*"‬المَداخلة*" .. ‬سلفيون مصلحون أم علماء بلاط؟
03-03-2015, 10:42 PM

احتدم النقاش بعد رياح ما* ‬يسمى الربيع العربي* ‬حول التيار السلفي* ‬المدخلي* ‬وجذوره الفكرية وحقيقة أهدافه،* ‬بعد تخندقه ضد الثورات العربية ووصفها بالفتنة،* ‬فضلا عن الوقوف في* ‬صف الأنظمة والسكوت عن القضايا المصيرية في* ‬العالم العربي* ‬والإسلامي* ‬وعلى رأسها القضية الفلسطينية*.‬

ينقسم المتابعون في* ‬تحديد تاريخ ظهور التيار السلفي* ‬المدخلي،* ‬ففي* ‬وقت* ‬يرفض أنصار التيار وأتباعه نسبتهم إلى تاريخ معين بعد زمن النبوة،* ‬فضلا عن تسميتهم بالمداخلة والجامية ملحقين هذه الأوصاف بـ"الوهابية*" ‬التي* ‬أطلقها خصوم أئمّة الدعوة النجدية من أجل التنفير من دعوة التوحيد والزعم بأنّهم دين جديد جاء به الشيخ محمد بن عبد الوهاب،* ‬بينما* ‬يذهب خصومهم بعيدا إلى التأكيد على أنّ* ‬التيار المدخلي* ‬هو في* ‬حقيقة الأمر امتدادا لما عرف في* ‬التاريخ الإسلامي* ‬بـ"علماء السلاطين*"‬،* ‬مشددين على أنّ* ‬القوم* ‬ينطلقون من نصوص مبثوثة في* ‬كتب التراث الإسلامي* ‬في* ‬الدعوة إلى طاعة ولاة الأمور وتبديع المخالفين والمنابذين للأنظمة وتثبيط الناس عن نصرة المستضعفين في* ‬فلسطين وغيرها باسم حرب الفتنة ودعاتها*.‬

*"‬التنظير للدماء قبل التّمكين وللطاعة العمياء بعد التمكين*"‬

فريق آخر* ‬ينظر إلى أنّ* ‬التيار المدخلي* ‬هو امتداد* "‬سلبي*" ‬للحركة الوهابية ولا* ‬يمكن بحال الفصل بين هذا وذاك،* ‬مشددين على أنّ* ‬الدعوة السلفية الوهابية ومنذ انطلاقها قبل قرنين اعتمدت على أسلوبين متناقضين في* ‬الترسيخ لهيمنتها،* ‬وهي* ‬الشدة مع المخالفين لها واستعمال أقصى وأعنف الأساليب لمواجهتهم مع اختيار ألينها وأكثرها تهوينا لمخالفات الحكام في* ‬سبيل الحفاظ على شرعيتهم،* ‬وهذا ما جمعه البعض في* ‬قوله* "‬الوهابية قبل التمكين نظّروا للدماء وبعد التمكين للدولة السعودية قعّدوا للطاعة العمياء*".‬

انقسامات وصراعات* ‬

* ‬أمّا الفريق الرابع فيعطي* ‬للتيار المدخلي* ‬أطر زمانية ومكانية ساعدت على ظهوره وانتشاره وأكثرهم* ‬يرفض ربط ما* ‬يرونه انحرافا في* ‬التيار بالدعوة السلفية للشيخ محمد بن عبد الوهاب،* ‬مستدلين ببقاء الكثير من العلماء والدعاة والجماعات متمسكين بنهجه الأول بعيدا عن التيار المدخلي* ‬والمنظرين له،* ‬أمّا عن تاريخ الظهور فهو حسبهم* ‬يعود إلى أعقاب حرب الخليج الثانية،* ‬وما تبعها من ردّات فعل ساخطة على موقف النظام السعودي* ‬والسلطة الدينية في* ‬المملكة حيال الاحتلال الأمريكي* ‬للخليج العربي،* ‬فقد برز في* ‬ذلك الوقت مجموعة من طلبة العلم،* ‬خاصة منهم ممن احتمى ببعض قيادات الحركة الإسلامية كمحمد قطب وعلي* ‬جريشة،* ‬وعلى رأسهم سفر الحوالي* ‬وبشر البشر وسلمان العودة الذين رفضوا التدخل الغربي* ‬في* ‬العراق،* ‬وطالبوا بدل ذلك بحلول إسلامية ـ إسلامية لرد العدوان العراقي* ‬على الكويت*.‬

وهذه كانت بدايات ظهور الفكر السلفي* ‬المدخلي* ‬كمجموعة من طلبة العلم المناهضين لتوجهات ما عرف حينها بدعاة الصحوة،* ‬واصفين إيّاهم بالفتنة وأنّهم* ‬يسعون إلى بث القلاقل في* ‬المجتمع برفضهم للتدخل الغربي* ‬ضد العراق،* ‬هذه المدّة وإن لم تعرف تنظيرا محكما للتيار المدخلي،* ‬خاصة بعد رفض كبار علماء السعودية حتى من أفتى بجواز الإستعانة بالكافر على الكافر كالشيخ عبد العزيز بن باز بالطعونات التي* ‬برزت في* ‬المدينة النبوية ضدّ* ‬عدد من الدعاة الرافضين لفتوى التدخل وكانت عبارته* "‬حذّروا ممن* ‬يحذّر من هؤلاء*" ‬أي* ‬من* ‬يحذر من سفر وسلمان وغيرهم محور تهدئة للوضع،* ‬إلا أنّه وبصدور الأمر الملكي* ‬السعودي* ‬بسجن هؤلاء الدعاة انتقل التيار المدخلي* ‬إلى مرحلة التنظير وترتيب أوراقه ومعرفة حجمه وأهم الشخصيات التي* ‬تتبنى فكره،* ‬وكان القرعاوي* ‬ومحمد أمان الجامي* ‬وتلاميذهم فالح الحربي* ‬وربيع المدخلي* ‬أهم من شكّلوا شبه جماعة مستقلة* ‬غايتها حسبهم الحفاظ على"دولة التوحيد من الدعوات الوافدية التي* ‬تريد بث الفتنة والتحريض على ولاة الأمور*"‬*.‬

ومن هنا انطلقت حملة الكتابات في* ‬أهم المنظرين والجماعات الداعية للتغيير وفق طروحات لا تتوافق والنهج السلفي* ‬المدخلي،* ‬فكان أهم من بدؤوا به بعد الدعاة في* ‬داخل المملكة سيد قطب وحسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ،* ‬باعتبارهم أهم الوافدين على* "‬دولة التوحيد*" ‬حسب وصفهم،* ‬ولأنّ* ‬التيار المدخلي* ‬وضع مجموعة من القواعد واللبنات الأولى لتحديد المتمسكين بالكتاب والسنة على فهم سلف الأمّة حسب قراءاته فإنّه بقدر ما بدأت تنظيراته تتجاوز حدود المملكة إلى عدد من الدول التي* ‬تعاني* ‬توترات كالجزائر والسودان واليمن في* ‬تسعينات القرن الماضي،* ‬حيث انضم إليهم عدد من الدعاة الرافضين لسلوكيات الإسلاميين في* ‬تلك الدول كعبد المالك رمضاني* ‬من الجزائر وحسن المأربي* ‬من اليمن وغيرهم فإنّ* ‬الدعوة السلفية المدخلية عرفت بدايات فرز داخلي،* ‬حيث ظهرت إنقسامات حادة مع بداية الألفية بين كل من ربيع المدخلي* ‬وتلميذه أيمن حداد وقرينه فالح الحربي* ‬والطامحين في* ‬كل دولة إلى مناهج أكثر اعتدالا كالمغراوي* ‬في* ‬المغرب والعيد شريفي* ‬في* ‬الجزائر و حسن المأربي* ‬في* ‬اليمن وأنصار الدعوة المحمدية في* ‬السودان والسبت في* ‬الإمارات والحلبي* ‬في* ‬الأردن انتهت بانقسام الحركة إلى مجموعة متطاحنة* ‬يبدع بعضها بعضا وكل منها ترى أنّ* ‬الحق عندها دون سواها*.‬

مناصحة ولاة الأمور سرا و"شيطنة*" ‬معارضيهم علنا*!‬

أمّا أهم منطلقات التيار السلفي* ‬المدخلي* ‬وأسسه الفكرية،* ‬فهي* ‬حسبه الدعوة إلى تخليص دعوة التوحيد من شوائب الشرك والخرافات والبدع والتمسك بالهدي* ‬النبوي* ‬في* ‬كل كبير وصغير وجهاد أهل البدع والأهواء،* ‬وفضحهم والتشهير بهم من أجل أن* ‬يحذرهم النّاس مع الالتزام بجماعة المسلمين ومناصحة ولاة أمور المسلمين سرا،* ‬إلا أنّ* ‬لخصومهم قراءة أخرى أخذوها من واقع الحركة المدخلية،* ‬وما* ‬يرونه كيل بالمكاييل عندها فهي* ‬عندهم حركة تدعو إلى تفريق المسلمين،* ‬وبث الفتنة والبغضاء بينهم باسم السنّة والتمسك بها حيث انتشر الخزانة المدخلية بسلاسل تبديع لم تترك حتى بعض المقربين منهم لخلافات وجدت من القديم وعرف بينهم ألفاظ شديدة في* ‬التخبيث والشيطنة ووصف مخالفيهم بالكلاب العاوية والشياطين والزبالة وغيرها من الأوصاف التي* ‬تنتهي* ‬إلى جعل الحق منحصرا في* ‬طائفة تعد على الأصابع من الدعاة والباقي* ‬في* ‬دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها*.‬

كما أنّ* ‬الدعوة المدخلية هي* ‬دعوة ركون إلى الظالمين وتهوين لأمر تحكيم* ‬غير الشريعة الإسلامية من الشرائع الجاهلية بإخراجها من باب التوحيد والشرك إلى أبواب المعاصي* ‬الصغرى،* ‬فضلا عن تأصيلهم حسب الخصوم للقعود دون النهوض بالأمّة أو التفكير بتغيير واقع الحال عن طريق تأصيل القوم لما قالوا بأنّ* "‬وسائل الدعوة توقيفية*"‬،* ‬الأمر الذي* ‬جعلهم* ‬يجرمون التحزب ويحرمون كل وسيلة تغيير كالإضرابات والمظاهرات وكل وسائل الاحتجاج باسم أنّها بدعية والاقتصار على منهج التصفية والتربية،* ‬وهو ما* ‬يحول دون التغيير في* ‬البلاد الإسلامية*.‬

كما أنّها حسب الرافضين لهم ولفكرهم دعوة لتخذيل المسلمين عن مواطن نصرة المستضعفين وقضايا الجهاد في* ‬فلسطين،* ‬باعتبارهم علقوا العديد من الأحكام الشرعية بالأنظمة الحاكمة التي* ‬ينتظرون منها أن تأذن لهم بنصرة المستضعفين،* ‬وهو ما* ‬يجعلها في* ‬درج التثبيط،* ‬في* ‬حين* ‬يحذّر آخرون من أنّ* ‬التقاء السلفية المدخلية بالسلفية الصحوية والحركية والجهادية في* ‬المرجعية الفكرية الوهابية والاستمداد من ابن تيمية وابن القيم تجعلها خندقا للولوج إلى تلك الحركات الموصوفة* "‬بالتطرف*"‬،* ‬وهو ما دعا عدد من العلمانيين إلى منعهم من المساجد باعتبار الكثير من أنصار التيار المدخلي* ‬قد* ‬غادروه بعد تورطه في* ‬عدد من المعارك ضد الشعوب في* ‬مصر وليبيا والسعودية بعد رياح الربيع العربي* ‬وتوجههم إلى جماعات أكثر راديكالية*.‬



الباحث في* ‬الجماعات الإسلامية نور الدين المالكي*:‬

المداخلة صناعة مخابراتية بامتياز

يحملون شعار* "‬الجرح والتجريح*" ‬لكل من* ‬يعارض أنظمة الحكم* ‬



اعتبر الباحث في* ‬الجماعات الإسلامية الأستاذ نور الدين المالكي،* ‬أن ظهور السلفية العلمية كانت نتاجا للخلافات التي* ‬نشبت بين هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية وبعض الدعاة،* ‬عقب إفتاء الهيئة بجواز السماح للقوات الأمريكية بضرب العراق مطلع التسعينيات،* ‬متهما هذه الفئة بالحديث عن جهل وخدمة الأنظمة والمخابرات على حساب الدين*.‬

وأشار مالكي* ‬في* ‬ندوة* "‬الشروق*" ‬حول موضوع السلفية،* ‬أن هناك ثلاثة مذاهب لهذا المنهج وهي* ‬السلفية العلمية والإصلاحية والجهادية،* ‬مبرزا أن هذه التيارات الفكرية ظهرت بحدة أثناء* ‬غزو القوات الأمريكية للعراق وما تبعه من انتقاد واسع لهيئة كبار العلماء المسلمين من طرف بعض الدعاة في* ‬المملكة على* ‬غرار سلمان العودة وعائض القرني* ‬وعلي* ‬القرني* ‬وغيرهم،* ‬على خلفية إفتاء الهيئة بجواز الاستعانة بالقوات الأجنبية الأمريكية لغزو العراق*.‬

وأفاد ذات الباحث أن الخلاف الشديد بين علماء البلاط السعودي* ‬وعدد من الدعاة،* ‬سمح ببروز التيار السلفي* ‬الحامل لراية* "‬الجرح والتجريح*" ‬الجرح والتعديل والتصنيف لكل من خالف الموقف الرسمي،* ‬حيث تم تصنيف كل من وقف ضد فتوى الترخيص للقوات الأمريكية بالضلال وخارج التيار السلفي*.‬

وأضاف المتحدث أن المشكل بالنسبة للسلفية العلمية* ‬يتمثل في* ‬المغالاة في* ‬تجريح العلماء والدعاة،* ‬ليس لأسباب عقائدية مثلما كان الحال عليه في* ‬السابق وإنما تحول بسبب الغلو إلى تجريح خدمة لأغراض شخصية بسبب خلافات سياسوية بعيدة عن المعتقدات والأفكار،* ‬بدليل أن* ‬رواد هذا المنهج* ‬يصفون كل من* ‬يخرج عنهم بالهلاك*.‬

وانتقد المالكي،* ‬تفكير المداخلة الذين* ‬يمثلون منهج السلفية العلمية،* ‬الذي* ‬لا* ‬ينم حسبه عن معرفة ووعي* ‬وهدف،* ‬وإنما* ‬يقومون حسبه بالنقد وتثبيط كافة العزائم من دون القيام بأي* ‬بديل،* ‬متهما إياهم بالجهل والتكلم من دون علم،* ‬كاشفا عديد التناقضات والأخطاء التي* ‬ارتكبوها في* ‬حديثهم عن موضوع الدولة،* ‬مشيرا أن هذا المنطق* ‬غائب عن خطاباتهم بسبب تحريمهم للانتخابات وإنشاء الأحزاب وتضليلهم من* ‬يرفع السلاح لإنشاء الدولة الإسلامية*.‬

ووصف المتحدث رواد السلفية العلمية بصناعة المخابرات وكل من* ‬ينتسب إليه بالعملاء،* ‬بسبب دفاعهم المستميت عن الأنظمة الحاكمة وطعنهم في* ‬كل من* ‬ينتقد الحكام،* ‬على الرغم من المآخذ التي* ‬تتواجد عليها الأنظمة،* ‬مشيرا أن هذا التيار أضحى بيد الدول لمحاربة السلفية والإصلاحية ووأد كل محاولات للثورة ضد الحكومات*.‬



عبد المالك رمضاني* ‬كاذب والسلطة استخدمته لضرب الفيس



أطلق الباحث في* ‬الجماعات الإسلامية نور الدين المالكي* ‬النار على عبد المالك رمضاني* ‬أحد مشايخ السلفية العلمية بالجزائر واصفا إياه بالمتحدث عن جهل،* ‬والعمالة للمخابرات من خلال كتابه* "‬مدارك النظر*"‬،* ‬كاشفا عن عديد المغالطات التي* ‬حملها*.‬

واعتبر المالكي* ‬أن عبد المالك رمضاني* ‬تطرق لكثير من المواضيع السياسية وهو* ‬يجهل مغزاها ولا* ‬يجيد معناها،* ‬بدليل* ‬*-‬يضيف*- ‬المغالطات التي* ‬حملها كتابه* "‬مدارك النظر*"‬،* ‬حيث سجل عديد الأخطاء الكارثية بعدما اعتبر أن الدولة هي* ‬التي* ‬تشكل البرلمان،* ‬على الرغم من أن الأصح في* ‬الحياة السياسية أن البرلمان صنيعة تنافس الأحزاب السياسية في* ‬انتخابات تشريعية*.‬

وذهب لأبعد من ذلك حين اتهمه بالقول إنه صناعة مخابراتية،* ‬واصفا كتاب* "‬مدارك النظر*" ‬بـ* "‬الكتاب الأمني*" ‬الذي* ‬استغل لوأد الحركات الإصلاحية،* ‬وما* ‬يفسره التشجيع الكبير الذي* ‬لاقاه من طرف السلطة التي* ‬سمحت بتوزيع آلاف النسخ منه على الشباب لثنيهم عن الالتفاف حول الجبهة الإسلامية للإنقاذ* (‬المحلة*) ‬آنذاك*.‬

وقال المتحدث،* ‬إن المخابرات استغلت عبد المالك رمضاني* ‬لمحاربة السلفية الإصلاحية التي* ‬كان* ‬يقودها مؤسسو الجبهة السلامية للإنقاذ على* ‬غرار محمد السعيد وعلي* ‬بن حاج وغيرهما،* ‬لما كان لديه من إقبال ودعم جماهيري* ‬وكذا من طرف عديد العلماء*.‬

واتهم رمضاني* ‬بـ"الكذب*" ‬حين قال*: "‬إن الشيخ الألباني* ‬عاتب علي* ‬بن حاج*"‬،* ‬مشيرا أن التسجيلات تؤكد* "‬أن الألباني* ‬كان* ‬يجل ويحترم علي* ‬بلحاج ولم* ‬يعاتبه أبدا بل أكثر من ذلك كان* ‬يصفه بالشيخ*"‬،* ‬وقال إن المداخلة كانوا* ‬يستغلون التيار السلفي* ‬بتصفية حساباتهم مع من* ‬يخالفهم،* ‬بدليل أن هيئة العلماء زكت كتاب عبد المالك رمضاني* ‬واعتبرته فرصة لنصح الدعاة الذين عارضوا فتوى جواز السماح للقوات الأمريكية باستغلال الأراضي* ‬السعودية لضرب العراق*..‬

* ‬

السلفية العلمية تظهر بظهور الأزمات وتختفي* ‬باختفائها



أجمع المشاركون في* ‬ندوة الشروق على أن السلفية العلمية وليدة الأزمات،* ‬فأول ظهور لها كان أثناء حرب* ‬الخليج،* ‬إذ أفتى بعض علماء السعودية بجواز تدخل أمريكا ضد الكويت،* ‬على أن تكون السعودية ضمن المشاركين تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية،* ‬فهنا ظهرت السلفية بعد خروج الكثير من العلماء ضد فتوة شيوخ السعودية أمثال ابن الباز والعثيمين،* ‬معتبرين أن الأمر خطير فلا* ‬يجوز أن* ‬يتولى كافر أمر المسلمين أي* ‬أن الجيش السعودي* ‬لا* ‬يجب أن* ‬يكون تحت قيادة أمريكا،* ‬فمن هنا ظهر مشايخ السلفية العلمية*.‬



الناشط السلفي* ‬محمود حديبي* ‬للشروق*:‬

هذه هي* ‬أسباب الفتنة والتنابز بين التيارات السلفية

نحن نعتمد الحجّة العلمية ولا نرى تناقضا بين السلفية والمذهبية الفقهية* ‬



يرى الناشط السلفي* ‬محمود حديبي* ‬أن أهم تجليات الصراع تفسير الدين بين التيارات السلفية هو الاختلاف حول منهج الإصلاح وطريق التغيير الأمثل للعودة بالمجتمع والدولة لهذا الدين الأول،* ‬ويقول إن السّلفية العلمية هي* ‬التيار الأكثر اعتدالا وهو* ‬يدعو إلى التأليف بين المسلمين وعذر المخالف وإقامة الحجة العلمية عليه ولا نرى أية منافاة بين السلفية والمذهبية الفقهية ونعظم مذاهب الأئمة الأربعة ونحترمها ونفرق بين التمذهب بمعنى التعصب المذهبي* ‬عند العلماء الذي* ‬نذمه وبين تمذهب العوام الذي* ‬نراه الحل الأمثل لعموم الأمة وتجنيبها التطاحن الفقهي*.‬

ما مفهوم السلفية لديكم؟* ‬

المراد بالسلفية بالدرجة الأولى صحابة النبي* ‬صلى الله عليه وسلم وما كانوا عليه،* ‬ولا* ‬يقصد قول كل واحد منهم،* ‬بل المقصود هو اتفاقهم،* ‬وإن اختلفوا فالناس تبع لاختلافهم لا* ‬يحدثون أقوالا تهدم فهومهم لاستحالة خفاء الحق على جميع الأمة،* ‬والأصل أن هذا الحد محل اتفاق بين المسلمين لا* ‬ينازع فيه أحد،* ‬فالحاصل فكرة السلفية هي* ‬أنها وسيلة لضبط التنازع التأويلي* ‬الذي* ‬سيحدث في* ‬فهم الكتاب والسنة*.‬

هذا تعريف السلفية كمنهج* ‬يجب أن* ‬يفرق بينه وبين التحقيقات التاريخية للسلفية* (‬وهي* ‬المجموعات التي* ‬وجدت عبر التاريخ تحاول أن تصيب ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم*) ‬وهذه الجماعات ليس لأحد منها أن* ‬يدعي* ‬أنه أصاب بتمام ما كان عليه النبي* ‬صلى الله عليه وسلم وأصحابه،* ‬بل* ‬غاية دعواه أنه* ‬يحاول أن* ‬يصيب*.‬

فإن كان ذلك فالأصل أن نقد السلفية لا* ‬يكون لنقض هذا الأصل،* ‬بل انتقاد صحة نسبة السلفية إلى السلف قولا وفهما وتطبيقا*.‬

لكن بعض المتابعين* ‬يفرقون بين السلفية،* ‬الجهادية والإصلاحية والعلمية ـ المدخلية ـ إلى اي* ‬سلفية ـ اذا صح التعبير ـ تنتمون؟

السّلفية المعاصرة جماعة إسلامية تضم عدة تيارات متباينة في* ‬منهجها الدّعوي* ‬والسّياسي* ‬يجمعها الانتساب إلى السّلف الصالح،* ‬وقصدهم من الانتساب إلى السلف اعتبار طريقتهم في* ‬إثبات النصوص وفهمها واستخراج دلالتها،* ‬وعليه فإنها تأنف من العلوم المستجدة،* ‬خاصة العلوم العقلية،* ‬وترى أن الدعوة الإسلامية* ‬يجب أن تقتصر على تبليغ* ‬النصوص النبوية الصحيحة دون الدخول في* ‬الجدليات الكلامية والعقلية وأن* ‬يتقيَّد المسلم في* ‬فقهه وسلوكه على ما صحت به أحاديث السنة*.‬

وهي* ‬واقعيا عبارة عن ثلاثة تيارات تنقسم بدورها إلى مجموعة اتجاهات تشترك في* ‬الانتساب للسلف وفي* ‬مسائل العقيدة في* ‬التوحيد العملي* ‬وفي* ‬الأسماء والصفات والقدر وغيرها،* ‬وتختلف اختلافا شديدا في* ‬مسائل الأسماء والأحكام،* ‬خاصة في* ‬مسألة التكفير*.‬

والخلط الواقع بين السلفية كمفهوم وبين تحققها كممارسة عند السلفيين أنفسهم هو الباعث الأساسي* ‬على التنافس بينهم حول امتلاك التأويل الصحيح للدين الأول الذي* ‬بعث به النبي* ‬صلى الله عليه وسلم،* ‬أي* ‬كل تيار* ‬يريد جعل نفسه الشكل المعياري* ‬للسلفية مما ولد بينهم تنازعا على احتكار هذا الاسم ولهذا فإنك ستجد أن كل واحد من هؤلاء الذين ذكرت* ‬يعترض على صحة انتساب* ‬غيره للسلفية من الأساس*.‬

وأهم تجليات صراع تفسير الدين بين التيارات السلفية هو الاختلاف حول منهج الإصلاح وطريق التغيير الأمثل للعودة بالمجتمع والدولة لهذا الدين الأول*.‬

فإذا انضاف إلى هذا ضخامة التحديات مع حالة النقص العلمي* ‬والفكري* ‬العامة مع البغي* ‬والاستطالة مع* ‬غياب السلطة التي* ‬تخلف النبوة وتنزع فتيل الفتن اكتملت أضلاع المربع الذي* ‬يؤدي* ‬لعدم تأطير هذا الخلاف بما* ‬يحول دون تحوله لفرقة وفتنة*.‬

ونحن في* ‬العموم ننسب أنفسنا لتيار السلفيين الواسع الأكثر اعتدالا نرى التأليف بين المسلمين وعذر المخالف وإقامة الحجة العلمية عليه ولا نرى أية منافاة بين السلفية والمذهبية الفقهية،* ‬نعظم مذاهب الأئمة الأربعة ونحترمها ونفرق بين التمذهب بمعنى التعصب المذهبي* ‬عند العلماء الذي* ‬نذمه وبين تمذهب العوام الذي* ‬نراه الحل الأمثل لعموم الأمة وتجنيبها التطاحن الفقهي،* ‬كما نفرق بين التصوف السني* ‬والتصوف البدعي،* ‬وقد كان شيخ الاسلام ابن تيمية معظما في* ‬كتبه للشيخ عبد القادر الجيلاني* ‬والشيخ أبي* ‬مدين دفين تلمسان والشيخ عدي،* ‬يراهم من العارفين الربانيين،* ‬فنحن نفرق بين التصوف السني* ‬والتصوف البدعي* ‬الفلسفي* ‬الكشفي* ‬تصوف أصحاب وحدة الوجود*.‬

ونرى أن علم السلوك علم مهم في* ‬إصلاح الأمة ويمثل حقيقة التوحيد العملي*.‬

كما أن موقفنا من الأشاعرة أكثر اعتدالا،* ‬نعتبرهم من أئمة الإسلام وعلماء الأمة،* ‬نخالفهم في* ‬مسائل الأسماء والصفاة وغيرها،* ‬لكنها نثمن خدمتهم للقرآن والحديث النبوي* ‬والمساهمة العلمية والدور البارز لعلماء وملوك الأشعرية في* ‬صد المد الشيعي*.‬

إذا كان هناك السلفي،* ‬فهناك* ‬غير السلفي؟ من هو* ‬غير السلفي* ‬بالنسبة لديكم؟ وما حكم من لا* ‬يكون سلفيا؟

السلفية عندنا مرادف لمصطلح أهل السنة والجماعة،* ‬وعليه فغير السلفي* ‬عندنا هو من كان في* ‬منهجه خارجا عن طريقة أهل السنة والجماعة،* ‬فالواجب على جميع المسلمين أن* ‬يكون مذهبهم مذهب السلف،* ‬لا الانتماء إلى جمعية أو حزب معيّن* ‬يسمى السلفيين*.‬

ومن كان خارجا عن مسمى أهل السنة والجماعة من الطوائف فإننا لا نقرهم على ما فهم فيه من البدعة وندعوهم للحق الذي* ‬دعا إليه النبي* ‬صلى الله عليه وسلم ودعا إليه أصحابه والتابعون لهم بإحسان،* ‬ونحن مع ذلك نحب لهم الخير والهداية ونحفظ لهم حق الإخوة الإيمانية،* ‬وموقفنا منهم لين وشدة هو بحسب بعدهم وقربهم من السنة فمعلوم أنّ* ‬الفضل* ‬يتبعّض كما أنّ* ‬الإيمان* ‬يتبعّض،* ‬فيتفاضل النّاس بحسب قيامهم بما أمروا به وجوبا واستحبابا وتحريما وكراهة،* ‬ومعلوم أنّ* ‬السنّة أبواب وأصول وأنّ* ‬الرّجل أو الجماعة قد* ‬يكونون قائمين بالسّنّة على وجه مرضيّ* ‬في* ‬الجملة وفي* ‬أغلب الجوانب،* ‬لكنّهم* ‬يكونون في* ‬الوقت نفسه مقصّرين أو متعدّين في* ‬جانب أو جانبين،* ‬فلا* ‬يقضي* ‬خطؤهم على صوابهم ولا* ‬يحول صوابهم عائقا في* ‬طريق بيان خطئهم*.‬

لما أسهم ما* ‬يسمى بالسلفية العلمية موجهة ـ جلها ـ للتيار الاسلامي* ‬الذي* ‬يمارس السياسة ويؤمن بالانتخابات؟ وممنوعة على العلمانيين واللادينيين؟

الخلافات الحاصلة بسبب تقاطع مناطق النفوذ والنشاط والتنافس على نفس الشرائح العمرية من المخاطبين مع علو الصوت لبعض الغلاة في* ‬التيار السلفي* ‬يشعر بالنقاوة العقائدية والزهو بالنفس واحتكار الصواب المطلق وغمط ما عند الآخر من الحكمة والخير*.‬

وإلا ففي* ‬طوائف السلفيين الأخرى مواجهة للتيار العلماني* ‬تختلف في* ‬شدتها ولينها باختلاف المنطلقات العقدية في* ‬باب الأسماء والأحكام لكل فصيل من فصائل السلفيين،* ‬بل إني* ‬أزعم أن أكثر من* ‬يرد على العلمانيين واللادينين تأليفا وتدريسا أو على المواقع الالكترونية هم السلفيون،* ‬بل إن الإخوان أنفسهم مع أنهم على نقاط الاشتباك مع تلك التيارات العلمانية لا* ‬يجدون ظهيرا شرعيا في* ‬مواجهتم مع هؤلاء في* ‬الواقع إلا الاستناد للإنتاج العلمي* ‬للسلفية الحركية*.‬



الشيخ سليم محمدي

*"‬دعوا إلى توحيد الأمة فتفرقوا إلى* ‬300* ‬فرقة*"‬



اعتبر الشيخ سليم محمدي* ‬أن السلفية في* ‬عمومها صواب لكن في* ‬مضمونها هناك أخطاء،* ‬كانت السبب في* ‬تشويه صورة الإسلام نظرا لقيامها على تصور خاطئ*. ‬وقال المتحدث في* ‬اتصال لـ"الشروق*" ‬أنه من بين أهم مساوئ السلفيين أنهم* ‬يقومون على الحجر في* ‬الرأي* ‬ومعاداة الآخرين ومهادنة السياسيين،* ‬وهذه الأمور* ‬غير مقبولة في* ‬الإسلام،* ‬وكل هذه الخصال هي* ‬من صفات السلفيين*.‬

وأضاف محمدي* ‬أن السلفية تدعو إلى إلغاء مذاهب الأئمة الأربعة واتباع مذهب واحد وقال إن هذا الأمر جميل لكن أين هم من التوحيد،* ‬إذ هم أنفسهم تفرقوا إلى أكثر من* ‬300* ‬فرقة،* ‬فأين الإجماع الذي* ‬ينادون به؟

وبخصوص اكتساحهم للمساجد في* ‬الجزائر قال الأستاذ* ‬*"‬هم فعلا اكتسحوا المساجد في* ‬الجزائر لكن ليس لأنهم على حق،* ‬بل الأمر راجع إلى مظهرهم الخادع من إطلاق اللحى واللباس القصير والبقاء أمام المساجد،* ‬فمن خلال هذه الأمور التي* ‬يفعلونها خدعوا العوام من الناس*"‬،* ‬لكن الكثير من تصرفاتهم جعلت الكثير من الناس* ‬يحملون الإسلام أفعالهم*.‬* ‬وعاد الشيخ إلى منهجهم الذي* ‬قال عنه إنه في* ‬ظاهره صواب لكن مضمونه خاطئ تماما،* ‬وحسب الشيخ فإن السلفيين* ‬يعتقدون أنهم هم الإسلام والباقون لا* ‬يعرفون الإسلام على حقه،* ‬وبالتالي* ‬وجب اتباعهم،* ‬لكن هم على خطأ ووجب تصحيح الأمر لهم*.‬



إمام جامع الأمير عبد القادر شوقي* ‬أبو حرم

السلفية المدخلية جانبت الصواب وتضليلها لسيد قطب في* ‬حد ذاته ضلال؟

وصف الدكتور شوقي* ‬أبو حرم،* ‬إمام جامع الأمير عبد القادر بقسنطينة،* ‬السلفية المدخلية الوافد الجديد على الفرق الإسلامية،* ‬بالمجانبة للصواب في* ‬الكثير من القضايا،* ‬واعتبر الكتاب الذي* ‬تفضل به الشيخ محمد عباد البدر أحسن رد على أفكارها،* ‬خاصة صيحته المدوّية*: ‬رفقا أهل السنة بأهل السنة،* ‬حيث رأى أنه بإمكان أهل السنة أن* ‬يُخطّئوا بعضهم بعضا،* ‬لأن الإنسان ليس معصوما من الخطأ ولكن لا* ‬يجب تضليل بعضهم بعضا،* ‬كما تفعله السلفية المدخلية التي* ‬لا حديث لها سوى* "‬هذا ضال وذاك مبتدع*"‬،* ‬ونسيت نفسها*.‬

وتساءل الشيخ أبو حرم كيف* ‬يقذف* "‬المدخليون*" ‬جماعة الدعوة والتبليغ* ‬بالضلال والشِرك،* ‬ويقذفون كل الإخوان المسلمين من دون استثناء بالضلال بمجرد أنهم تحزبوا وشاركوا في* ‬عالم السياسة،* ‬في* ‬مصر والأردن وبعض البلاد الإسلامية،* ‬والطامة الكبرى* ‬*-‬حسب الدكتور أبو حرم*-‬* ‬أن التضليل طال الأفراد من علماء ثم الجماعات،* ‬ولم* ‬يستثنوا السيد قطب الذي* ‬أفنى عمره من أجل الإسلام والقرآن الكريم ويعتبر تفسيره من أشهر التفاسير،* ‬واعتبر الدكتور أبو حرم ردود العلماء على المدخليين أحسن وسيلة لإيقاف نفوذهم الفكري* ‬الطاغي* ‬على الساحة المشرقية والجزائرية،* ‬ومن بين العلماء ما كتبه الشيخ بكر أبو زيد الذي* ‬ذكر مُبتدع المدخلية الشيخ ربيع بن هادي* ‬مدخلي،* ‬بالأسلوب الراقي* ‬الذي* ‬فسّر به السيد قطب القرآن الكريم في* ‬تفسيره الشهير في* ‬ظلال القرآن مقارنة بالأسلوب الركيك الذي* ‬لا* ‬يرتقي* ‬لمستوى الإعدادي* ‬الذي* ‬يكتب به الشيخ ربيع بن هادي* ‬مدخلي*. ‬

كما خاض في* ‬الأمر أيضا الإمام القحطاني* ‬وأفحم المدخليين بإجاباته الشافية والكافية،* ‬وتكمن أخطاء الشيخ ربيع الهادي* ‬مدخلي،* ‬كونه تخصّص في* ‬علم الحديث من دون أن* ‬يسير على نهج البخاري* ‬مثلا،* ‬فجاء بأفكار* ‬غريبة لم* ‬يستحسنها علماء المملكة العربية السعودية أنفسهم،* ‬إذ صار* ‬يُبدّع الناس ويُضللهم لمجرد أخطاء بسيطة،* ‬ويقتص وأحيانا* ‬يتبّع عورات العلماء،* ‬وكأنه مختص في* ‬أخطاء الناس وليس في* ‬حسناتهم،* ‬ولم* ‬يسلم منه الشيخ الغزالي* ‬رحمه الله،* ‬وكان كتابه أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره،* ‬كاشفا لهذا الشيخ الذي* ‬للأسف وجد أتباعا صار بعضهم* ‬يقارنه بعالم الحديث الأول الإمام البخاري* ‬وحاملا للواء الجرح والتعديل*.‬

وفي* ‬الوقت الذي* ‬يسيرون معه في* ‬تضليل العلماء بمجرد ارتكابهم لخطأ صغير،* ‬يبحثون للمدخلي* ‬عن المبررات في* ‬حالة ارتكابه الأخطاء الكبيرة،* ‬فنمت مملكته وامتدت من المملكة العربية السعودية،* ‬وبلغت الجزائر،* ‬ويكاد* ‬يكون كل سلفيي* ‬الجزائر من تابعي* ‬هذا الرجل الذي* ‬ربما اجتهد ولكنه أخطأ كثيرا*.‬



الدكتور* ‬الحاج همال يكتب:

الجامية أو المداخلة.. *"‬حاملة للواء الجرح والتجريح وأكثر أتباعها من الهمّج الرّعاع*"‬



شهِد العقدُ* ‬الأخيرُ* ‬من القرن العشرين أحداثًا نوعية في* ‬أكثر من منطقة من العالم،* ‬وكانت حربُ* ‬الخليج الأولى أهمّ* ‬حدث عرفته المنطقة العربية،* ‬بحكم ما كان لها من تداعيات إقليمية وعالمية،* ‬ومن بين أهمّ* ‬تلك التّداعيات الممانعةُ* ‬الشّديدةُ* ‬الّتي* ‬تعرّضت لها المملكة العربيّة السّعودية،* ‬من طرف نُخبة من أهل العلم والرّأي* ‬والتّأثير العام في* ‬الممكلة،* ‬إزاء موقفها من مشروعية الاستعانة بالقوّات الأمريكية أمام الغزو العراقي* ‬المحتمَل على بلادها*.‬

لكن وزارةُ* ‬الدّاخلية السّعوديةُ* ‬استطاعت احتواء الموقف بمعاقبة الأطراف المتسبِّبة في* ‬هذه المعضِلة،* ‬من خلال الاستعانة بنخبة دينية أخرى كانت تردِّد التّحذير من الأطراف الأولى،* ‬وتوجِّه لها تهمةَ* ‬التأثُّر بأفكار وتوجّهات خارج التصوُّر والنّظام السّلفي* ‬الّذي* ‬تتبنّاه تقاليدً* ‬المملكة،* ‬ومن أهمّها مخالفةُ* ‬الأطراف الأولى لأصل من أصول السّلفية المتمثِّل في* ‬عدم الاعتراض على سياسة وليّ* ‬الأمر أو معارضة النّظام،* ‬وهذا الأصل وإن كان محلّ* ‬قبول ورضًا في* ‬مجْمله وعمومه،* ‬لما* ‬يترتّب على مراعاته من المصالح العامّة والخاصّة،* ‬إلاّ* ‬أنّه* ‬يقع الاختلافُ* ‬في* ‬تفاصيله وأجزائه ومتعلَّقاته،* ‬من مثل اختلاف درجات المسموح بإعادة النّظر فيه من سياسة السُّلطة،* ‬واختلاف النّظر إلى المخالفين لسياسة وليّ* ‬الأمر،* ‬وهو ما حدث في* ‬الأزمة السّعودية،* ‬حيث انحصر الموقف الدّيني* ‬الرّسميّ* ‬في* ‬إيقاع العقوبة على المخالفين لموقف وليّ* ‬الأمر،* ‬في* ‬حين وقف الطّرف الثّاني* ‬موقفًا متشدِّدًا من الأطراف المخالفة وراح* ‬يُخرجُها من الشّرعية السّلفية،* ‬وجعل معيار الانتساب إلى السّلفية دائرًا على التّسليم لوليّ* ‬الأمر،* ‬فكلُّ* ‬من ظهر منه نقد لسياسة المملكة* ‬يتناوله سيفُ* ‬الإقصاء والإهدار مهما كانت منزلتُه وفضلُه وحسناتُه*.‬

وهنا ظهر منهج الموازنة الّذي* ‬تزعّمه بعضُ* ‬المشايخ؛ أمثال الشّيخ محمّد أمان الجامي* ‬والشّيخ ربيع بن هادي* ‬المدخلي،* ‬وهما مدرّسان بالجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوَّرة،* ‬ويقوم المنهج الّذي* ‬يطرحانه على التّحذير من المنكرين على سياسة وليّ* ‬الأمر ونعتهم بالخوارج،* ‬والتّشهير بهم على الملإ محافظةً* ‬على أصل الدّين،* ‬وأصلُ* ‬الدّين هو التّوحيد والسنّةُ،* ‬والدّولة قائمة بهذا الأصل خير قيام بل هي* ‬المؤسّسة له والرّاعية له والمحافظة عليه،* ‬فلا* ‬يضرّها ما وقع من تقصير في* ‬جوانب أخرى،* ‬كما أنّه ليس من المصلحة الدّينية الإشارةُ* ‬إلى هذا التّقصير لما* ‬يتسبّب فيه من إضعاف عزائم الدّولة في* ‬المحافظة على أصل الدّين*. ‬

وبعيدًا عن الانتقادات الّتي* ‬يمكن أن توجَّه له،* ‬فإنّ* ‬أكثر الوجوه الدّينية والعلمية من داخل المملكة السّعودية وخارجها،* ‬منكرون لسلوك أفراد هذا التيّار* ‬غير راضين عن ممارساتهم،* ‬وأكثر من ذلك،* ‬وهو أحدُ* ‬أهمّ* ‬معايير الانحراف الّذي* ‬يميِّز المجموعاتِ* ‬المتكتِّلة،* ‬هو ما* ‬يقع بين أفرادها من تبادل التُهم والرّمي* ‬بأبشع عبارات الجرح،* ‬وهو ما* ‬يميِّز بوضوح هذا الاتّجاه الدّيني* ‬الّذي* ‬يدّعي* ‬حمل راية الجرح والتّعديل،* ‬والواقع أنّه* ‬يحمل راية الجهل والتّجريح،* ‬فأكثر أتباعه من الهمج الرّعاع الّذين لم* ‬يتأدّبوا بالعلم والدّين،* ‬وما* ‬يغترّون به من وجود بعض الفضلاء بينهم،* ‬لا* ‬يعدو أن* ‬يكون من أخطاء العالم الّذي* ‬يعود عنها عندما تحاصره الأدلة والبيّنات،* ‬أمّا المفتونون به فلا* ‬يعودون إلى عقولهم ولو رأوا الله عيانًا؛ لأنّ* ‬مشكلتهم نفسية قلبية وليست علمية عقلية*.‬



سلطان بركاني يكتب:

كلمة إنصاف في* ‬زمن التعصّب والإجحاف

السّلفية المدخليّة دون ما* ‬يزعم أتباعها وفوق ما* ‬يروّج خصومها



السّلفية المدخلية ليست طائفة مارقة ولا جماعة ضالّة منحرفة كما* ‬يروّج بعض خصومها،* ‬وهي* ‬في* ‬المقابل،* ‬على خلاف ما* ‬يزعم أتباعها،* ‬ليست جماعة معصومة،* ‬والحقّ* ‬لا* ‬ينحصر في* ‬أدبياتها ولا بين منظّريها وعلمائها،* ‬وأتباعُها بينهم العالم والمتعلّم والجاهل،* ‬وبينهم المحسن والظّالم لنفسه،* ‬أصابت الحقّ* ‬في* ‬كثير من القضايا والمسائل والمواقف،* ‬وحادت عن الصّواب ومالت إلى الغلوّ* ‬في* ‬مسائل منهجية وعلمية وعملية كثيرة،* ‬اعتمدت فيها على أقوال شاذّة أو اختيارات مرجوحة أو مواقف فردية لا* ‬يصحّ* ‬أن تتّخذ منهجا*.‬

مآخذ في* ‬الأدبيات والممارسات

لعلّ* ‬من أبرز المسائل التي* ‬شذّت فيها السّلفيّة المدخليّة عمّا عليه جماهير الأمّة،* ‬مسألة طاعة ولاة الأمر،* ‬حيث حرّم منظّروها الحديث عن أخطاء الحكّام وجناياتهم في* ‬حقّ* ‬الإسلام وخيانتهم لقضايا المسلمين وتحالفِ* ‬بعضهم مع الأعداء والمحاربين،* ‬في* ‬مقابل شنّ* ‬حملات التّبديع والتّصنيف في* ‬حقّ* ‬العلماء والدّعاة الذين* ‬يخالفونهم في* ‬هذه المسألة بل وفي* ‬بعض المسائل الاجتهادية التي* ‬يُفترض ألا* ‬يصل الخلاف حولها إلى البراء والمفاصلة،* ‬ولهذا وصفهم بعض العلماء بأنّهم* "‬مرجئة مع الحكّام،* ‬خوارج مع العلماء والدّعاة*"‬،* ‬هذا فضلا عن تصدّيهم للتّحذير من معارضي* ‬الأنظمة وتخوينهم ووصفهم بالخوارج ومثيري* ‬الفتن،* ‬في* ‬مقابل سكوتهم المطبق عن الفتن التي* ‬يُذكيها الحكّام بتحالفهم مع أعداء الأمّة وتنفيذهم لمخطّطاتهم،* ‬واستفزازهم لمشاعر المسلمين بالتّضييق على شعائر الدّين والسّماح بالإساءة إلى المقدّسات والطّعن في* ‬المسلّمات؛ وقد بلغ* ‬الغلوّ* ‬في* ‬طاعة وليّ* ‬الأمر ببعض منظّري* ‬السّلفية المدخليّة إلى حدّ* ‬القول بصحّة ولاية الحاكم المتغلّب الذي* ‬يتسلّط على الأمّة بالقوة أيا كانت منطلقاته وأهدافه،* ‬وإلى حدّ* ‬ربط وجوب الجهاد لدفع الأعداء ونصرة المسلمين بإذن ولاة الأمر،* ‬كما حرّم كثير من علماء هذه الطّائفة المظاهرات والاعتصامات بحجّة أنّها خروج على الحكّام وأنّها من أسباب إثارة الفتن وإسالة الدّماء،* ‬وسكتوا في* ‬المقابل عن الحكّام الذين* ‬يقمعون تلك المظاهرات والاعتصامات ويسيلون دماء المنضمّين إليها،* ‬مع أنّ* ‬قوانينهم لا تمنعها،* ‬كما حرّم كثير من منظّري* ‬السّلفيّة المدخليّة إنشاء الأحزاب والنقابات والتنظيمات الطلابية،* ‬ومنعوا التّعاون مع بعض الجمعيات الإسلاميّة،* ‬بحجّة أنّ* ‬الانضمام إليها والتّعاون معها من التحزّب المحرّم*. ‬كما* ‬يؤخذ على أتباع هذه الجماعة موقفُهم السّلبيّ* ‬المتخاذل إزاء كثير من قضايا الأمّة المعاصرة،* ‬رضوخا لخيارات حكّام وأمراء الخليج المتناغمة في* ‬أكثر الأحيان مع الإملاءات الغربيّة،* ‬ومعاداتُهم لجماعات العمل الإسلاميّ* ‬ورفضُهم التّعاون معها في* ‬قضايا الدّين والأمّة،* ‬بل وتحالفهم في* ‬كثير من الأحيان مع جهات علمانية رسمية أو* ‬غير رسمية ضدّ* ‬بعض الجماعات الإسلاميّة الأخرى،* ‬كما حصل في* ‬مصر وليبيا*. ‬

كما* ‬يستنكر بعض العلماء على منظّري* ‬السّلفية المدخلية تسبّبهم في* ‬فتنة المسلمين بتوسّعهم في* ‬مفهوم البدعة،* ‬حتى أدخلوا فيها كثيرا من المسائل الخلافية،* ‬كالاحتفال بالمولد النبويّ،* ‬ودرس الجمعة ورفع اليدين بالدّعاء بعد الصّلاة وقنوت الفجر وحمل العصا على المنبر،* ‬وغير ذلك من المسائل التي* ‬يسوغ* ‬فيها الخلاف،* ‬كما* ‬يؤخذ عليهم أيضا تضييقهم في* ‬بعض المسائل الفقهية كتحريم التّصوير والأناشيد الإسلاميّة وإسبال الإزار لغير الخيلاء ومنع إخراج زكاة الفطر نقدا*.‬

خصوم السّلفية*.. ‬بين الغيرة على الدّين وخدمة المشاريع المشبوهة

خصوم السلفية المدخليّة ليسوا سواءً؛ فمنهم من* ‬يخاصمها إحقاقا للحقّ* ‬ونصرة للدّين،* ‬ولا تدفعه خصومته إلى إنكار ما معها من الحقّ* ‬والخير،* ‬ومنهم من* ‬يخاصمها نصرة لمذهب أو جماعة أو حزب،* ‬فيمنعه تعصّبُه الإنصافَ* ‬في* ‬الحكم عليها،* ‬ومنهم من* ‬يخاصمها خدمة لمشاريع مشبوهة،* ‬تريد أن تجد لها موطئ قدم في* ‬بعض بلاد الإسلام،* ‬وتسعى جهدَها لإسقاط السلفية التي* ‬تحُول بينها وبين تحقيق أهدافها،* ‬ويأتي* ‬على رأس هذه المشاريع المشروعُ* ‬الشّيعيّ* ‬الصّفويّ* ‬الذي* ‬أدرك منظّروه أنّ* ‬السّلفيين بمختلف طوائفهم هم أكثر المسلمين تحمّسا للدّفاع عن سلف هذه الأمّة من الصّحابة والتّابعين والأئمّة العاملين،* ‬وأكثرهم إنكارا للعقائد الباطنية والقبورية التي* ‬تشكّل حجر الأساس* ‬*-‬أدبيا وماليا*- ‬في* ‬هذا المشروع،* ‬كما أنّهم أيضا من أكثر طوائف المسلمين معرفة بعقائد الشّيعة واطّلاعًا على مصادرهم،* ‬وما تحويه من شذوذات لا تقبلها فطرة ولا* ‬يقرّها دين ولا عقل*.‬

السلفيون ليسوا معصومين ومن حقّ* ‬الدّين وحقّهم علينا أن ننصح لهم بما* ‬يقتضيه المقام،* ‬لكنّ* ‬ذلك لا* ‬يبيح لنا أن نتنكّر لدورهم في* ‬التصدّي* ‬للفتنة الباطنية والمدّ* ‬الشّيعيّ،* ‬وقيامهم بالواجب الكفائيّ* ‬في* ‬الذّود عن مصادر الإسلام،* ‬والدّفاع عن حقّ* ‬الله في* ‬أن* ‬يدعى ويستغاث به وحده،* ‬وحقّ* ‬النبيّ* ‬صلّى الله عليه وآله وسلّم في* ‬أن* ‬يكون المتبوعَ* ‬الأوّل،* ‬وحقّ* ‬الصّحابة المرضيين والخلفاء الرّاشدين والهداة الفاتحين في* ‬أن* ‬يُعرف لهم فضلهم وتحفظ مكانتهم*.‬

إنّه ليس من مصلحة الإسلام والمسلمين أن نسعى إلى إسقاط السّلفيين لصالح من هم أكثر شططا وغلوا منهم؛ ونستنكر أخطاءهم ونسكت عن شنائع* ‬غيرهم؛ فليس من العدل مثلا أن نُنكر على السلفيين* ‬غلوّهم في* ‬تصنيف وتبديع مخالفيهم من العلماء والدّعاة،* ‬ونسكت في* ‬المقابل عن تكفير الشّيعة للصّحابة المرضيّين والخلفاء الرّاشدين وأمّهات المؤمنين وللمسلمين الذين لا* ‬يؤمنون بالإمامة الشيعية التي* ‬تقتضي* ‬عصمة الإمام من السّهو والنّسيان وعلمه الغيب،* ‬وتقتضي* ‬تكفير من لا* ‬يؤمن بالإمام الثاني* ‬عشر الغائب منذ* ‬1176* ‬سنة،* ‬وليس من العدل أن نسوّي* ‬بين من طلب الحقّ* ‬فأخطأه وبين من طلب الباطل فأدركه،* ‬وننشغل* ‬*-‬بصورة مريبة*- ‬بتتبّع أخطاء وسقطات السلفيين،* ‬ونسكت عن طوامّ* ‬الشّيعة،* ‬مع أنّه ما مِن خطأ وقع فيه السّلفيون إلا وعند الشّيعة ما هو أشنع وأفظع منه،* ‬وعند الشّيعة من الطوامّ* ‬ما لا نظير له عند أيّ* ‬طائفة أخرى من طوائف أهل القبلة*.‬


http://www.echoroukonline.com/ara/fi..._915883030.jpg