من الظلم تحميل الإسلاميين كل أزمات الجزائر /بوكروح يحاول تبييض صفحة الاستعمار بتعداد محاسنه
02-10-2015, 09:43 PM

خوجة الأرقم
نشرت "الشروق" مقالا لنور الدين بوكروح تحت عنوان "لماذا لم تكن جمعية العلماء حركة إسلاموية؟" ("الشروق" عدد 20 سبتمبر 2015) ومقالا آخر بعنوان "من أين جاء الإسلامويون؟" (الشروق عدد 27 سبتمبر 2015). واللافت فيهما استهداف الإسلاميين على الخصوص بما يكرس الانطباع أنهم شر مستطير ما يستوجب اجتثاثهم منعا لأن تستحكم شرورهم المستطيرة بالجزائر وتجنبا لأن تطال الجزائريين.
نسي بوكروح أن يذكرنا بما فعلته فرنسا في الجزائري على مستوى العقيدة والالتزام وفي هذا تراه قد نسي أو تناسى الجريمة التي ارتكبها الاستعمار بحق الجزائريين حيث أنه وبعد أن فشل في تنصيرهم شجع بينهم الدروشة والخرافة، ما أحال الدين إلى مجرد فولكلور تعبر عنه الوعدات والزردات والشطحات.

ونسي أن يذكرنا بما آل إليه تعامل الجزائري مع ثاني ركن في الإسلام بعد الشهادتين ألا وهي الصلاة وكيف كانت القلة القليلة من كبار السن هي فقط من تؤديها.

كما نسي أيضا تذكيرنا ببعض العادات والممارسات السيئة التي أتتنا من الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط...

كما أنه نسي تذكيرنا بما فعلته فرنسا بنخبتنا، فلقد استهدفتها بالإبادة والتهجير والإفقار وما بقي استكملته دفعة لاكوست بعد الاستقلال من خلال التشجيع على منع الجزائريين من إبراز رموزهم ومنها الدينية ليخلو بذلك الجو لرموز من خارج الديار ومنهم من ذكر معاليه في مقاله المليء بالشآن والغلو.

وفضلا عن ذلك تراه تغاضى عن الربط بين ما دأب على لبسه وما نقله الاستدمار إلينا أم ترى ما يلبسه معاليه عنوان تمدن وتحضر، أما حجاب المرأة فهو علامة تبعية ورجعية لذلك ترى الانزعاج باديا بين سطور ما كتبه معاليه بشأنه.

والمحصلة إن السياق الذي حاول معالي الوزير تمريره بوعي أو من دونه بهذا الخصوص يستبطن إيحاءات من شأنها إضفاء طابع الإيجابية على الاستدمار كيف لا وهو بحسب المتحسرين على اندحار الاستدمار من بلادنا أو بحسب ما يبدو من أتاح لشرائح من الجزائريين تعلم اللغة الفرنسية ونقل لباس التسفلز للرجال والنساء على حد سواء وكذا الكثير من القيم الأخلاقية والعملية والحرص على البدو في كامل اللباقة والكياسة وما شابه ذلك، وسوف لن أستغرب إذا ما رافع معاليه بمعية أشباهه يوما ما مطالب بتقنين إيجابية الظاهرة الاستدمارية في مقابل تجريم الداعين إلى تجريمها باعتبارهم خلاطين وخادمين للأجندة الإسلاموية.

4ـ المبالغة الشديدة في نقد الإسلاميين ـ الإسلامويين في منظوره ـ وتحميلهم مسؤولية المصائب التي تعاني منها الجزائر ولعل أبرز ما عبر عن هذا الحكم الصارم قوله:

"إن الأضرار التي ألحقتها الإسلاموية بالإسلام وبالجزائريين كانت أفدح مما ألحقه الاستعمار بهما..."(4) ثم ثنى عليه بإجراء مقارنة ما بين الفترة التي تطلبها طرد الاستعمار والتخلص من الظاهرة الإسلاموية فبحسبه تطلب طرد الاستعمار من الجزائر سبع سنوات فقط أما التخلص من الخطر الإسلاموي الذي تجلى بدءا من بداية تسعينيات القرن فلا يزال بحسب زعمه لم يتحقق إلى اليوم.

وفي هذا تراه قد قفز على كثير من الحقائق الدامغة ومن بينها:

ـ عدم مسؤولية الإسلاميين عن أزمة صيف 62 وما تلاها من صدامات بين الجزائريين مست مناطق عدة ومن اغتيالات طاولت قيادات بارزة في الثورة هذا دون الحديث عن الإقصاء الذي طاول شرائح واسعة من الجزائريين

ـ أنهم كانوا في كثير من المحطات ضحايا للممارسات القهرية التي سلطت عليهم من قبل السلطة بدعم في كثير من الأحيان من التيار الحداثوي اليساري منه والليبرالي.

وبخصوص تقييمه للفترة التي استغرقها الجزائريون لطرد المحتل والتي حصرها في 7 سنوات فهو يدل على أمرين، إما أنه لم يكن لحظة إطلاق هذا السهم الطائش واعيا فإن لم يكن فهو محاولة يائسة لتبييض صفحة الاستدمار، فالجزائريون وبفعل ما راكمته ذاكرتهم الشعبية وما شهد به عتاة الاستدماريين وما نقله المنصفون من الغربيين يعرفون بأن خروج المستدمر كان معجزة بالنظر لأهداف المستدمر والمتمثلة بالخصوص في إبادة الجزائريين وإخضاع ما يتبقى منهم للمستدمرين وتشويه ومحاربة مكوّنات هويتهم.

وهنا يحضرني ما دأب معاليه على نعت الجزائريين به والتي تتقاطع في العمق مع عموم توصيفات الاستدماريين ومع الصور النمطية السلبية المشكلة في مخيال عموم الشموليين من مختلف المشارب والتوجهات حول الجزائريين وعدم تورعه عن تسويغ أجندات التعسف والعنف ضدهم، فنحن والحال إزاء نموذج لا يختلف كثيرا عمن دأبوا عن تفسيق الجزائريين واستباحة أموالهم ودمائهم وأعراضهم إللهم إلا ما تعلق بخلافات شكلية،

وتوضيحا لهذا الجدل أكثر أدعوه وهو الشغوف بالمطالعة إلى مطالعة ما كتب عن الممارسات الاستدمارية التي طاولت الجزائر شعبا وأرضا وثقافة ولغة وعقيدة لاسيما كتاب حوار الحضارات لـ "روجي غارودي" و"الاستعمار الإبادة" لـ أوليفييه لوكور غرانميزون وسانت أرنو أو "الشرف الضائع" لـ فرانسوا ماسبيرو و"وضع اليد على الجزائر" لـ بيار بيان وغيرها من المراجع الفرنسية أساسا فلعله بمطالعتها أو إعادة مطالعتها يدخل تعديلا ما في حكمه الشمولي خاصة ما تعلق بالمقارنة بين تبعات ممارسات من يسميهم بالإسلامويين والاستدماريين والذي لا أراه إلا متأتيا عن ولعه الشديد بإلقاء الكلام على عواهنه.

5 ـ تحميل الإسلاميين وحدهم مسؤولية ما حدث إبان العشرية السوداء وهو رأي يحمل موقفا إيديولوجيا سافرا كما يعكس نزعة انتقائية ظاهرة، فالضحايا والدمار الذي لحق بالجزائر أثناءها إن كانت للعقلية العنفية التي يتبناها بعض الإسلاميين مساهمة فيه بقسط أو بآخر فإنها لا ينبغي لها أن تنسينا الدور الكبير الذي لعبه الإقدام على توقيف المسار الانتخابي في تغذية العنف وإعطاء مشروعية له كما لا ينبغي أن ينسينا هذه الحقيقة:

قلة من الإسلاميين انخرطوا في ردة الفعل العنفية ردا على إلغاء المسار الانتخابي وما تلاه من عسف وظلم بحق عشرات الآلاف من الجزائريين، أما الأكثرية منهم فالثابت أنها نأت بنفسها عن الانخراط في دوامة العنف ومع ذلك ها هو ذا لا يستثنيها من سهامه الطائشة فاللهم اهده بما يجعله يراجع كثيرا من أحكامه القاسية بحق الجزائريين والإسلاميين فإن أبى فلا تمكنه من التسيد عليهم باعتبار خطورة ما يحمله من تصور حولهم.

6ـ وفي سياق تعرضه للتحوّلات التي مست الإنسان المسلم وكيف انتهى إلى الانقسام إلى شطرين أحدهما تقليدي والآخر عصري جنح به خياله وتحيزاته وتقلباته ما جعله يقع في جملة مغالطات منها:

- وضع مالك بن نبي في مقابل الشيخ بن باديس وهو ما يناقض بشكل سافر انتماءهما للتيار نفسه ألا وهو التيار الإصلاحي.

ـ الجمع بين مالك بن نبي الداعي في كتاباته صراحة إلى التحرر من ربقة الاحتلال في إطار محور طنجة جاكرتا وفرحات عباس المعروف بانتصاره للطرح الاندماجي خاصة إلى غاية نهاية أربعينيات القرن العشرين.

ـ الإيحاء بأن مالك بن نبي كان علماني التوجه وهو ما تفنده عموم كتاباته وكذا شهادات جل تلاميذه والمتأثرين به وما أكثرهم.



ـ غض الطرف عن عديد العوامل التي ساهمت في التحوّل الذي عرفه الوعي الديني للجزائريين ومن ذلك الدور السلبي الذي لعبه التيار العلماني المتطرف والنافذ في دواليب السلطة والمتبني لمنظور قطائعي صارم مع كل ما له صلة بالعربية والإسلام خصوصا من جهة والخيار الأحادي المنبثق عن أزمة صيف 62 وما تأتى عنه من تضييق طاول المخالفين ومنهم قيادات كبرى في الثورة رموز بارزة في جمعية العلماء من جهة أخرى ما أفرغ الساحة من كل مرجعية ودفع بالتالي شرائح من الشباب إلى البحث عن مرجعيات دينية من خارج الجزائر، فالمسؤولية عن التحوّل الذي رصده معاليه إذن لا يتحملها الشباب الباحث عن إشباع نزوعه إلى التدين بقدر ما يتحملها من كان سببا رئيسا فيه أي التحول وعلى رأس هذه الأسباب العلمانية الفرانكوفيلية المتطرفة والنهج الاستبدادي.