قراءات القرآن
13-01-2017, 09:34 PM
قراءات القرآن
القراءَات جمع قراءَة، والقراءَة في اللغة تعني الجمع، فقراءة الشيء جمعُه وضمُّه، ومعنى قرأت القرآن لَفَظْتُ به مجموعًا، وسُمّي القرآن، لأنه جمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والآيات والسور بعضها إلى بعض.

أما القراءة في الاصطلاح فقد ذكر علماء القراءات عدة تعريفات لها، نكتفي بتعريفين منها : 1- علم يُبحث فيه عن صور نظم كلام الله تعالى من حيث وجوه الاختلافات المتواترة حتى يُصان كلام الله عن تطرّق التحريف والتغيير. 2- اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف وكيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرها.


ولعلماء القراءات مصطلحات في هذا الشأن لابدّ من توضيحها، كالقراءة والرواية والطريق. فالقراءة للإمام كقراءة نافع وابن كثير وعاصم، والرواية للذي يأخذ عن الإمام كرواية ورش عن نافع، ورواية قنبل عن ابن كثير، ورواية حفص عن عاصم. والطريق للذي يأخذ عن الراوي.

ونشأة القراءات غير نشأة علم القراءات؛ وهذا أمر لابد من التنبيه إليه والاهتمام به. فالقراءات وتعدُّدها نشأت نتيجة لتلقي الصحابة رضوان الله عليهم القرآن عن رسول الله ³، إذ كان يُقرئُ كلَّ واحد منهم بما ييسره الله له، والقرآن أنزل على سبعة أحرف، فقد أقرأ هشام بن حكيم بوجه، وأقرأ عمر بن الخطاب بوجه آخر. فلما سمع عمر قراءة هشام بن حكيم أمسك به من ردائه، ثم أحضره للرسول ³ مستنكرًا منه تلك القراءة، فقال له رسول الله ³ أرسلْه يا عمر! ثم قال لهشام اقرأ، فقرأ، فقال ³ هكذا أنزلت، ثم قال لعمر: اقرأ، فقرأ، فقال ³: هكذا أنزلت، ثم قال: (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه ) متفق عليه. وهذا أمرٌ لم يقف عند هشام وعمر وحدهما، وإنما حدث لأبيّ بن كعب، وأبي هريرة وغيرهما، وجميعُهم يذهبون إلى رسول الله ³ للفصل بينهم، مما يدل على أن نشأة القراءات سبقت كتابة المصحف، وفي هذا ردٌّ على المستشرقين ومن وافقهم ممَّن قالوا: إن نشأة القراءات جاءت نتيجة خلوِّ كتابة المصحف من نقط الإعجام والإعراب، فيردُّ عليهم بأن القراءات قد نشأت قبل كتابة المصحف وفي حياة المصطفى ³.

أمَّا علم القراءات فقد نشأ متأخرًا بعد أن تعدَّد أئمة القراءات وتفرقوا في الأمصار، وأصبح لكل جهة إمامٌ يقرأُ الناس بقراءته، واحتاج الناس إلى تدوين هذه القراءات وأئمتها وما يتعلق بذلك.

وقد كان أهل الصدر الأول يعتمدون على حفظهم دون تدوين، فخشي الناس من التخليط في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد.

فكان أبوعبيد القاسم بن سلام، أول من جمع القراءات في كتاب، وجعل لها خمسة وعشرين قارئًا، أي إمامًا للقراءة. سوى السبعة المشهورين الذين عرف بهم ابن مجاهد على ما سيأتي.

ثم جاء مِن بعده من اقتدى به، وسلك مسلكه، فظهرت المؤلفات في علم القراءات، تختلف في الطول والقصر؛ إذ ظهر أحمد بن جبير الذي ألفّ كتابه في القراءات الخمس من كل مصر إمام، والأمصار آنذاك هي: المدينة ومكة والشام (دمشق) والبصرة والكوفة.

ثم ظهر القاضي إسماعيل بن إسحاق الأزدي صاحب قالون، فألفّ كتابًا فيه قراءة عشرين إمامًا، ثم جاء أبوجعفر محمد بن جرير الطبري فألفّ كتابه الجامع الذي ضمَّ ما يربو على عشرين قراءة.

وهكذا عني العلماء بالقراءات ضبطًا وتدقيقًا حتى ظهر العالم الجليل القاسم بن فيرُّه الشاطبي الأندلسي، الذي ألَّف حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع المعروف بالشاطبية، فسارت به الركبان، وبقي مستمرًا مع الأزمان.

تلا ذلك شيخ المشايخ الذي وصف بأنه لم تسمع العصور بمثله: محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن الجزري، الذي ألّف كتاب النشر في القراءات العشر كما نظم طيبة النشر في القراءات العشر وشرحها ابنه.

وهكذا ظلَّ العلماء يحافظون على تدوين ما يتعلق بالقراءات وأئمتها، فنشأ علم القراءات بداية متواضعة حتى اتّسعت دائرته؛ فظهرت المؤلفات التي تجمع أصول القراءات واختلاف القراء القائم على التلقي، لا على صلاحية الرسم القرآني لذلك، كما أدَّعى المستشرقون ومن سار في ركابهم. كما ظهرت المؤلفات التي جمعت أئمة القراءات ووضعتهم في طبقات كما فعل الإمام شمس الدين الذهبي والإمام شمس الدين بن الجزري في طبقات القراء. فأصبحت بين أيدينا مصنفات وموسوعات حتى زخرت المكتبة الإسلامية بتراث عظيم، ومؤلّفات تتعلق بالقراءات ووجوهها وأئمتها ورواتها وطرقها التي فاقت الحصر والعدَّ.

وبما أن أبا عبيد القاسم بن سلام والقاضي إسماعيل بن إسحاق قد وصلا بأئمة القراءات إلى نيف وعشرين. والمشهور بين الناس سبعة قراء، فنقول: إن هذه القراءات السبع التي نسبت للإمام نافع في المدينة، وابن كثير في مكة، وابن عامر في الشام وأبي عمرو البصري في البصرة، وعاصم وحمزة والكسائي في الكوفة، إنما هي من اختيار ابن مجاهد الذي اختار سبع قراءات من ذلك الكم الهائل، حتى يسهل على الناس حفظها دون تعرُّضٍ للتداخل، وقد ضم كتابه السبعة في القراءات عمله الجليل الذي قام به وخدم به الأمة. وهو كتاب مطبوع ومحقّق.

.من أهم واجبات المسلمين أينما كانوا تعلم القرآن الكريم. يبدأ أطفال المسلمين بحفظ أجزاء من القرآن عن ظهر قلب وفي وقت مبكر من حياتهم التعليمية. في الصورة شيخ يعلم الفتيات القرآن في مدينة فتح بورسيكري ـ أتربرادش ـ بالهند.

ومع أن هناك من أثنى على عمله هذا وقدَّره، إلا أن هناك من ذمَّه وظنَّ أنه أراد بذلك إهدار القراءات الأخرى غير السبعة وإبعادها، في حين أنه لم يُسقط تلك القراءات التي تواترت وصحّ سندها، وإنما تركهاً لقلَّة القراء بها في تلك الأمصار بالقياس إلى من يقرأ بقراءة الأئمة السبعة الذين اختارهم.

ضوابط القراءات. اشترط أئمة القراءات لصحة القراءة تحقيق أمور عدة لابد من توافرها. وهي ما يعرف بأركان القراءة أو ضوابطها أو شروطها. وهذه الضوابط أو الأركان جمعها ابن الجزري في قوله:

فكل ما وافق وجه نحوي وكان للرسم احتمالا يحوي
وصح إسنادًا هو القرآن فهذه الثلاثة الأركان
وحيثما يختل ركن أثبتِ شذوذه لو أنه في السبعةِ
فالقراءة لا تُقبل إلا إذا تحققت فيها الضوابط الثلاثة أو الأركان وهي: 1- صحة السند والتّواتُر. 2- موافقتها للغة العربية ولو بوجه بعيد. 3- موافقتها للرسم العثماني ولو احتمالاً.

فصحة السند أمر لا بد منه، وهو أعظم ضوابط القراءة وقواعدها؛ لأن القراءة سنة متبعة ونقل محض. والسند هو الطريق الموصل إلى القرآن وهو خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة أكرمها الله به، وشرَّفها وفضلها به. وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد، إنما هي صحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم التي أخذوها من غير الثقات.

فصحة السند يعنون به، أن يروي تلك القراءة العدل الضابط عن مثله حتى تنتهي القراءة إلى رسول الله ³ وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له. والتواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين السابقين الأخيرين من الرسم وغيره، فما ثبت من أحرف الخلاف متواترًا عن النبي ³ وجب قبوله، وقطع بكونه قرآنًا سواء أوافق الرسم أم خالفه. أما ما وافق العربية والرسم ولم يُنقل يعني لم يصح سنده فهذا ردُّه أحق، ومنعه أشد، ومرتكبه مرتكب لعظيم من الكبائر. وحقيقة الأمر أن العلماء قد اشترطوا في أول الأمر صحة السند وحده، وأن إضافة الركنين الأخيرين لم تأت إلا في وقت متأخر.

موافقة القراءة للغة العربية ولو بوجه بعيد، يريدون بها أن توافق القراءة وجهًا من وجوه النحو، سواء أكان فصيحًا أم أفصح، مجمعًا عليه أم مختلفًا فيه اختلافًا لا يضر مثله، إذا كانت القراءة مما شاع وتلقاه الأئمة بالإسناد الصحيح، إذ هو الأصل الأعظم والركن الأقوم.

فكم من قراءة أنكرها بعض أهل النحو كتسكين ¸بارئْكم ويأمرْكم وينصرْكم· في قراءة أبي عمرو البصري التي أنكرها سيبويه وغيره، ومع ذلك لم يعتبر إنكارهم بل أجمع الأئمة على قبولها. فقال الحافظ أبو عمرو الداني في كتابه جامع البيان بعد ذكره تسكين بارئكم ويأمركم وينصركم لأبي عمرو البصري، وإنكار سيبويه ومن معه لذلك؛ قال: ¸والإسكان أصح في النقل وأكثر في الأداء، وهو الذي أختاره وآخذ به·، ثم قال: ¸وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل. والرواية إذا ثبتت عندهم لم يردَّها قياس عربية، ولا فشو لغة، لأن القراءة سُنة متبعة، يلزم قبولها، والمصير إليها·.

موافقتها للرسم العثماني ولو احتمالا ـ يعني أن توافق القراءة الرسم العثماني ولو احتمالا ـ إذ موافقة القراءة للرسم قد تكون تحقيقًا وهي الموافقة الصريحة. وقد تكون الموافقة تقديرًا، وهي الموافقة احتمالاً.

فقد توافق بعض القراءات الرسم العثماني تحقيقًا، ويوافقه بعضها تقديرًا، نحو (مَلِكِ يوم الدين) فإن لفظ (ملِكِ) كتب بغير ألف في جميع المصاحف، فقراءة (مِلِكِ) توافقه تحقيقًا، كما كُتب (ملك الناس) وتقرأ (مالك) بالألف ولكنها في المصحف (ملك) بحذف الألف فهي توافقه تقديرًا، كما كُتب (ملك يوم الدين).

فكل قراءة صح سندها، ووافقت اللغة العربية ولو بوجه ضعيف، ووافقت الرسم العثماني ولو احتمالاً، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووجب على الناس قبولها واتباعها، سواء أكانت عن الأئمة السبعة، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين.

القُرَّاء السَّبعة ورواتهم

لما رأى الإمام أبوبكر بن مجاهد (ت 324هـ) تشعُّب القراءات وكثرة القراء دفعته الغيرة على كتاب الله إلى اختيار سبعة من أئمة القراءات خلفوا في القراءة التّابعين، وأجمعت على إمامتهم في القراءة عامة القراء. وقد اختارهم من خمسة أمصار إسلامية هي الأمصار التي حُمِلَت عنها القراءة في العالم الإسلامي، وهي: المدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام. ولا يعني هذا الاختيار أن قراءة غيرهم لا تجوز، لكن هؤلاء عرفت قراءتهم واشتهرت. ولكل إمام من هؤلاء القراء راويان مشهوران حملا القراءات عنه وعرفا بذلك. أما قارئ أهل المدينة فأبو عبدالرحمن نافع بن أبي نعيم المدني وراوياه عيسى بن مينا المعروف بقالون، وعثمان بن سعيد الملقب بورش. وقارئ أهـل مكـة أبوسعيـد عبـداللـه بـن كثير المكي، ومـن رواتـه أبوالحسن أحمد بن القاسم البزي وأبوعمر محمد المعروف بقنبل. أما الكوفة ففيها ثلاثة قراء: أبوبكر، عاصم بن أبي النَّجود وروى عنه أبوبكر، شعبة بن عياش وحفص بن سليمان الكوفي، (والرواية التي عليها مصحف المدينة النبوية المتداول اليوم هي رواية حفص عن عاصم). وفي الكوفة أيضًا أبوعمارة حمزة بن حبيب الزيات، وراوياه خلف بن هشـام البـزار وأبوعيـسى خلاد بن خالد الكوفي؛ وفيها أيضًا أبوالحسن علي بن حمزة الكسائي وراوياه حفص بن عمر الدوري وأبو الحارث الليث بن خالد. وقارئ أهل البصرة أبوعمرو بن العلاء البصري المازني، وراوياه أبوشعيب السوسي، صالح بن زياد، وحفص الدوري (وهو أحد راويي الكسائي أيضًا). وآخرهم وأقدمهم مولدًا عبدالله بن عامر اليحصبي، قارئ أهل الشام، وراوياه هشام بن عمار، وعبدالله بن ذكوان. هذا، ولكل علم من هؤلاء الأعلام ترجمة مستقلة في الموسوعة.

الأحرف السبعة

وردت الأحرف السبعة في الحديث المتفق عليه، ولفظه في البخاري : (إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه )، غير أن المقصود من الأحرف السبعة تحديدًا اختلف فيه العلماء وأشكل على كثير منهم، حتى أن ابن الجزري قال: ¸ولازلت استشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيفٍ وثلاثين سنة حتى فتح الله عليَّ بما يمكن أن يكون صوابًا·. والتبس الأمر على بعضهم حتى ظنوا أن المراد بالأحرف السبعة القراءات السبع. فما المراد بالأحرف السبعة؟ وما علاقتها بالقراءات السبع؟

المراد بالأحرف السبعة، اختلف فيه العلماء ـ كما أسلفنا ـ على أنه ليس المقصود أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، إذ لا يوجد ذلك إلا في كلمات قليلة نحو ¸أف ـ جبريل ـ أرْجه ـ وهيهات·.

فقال بعضهم: سبع لغات من لغات العرب متفرقة في القرآن، فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وهكذا، ورُدَّ هذا القول باختلاف هشام بن حكيم وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهما قرشيان من قبيلة واحدة ولغتهما واحدة.

وقال بعضهم: المراد بها معاني الأحكام كالحلال والحرام والمحكم والمتشابه والأمثال والإنشاء والإخبار إلى غير ذلك من الأمور. ورُدّ هذا القول بأن الاختلاف بين الصحابة لم يكن في فهم الحلال والحرام، وإنما في أداء القراءة.

وقال ابن قتيبة: هي أوجه سبعة يقع بها التغاير وهي: ـ

1- الاختلاف في إعراب الكلمة وحركات بنائها بما لا يزيلها عن صورتها ولايغيّر معناها. نحو: (هُنَّ أطْهرُ لكم ـ وأطْهرَ لكُم) (فنظِرةٌ إلى مَيْسَرةٍ ـ وإلى مَيْسُرَة).

2- الاختلاف في إعراب الكلمة وحركة بنائها بما يغير معناها، ولا يزيلها عن صورتها. نحو: (ربَّنا باعِدْ بَينَ أسْفارنا ـ وربُّنا بَاعَدَ بين أسفارنا).

3- أن يكون الاختلاف في حروف الكلمة دون إعرابها بما يغير معناها ولايزيل صورتها (كيف ننشرها ـ كيف ننشزها).

4- أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يغير صورتها في الكتاب ولا يغير معناها (كالعهن المنفوش ـ كالصوف المنفوش).

5- أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يغير صورتها ومعناها (وطلح منضود ـ وطلع منضود).

6- أن يكون الاختلاف بالتقديم والتأخير (وجاءت سكرة الموت بالحق ـ وجاءت سكرة الحق بالموت).

7 ـ أن يكون الاختلاف بالزيادة والنقصان ﴿إن الله هو الغني الحميد ـ إن الله الغني الحميد﴾ لقمان:26. ﴿جنات تجري تحتها الأنهار ـ جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ التوبة : 100.

وقريب من قول ابن قتيبة قول الرازي. وهما قولان يقومان على الاستقراء والاستنتاج دون دليل شرعي. وهما وما قبلهما من الأقوال لا تتضح فيهما الحكمة من الأحرف السبعة التي ذكرها رسول الله ³ في بعض ألفاظ الحديث: من التسهيل والتيسير على الأمة من شيخ كبير وصبيّ صغير لا يطيقون الاكتفاء بحرف واحد.

ومهما اختلف العلماء في تحديد المقصود من الأحرف السبعة، فهناك إجماع منهم دون شك على أن القرآن الذي بين أيدينا لا نقص فيه ولا زيادة على ما تركه لنا رسول الله ³، وجمعه الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وأرسله إلى الأمصار، وكان فعله بإجماع من الصحابة، حتى قال علي رضي الله عنه فيما رواه أبو داود بسندٍ صحيح من طريق سويد بن غفلة: ¸لا تقولوا في عثمان إلا خيرًا، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا·.

أما علاقة الأحرف السبعة بالقراءات السبع المشهورة بين الأمة فعلاقة في العدد، وهو أمر جعل بعض الناس يظنون أن المراد بالأحرف السبعة القراءات السبع، وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة.

فالقراءات السبع من اختيار ابن مجاهد في نهاية القرن الثالث الهجري، والأحرف السبعة وردت في حديث الرسول ³ : (أُنزل القرآن على سبعة أحرف ) وذلك قبل ميلاد أئمة هذه القراءات.

هل الأحرف السبعة موجودة في المصاحف العثمانية ؟ قال بعض العلماء: إن الموجود في المصاحف العثمانية، وهي المصاحف التي بين أيدي الناس اليوم، هو حرف واحد. يقول ابن جرير الطبري: ¸إن الذي في المصاحف العثمانية إنما هو الحرف الذي ارتضته الأمة زمن عثمان، وهو الذي وافق العرضة الأخيرة. وأما الأحرف الأخرى فقد اندثرت؛ لأن القراءة بها لم تكن على سبيل الإلزام، وإنما كانت على سبيل الرخصة، وقال أبو عمر بن عبدالبر: ¸… ومصحف عثمان الذي بأيدي الناس اليوم هو حرف واحد، وعلى هذا أهل العلم·.

أما القراءات فمن الجلي الواضح أن أكثرها موجود في المصحف، بل لقد اشترط القراء موافقة القراءة لرسم مصحف عثمان حتى تكون صحيحة، وهذا القول هو الأرجح.

وأصح ما عليه الحذاق من أهل النظر في معنى ذلك، أن ما نحن عليه في وقتنا هذا في هذه القراءات هو بعض الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن. فثبت بهذا أن هذه القراءات التي نقرؤها هي بعض من الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن، استعملت لموافقتها المصحف الذي أجمعت عليه الأمة، وترك ما سواها من الحروف السبعة لمخالفته رسم المصحف، إذ ليس بواجب علينا القراءة بجميع الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن، وإذ قد أباح النبي ص لنا القراءة ببعضها دون بعض ولقوله تعالى: ﴿فاقرءوا ما تيسر منه﴾ المزمل: 20. فصارت هذه القراءة المستعملة في وقتنا هذا، هي التي تيسرت لنا بسبب ما رواه سلف الأمة رضوان الله عليهم من جمع الناس على هذا المصحف لقطع ما وقع بين الناس من الاختلاف وتكفير بعضهم لبعض.

علم التجويد

العلم الذي يُعنى بتلاوة القرآن الكريم بطريقة صحيحة حسبما تلقاه الصحابة الكرام شفاهة من رسول الله ³. ويعالج التجويد ـ الذي يعني الإجادة في النطق ـ قضايا مثل مخارج الأصوات وأنواعه . وأحوال النون الساكنة والتنوين من إظهار وإخفاء وإدغام بغُنَّة أو بغير غُنَّة، وكذلك أحوال الميم الساكنة، والمد وأنواعه من مد طبيعي إلى مد زائد، وترقيق بعض الأصوات مثل / ر/ وتفخيمها.

أحكام التجويد. للتجويد أحكام عامة تحسِّن من مستوى القراءة في القرآن الكريم، وتضبط مخارج الأصوات، وهي في مجملها تتفق مع طبيعة الأصوات ومخارجها وترفع الحرج عن القارئ. وأهم أحكام التجويد هي:

النون الساكنة والتنوين. يلاحظ أولاً أن التنوين هو في الحقيقة نون ساكنة ترد بعد الحركة. كما في (رحيمٌ) التي ننطقها (رحيمُن). أما أحكام هذه النون الساكنة فتتلخص في خمس حالات:

الإظهار. وهو النطق الواضح للنون إذا جاء بعدها واحد من أصوات الإظهار الستة: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء، كما في: (من علم، وسميعٌ عليم)، حيث وردت العين بعد النون الساكنة والتنوين.

الإخفاء، ومعناه إخفات نطق النون حتى تصبح مجرد غُنَّة (صوت أنفي)، حيث تكون أعضاء النطق مستعدة للتلفظ بالصَّوت الذي يليه. مثلاً في (مَنْ ذا الذي) بحيث يكون اللسان في وضع نطق الذال عند نطق النون الساكنة. والأصوات التي يخفى قبلها النون هي: ت، ث، ج، د، ذ، ز، س، ش، ص، ض، ط، ظ، ف، ق، ك.

وقد جمعها بعضهم في الحروف الأولى من كلمات هذا البيت:

صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما دم طيبا زد في تقى ضع ظالما
الإدغام بغُـنَّة. وهو تحول النون الساكنة إلى صوت مماثل في نطقه للصَّوت الذي يليه مع بقاء الغُنة، كما في نطقنا للعبارة (مَن يَّعمل) حيث تصبح النون ياء ولكننا نسمع الغُنة كذلك. والأصوات التي يتم معها إدغام النون الساكنة بغُنَّة هي: ي، ن، م، و. (مجموعة في كلمة: ينمو).

الإقلاب. وهو تحوُّل النون الساكنة إلى ميم إذا جاء بعده باء، كما في (مِن بَعْد) التي تنطق (مِمْ بَعْد). ويفسر ذلك وجود الميم الصغيرة بعد النون الساكنة والتنوين في بعض المصاحف.

الإدغام التام. وهو تحوُّل النون الساكنة إلى راء أو لام إذا جاءتا بعده، وتشدَّد الراء واللام نتيجة لذلك، كما في غفورٌ رَّحيم التي أصلها غفورُن رَحيم، ولكن بعد الإدغام تصبح (غفورُ رَّحيم). و(لِئنْ لَم) التي تصبح(لَئلَّم) بعد الإدغام.

الميم الساكنة. إذا تبعتها باء تصبح مجرد غُنَّة، حيث إن مخرجها والباء واحد، كما في (مُبتليكم بنهر). أما إذا جاءت بعدهـا ميم فتشـدد الميم الثانية كما في (إن كنتم مؤمنين)، حيث تدغم الميـم الأخيرة في (كنـتم) في الميـم الأولى في (مؤمنين) فنسمع (كُنتُمُّؤمنين).

القلقلة. وهي إمالة سكون الصَّوت إلى حركة خفيفة، إذا كان واحدًا من الأصوات التالية : ق، ط، ب، ج، د. مجموعة في كلمتي: (قطب جد). فعند نطقنا بكلمة (سُبْحان) مع قلقلة الباء يحس السامع وكأننا أضفنا ضمة قصيرة جدًا على الباء.

المد، وله أحكام ستة:

المد الطبيعي. وهو بقدر حركتين. أي أن الألف تنطق وكأنها فتحتان والياء وكأنها كسرتان والواو وكأنها ضمتان من حيث الزمن، وذلك كما في ألف (مالِك) وياء (الرحيم).

ولكن المد يخضع إلى الزيادة في الحالات التي سترد.

المد العارض للسكون. وهو ما يحدث عندما نقف على الحرف الذي يلي المد مباشرة ونسكنه. كما في (غفور رحيمْ) فالياء في (رحيم) تمدُّ من حركتين إلى ست حركات إذا وقفنا على (رحيم). وربما يمكننا تمثيل المد هكذا (رحيـم)، أما إذا حركنا الميم، فيعود المد طبيعيًا، فنقرأ (رحيمٌ) بدون إطالة.

مد الهمز المتصل. ويسمى المد الكلمي اللازم، وهو ما جاء قبل همزة في الكلمة نفسها، مثل (جاءَ) و(جيءَ) و(سُوء) وهذا المد يزاد فيه ليصبح مقدار أربع أو خمس حركات. وحكم هذا المد الوجوب.

مد الهمز المنفصل. ويسمى المد الجائز المنفصل، وهو المد الذي يأتي قبل همزة في كلمة تالية، كما في (يا أيُّها) و(في أموالهم)، ومقدار المد هنا ثلاث إلى خمس حركات، كما للقارئ أن يمد مدًا طبيعيًا أو يزيد فيه.

المد قبل الحرف المشدَّد. ويسمى المد الكلمي اللازم المثقل، وهو أن يرد المد قبل صوت مشدَّد في الكلمة نفسها كما في (ضاليِّن) حيث جاءت الألف قبل اللام المشدَّدة و(تأمرونِّي) حيث جاءت الواو قبل النون المشددة. وهذا المد يزاد فيه إلى مقدار ست حركات. وربما نمثل لذلك خطيَّا (ضاااليِّن)، (تأمرووونِّي).

المد اللازم الكلمي المخفف، وهو مايكون في بعض الحروف المقطعة التي تفتتح بها السور مثل الميم في: ﴿حم﴾ الشورى: 1. وما يكون في بعض الكلمات قبل الحرف الساكن مثل ﴿آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين﴾ يونس: 91.

مد اللين. ويشبه المد العارض للسكون، لأنه مد ناتج من وقوفنا على الصَّوت الذي يلي صَوتَي اللين (الواو والياء الساكنين)، كما في (يَوْم) و(دَيْن)، حيث نمد في نطق الواو والياء بمقدار أربع حركات، علمًا بأنهما لا تمدان أصلاً في الحالات الأخرى.

الترقيق والتفخيم. ينطبقان خاصة على اللام في لفظ الجلالة، والراء. وقاعدة تفخيم اللام في كلمة (الله) هي أننا نفخم اللام إذا جاء قبل لفظ الجلالة فتحة أو ضمة كما في (مِنَ الله) و (عَبْدُالله)، ونرققها أي ننطقها لامًا عادية إذا سبقت لفظ الجلالة كسرة (باللّه، في الله). وأما الراء فقاعدتها أنها تفخم إذا كانت مفتوحة أو مضمومة كما في (رَحمة) و(رُبَّما) أو جاءت ساكنة بعد فتحة أو ضمة وترقق إن جاءت مكسورة مثل (رِداء)، أو جاءت ساكنة بعد كسرة مثل (فرعون) أو ياء مد مثل (قدير).


سحر الحرف والكلام


شكرا للأخ صقر الأوراس على التوقيع