الفنون الإسلامية في عصر المماليك
01-11-2018, 01:31 PM


الفنون في عصر المماليك الجراكسة والبرجية

لقد ترك عصر المماليك الجراكسة والبرجية عددًا ضخمًا من التحف المنقولة من الفن الإسلامي المتمثِّل في صناعة الخزف، والمعدن، والزجاج، والحجر، والخشب، والنسيج، والسجاد، وفي الصناعات الخزفيَّة ظهرت الرسوم المغطَّاة بطبقة صقلية، وكان إنتاجها وافرًا في دمشق والقاهرة، بعضها للاستعمال اليومي، وبعضها الآخر هدايا نفيسة تقدَّم من السلاطين والأمراء المماليك.

الأواني الخزفية

وهذه الأواني تحمل شكل الجِرار أو البراميل (باريللو) أو الأباريق والصحون، ومن أجمل القطع الخزفيَّة الجرَّةُ المحفوظةُ في متحف الكويت -دار الآثار الإسلامية- وعليها كتابة تُبيِّن أنَّها من عمل يوسف بدمشق برسم أسد الإسكندري.

وكانت الرسوم مؤلَّفة من تشكيلات رقشية هندسية أو نباتية، أو من رسوم حيوانية أو شعارات، وهناك الرسم المطلي بالبريق المعدني، وقد ظهر أوَّلًا في مدينة الرقة السورية، وتُصنع هذه الأواني على دواليب، ثم ظهرت القوالب، وتأثَّرت الرسوم أحيانًا بالطابع الصيني.

وتحمل بعض الأواني الخزفية أسماء صانعيها، مثل: الحبيبي، والشامي، والمصري، والهرمزي، وأشهرهم التيروزي وأبناؤه؛ ويُرى إنتاجه في الألواح الخزفية الرائعة التي تكسو جدران جامع التيروزي والحمام في دمشق، وكان الاهتمام بصناعة هذا البلاط قد انتشر في القاهرة منذ عام (733هـ=1333م).

صناعة الزجاج

وصلت صناعة الزجاج أوجها في هذا العصر؛ إذ حقَّق الصناع الدمشقيُّون تفوُّقًا واضحًا في صنع الزجاج المطلي بالمينا، وابتدأت هذه الصناعة بالانتشار حتى عام (803هـ=1401م) عندما نهب تيمورلنك دمشق، وصادر العمَّال المهرة إلى سمرقند.

وكانت صناعة هذا الزجاج سرًّا لم يستطع العمال خارج دمشق كشفه وتقليده، ووصلت هذه الصناعة إلى حدود الروعة عندما كانت تسد طلبات السلطان أو القادة الكبار، وإلى جانبها كانت ثمَّة صناعة خفيفة تسد حاجة العامَّة من الناس في دمشق ومصر، وكان هذا الزجاج شفافًا أو كامدًا ملوَّنًا بالأزرق أو الأخضر أو البني أو الأرجواني، وتزخرف القطع الزجاجية بالقطع أو التحزيز أو التطعيم الملون.

وقد أبدع الدمشقيُّون أشكالًا مختلفة منها الكئوس الكبيرة والأكواب والأقداح والقوارير والحوامل، وكانت تُستعمل للزينة والاحتفالات، ومن أبرز هذه الصناعات الزجاجية ما كان على شكل مشكاة (مصباح للمسجد)، وفي المتحف الإسلامي في القاهرة نماذج رائعة من هذه المشاكي، وفي المتحف الوطني بدمشق نموذج من هذه المشاكي صنع في دمشق.

الصناعات المعدنية

وبلغت الصناعة المعدنية حدود الإبداع في هذا العصر؛ فقد ظهرت أوانٍ معدنيَّةٌ ذات زخارف وتشكيلات راقية كانت تُستعمل هدايا غالبًا، وتبدو موضوعات النقش على هذه الأواني مستمَدَّة من مشاهد أسراب الطيور والحيوانات الخرافية والحقيقية، والطراد، بالإضافة إلى نقوش خطيَّة بالخط الكوفي والنسخي.

وكانت الهندسة أساسًا للتخطيط ولتقسيم سطوح الأواني المنقوشة، وهي أوانٍ من النحاس أو البرونز أو من الحديد، وقد يُطلى بعضها بالذهب، ويحمل بعضها توقيع الرَّقَّاش، من أمثال: محمد بن سنقر، ومحمد بن الزين، وأحمد بن علي البغدادي، وتحمل بعض القطع شعارات النبالة (الرنك) للسلاطين، ولا سيَّما السلطان ناصر الدين محمد، الذي ظهرت في عهده وفرة من المشغولات كان أكثرها يصنع في دمشق بإشراف أميرها نائب السلطنة تنكز.

صناعة الأنسجة

وظهرت في هذا العصر صناعة الأنسجة والبسط والسجاجيد، ولا سيَّما صناعة السجاد الدمشقي الذي تميَّز في هذا العصر بطريقة حبكه وألوانه وصيغ زخارفه، وفي متحف الميتروبوليتان Metropolitan في نيويورك ومتحف فيينا نماذج عنه.

المخطوطات المذهبة

ترك هذا العصر روائع من المخطوطات المذهبة، ولا سيَّما مخطوطات المصاحف الشريفة التي حليت صفحاتها برسوم وزخارف مذهبة، وبخطوط الثلث المحقق والنسخي، ومثال ذلك تلك المحفوظة في متحف شستر بيتي في دبلن، أو في دار الكتب في القاهرة؛ وفيها روائع هذه المصاحف الشريفة التي تعود إلى هذا العصر.

_____________________
عفيف البهنسي
المراجع: حسني محمد نويصر: العمارة الإسلامية في مصر .. عصر الأيوبيين والمماليك (مكتبة زهراء الشرق، القاهرة).