العلاقة بين الدولار والنفط ...منقول..
18-10-2009, 01:21 PM
العلاقة بين أسعار النفط والدولار شائكة للغاية. ففي الوقت الذي يؤدي فيه انخفاض الدولار إلى رفع أسعار النفط، يسهم ارتفاع أسعار النفط في خفض الدولار بسبب ارتفاع فاتورة واردات النفط الأمريكية وزيادة العجز في ميزان المدفوعات. فك العلاقة بين الدولار وأسعار النفط يتطلب حلين جذريين بعيدين عن الواقع أحدهما تسعير النفط بغير الدولار. إن لم يكن هذا ممكنا فإن انخفاض اعتماد الولايات المتحدة على النفط سيخفف من هذه العلاقة بشكل ملحوظ.


المشكلةيباع النفط ويشترى بالدولار. عندما تقوم دولنفطية بتصدير النفط، تتسلم عائداتها بالدولار. لكنها عندما تستورد سلعاً وخدمات،تستوردها من دول مختلفة، بما في ذلك الولايات المتحدة، الأمر الذي يضطرها في كثيرمن الأحيان إلى تحويل جزء من الدولارات التي حصلت عليها من بيع النفط إلى عملاتأخرى. مع انخفاض الدولار ترتفع قيمة العملات الأخرى. هذا يعني أن الدول النفطيةتحتاج إلى دولارات أكثر لشراء الكمية نفسها من السلع والخدمات من أوروبا وآسيا. هذههي حالة "انخفاض القوة الشرائية لصادرات النفط".

مثاللو افترضنا أنالدولار يساوي اليورو، وأن سعر النفط 80 دولارا للبرميل، فإن سعر النفط مقدراًباليورو يكون 80 أيضاَ. ولو افترضنا سعر ساعة سويسرية هو 800 يورو، فإننا نحتاج فيهذه الحالة إلى تصدير عشرة براميل من النفط لشراء هذه الساعة (80 دولار أو يورو * عشرة براميل = 800). فإذا انخفض سعر الدولار بالنسبة لليورو بحيث أصبح كل يورويساوي دولارا ونصف وبقيت أسعار النفط على حالها عند 80 دولارا للبرميل فإننا نحتاجإلى 1200 دولار لشراء هذه الساعة، أو 15 برميلا من النفط (15 برميل × 80 دولارا = 1200 دولار = 800 يورو). في هذه الحالة انخفضت القوة الشرائية لصادرات النفط بسببانخفاض الدولار لأننا نحتاج إلى تصدير 15 برميلا لشراء الساعة نفسها التي كنانشتريها سابقاً بعشرة براميل.

المشكلة أسوأ مما نتصورإذا كانتالدول النفطية تتحكم في أسعار النفط فإن كل ما عليها هو رفع سعر البرميل ليعوّض عنخسائرانخفاض القوة الشرائية. حسب المثال السابق يجب أن يرتفع سعر البرميل إلى 120دولارا للبرميل حتى يبقى سعر الساعة السويسرية مقدراً بعدد براميل النفط اللازمبيعها لشراء هذه الساعة نفسه (120 دولار × 10 براميل = 1200 دولار أو 800يورو).

لكن الدول النفطية لا تستطيع التحكم في الأسعار، ولا تستطيع وقفالواردات من الدول الأوروبية واليابان فقط بسبب ارتفاع عملات هذه الدول، لذلك فإنهاستعاني التضخم بسبب عدم قدرتها على تحويل جزء من الواردات من بلد لآخر، خاصة قطعالغيار، كما أنها ستعاني رداءة السلع المستوردة بسبب تحولها عن منتجات أوروبيةويابانية إلى منتجات أقل جودة كبعض المنتجات الصينية والهندية والتايلاندية. هذاالتوجه يفسر ارتفاع التضخم مع رداءة السلع المستهلكة في وقت يرتفع فيه الدخلالاسمي. إذن المشكلة لاتتعلق بانخفاض القوة الشرائية فقط وإنما تتعلق بنمط الحياةككل.

انخفاض الدولار والمضارباتيتمثل الأثر المباشر، أو القريبالمدى، لا نخفاض الدولار في أسواق النفط في زيادة حدة المضاربات في عقود النفط،الأمر الذي يسهم في ارتفاع أسعار النفط. فالنفط، كغيره من المواد الأولية المسعّرةبالدولار، يصبح رخيصاً مقارنة بالاستثمارات الأخرى مقدرة بالعملات الأجنبية، لذلكيقبل عليها المستثمرون. في هذه الحالة لا يمكن لوم المضاربين على رفع سعر النفط كمايفعل بعض مسؤولي أوبك، وإنما يجب لوم الدولار المنخفض أو بالأحرى سياسات أوبك التيتتضمن تسعير النفط بالدولار. المضاربون رجال أعمال مهمتهم تحقيق الربح، وهم يفعلونذلك كلما سنحت لهم الفرصة بناء على المعلومات المتاحة والتصريحات المختلفة، بما فيذلك تصريحات مسؤولي أوبك. إذا صرح مسؤول في أوبك في الأجواء الحالية بأن أوبك لنتزيد الإنتاج، ماذا سيفعل المضاربون؟ من هو المسؤول عن رفع الأسعارفي هذه الحالة؟وإذا صرح مسؤول بأن أوبك ستزيد الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، ماذا سيفعلالمضاربون؟ من المسؤول عن انخفاض الأسعار في هذه الحالة؟انخفاض الدولاريغير أساسيات السوقيتمثل الأثر غير المباشر، أو البعيد المدى، لانخفاضالدولار في أسواق النفط العالمية في تغيير أساسيات السوق عن طريق تأثيره في العرضوالطلب على النفط. فمن نتائج انخفاض الدولار على المدى الطويل انخفاض الطاقةالإنتاجية، أو عدم نموها بشكل يتناسب مع الزيادة في الأسعار بسبب انخفاض القوةالشرائية للدول المصدرة، والتي لن تمكنها من توفير الأموال اللازمة لزيادة الطاقةالإنتاجية. هذا يعني انخفاض المعروض مقارنة بالطلب، وبالتالي ارتفاع أسعار النفط. الأمر نفسه ينطبق على شركات النفط العالمية اللي تتسلم عوائدها بالدولار، ولكنهاتدفع تكاليفها بعملات مختلفة. فشركات النفط في بحر الشمال مثلاُ تدفع أجور عمالهاباليورو في الوقت الذي تتسلم فيه عائداتها بالدولار. هذا يعني ارتفاع التكاليفمقارنة بالعائدات، الأمر الذي يمنعها من زيادة الاستثمار في طاقة إضافية، رغمارتفاع أسعار النفط. هذا أيضاً يخفض المعروض، ويرفع أسعار النفط.

في الوقتنفسه يؤدي انخفاض الدولار إلى زيادة الطلب على النفط ويقصر أثر ارتفاع أسعار النفطفي الولايات المتحدة والدول التي تثبت أسعار عملاتها بالدولار. ينتج عن انخفاضالدولار انخفاض أسعار النفط نسبياً في الدول الأوروبية والآسيوية. إن لم يشجع هذاالانخفاض على زيادة نمو الطلب في النفط فإنه على الأقل سيمنع أسعار النفط المرتفعةمن التأثير بشكل ملحوظ على الطلب على النفط في هذه الدول. هذا أحد التفسيرات لاستمرار الطلب على النفط في النمو في الوقت اللذي استمرت فيه أسعار النفط فيالارتفاع. لكن حتى الطلب في الولايات المتحدة لم يتأثر لأسباب عدة أهمها أن انخفاضالدولار منع مئات الأولوف من الأمريكيين من قضاء إجازاتهم السنوية في أوروبا، الأمرالذي جعلهم يقضونها في الولايات المتحدة والسفر داخلها. نتج عن ذلك زيادة في الطلبعلى البنزين، والطاقة بشكل عام. إضافة إلى ذلك فإن أسعار الفائدة المنخفضة وارتفاعالإنفاق الحكومي والإعفاءات الضريبية جعلت النمو الاقتصادي الناتج عنها أكبر بكثيرمن الأثر السلبي لارتفاع أسعار النفط في النمو الاقتصاديالأمريكي.

الخلاصةهناك علاقة عكسية بين قيمة الدولار وأسعار النفطولا يمكن فصل هذه العلاقة لأن الحلول المتمثلة في تسعير النفط بغير الدولار أوتخفيض اعتماد الولايات المتحدة على النفط غير ممكنة حالياً. على المدى القصير، يسهمانخفاض الدولار في تشجيع المضاربين على دخول أسواق النفط، والذي يسهم بدوره فيزيادة أسعار النفط وزيادة ذبذبتها. على المدى الطويل يسهم انخفاض الدولار في تخفيضنمو الإنتاج بينما يسهم في زيادة النمو في الطلب على النفط، الأمر الذي ينتج عنهارتفاع أسعار النفط. هذا الارتفاع لا يعني بالضرورة أن يكون نافعاً للدول المنتجةلأن العبرة بما يمكن أن تشتريه عوائد النفط، وليس بسعر البرميل.

عن مقال للدكتور أنس بن فيصل الحجي