عشرة مقابس لإزالة ظلمة الوساوس
30-10-2017, 09:50 AM
عشرة مقابس لإزالة ظلمة الوساوس
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد:
هذه مقالة رائعة نافعة ماتعة خطها يراع الشيخ:" وليد الوصابي"، جزاه الله خير الجزاء، وهي تعالج داء يعاني منه كثير من الناس، وهو:" داء الوساوس النفسية والفكرية".
وحرصا منا على فتح نافذة أمل تريح كثيرا ممن يعانون من هذا الداء الفتاك بجسم الإنسان وفكره ونفسه، أحببنا نشر هذه المقالة بشيء من التصرف في إخراجها على صفة يجد القارئ معها: أريحية في مطالعتها بنفس ملؤها:" التفاؤل والأمل نحو غد مشرق مفعم برياحين الإيمان القلبي والاطمئنان النفسي، راجين من الله أن يتقبل منا ومن صاحبها صالح العمل، وإلى المقصود:
قال الله سبحانه وتعالى:[ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ]...
هذه هي:" الحياة":
طُبعت على كدر وأنت تريدها *** صفواً من الأقذار والأكدار
لم تصف لخير الخلق، وأشرف الأمة، وأفضل البشرية، لأنها ليست بدار جزاء ولا مكافأة، وإنما دار بلاء ومدافعة.
فإذا علمت هذا: لانت شدائدها، وهانت عليك مكائدها، وصبرت على ضرها، وشكرت على صرها.
وإن مما يؤرق الإنسان، ويعكر صفوه، ويجحم حياته هي:" الوساوس والأوهام"، وقد كثرت وفشت مع تقدم التقنية والتكنولوجيا والحضارة المزيفة.
يقول الدكتور:" ماثيو تشابك" في كتابه:(شفاء القلق):
" لو أن القلق عرف سبيله إلى نفس الإنسان البدائي: لانقرض الجنس البشري، ومحى الله وجه الأرض، لقد خلقت الحضارة: القلق، وليت القلق يحل مشكلات الحضارة، بل إنه يزيدها تعقيداً، ويحيلها عصية على الحل والبت".
وقد اشتكى إلي كثير من الناس منها، فكتبت هذه الكلمات، علّها أن تكون سبباً في شفاء، أو تخفيفاً من بلواء، [وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ].
وبعد:
فهذه عشرة مجالس، جلستها مع نفسي، فدونتها، ثم ها أنا ذا أنشرها لبني جنسي، علّ ناشد يجد فيها قوامه، وعاطش يروي منها أوامه، فدونكها مزبورة مسطورة.
وأسأل الله لي ولكم العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
ثم لا بد من التوقف معي، والعيش بفناء داري تحت الظلال الوارفة، والأنهار الجارية، ومع العصافير الشادية: تسمع هدير الماء، وتشرب من نميره وسلسبيله، وتنظر إلى يانع الثمار، وبسوق الأشجار، تحاكي الطير وتناغيه، وتغرد مع الحمام وتصافيه، وتشدو مع البلبل الصادح، وتشرب من الماء القارح، مع ذكر الله سبحانه وتعالى، وترتيل الآيات، وتعاهد المساكين.
تعيش هذه المجالس: واقعا ملموسا، وشاهدا محسوسا، حتى لا تكون موسوسا، وأبشر -والله- بالشفاء والفرج، لا أقول: العلاج، بل الشفاء التام الكامل -بإذن الله-:
المقبس الأول: علينا أن نعلم بإيقان وإيمان، أن الشيطان عدو للإنسان، من عهد أبينا آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا زال ولم يزل ولن يزال في الوسوسة والغواية، والشك والنكاية، فاستعن بربه وربك، واستعذ بالله منه، ولا تحاوره وتناظره، فإنه لا طاقة لك به، وإذا نبحك كلب الراعي، فعليك بسيده، وإلا سيطول عليك الرجم، ويستمر الدفع، وربما عدا عليك، فعقرك، فتشقى وتهلك.
فإياك ثم إياك، والدخول معه في حرب، فإنه لا قِبَل لك بجنده، فتخسر المعركة، ويربح النصر،[ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ].
هذا هو: التعليم الرباني تجاه اللعين الشيطاني.
فالتفكير معه ليس له منتهى، فاقطع التفكير بأن لا تنظر إليه، ولا تلتفت إليه؛ لأنه ليس له إجابة أبداً.
فالتحاور معه: تحاور فارغ غير مجد، وإنما هو: تشتيت عقل، وإحزان قلب، واضطراب نفس، وزعزعة إيمان، والله يشفيك ويعافيك.
المقبس الثاني: قد علمنا وآمنا بعداوة الشيطان لنا؛ وجب علينا أن نصدّق القرآن، قال الله:[ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا]، فإذا علمنا أن الشيطان عدو، فمن شأن العدو: أن يُحذر ويُتقى، وإلا أوردنا المهالك والهوى، والمعاطب والغوى، وعلينا أن نعلم أهم أسباب الوساوس، وهما سببان:
ﺍﻷﻭﻝ: ﻭﺳﻮﺳﺔ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻳﺪ ﺇﻳﻘﺎﻋﻚ ﻓﻲ ﺍﻷﺣﺰﺍﻥ ﻭﺍﻟﻬﻤﻮﻡ ﺍﻟﻤﺘﺼﻠﺔ ﻟﻴﻔﺴﺪ ﻋﻠﻴﻚ ﺣﻴﺎﺗﻚ ﻛﻠﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ:[ ﻟِﻴَﺤْﺰُﻥَ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺁﻣَﻨُﻮﺍ].
ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻫﻮ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺻﻔﻬﺎ الله ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺄﻧﻬﺎ (ﺟﺰﻭﻋﺔ)، ﺃﻱ: ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺨﺎﻑ ﺍﻟﺸﺮ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻋﻨﺪ ﻭﻗﻮﻋﻬﺎ ﻭﻋﻨﺪ ﺗﻮﻗﻌﻬﺎ، ﻭﺗﻤﻨﻊ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺇﺫﺍ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻣﻨﻪ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ:[ ﺇِﻥَّ ﺍﻹِﻧﺴَﺎﻥَ ﺧُﻠِﻖَ ﻫَﻠُﻮﻋًﺎ * ﺇِﺫَﺍ ﻣَﺴَّﻪُ ﺍﻟﺸَّﺮُّ ﺟَﺰُﻭﻋًﺎ * ﻭَﺇِﺫَﺍ ﻣَﺴَّﻪُ ﺍﻟْﺨَﻴْﺮُ ﻣَﻨُﻮﻋًﺎ].
المقبس الثالث: إذا علمنا ما سبق، علينا أن نعلم أن الله رحيم بنا، وغني عن عذابنا، فنوقن تماما، أن ما نعانيه -من وساوس وأوهام وشكوك وأسقام- إنما هو: من الباطل الذي تنزه الله عنه، قال الله:[ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ]،(والشر ليس إلى الله)، وإنما هو: من الشيطان الرجيم الذي قعد لابن آدم بأطرقه: الدينية والدنيوية، فهو حريص كل الحرص على إفشالك ومحقك، والسقوط بك إلى المنحدرات، والرمي بك في المستنقعات، عند ذلك، -لا قدر الله- يفرح ويمرح ويسرح، ليغوي غيرك بعد أن صرت في شراكه وشركه، فاحذر.
يتبع إن شاء الله.