لا تقوم الحجة على جاهلها:
إنّ الإنسانَ لا يُكلّف إلاّ بما يعلمُ، وإلاّ لكان تكليفًا بغير المستطاعِ وهو ممنوعٌ شرعًا بنصوص آيات القرآن الكريم
" لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها "، والسنة المطهرة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال:
" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ؛ فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم ، واختلافهم على أنبيائهم) "
والسنة المطهرة. وعقلاً بما تقرّر في عموم الخلائق، أن تلك القاعدة من المسلّمات، وإذ ضرب بها أهل العلم مثلاً حتى لا يستعملها البعض بما غلب في نفوس الناس من استعمال نقيضها تعصبًّا وجهلاً وغرورا.بما يرون من المختلفات الباطلة فإنهم يحكمون حكمًا باتًّا على كلّ أهل الأرض بما يرونه وربما بالكفر، أو التفسيق، أو الزندقة قبل أن يبلغ هؤلاء الدين الإسلامي.
فتجد البعض منهم يزعم أن شيوع الدين الإسلامي في بلاد المسلمين أو وصول أخباره السطحية إلى بعض أطراف البلاد ـــ دون أن ينظروا إلى ثقافة الناس ومعرفتهم ــــ كافيًّا لإقامة حجة الله على سائر الأمم. فزعموا أن أهالي البلاد الأخرى غير الإسلامية ( مثل أوروبا، وأمريكا والبلاد النائية من أسيا، وأدغال أفريقيا، والبلاد الأخرى في أقاصي المحيطات) معذبون عند الله لعدم انقيادهم وعدم دخولهم في الدين الإسلامي حتى لو لم تبلغهم الدعوة، إذًا كيف تقام عليهم الحجة وهم لم يبلغوا أدنى بلاغ ديني. يقول جلّ في علاه:
" وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "
وكما قال سبحانه وتعالى:
" ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى"
وكذلك قال جلّ جلاله:
"كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء "
إذًا فلابد للبلاغ حتى تقام الحجة، وأن البلاغ المبين المزيل لكل الشكوك، وأن يكون كما ذكرتُ قبل هذا أن يكون بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
هناك من يقول أن العقل كافيًّا هو الحجة على البلاغ، دون ارسال رسولاً
فقد درس أهل العلم هذه النقطة، واستنتجوا من ذلك أنهم قالوا أنه من المحال أن يكون العقل يكفي للبلاغ والتبليغ.
وأن الذي دعى البعض من قال بالعقل إنما ذلك كان حبًّا وبغية للتخلص من وظيفة ودعوة التبليغ لما فيهما من مشقة، وكذلك لحمل الناس على التعصب بغير حقٍّ على أهل تلك الديّار لتتوفر بعض الأسباب الأخرى مثل الاستعلاء على العباد وأخذ أموالهم كغنائم دون القيام بمهمة ودعوة البلاغ.
لأن البلاغ والتبليغ يؤدي لا محالة إلى التحبب والتعرف وقبول الحق بدون عدواة .. وكما أشرت قبل هذا .. أن الحرب هي آخر أسباب التبليغ.
قلت أن الحق بدون عداوة وهذا يمنع جلب الاموال التي يُستفاد منها كالغنائم وكذلك الاعراض التي تنتهي بالاسر والإسترقاق، والتي تعقب كل الانتصارات.
فإن تلك الاحوال قد ستربي وتبعث على العدواة والبغضاء حتى بين أهل الاديان.
ولو نعود إلى ما جاء في الاثر ومصادر الخبر من سيرة الحبيب المصطفى ــ صلى الله عليه وسلم ــ لوجدناه قد بلغ في بداية الامر، ثم دعى الناس إلى عبادة الله تعالى وعلمهم وأنذرهم من عذاب يوم الدين، ولم يلتجئ إلى الحرب إلا أن عندما اعتدوا عليه وعلى الإسلام وكانت الحرب في نهاية المطاف.
وكذلك فعل من تبعه من السلف الصالح وبلغوا ودعوا الناس إلى هذا الدين.
وسوف تبقى مهمة الدعوة إلى الله إلى أن يرث الارض ومن عليها بعد التعريف بهذا الدين ونشر تعاليمه نشرًا صحيحًا.
عندها تصدق مسلّمة أنه لا حجة على من يجهلها إلاّ بالبلاغ المبين.