(وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن...)لابن باديس-رحمه الله-.
17-06-2009, 11:52 AM
منقول
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه.
أما بعد فهذا كلام نادر (!) لإمام مصلح ، وداعية سلفي ، ظهر في حقبة حرجة من مراحل الأمة الجزائرية المسلمة ، ألا و هي حقبة الاستدمار الفرنسي الغاشم،ذكر فيه كلاما نفيسا ، يجدر بأي شخص مسلم أن يقف عنده ، ويتدبّره ، و هذا منقول من كتابه التفسير الموسوم ب:مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، و قد ولد هذا الإمام سنة :1889وتوفي سنة :1940.فرحمه الله رحمة واسعة .
ودونكم مقاله :
قال رحمه الله:
(وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن)(الإسراء:53.).
اللسان أداة البيان ، وترجمان القلب والوجدان ، و الكلام به يتعارف الناس و يتقاربون ، وبه يتحاجون ويتفاصلون ، ولولاه لما ظهرت ثمرات العقول والمدارك ، ولما تلاحقت الأفكار والمشاعر ، و لما تزايدت العلوم و المعارف، و لما ترقى الإنسان في درجات أنواع الكمالات ، و لما امتاز على بقية الحيوانات.
فهو رابطة أفراد النوع الإنساني وعشائره وأممه ، و بريد عقله و واسطة تفاهمه.
فإذا حسن قويت روابط الألفة ، وتمكّنت أسباب المحبة ، وامتد رواق السلام بين الأفراد و العشائر و الأمم ، وتقاربت العقول والقلوب بالتفاهم ، وتشابكت الأيدي على التعاون والتوازر، و جنى العَالَمُ من وراء ذلك تقرر الأمن واطرد العمران.
وإذا قبح كان الحال على ضدّ ذلك.
فالكلام السيئ قاطع لأواصر الأخوة ، باعث على البغضاء و النفرة، يبعد بين العقول فتحرم الاسترشاد والاستمداد و التعاون، وبين القلوب فتفقد عواطف المحبة وحنان الرحمة ، و هما أشرف ما تتحلى به القلوب، وإذا بطلت الرحمة و المحبة بطلت الألفة و التعاون ، و حلت القساوة و العداوة، وتبعهما التخاصم والتقاتل ، ومن ذلك كلّ الشرّ لأبناء البشر.
فالمحصل للناس سعادتهم وسلامتهم ، والمبعد لهم عن شقاوتهم وهلاكهم هو القول الحسن ، ولهذا أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرشد العباد إلى قول التي أحسن فقال تعالى :(و قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن).
والعباد المأمورون هنا هم المؤمنون ، لوجهين :
الأول : أنهم أضيفوا إليه ، و هذه إضافة شرف لا تكون إلا للمؤمنين به.
الثاني : أن الذين يخاطبون بهذا الإرشاد و يكون منهم الامتثال إنما هم من حصلوا على أصل الإيمان.
والتي هي أحسن : هي الكلمة الطيبة ، والمقالة التي هي أحسن من غيرها ، فيعم ذلك ما يكون من الكلام في التخاطب العادي بين الناس حتى ينادي بعضهم بعضا بأحبّ الأسماء إليه ، و ما يكون من البيان العلمي فيختار أسهل العبارات وأقربها للفهم ، حتى لا يحدث الناس بما لا يفهمون فيكون عليهم حديثه فتنة وبلاء ، وما يكون من الكلام في مقام التنازع والخصام فيقتصر على ما يوصله إلى حقه في حدود الموضع المتنازع فيه ، دون إذاية لخصمه ، و لا تعرض لشأن من شؤونه الخاصة به ، و ما يكون من باب إقامة الحجة و عرض الأدلّة ، فيسوقها بأجلى عبارة و أوقعها في النفس ، خالية من السّبّ و القدح ، ومن الغمز و التعريض ، و من أدنى تلميح إلى شيئ قبيح.
و هذا يطالب به المؤمنون سواء كان ذلك فيما بينهم أو بينهم وبين غيرهم.
وقد جاء في (الصحيح)أنّ رهطا من اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلّم فقالوا :السام عليكم ن ففهمتها عائشة -رضي الله عنها -، فقالت: وعليكم السام واللعنة ...فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : مهلا يا عائشة ! إن الله يحب الرفق في الأمر كلّه...).فقالت : ألم تسمع ما قالوا ؟ فقال : (قد قلت : وعليكم.).
فكان الرد عليهم بمثل قولهم بأسلوب العطف على كلامهم و هو قوله :(وعليكم) أحسن من الرد عليهم باللعنة .فقال صلى الله عليه وسلم القولة التي هي أحسن، و هذا هو أدب الإسلام للمسلمين من جميع الناس.
و أفاد قوله تعالى : (أحسن) بصيغة اسم التفضيل ، أن علينا أن نتخير في العبارات الحسنة فننتقي أحسنها في جميع ما تقدم من أنواع مواقع الكلام .
فحاصل هذا التأديب الرباني هو اجتناب الكلام السيئ جملة ، والاقتصار على الحسن ، وانتقاء واختيار الأحسن من بين ذلك الحسن.
و هذا يستلزم استعمال العقل والروية عند كلّ كلمة تقال ولو كلمة واحدة، فربّ كلمة واحدة أوقدت حربا ، وأهلكت شعبا ، أو شعوبا ، و ربّ كلمة واحدة أنزلت أمنا ، وأنقذت أمة أو أمما.
وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم مكانة الكلمة الواحدة من الأثر في قوله :(الكلمة الطيبة صدقة..)البخاري، (واتقوا النار و لو بكلمة طيّبة)البخاري.
و هذا الأدب الإسلامي -وهو التروي عند القول ، واجتناب السيئ، واختيار الأحسن-ضروري لسعادة العباد و هنائهم.
و ما كثرت الخلافات ، وتشعبت الخصومات ، وتنافرت المشارب ، و تباعدت المذاهب ، حتى صار المسلم عدوّ المسلم ،والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(المسلم أخو المسلم)البخاري ومسلم، إلا بتركهم هذا الأدب ، وتركهم للتروّي عند القول ،و التعمّد للسيئ بل للأسوء في بعض الأحيان.
(إن الشيطان ينزغ بينهم إنّ الشيطان كان للإنسان عدوّاً مبينا).
نزغ الشيطان : وسوسته ليهيج الشر والفساد.
و عداوته باعتقاده البغض ، وسعيه في جلب الشر والضر.
وإبانته لعداوته بإعلانه لها كما علمنا القرآن.
وهو يلقي للإنسان كلمة الشر والسوء، و يهيج غضبه ليقوله ، ويهيج السامع ليقول مثلها، وهكذا حتى يشتدّ المراء ، ويقع الشر والفساد.
و لون آخر من نزغه ، وهو أنه يحسن للمرء قول الكلمة التي يكون فيها احتمال سوء ، و يلح عليه في قولها ، ويبالغ في تحسين الوجه السالم منه ، وفي تهوين أمر وجهها القبيح -حتى يقولها ، فإذا قالها أعاد لسامعه بالنزغ يطمس عنه الوجه السالم منها ، ويكبر له الوجه القبيح ، ولا يزال به يثير نخوته ، و يهيج غضبه ، حتى يثور ، فيقع الشر و الفساد بينه و بين صاحبه.
فحذر الله تعالى عباده من كيده حتى يحترسوا منه إذا تكلموا وإذا سمعوا ، فيتباعدون عما فيه احتمال السوء فضلا عن صريحه ، ويحملون الكلام على وجهه الحسن عند احتماله له ، و يتجاوزون عن سيئه الصريح ما أمكن التجاوز.
(ربكم أعلم بكم إن يشأ يُعذبكم و ما أرسلناك عليهم وكيلا).
أقوى الأحوال مظنة لكلمة السوء هي حال المناظرة و المجادلة ، وأقرب ما تكون إلى ذلك إذا كان الجدال في أمر الدين والعقيدة.
فما أكثر ما يضلل بعضٌ بعضا أو يفسقه أو يكفره فيكون ذلك سببا لزيادة شقة الخلاف اتساعا ، وتمسك كلٍّ برأيه و نفوره من قول خصمه ، دع ما يكون عن ذلك من البغض و الشر.
فذكّر الله تعالى عباده بأنه هو العالم ببواطن خلقه و سرائرهم و عواقب أمرهم ، فيرحم من يشاء بحكمته وعدله ، فلا يقطع لأحد أنه من أهل النار لجهل العاقبة ، سواء كان من أهل الكفر ،أو من أهل الفسق ، أو من أهل الابتداع ، كما لا يقطع لأحد بالجنة كذلك ، إلا من جاء نصّ بهم.
فلا يقال للكافر عند دعوته أو مجادلته أنك من أهل النار ،ولكن تذكر الأدلة على بطلان الكفر و سوء عاقبته.
و لا يقال للمبتدع: يا ضال ، وإنما تبين البدعة و قبحها.
ولا يقال لمرتكب الكبيرة : يا فاسق ، ولكن يبين قبح تلك الكبيرة و ضررها و عظم إثمها.
فتقبح الرذائل في نفسها ، وتجتنب أشخاص مرتكبيها ، إذْ رُبَّ شخص هو اليوم من أهل الكفر و الضلال تكون عاقبته إلى الخير والكمال ،و ربّ شخص هو اليوم من أهل الإيمان ينقلب-والعياذ بالله-على عقبه في هاوية الوبال.
و خاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم -أنه لم يرسله وكيلا على الخلق ، حفيظا عليهم ، كفيلا بأعمالهم .
فما عليه إلا تبليغ الدعوة ونصرة الحق بالحق ، و الهداية والدلالة إلى دين الله وصراطه المستقيم.
خاطبه بهذا ليؤكد لخلقه ما أمرهم به من قول التي هي أحسن للموافق و المخالف ، فلا يحملنهم بغض الكفر و المعصية على السوء في القول لأهلهما ، فإنما عليهم تبليغ الحق كما بلغه نبيهم صلى الله عليه و سلم ، ولن يكون أحد أحرص منه على تبليغه ، فحسبهم أن يكونوا على سنته وهديه .
أحيانا الله عليهما ، وأماتنا عليهما ، و حشرنا في زمرة أهلهما، آمين.
انتهى كلامه رحمه الله، واسكننا وإياه الفردوس الأعلى.
و الفقيه -الفطين-من تدبر كلماته ، وساس واقعه بها ، فما عليه من خسارة إن عمل بها ، و ما على غيره من خير إن تركها ، فهو بعدها يسوم إخوانه سيئ الكلام ، فعليه أن يقتدي بنبيه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ، فهو رأس سلفنا الصالح ، وهو صلى الله عليه وسلم قدوتنا المنشودة ، (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا.)الأحزاب-21-.
ونظيره قوله تعالى: { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا [لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ] (6) } [ الأنعام : 115 ] أي: كلماته الشرعية. وهي إما خبر صدق، وإما طلب عدل إن كان أمرًا أو نهيًا، ومن ذلك هذه الآية الكريمة: { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } أي: قام بهن. قال: { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } أي: جزاء على ما فَعَل، كما قام بالأوامر وتَرَكَ الزواجر، جعله الله للناس قدوة وإمامًا يقتدى به، ويحتذى حذوه.
هذا ما أردت أن أنفع به إخواني السلفيين عموما ، مما يكون لهم عونا في دنياهم ، وأخراهم.
و فقنا الله للعلم النافع و العمل الصالح ، وللكلمة الطيّبة -خصوصا في هذه الأزمان-، نسأل الله تعالى الثبات .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه.
أما بعد فهذا كلام نادر (!) لإمام مصلح ، وداعية سلفي ، ظهر في حقبة حرجة من مراحل الأمة الجزائرية المسلمة ، ألا و هي حقبة الاستدمار الفرنسي الغاشم،ذكر فيه كلاما نفيسا ، يجدر بأي شخص مسلم أن يقف عنده ، ويتدبّره ، و هذا منقول من كتابه التفسير الموسوم ب:مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، و قد ولد هذا الإمام سنة :1889وتوفي سنة :1940.فرحمه الله رحمة واسعة .
ودونكم مقاله :
قال رحمه الله:
(وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن)(الإسراء:53.).
اللسان أداة البيان ، وترجمان القلب والوجدان ، و الكلام به يتعارف الناس و يتقاربون ، وبه يتحاجون ويتفاصلون ، ولولاه لما ظهرت ثمرات العقول والمدارك ، ولما تلاحقت الأفكار والمشاعر ، و لما تزايدت العلوم و المعارف، و لما ترقى الإنسان في درجات أنواع الكمالات ، و لما امتاز على بقية الحيوانات.
فهو رابطة أفراد النوع الإنساني وعشائره وأممه ، و بريد عقله و واسطة تفاهمه.
فإذا حسن قويت روابط الألفة ، وتمكّنت أسباب المحبة ، وامتد رواق السلام بين الأفراد و العشائر و الأمم ، وتقاربت العقول والقلوب بالتفاهم ، وتشابكت الأيدي على التعاون والتوازر، و جنى العَالَمُ من وراء ذلك تقرر الأمن واطرد العمران.
وإذا قبح كان الحال على ضدّ ذلك.
فالكلام السيئ قاطع لأواصر الأخوة ، باعث على البغضاء و النفرة، يبعد بين العقول فتحرم الاسترشاد والاستمداد و التعاون، وبين القلوب فتفقد عواطف المحبة وحنان الرحمة ، و هما أشرف ما تتحلى به القلوب، وإذا بطلت الرحمة و المحبة بطلت الألفة و التعاون ، و حلت القساوة و العداوة، وتبعهما التخاصم والتقاتل ، ومن ذلك كلّ الشرّ لأبناء البشر.
فالمحصل للناس سعادتهم وسلامتهم ، والمبعد لهم عن شقاوتهم وهلاكهم هو القول الحسن ، ولهذا أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرشد العباد إلى قول التي أحسن فقال تعالى :(و قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن).
والعباد المأمورون هنا هم المؤمنون ، لوجهين :
الأول : أنهم أضيفوا إليه ، و هذه إضافة شرف لا تكون إلا للمؤمنين به.
الثاني : أن الذين يخاطبون بهذا الإرشاد و يكون منهم الامتثال إنما هم من حصلوا على أصل الإيمان.
والتي هي أحسن : هي الكلمة الطيبة ، والمقالة التي هي أحسن من غيرها ، فيعم ذلك ما يكون من الكلام في التخاطب العادي بين الناس حتى ينادي بعضهم بعضا بأحبّ الأسماء إليه ، و ما يكون من البيان العلمي فيختار أسهل العبارات وأقربها للفهم ، حتى لا يحدث الناس بما لا يفهمون فيكون عليهم حديثه فتنة وبلاء ، وما يكون من الكلام في مقام التنازع والخصام فيقتصر على ما يوصله إلى حقه في حدود الموضع المتنازع فيه ، دون إذاية لخصمه ، و لا تعرض لشأن من شؤونه الخاصة به ، و ما يكون من باب إقامة الحجة و عرض الأدلّة ، فيسوقها بأجلى عبارة و أوقعها في النفس ، خالية من السّبّ و القدح ، ومن الغمز و التعريض ، و من أدنى تلميح إلى شيئ قبيح.
و هذا يطالب به المؤمنون سواء كان ذلك فيما بينهم أو بينهم وبين غيرهم.
وقد جاء في (الصحيح)أنّ رهطا من اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلّم فقالوا :السام عليكم ن ففهمتها عائشة -رضي الله عنها -، فقالت: وعليكم السام واللعنة ...فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : مهلا يا عائشة ! إن الله يحب الرفق في الأمر كلّه...).فقالت : ألم تسمع ما قالوا ؟ فقال : (قد قلت : وعليكم.).
فكان الرد عليهم بمثل قولهم بأسلوب العطف على كلامهم و هو قوله :(وعليكم) أحسن من الرد عليهم باللعنة .فقال صلى الله عليه وسلم القولة التي هي أحسن، و هذا هو أدب الإسلام للمسلمين من جميع الناس.
و أفاد قوله تعالى : (أحسن) بصيغة اسم التفضيل ، أن علينا أن نتخير في العبارات الحسنة فننتقي أحسنها في جميع ما تقدم من أنواع مواقع الكلام .
فحاصل هذا التأديب الرباني هو اجتناب الكلام السيئ جملة ، والاقتصار على الحسن ، وانتقاء واختيار الأحسن من بين ذلك الحسن.
و هذا يستلزم استعمال العقل والروية عند كلّ كلمة تقال ولو كلمة واحدة، فربّ كلمة واحدة أوقدت حربا ، وأهلكت شعبا ، أو شعوبا ، و ربّ كلمة واحدة أنزلت أمنا ، وأنقذت أمة أو أمما.
وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم مكانة الكلمة الواحدة من الأثر في قوله :(الكلمة الطيبة صدقة..)البخاري، (واتقوا النار و لو بكلمة طيّبة)البخاري.
و هذا الأدب الإسلامي -وهو التروي عند القول ، واجتناب السيئ، واختيار الأحسن-ضروري لسعادة العباد و هنائهم.
و ما كثرت الخلافات ، وتشعبت الخصومات ، وتنافرت المشارب ، و تباعدت المذاهب ، حتى صار المسلم عدوّ المسلم ،والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(المسلم أخو المسلم)البخاري ومسلم، إلا بتركهم هذا الأدب ، وتركهم للتروّي عند القول ،و التعمّد للسيئ بل للأسوء في بعض الأحيان.
(إن الشيطان ينزغ بينهم إنّ الشيطان كان للإنسان عدوّاً مبينا).
نزغ الشيطان : وسوسته ليهيج الشر والفساد.
و عداوته باعتقاده البغض ، وسعيه في جلب الشر والضر.
وإبانته لعداوته بإعلانه لها كما علمنا القرآن.
وهو يلقي للإنسان كلمة الشر والسوء، و يهيج غضبه ليقوله ، ويهيج السامع ليقول مثلها، وهكذا حتى يشتدّ المراء ، ويقع الشر والفساد.
و لون آخر من نزغه ، وهو أنه يحسن للمرء قول الكلمة التي يكون فيها احتمال سوء ، و يلح عليه في قولها ، ويبالغ في تحسين الوجه السالم منه ، وفي تهوين أمر وجهها القبيح -حتى يقولها ، فإذا قالها أعاد لسامعه بالنزغ يطمس عنه الوجه السالم منها ، ويكبر له الوجه القبيح ، ولا يزال به يثير نخوته ، و يهيج غضبه ، حتى يثور ، فيقع الشر و الفساد بينه و بين صاحبه.
فحذر الله تعالى عباده من كيده حتى يحترسوا منه إذا تكلموا وإذا سمعوا ، فيتباعدون عما فيه احتمال السوء فضلا عن صريحه ، ويحملون الكلام على وجهه الحسن عند احتماله له ، و يتجاوزون عن سيئه الصريح ما أمكن التجاوز.
(ربكم أعلم بكم إن يشأ يُعذبكم و ما أرسلناك عليهم وكيلا).
أقوى الأحوال مظنة لكلمة السوء هي حال المناظرة و المجادلة ، وأقرب ما تكون إلى ذلك إذا كان الجدال في أمر الدين والعقيدة.
فما أكثر ما يضلل بعضٌ بعضا أو يفسقه أو يكفره فيكون ذلك سببا لزيادة شقة الخلاف اتساعا ، وتمسك كلٍّ برأيه و نفوره من قول خصمه ، دع ما يكون عن ذلك من البغض و الشر.
فذكّر الله تعالى عباده بأنه هو العالم ببواطن خلقه و سرائرهم و عواقب أمرهم ، فيرحم من يشاء بحكمته وعدله ، فلا يقطع لأحد أنه من أهل النار لجهل العاقبة ، سواء كان من أهل الكفر ،أو من أهل الفسق ، أو من أهل الابتداع ، كما لا يقطع لأحد بالجنة كذلك ، إلا من جاء نصّ بهم.
فلا يقال للكافر عند دعوته أو مجادلته أنك من أهل النار ،ولكن تذكر الأدلة على بطلان الكفر و سوء عاقبته.
و لا يقال للمبتدع: يا ضال ، وإنما تبين البدعة و قبحها.
ولا يقال لمرتكب الكبيرة : يا فاسق ، ولكن يبين قبح تلك الكبيرة و ضررها و عظم إثمها.
فتقبح الرذائل في نفسها ، وتجتنب أشخاص مرتكبيها ، إذْ رُبَّ شخص هو اليوم من أهل الكفر و الضلال تكون عاقبته إلى الخير والكمال ،و ربّ شخص هو اليوم من أهل الإيمان ينقلب-والعياذ بالله-على عقبه في هاوية الوبال.
و خاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم -أنه لم يرسله وكيلا على الخلق ، حفيظا عليهم ، كفيلا بأعمالهم .
فما عليه إلا تبليغ الدعوة ونصرة الحق بالحق ، و الهداية والدلالة إلى دين الله وصراطه المستقيم.
خاطبه بهذا ليؤكد لخلقه ما أمرهم به من قول التي هي أحسن للموافق و المخالف ، فلا يحملنهم بغض الكفر و المعصية على السوء في القول لأهلهما ، فإنما عليهم تبليغ الحق كما بلغه نبيهم صلى الله عليه و سلم ، ولن يكون أحد أحرص منه على تبليغه ، فحسبهم أن يكونوا على سنته وهديه .
أحيانا الله عليهما ، وأماتنا عليهما ، و حشرنا في زمرة أهلهما، آمين.
انتهى كلامه رحمه الله، واسكننا وإياه الفردوس الأعلى.
و الفقيه -الفطين-من تدبر كلماته ، وساس واقعه بها ، فما عليه من خسارة إن عمل بها ، و ما على غيره من خير إن تركها ، فهو بعدها يسوم إخوانه سيئ الكلام ، فعليه أن يقتدي بنبيه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ، فهو رأس سلفنا الصالح ، وهو صلى الله عليه وسلم قدوتنا المنشودة ، (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا.)الأحزاب-21-.
ونظيره قوله تعالى: { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا [لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ] (6) } [ الأنعام : 115 ] أي: كلماته الشرعية. وهي إما خبر صدق، وإما طلب عدل إن كان أمرًا أو نهيًا، ومن ذلك هذه الآية الكريمة: { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } أي: قام بهن. قال: { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } أي: جزاء على ما فَعَل، كما قام بالأوامر وتَرَكَ الزواجر، جعله الله للناس قدوة وإمامًا يقتدى به، ويحتذى حذوه.
هذا ما أردت أن أنفع به إخواني السلفيين عموما ، مما يكون لهم عونا في دنياهم ، وأخراهم.
و فقنا الله للعلم النافع و العمل الصالح ، وللكلمة الطيّبة -خصوصا في هذه الأزمان-، نسأل الله تعالى الثبات .
من مواضيعي
0 رسالة خطيرة لولاة الأمر من محكم جزائري لمسابقة القرآن الكريم الدولية في ايران
0 القرضاوي يحرم المظاهرات ضد الرئيس مرسي
0 مرحلة جديدة من الصراع بين الجيش وبوتفليقة على مشارف رئاسيات 2014
0 الجيش الحر يستولي على مركز لـ الشبيحة في حمص و المفاجأة
0 الكشف عن ممر سري لعبور مقاتلي الصدر الشيعة للقتال في سوريا
0 إيران تحرّف في خطاب مرسي بحذف اسمي أبوبكر وعمر وتقحم كذبا البحرين في الربيع العر
0 القرضاوي يحرم المظاهرات ضد الرئيس مرسي
0 مرحلة جديدة من الصراع بين الجيش وبوتفليقة على مشارف رئاسيات 2014
0 الجيش الحر يستولي على مركز لـ الشبيحة في حمص و المفاجأة
0 الكشف عن ممر سري لعبور مقاتلي الصدر الشيعة للقتال في سوريا
0 إيران تحرّف في خطاب مرسي بحذف اسمي أبوبكر وعمر وتقحم كذبا البحرين في الربيع العر