الروائي الجزائري ناصر سالمي يتحدى العزلة والغبن،
16-10-2016, 09:15 PM
Waciny Laredj added 3 new photos.
21 hrs ·

الروائي الجزائري ناصر سالمي يتحدى العزلة والغبن،
ويفوز بجائزة كتارا للرواية العربية.
روايته الفائزة " الألسنة الزرقاء" استغرقت كتابتها قرابة العشرين سنة.

1- من هو ناصر سالمي؟
شاعر وروائي. من مواليد 1969 بمدينة تغنيف. مدرس أدب عربي بثانوية بتغنيف، بولاية معسكر، منذ 22 سنة. يستعد حاليا للالتحاق بوهران لدراسة اللسانيات التطبيقية. فاز بروايته: الألسنة الزرقاء، هذه السنة، بجائزة كتارا. فئة النص غير المنشور وقيمته المالية ثلاثون ألف دولار أمريكي. تنشرها كتارا في الدورة القادمة في لغتها الأصلية، العربية، وتترجمها إلى الفرنسية والانجليزية.
لم يستطع الروائي الالتحاق بجائزة كتارا في 12 أكتوبر 2016 لاستلام جائزته التي لا تشرفه ككاتب مميز فقط، ولكن تشرف وطنه أيضا، بسبب البيروقراطية البغيضة التي بدل أن تساعده، لم تلتفت له، ووضعت في طريقه كل العراقيل. تحت سماء أخرى، مثل هذه الممارسات يعاقب عليها القانون بالطرد والسجن. وظل ناصر يركض، منذ سبتمبر، في فراغ بلا جدوى.

2- مقتطف من خيبة الجواز؟
كتب الأديب ناصر سالمي نصا جميلا عن هذه الحالة من البؤس وخيبة الجواز، هذا مقتطف منه: " تستيقظ من النّوم، فتغلق بابا مخمليّا أحمر بمصراعين ورديين، عليهما تشكيلات من الزّهر الأبيض والبنفسج، ومقبضان من بتلاّت خضراء وحبّات كرز يانعة، وتفتح بابا آخر، بابا للوهم والانتظار والخيبة، بابا للواقع المرّ مرارة هذا الوطن الذي لا يحترم مواطنيه... سيمتدّ هذا الكابوس إلى أن تغلق مرّة أخرى عينيك كما تغلق الأبواب الصّدئة وتعود إلى الحلم مواطنا كالمواطنين في وطن كالأوطان. قال الصّوت الذي جاءك من الهاتف: أنت مدعو لحضور حفل تقديم الجوائز.. في الدّوحة. كان الصّوت هادئا ورصينا، لم يدم أكثر من دقيقة، لكنّها كانت كافية لتثير تسونامي يفوق بكثير ذلك الذي طوى جزر جنوب شرق آسيا، وقتل من قتل وشرّد، من شرّد.. ضحك شيطاني الضّرير بداخلي وصاح كأنّه طنين أوجاعي الموغلة في القدم:
ـ دقيقة واحدة تدمّر كيانك .. أيّ كائن خرافيّ أنت حتّى تهزّك مكالمة هاتفيّة دامت دقيقة واحدة ؟
قلت، وأنا أمدّ يدي إلى علبة الأسبرين:
ـ لكنّها لم تكن مجرّد مكالمة .. إنّها دعوة كريمة من دولة قطر ..
ـ وليكن.. ألست شاعرا وأديبا كما تدّعي منذ أربعين عاما؟
كانت اليد اليمنى تفتح العلبة، وتتناول المسكّن، واليسرى تمسك بالهاتف، فيما كانت عيناي تتلفّتان بحثا عن زجاجة ماء، والصّوت القادم من قطر يسألني إن كنت لا أزال معه على الخطّ، قلت بصوت متقطّع :
- واه، واه راني معاك..
ثم تذّكرت أنّي أخاطب شقيقا عربيّا، فتلعثمت, وأنا أعتذر بخليط من العربيّة الفصحى والدّارجة الخليجيّة والمصريّة، فردّ الصّوت الهادئ الرّصين القادم من هنا، ليتلبّس هاتفي وروحي البائسين:
ـ لا بأس عليك أنا أفهمك.. تحدّث باللّهجة التي تريد، ما المشكلة؟
ـ لا مشكلة سوى أنّ جواز سفري منتهي الصّلاحية.
ـ لا مشكلة إذن تقدّم بطلب لتجديده، ستصلك غدا تفاصيل الدّعوة على بريدك الإلكتروني..
وسلم، فضحك شيطاني، وهو يرقص على مشهدي وأنا أذبح كالشّاة العجفاء، ثمّ اقترب مني وشدّ أذني وصاح فيها:
ـ جواز السّفر منتهي الصّلاحية... جواز الس س....فر رررررررررر...
فلكمته، وقد ازدردت حبّة الأسبرين، فغصّ بها حلقي، وكاد لساني يخنقني، وهو يتلوّى كالأفعى العطشى، فيما عيناي لا تزالان تبحثان عن زجاجة الماء، وصرخت:
ـ يا صاحب الصّوت الهادئ الرّصين القادم من قطر لا مشكلة في أن يستخرج المواطن جواز سفر في أيّ بلد أوروبيّ أو عربيّ يحترم نفسه، لكن ليس هنا..
ـ إذن لماذا لا تستلّ سيف الخيبة وتنتحر..؟
صاح شيطاني.. ثمّ أضاف بنبرة ساخرة وهو يتلمّس مكانه بجانبي على الأرض:
أحقّا تظنّ أنك ستسافر إلى قطر؟ تذكّر ما تقوله زوجتك لك دائما:
ـ تروح للواد وترجع عطشان..
ـ أيّ مخلوق أنت؟ أمضيت قرابة ربع قرن تدرّس الأدب في ثانويات بلد كنت تظنّه وطنك، تعلّمهم الصّدق وحبّ العلم والوطنيّة، شعارات ترفعها، يا رجلا تصدمه في خريف عمره الحقيقة بكلّ صلافتها.. فيكتشف أنّها مجرّد شعارات ..
..، قد أبدو قاسيا ومتعاليا للبعض ممّن يعرفني ومن لا يعرفني، قليل الكلام ، منزو، ومنطو على نفسي، ومخلص للبعض في عملي، متفان في خدمة تلاميذي، وقد يكون هذا كلّه صحيحا، وقد يكون الإخلاص والتّفاني في العمل مجرّد تعويض كما يقول شيخنا سي قمود فريد.
... يرنّ الهاتف، فأقفز من مكاني، أنظر إلى اسم المتّصل، إنّه عبد الحميد صديقي، بل الصّديق الوحيد الذي لا زال يحتفظ برقمي، ويتّصل بي ليخبرني أنّي قد قبلت للدّراسة في الماستر..
ـ عن أيّ دراسة تتحدّث؟ ألم تنل الليسانس منذ ستة وعشرين سنة؟
تساءل الشّيطان، وهو يرفل في برنوس أسود تحفّه خيوط حمر تلمع كلّما تحرّك..
ـ إنّه نظام الألمد ، نظام يحتّم علينا أن نمرّ إلى الدّكتوراه عبر الماستر..
ـ أمّا أنا يا صديقي فجامعة بكاملها، لست بحاجة إلى الدّراسة..
قال الشّيطان بابتسامة خفيفة قلّما ترتسم على وجهه المغضّن بالسّواد.. ثمّ أضاف:
ـ "ولست بحاجة إلى جواز سفر."

3- الرواية الفائزة.
"الألسنة الزرقاء" كتبها الروائي على مدار 19 سنة. فكانت عصارة جهده التي أثمرت. رواية ناصر الأولى، جاءت بعد مخاض فردي عسير، استمر لسنوات عديدة. انتهج فيها أسلوبا فنتازيا تخييليا، ربطه بثيمة تاريخيّة سوداء تدور أحداثها بالجزائر، في مدينة افترضها الكاتب، بين خريف 1996 وربيع 1997. لم يأت عنوان الرواية الألسنة الزرقاء اعتباطيا. إيحائي مرتبط بولاء يصيب الأغنام فيقتلها. يرى ناصر من خلال ذلك، أن هذا المرض رديف لوباء يصيب البشر فيجعل ألسنتهم مريضة: الإشاعة، التي تتحول إلى نمط حياة ثم إلى مرض اجتماعي، يصيب كل المجموعات بالخصوص في زمن الأحقاد والكراهيات القاسية.
الرواية كما شاء لها كاتبها، لا تفسّر الارهاب بالأسباب السياسيّة والعقائديّة وبالتّناقضات الاجتماعيّة والقبليّة (العشائريّة) وحسب، بل ترى أيضا أنّ الإشاعات المغرضة التي تجعل المجتمع بعيش في حالة خوف دائمة، تشعل النيران هنا وهناك، وتقف وراء الانتشار السريع لوباء الإرهاب المستفحل في كل النسيج المجتمعي. وهو ما جعل النص يملك خاصياته الفنية التي جعلته يبتعد عن التكرار ويحاول، من خلال ثيمة الإرهاب العامة، أن ينشيئ عالما أدبيا خاصا. الشخصيات التي اختارها ناصر لأداء البرنامج السردي عينات منتقاة بدقة، نبتت في عمق المجتمع المنفصم والمتناقض المتمثل في الرواية بمدينة "عين آدم". المتسمة بصفات البؤس، والشقاء، والخوف، فلا فرح ولا سعادة في مدينة تشرق فيها الشمس وتغيب على القلق والتّوجّس من الآتي الغامض.
الألسنة الزرقاء تستعيد زمنا شديد القسوة عاشته الجزائر وحيدة في عمق ظلام الموت والعزلة، لكنها تلتصق بالنور مهما ظل خافتا تحت بؤس الإشاعة والجريمة الموصوفة.
الديمقراطيه الأمريكيه أشبه بحصان طرواده الحريه من الخارج ومليشيات الموت في الداخل... ولا يثق بأمريكا إلا مغفل ولا تمدح أمريكا إلا خادم لها !