روايات عن الإفلاس المالي الذي يتهدد العالم الرأسمالي
19-12-2015, 10:22 PM
تطنب وسائل الإعلام راهنا في الحديث عن روايات تتركّز مواضيعها حول الإفلاس المالي الذي يتهدد العالم الرأسمالي منذ الأزمة الكارثية التي ضربته في عام 2008. ورواية “ربيع البرابرة” من بين هذه الروايات. مؤلفها يوناس لوشر، وهو شاب سويسريّ ولد في زيوريخ عام 1976، درس الفلسفة في جامعة ميونيخ. وفي ملحقها الأدبي الصادر يوم 25 سبتمبر الماضي، أشارت جريدة لوموند إلى أن هذه الرواية الصادرة عن دار أوترومان تشكّل مفاجأة كبيرة للموسم الأدبي الجديد تماما مثلما كان حال رواية “الغريب” لألبار كامو قبل أزيد من سبعين عاما، ويعود ذلك إلى تفرّد مؤلفها بتطرّقه إلى الأزمات التي تتهدّد المجتمعات الرأسمالية والاستهلاكية بطريقة ذكيّة وساخرة.

في رواية “ربيع البرابرة”
يتخيّل يوناس لوشر أن الجنيه ينهار فجأة فتفلس بريطانيا، وتصاب الطبقة البورجوازية بالهلع. البطل الرئيسي مواطن بريطاني يتمتع براتب ضخم، وبامتيازات هائلة. وذات يوم، ينطلق إلى تونس للاحتفاء بزواجه هناك مرفوقا بأفراد عائلته وبأفراد عائلة عروسته الحسناء.
يختار البطل فندقا فاخرا في الصحراء. وخلال حفل الزواج، تحدث مغامرات عاطفيّة كثيرة. من ذلك أن مواطنا سويسريا يملك شركة يحاول أن يغوي سيّدة بريطانية جميلة لم يكن يفكر زوجها إلاّ في خيانتها. وبينما كان المدعوون يعبّون البيرة والويسكي والخمور المعتقة، ويرقصون، ويغنون، يصعقهم خبر من لندن معلنا أن بريطانيا أفلست، وأن الجنيه الإسترليني أصبح عملة رخيصة.

عندئذ يتحول الحفل الصاخب البهيج إلى مأتم، ويصاب جميع المدعوين بالهلع فيغادرون الفندق الصحراوي على عجل وهم يجرّون حقائبهم وسط الرمال. فكما لو أنهم قافلة من البدو الرحل الفارين من القحط والمجاعات. لقد ترجمت رواية “ربيع البرابرة” إلى عشر لغات، ولاقت نجاحا واسعا في كلّ من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.
وفي نفس تعليقها، أشارت جريدة لوموند إلى أن يوناس لوشر يمتلك قدرة فائقة على مزج التراجيدي بالكوميدي، والمواقف العاطفية بالمواقف السياسيّة. أما روايته فتنتمي إلى تلك القصص التي “يرويها معتوه”، والتي يكثر فيها الصخب والعنف على طريقة ويليم فوكنر.

مخاطر عالم الفن

يتطرق الكاتب الفرنسي آلان فلايشر، المولود عام 1944، في روايته “الانهيار” إلى المخاطر التي تتهدّد عالم الفن. بطل الرواية يدعى سيمون بينكاس. وهو عازف بيانو من الصنف الرفيع. وقد ورث عن والده الثريّ، والذي لم يكن يعرفه جيدا، مجموعة من اللوحات الفنيّة الشهيرة.

غير أن سيمون يعتقد أن كبار الفنانين الذين اشتهروا خلال القرن العشرين هم في الحقيقة دجالون ومنافقون.

كما أن أعمالهم التي تباع غاليا هي في الحقيقة أعمال تافهة وبلا قيمة. لذلك يسارع ببيع كلّ اللوحات دفعة واحدة. وقد أدّى ذلك إلى انهيار شامل في سوق الفنون، وإلى عاصفة مالية لم يسبق لها مثيل.
يقول فلايشر الذي له دراية كبيرة بعالم الفنون إذ أنه أشرف خلال سنوات طويلة على متحف للفن الحديث “يمكنني أن أتقاسم مع سيمون، الشخصية الرئيسيّة في روايتي، آراءه بشأن الفن الحديث، وخصوصا في كلّ ما يتصل بسوق الفن.

فقد تحوّل الفنّ إلى سلعة. وسوق الفن أصبح يتمتع بأهمية بالغة في الأسواق المالية والاقتصادية. وهو أمر لم يسبق له مثيل في تاريخ الفن. وقد استفاد البعض من الفنانين الذين لا يتمتعون بموهبة عالية من هذا الوضع، وأصبحوا يحتلون مكانة لا يستحقونها”. ومعنى هذا أن فلايشر يتفق مع يوناس فلوشر في أن العالم الرأسمالي “يرقص الآن فوق بركان” من دون أن يعلم متى ينفجر هذا البركان.



توقع الإفلاس في رواية “مونتيكريستو”،
يحدس السويسري مارتين سوتر، المولود في زيوريخ عام 1984، إفلاسا ماليا في بلاده. وهو يقول: ثمة مبالغة أدبيّة، غير أنني تقصّدت ذلك. وأنا أعتقد أن انهيار بنك من البنوك كما هو الحال في روايتي يمكن أن يحدث في أي وقت. وربما لتفادي ذلك، سارعت بعض البنوك اليونانيّة خلال الأشهر الأخيرة بغلق أبوابها. وأنا أحسّ أنني قريب من اليونانيين.

وفي الحقيقة هناك وجهتا نظر تواجه كل واحدة منهما الأخرى على المستوى السياسي والاقتصادي. وكل شيء يجعلنا نعتقد أن الجناح المحافظ والليبيرالي هو المنتصر. وهذا يعني أن أوروبا ستكون أقل ديمقراطية، وأقل عدالة من ذي قبل.

والحزن في هذا كله أن كل القرارات التي اتخذت من الجانبين تمت اعتمادا على اعتبارات أيديولوجيـة، وليس على اعتبارات براغماتية.

ويضيف سوتر: أظهر وزير المالية في الحكومة الألمانية أنه رجل بارد، ومحدود النظرة، أما أنجيلا ميركل فقد أظهرت من جانبها أنها لا تمتلك رؤية اقتصادية لمستقبل أوروبا.

أما اليونان فقد سيطر عليها على مدى عقود حكام فاسدون لا يتمتعون بالخبرة السياسية والاقتصادية اللازمة. في الآن نفسه، لا يزال المجتمع المدني ضعيفا، ومتخلفا. وأنا أخشى أن تقوم الحكومة الجديدة بخلق مشاكل معقّدة أخرى عوض معالجة المشاكل القديمة.
حسونة المصباحي