحث عن الزبائن لغرض التوصل إلى إبرام عقد مهم للمشروع .ومن حيث المبدأ العام يعتبر إنفاق أموال المشروع بهذه الطريقة مخالفا للقواعد التي تقضي حماية منفعة المشروع وذمته المالية وعدم تعريضها لأخطار جسيمة بنفقات غير مضمونة العطاء (3) .
ولكن للقضاء الفرنسي أحيانا رأي آخر ، حيث يعتبر بأن تصرف الإدارة ضمن هذا الباب قد يكون من مستلزمات سوق الأعمال التجارية وانه عمل يصب من حيث المبدأ في إطار تحقيق منفعة المشروع وليس مغايرا لمصلحتها .وإن نتائجه فيها نوع من الإيجابية تكون دعما للمركز المالي للمشروع فيما إذا تم إبرام
( 1 ) محكمة النقض ، الجنايات ، 17 اكتوبر1973 .
( 2 ) محكمة النقض 6 فبراير 1997 ، شرح Bouloc , , Revue société 1997 قضية Affaire CRASNIANSKI
( 3 ) Armand Colin 1997 - Michel Véron : Droit pénale des, affaires , 2e édition , par.
قرار محكمة النقض الفرنسية ، جنايات في 19 نوفمبر 1979 Dalloz , 1980 , IR - 378 شرح Vasseur , انظر كذلك المرجع السابق ذكره A. Dekeuwer , JCP éd E 1995 , I , n° 500 .
عقد مهم يجلب لها عائدات مهمة يزيد في اعتمادها (1) .وإذا كان لهذا الموقف القضائي جانبا إيجابيا باعتباره يسمح لأعضاء سلطة الإدارة ممارسة نشاطها بديناميكية وواقعية لمجابهة ظروف التعامل التجاري وعوامل المنافسة الشديدة وكذلك تجاوبا مع ضرورات السوق . إلا أننا نرى بأنه لا يخلو من بعض المخاطر التي قد تعرض المشروع إلى أضرار جسيمة بتبذير أمواله واستغلالها . فقد يبالغ أعضاء الإدارة الأنفاق في هذا الباب بحجة الأمل في إبرام عقد . فقد تنطوي تصرفاتهم على سوء النية فيكون من الصعب معرفة النية الحقيقية لدى سلطة الإدارة وتقدير تصرفاتها بأنها تسعى فعلا وبحسن النية من اجل إبرام عقد لمنفعة المشروع . فقد يكون الهدف في هذا الأنفاق هو لتحقيق مصالح شخصية مباشرة أو غير مباشرة .وفي كل الأحوال ينبغي أن تحقق عمليات الاستثمار وطبيعة العقود التي يبرمونها كفاية من العائدات المضافة بمقدار يبرر حجم الإنفاق من اجلها . ويرى القضاء الفرنسي بأنه في جميع الافتراضات فأن المخاطر التي قد يتعرض لها المشروع من تصرف الإدارة ينبغي أن لا تفوق بكثير إمكاناته في أداء التزاماته (2) .
ونحن نرى أيضا بأن تقديم الأموال من قبل سلطة الإدارة وان كانت لغرض تسهيل إجراءات العقد ، تبقى من حيث المبدأ القانوني مخالفة لقواعد وأنظمة المشروع . أما إمكانية جوازها فهي حالة استثنائية ، يشترط العمل بها عندما يتثبت فعلا تحقيق منفعة المشروع . فهي أذن حالة وقائع يجب النظر أليها حسب ظروف المعاملة التجارية وما يحيط بها من عوامل المنافسة ، ولا يصح تعميمها أو إطلاقها على كافة مستلزمات وحالات التعامل التي تقوم بها الإدارة في معاملات المشروع مع الغير .