*"المَداخلة*" .. سلفيون مصلحون أم علماء بلاط؟
03-03-2015, 10:42 PM
احتدم النقاش بعد رياح ما* يسمى الربيع العربي* حول التيار السلفي* المدخلي* وجذوره الفكرية وحقيقة أهدافه،* بعد تخندقه ضد الثورات العربية ووصفها بالفتنة،* فضلا عن الوقوف في* صف الأنظمة والسكوت عن القضايا المصيرية في* العالم العربي* والإسلامي* وعلى رأسها القضية الفلسطينية*.
ينقسم المتابعون في* تحديد تاريخ ظهور التيار السلفي* المدخلي،* ففي* وقت* يرفض أنصار التيار وأتباعه نسبتهم إلى تاريخ معين بعد زمن النبوة،* فضلا عن تسميتهم بالمداخلة والجامية ملحقين هذه الأوصاف بـ"الوهابية*" التي* أطلقها خصوم أئمّة الدعوة النجدية من أجل التنفير من دعوة التوحيد والزعم بأنّهم دين جديد جاء به الشيخ محمد بن عبد الوهاب،* بينما* يذهب خصومهم بعيدا إلى التأكيد على أنّ* التيار المدخلي* هو في* حقيقة الأمر امتدادا لما عرف في* التاريخ الإسلامي* بـ"علماء السلاطين*"،* مشددين على أنّ* القوم* ينطلقون من نصوص مبثوثة في* كتب التراث الإسلامي* في* الدعوة إلى طاعة ولاة الأمور وتبديع المخالفين والمنابذين للأنظمة وتثبيط الناس عن نصرة المستضعفين في* فلسطين وغيرها باسم حرب الفتنة ودعاتها*.
*"التنظير للدماء قبل التّمكين وللطاعة العمياء بعد التمكين*"
فريق آخر* ينظر إلى أنّ* التيار المدخلي* هو امتداد* "سلبي*" للحركة الوهابية ولا* يمكن بحال الفصل بين هذا وذاك،* مشددين على أنّ* الدعوة السلفية الوهابية ومنذ انطلاقها قبل قرنين اعتمدت على أسلوبين متناقضين في* الترسيخ لهيمنتها،* وهي* الشدة مع المخالفين لها واستعمال أقصى وأعنف الأساليب لمواجهتهم مع اختيار ألينها وأكثرها تهوينا لمخالفات الحكام في* سبيل الحفاظ على شرعيتهم،* وهذا ما جمعه البعض في* قوله* "الوهابية قبل التمكين نظّروا للدماء وبعد التمكين للدولة السعودية قعّدوا للطاعة العمياء*".
انقسامات وصراعات*
* أمّا الفريق الرابع فيعطي* للتيار المدخلي* أطر زمانية ومكانية ساعدت على ظهوره وانتشاره وأكثرهم* يرفض ربط ما* يرونه انحرافا في* التيار بالدعوة السلفية للشيخ محمد بن عبد الوهاب،* مستدلين ببقاء الكثير من العلماء والدعاة والجماعات متمسكين بنهجه الأول بعيدا عن التيار المدخلي* والمنظرين له،* أمّا عن تاريخ الظهور فهو حسبهم* يعود إلى أعقاب حرب الخليج الثانية،* وما تبعها من ردّات فعل ساخطة على موقف النظام السعودي* والسلطة الدينية في* المملكة حيال الاحتلال الأمريكي* للخليج العربي،* فقد برز في* ذلك الوقت مجموعة من طلبة العلم،* خاصة منهم ممن احتمى ببعض قيادات الحركة الإسلامية كمحمد قطب وعلي* جريشة،* وعلى رأسهم سفر الحوالي* وبشر البشر وسلمان العودة الذين رفضوا التدخل الغربي* في* العراق،* وطالبوا بدل ذلك بحلول إسلامية ـ إسلامية لرد العدوان العراقي* على الكويت*.
وهذه كانت بدايات ظهور الفكر السلفي* المدخلي* كمجموعة من طلبة العلم المناهضين لتوجهات ما عرف حينها بدعاة الصحوة،* واصفين إيّاهم بالفتنة وأنّهم* يسعون إلى بث القلاقل في* المجتمع برفضهم للتدخل الغربي* ضد العراق،* هذه المدّة وإن لم تعرف تنظيرا محكما للتيار المدخلي،* خاصة بعد رفض كبار علماء السعودية حتى من أفتى بجواز الإستعانة بالكافر على الكافر كالشيخ عبد العزيز بن باز بالطعونات التي* برزت في* المدينة النبوية ضدّ* عدد من الدعاة الرافضين لفتوى التدخل وكانت عبارته* "حذّروا ممن* يحذّر من هؤلاء*" أي* من* يحذر من سفر وسلمان وغيرهم محور تهدئة للوضع،* إلا أنّه وبصدور الأمر الملكي* السعودي* بسجن هؤلاء الدعاة انتقل التيار المدخلي* إلى مرحلة التنظير وترتيب أوراقه ومعرفة حجمه وأهم الشخصيات التي* تتبنى فكره،* وكان القرعاوي* ومحمد أمان الجامي* وتلاميذهم فالح الحربي* وربيع المدخلي* أهم من شكّلوا شبه جماعة مستقلة* غايتها حسبهم الحفاظ على"دولة التوحيد من الدعوات الوافدية التي* تريد بث الفتنة والتحريض على ولاة الأمور*"*.
ومن هنا انطلقت حملة الكتابات في* أهم المنظرين والجماعات الداعية للتغيير وفق طروحات لا تتوافق والنهج السلفي* المدخلي،* فكان أهم من بدؤوا به بعد الدعاة في* داخل المملكة سيد قطب وحسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ،* باعتبارهم أهم الوافدين على* "دولة التوحيد*" حسب وصفهم،* ولأنّ* التيار المدخلي* وضع مجموعة من القواعد واللبنات الأولى لتحديد المتمسكين بالكتاب والسنة على فهم سلف الأمّة حسب قراءاته فإنّه بقدر ما بدأت تنظيراته تتجاوز حدود المملكة إلى عدد من الدول التي* تعاني* توترات كالجزائر والسودان واليمن في* تسعينات القرن الماضي،* حيث انضم إليهم عدد من الدعاة الرافضين لسلوكيات الإسلاميين في* تلك الدول كعبد المالك رمضاني* من الجزائر وحسن المأربي* من اليمن وغيرهم فإنّ* الدعوة السلفية المدخلية عرفت بدايات فرز داخلي،* حيث ظهرت إنقسامات حادة مع بداية الألفية بين كل من ربيع المدخلي* وتلميذه أيمن حداد وقرينه فالح الحربي* والطامحين في* كل دولة إلى مناهج أكثر اعتدالا كالمغراوي* في* المغرب والعيد شريفي* في* الجزائر و حسن المأربي* في* اليمن وأنصار الدعوة المحمدية في* السودان والسبت في* الإمارات والحلبي* في* الأردن انتهت بانقسام الحركة إلى مجموعة متطاحنة* يبدع بعضها بعضا وكل منها ترى أنّ* الحق عندها دون سواها*.
مناصحة ولاة الأمور سرا و"شيطنة*" معارضيهم علنا*!
أمّا أهم منطلقات التيار السلفي* المدخلي* وأسسه الفكرية،* فهي* حسبه الدعوة إلى تخليص دعوة التوحيد من شوائب الشرك والخرافات والبدع والتمسك بالهدي* النبوي* في* كل كبير وصغير وجهاد أهل البدع والأهواء،* وفضحهم والتشهير بهم من أجل أن* يحذرهم النّاس مع الالتزام بجماعة المسلمين ومناصحة ولاة أمور المسلمين سرا،* إلا أنّ* لخصومهم قراءة أخرى أخذوها من واقع الحركة المدخلية،* وما* يرونه كيل بالمكاييل عندها فهي* عندهم حركة تدعو إلى تفريق المسلمين،* وبث الفتنة والبغضاء بينهم باسم السنّة والتمسك بها حيث انتشر الخزانة المدخلية بسلاسل تبديع لم تترك حتى بعض المقربين منهم لخلافات وجدت من القديم وعرف بينهم ألفاظ شديدة في* التخبيث والشيطنة ووصف مخالفيهم بالكلاب العاوية والشياطين والزبالة وغيرها من الأوصاف التي* تنتهي* إلى جعل الحق منحصرا في* طائفة تعد على الأصابع من الدعاة والباقي* في* دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها*.
كما أنّ* الدعوة المدخلية هي* دعوة ركون إلى الظالمين وتهوين لأمر تحكيم* غير الشريعة الإسلامية من الشرائع الجاهلية بإخراجها من باب التوحيد والشرك إلى أبواب المعاصي* الصغرى،* فضلا عن تأصيلهم حسب الخصوم للقعود دون النهوض بالأمّة أو التفكير بتغيير واقع الحال عن طريق تأصيل القوم لما قالوا بأنّ* "وسائل الدعوة توقيفية*"،* الأمر الذي* جعلهم* يجرمون التحزب ويحرمون كل وسيلة تغيير كالإضرابات والمظاهرات وكل وسائل الاحتجاج باسم أنّها بدعية والاقتصار على منهج التصفية والتربية،* وهو ما* يحول دون التغيير في* البلاد الإسلامية*.
كما أنّها حسب الرافضين لهم ولفكرهم دعوة لتخذيل المسلمين عن مواطن نصرة المستضعفين وقضايا الجهاد في* فلسطين،* باعتبارهم علقوا العديد من الأحكام الشرعية بالأنظمة الحاكمة التي* ينتظرون منها أن تأذن لهم بنصرة المستضعفين،* وهو ما* يجعلها في* درج التثبيط،* في* حين* يحذّر آخرون من أنّ* التقاء السلفية المدخلية بالسلفية الصحوية والحركية والجهادية في* المرجعية الفكرية الوهابية والاستمداد من ابن تيمية وابن القيم تجعلها خندقا للولوج إلى تلك الحركات الموصوفة* "بالتطرف*"،* وهو ما دعا عدد من العلمانيين إلى منعهم من المساجد باعتبار الكثير من أنصار التيار المدخلي* قد* غادروه بعد تورطه في* عدد من المعارك ضد الشعوب في* مصر وليبيا والسعودية بعد رياح الربيع العربي* وتوجههم إلى جماعات أكثر راديكالية*.
الباحث في* الجماعات الإسلامية نور الدين المالكي*:
المداخلة صناعة مخابراتية بامتياز
يحملون شعار* "الجرح والتجريح*" لكل من* يعارض أنظمة الحكم*
اعتبر الباحث في* الجماعات الإسلامية الأستاذ نور الدين المالكي،* أن ظهور السلفية العلمية كانت نتاجا للخلافات التي* نشبت بين هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية وبعض الدعاة،* عقب إفتاء الهيئة بجواز السماح للقوات الأمريكية بضرب العراق مطلع التسعينيات،* متهما هذه الفئة بالحديث عن جهل وخدمة الأنظمة والمخابرات على حساب الدين*.
وأشار مالكي* في* ندوة* "الشروق*" حول موضوع السلفية،* أن هناك ثلاثة مذاهب لهذا المنهج وهي* السلفية العلمية والإصلاحية والجهادية،* مبرزا أن هذه التيارات الفكرية ظهرت بحدة أثناء* غزو القوات الأمريكية للعراق وما تبعه من انتقاد واسع لهيئة كبار العلماء المسلمين من طرف بعض الدعاة في* المملكة على* غرار سلمان العودة وعائض القرني* وعلي* القرني* وغيرهم،* على خلفية إفتاء الهيئة بجواز الاستعانة بالقوات الأجنبية الأمريكية لغزو العراق*.
وأفاد ذات الباحث أن الخلاف الشديد بين علماء البلاط السعودي* وعدد من الدعاة،* سمح ببروز التيار السلفي* الحامل لراية* "الجرح والتجريح*" الجرح والتعديل والتصنيف لكل من خالف الموقف الرسمي،* حيث تم تصنيف كل من وقف ضد فتوى الترخيص للقوات الأمريكية بالضلال وخارج التيار السلفي*.
وأضاف المتحدث أن المشكل بالنسبة للسلفية العلمية* يتمثل في* المغالاة في* تجريح العلماء والدعاة،* ليس لأسباب عقائدية مثلما كان الحال عليه في* السابق وإنما تحول بسبب الغلو إلى تجريح خدمة لأغراض شخصية بسبب خلافات سياسوية بعيدة عن المعتقدات والأفكار،* بدليل أن* رواد هذا المنهج* يصفون كل من* يخرج عنهم بالهلاك*.
وانتقد المالكي،* تفكير المداخلة الذين* يمثلون منهج السلفية العلمية،* الذي* لا* ينم حسبه عن معرفة ووعي* وهدف،* وإنما* يقومون حسبه بالنقد وتثبيط كافة العزائم من دون القيام بأي* بديل،* متهما إياهم بالجهل والتكلم من دون علم،* كاشفا عديد التناقضات والأخطاء التي* ارتكبوها في* حديثهم عن موضوع الدولة،* مشيرا أن هذا المنطق* غائب عن خطاباتهم بسبب تحريمهم للانتخابات وإنشاء الأحزاب وتضليلهم من* يرفع السلاح لإنشاء الدولة الإسلامية*.
ووصف المتحدث رواد السلفية العلمية بصناعة المخابرات وكل من* ينتسب إليه بالعملاء،* بسبب دفاعهم المستميت عن الأنظمة الحاكمة وطعنهم في* كل من* ينتقد الحكام،* على الرغم من المآخذ التي* تتواجد عليها الأنظمة،* مشيرا أن هذا التيار أضحى بيد الدول لمحاربة السلفية والإصلاحية ووأد كل محاولات للثورة ضد الحكومات*.
عبد المالك رمضاني* كاذب والسلطة استخدمته لضرب الفيس
أطلق الباحث في* الجماعات الإسلامية نور الدين المالكي* النار على عبد المالك رمضاني* أحد مشايخ السلفية العلمية بالجزائر واصفا إياه بالمتحدث عن جهل،* والعمالة للمخابرات من خلال كتابه* "مدارك النظر*"،* كاشفا عن عديد المغالطات التي* حملها*.
واعتبر المالكي* أن عبد المالك رمضاني* تطرق لكثير من المواضيع السياسية وهو* يجهل مغزاها ولا* يجيد معناها،* بدليل* *-يضيف*- المغالطات التي* حملها كتابه* "مدارك النظر*"،* حيث سجل عديد الأخطاء الكارثية بعدما اعتبر أن الدولة هي* التي* تشكل البرلمان،* على الرغم من أن الأصح في* الحياة السياسية أن البرلمان صنيعة تنافس الأحزاب السياسية في* انتخابات تشريعية*.
وذهب لأبعد من ذلك حين اتهمه بالقول إنه صناعة مخابراتية،* واصفا كتاب* "مدارك النظر*" بـ* "الكتاب الأمني*" الذي* استغل لوأد الحركات الإصلاحية،* وما* يفسره التشجيع الكبير الذي* لاقاه من طرف السلطة التي* سمحت بتوزيع آلاف النسخ منه على الشباب لثنيهم عن الالتفاف حول الجبهة الإسلامية للإنقاذ* (المحلة*) آنذاك*.
وقال المتحدث،* إن المخابرات استغلت عبد المالك رمضاني* لمحاربة السلفية الإصلاحية التي* كان* يقودها مؤسسو الجبهة السلامية للإنقاذ على* غرار محمد السعيد وعلي* بن حاج وغيرهما،* لما كان لديه من إقبال ودعم جماهيري* وكذا من طرف عديد العلماء*.
واتهم رمضاني* بـ"الكذب*" حين قال*: "إن الشيخ الألباني* عاتب علي* بن حاج*"،* مشيرا أن التسجيلات تؤكد* "أن الألباني* كان* يجل ويحترم علي* بلحاج ولم* يعاتبه أبدا بل أكثر من ذلك كان* يصفه بالشيخ*"،* وقال إن المداخلة كانوا* يستغلون التيار السلفي* بتصفية حساباتهم مع من* يخالفهم،* بدليل أن هيئة العلماء زكت كتاب عبد المالك رمضاني* واعتبرته فرصة لنصح الدعاة الذين عارضوا فتوى جواز السماح للقوات الأمريكية باستغلال الأراضي* السعودية لضرب العراق*..
*
السلفية العلمية تظهر بظهور الأزمات وتختفي* باختفائها
أجمع المشاركون في* ندوة الشروق على أن السلفية العلمية وليدة الأزمات،* فأول ظهور لها كان أثناء حرب* الخليج،* إذ أفتى بعض علماء السعودية بجواز تدخل أمريكا ضد الكويت،* على أن تكون السعودية ضمن المشاركين تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية،* فهنا ظهرت السلفية بعد خروج الكثير من العلماء ضد فتوة شيوخ السعودية أمثال ابن الباز والعثيمين،* معتبرين أن الأمر خطير فلا* يجوز أن* يتولى كافر أمر المسلمين أي* أن الجيش السعودي* لا* يجب أن* يكون تحت قيادة أمريكا،* فمن هنا ظهر مشايخ السلفية العلمية*.
الناشط السلفي* محمود حديبي* للشروق*:
هذه هي* أسباب الفتنة والتنابز بين التيارات السلفية
نحن نعتمد الحجّة العلمية ولا نرى تناقضا بين السلفية والمذهبية الفقهية*
يرى الناشط السلفي* محمود حديبي* أن أهم تجليات الصراع تفسير الدين بين التيارات السلفية هو الاختلاف حول منهج الإصلاح وطريق التغيير الأمثل للعودة بالمجتمع والدولة لهذا الدين الأول،* ويقول إن السّلفية العلمية هي* التيار الأكثر اعتدالا وهو* يدعو إلى التأليف بين المسلمين وعذر المخالف وإقامة الحجة العلمية عليه ولا نرى أية منافاة بين السلفية والمذهبية الفقهية ونعظم مذاهب الأئمة الأربعة ونحترمها ونفرق بين التمذهب بمعنى التعصب المذهبي* عند العلماء الذي* نذمه وبين تمذهب العوام الذي* نراه الحل الأمثل لعموم الأمة وتجنيبها التطاحن الفقهي*.
ما مفهوم السلفية لديكم؟*
المراد بالسلفية بالدرجة الأولى صحابة النبي* صلى الله عليه وسلم وما كانوا عليه،* ولا* يقصد قول كل واحد منهم،* بل المقصود هو اتفاقهم،* وإن اختلفوا فالناس تبع لاختلافهم لا* يحدثون أقوالا تهدم فهومهم لاستحالة خفاء الحق على جميع الأمة،* والأصل أن هذا الحد محل اتفاق بين المسلمين لا* ينازع فيه أحد،* فالحاصل فكرة السلفية هي* أنها وسيلة لضبط التنازع التأويلي* الذي* سيحدث في* فهم الكتاب والسنة*.
هذا تعريف السلفية كمنهج* يجب أن* يفرق بينه وبين التحقيقات التاريخية للسلفية* (وهي* المجموعات التي* وجدت عبر التاريخ تحاول أن تصيب ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم*) وهذه الجماعات ليس لأحد منها أن* يدعي* أنه أصاب بتمام ما كان عليه النبي* صلى الله عليه وسلم وأصحابه،* بل* غاية دعواه أنه* يحاول أن* يصيب*.
فإن كان ذلك فالأصل أن نقد السلفية لا* يكون لنقض هذا الأصل،* بل انتقاد صحة نسبة السلفية إلى السلف قولا وفهما وتطبيقا*.
لكن بعض المتابعين* يفرقون بين السلفية،* الجهادية والإصلاحية والعلمية ـ المدخلية ـ إلى اي* سلفية ـ اذا صح التعبير ـ تنتمون؟
السّلفية المعاصرة جماعة إسلامية تضم عدة تيارات متباينة في* منهجها الدّعوي* والسّياسي* يجمعها الانتساب إلى السّلف الصالح،* وقصدهم من الانتساب إلى السلف اعتبار طريقتهم في* إثبات النصوص وفهمها واستخراج دلالتها،* وعليه فإنها تأنف من العلوم المستجدة،* خاصة العلوم العقلية،* وترى أن الدعوة الإسلامية* يجب أن تقتصر على تبليغ* النصوص النبوية الصحيحة دون الدخول في* الجدليات الكلامية والعقلية وأن* يتقيَّد المسلم في* فقهه وسلوكه على ما صحت به أحاديث السنة*.
وهي* واقعيا عبارة عن ثلاثة تيارات تنقسم بدورها إلى مجموعة اتجاهات تشترك في* الانتساب للسلف وفي* مسائل العقيدة في* التوحيد العملي* وفي* الأسماء والصفات والقدر وغيرها،* وتختلف اختلافا شديدا في* مسائل الأسماء والأحكام،* خاصة في* مسألة التكفير*.
والخلط الواقع بين السلفية كمفهوم وبين تحققها كممارسة عند السلفيين أنفسهم هو الباعث الأساسي* على التنافس بينهم حول امتلاك التأويل الصحيح للدين الأول الذي* بعث به النبي* صلى الله عليه وسلم،* أي* كل تيار* يريد جعل نفسه الشكل المعياري* للسلفية مما ولد بينهم تنازعا على احتكار هذا الاسم ولهذا فإنك ستجد أن كل واحد من هؤلاء الذين ذكرت* يعترض على صحة انتساب* غيره للسلفية من الأساس*.
وأهم تجليات صراع تفسير الدين بين التيارات السلفية هو الاختلاف حول منهج الإصلاح وطريق التغيير الأمثل للعودة بالمجتمع والدولة لهذا الدين الأول*.
فإذا انضاف إلى هذا ضخامة التحديات مع حالة النقص العلمي* والفكري* العامة مع البغي* والاستطالة مع* غياب السلطة التي* تخلف النبوة وتنزع فتيل الفتن اكتملت أضلاع المربع الذي* يؤدي* لعدم تأطير هذا الخلاف بما* يحول دون تحوله لفرقة وفتنة*.
ونحن في* العموم ننسب أنفسنا لتيار السلفيين الواسع الأكثر اعتدالا نرى التأليف بين المسلمين وعذر المخالف وإقامة الحجة العلمية عليه ولا نرى أية منافاة بين السلفية والمذهبية الفقهية،* نعظم مذاهب الأئمة الأربعة ونحترمها ونفرق بين التمذهب بمعنى التعصب المذهبي* عند العلماء الذي* نذمه وبين تمذهب العوام الذي* نراه الحل الأمثل لعموم الأمة وتجنيبها التطاحن الفقهي،* كما نفرق بين التصوف السني* والتصوف البدعي،* وقد كان شيخ الاسلام ابن تيمية معظما في* كتبه للشيخ عبد القادر الجيلاني* والشيخ أبي* مدين دفين تلمسان والشيخ عدي،* يراهم من العارفين الربانيين،* فنحن نفرق بين التصوف السني* والتصوف البدعي* الفلسفي* الكشفي* تصوف أصحاب وحدة الوجود*.
ونرى أن علم السلوك علم مهم في* إصلاح الأمة ويمثل حقيقة التوحيد العملي*.
كما أن موقفنا من الأشاعرة أكثر اعتدالا،* نعتبرهم من أئمة الإسلام وعلماء الأمة،* نخالفهم في* مسائل الأسماء والصفاة وغيرها،* لكنها نثمن خدمتهم للقرآن والحديث النبوي* والمساهمة العلمية والدور البارز لعلماء وملوك الأشعرية في* صد المد الشيعي*.
إذا كان هناك السلفي،* فهناك* غير السلفي؟ من هو* غير السلفي* بالنسبة لديكم؟ وما حكم من لا* يكون سلفيا؟
السلفية عندنا مرادف لمصطلح أهل السنة والجماعة،* وعليه فغير السلفي* عندنا هو من كان في* منهجه خارجا عن طريقة أهل السنة والجماعة،* فالواجب على جميع المسلمين أن* يكون مذهبهم مذهب السلف،* لا الانتماء إلى جمعية أو حزب معيّن* يسمى السلفيين*.
ومن كان خارجا عن مسمى أهل السنة والجماعة من الطوائف فإننا لا نقرهم على ما فهم فيه من البدعة وندعوهم للحق الذي* دعا إليه النبي* صلى الله عليه وسلم ودعا إليه أصحابه والتابعون لهم بإحسان،* ونحن مع ذلك نحب لهم الخير والهداية ونحفظ لهم حق الإخوة الإيمانية،* وموقفنا منهم لين وشدة هو بحسب بعدهم وقربهم من السنة فمعلوم أنّ* الفضل* يتبعّض كما أنّ* الإيمان* يتبعّض،* فيتفاضل النّاس بحسب قيامهم بما أمروا به وجوبا واستحبابا وتحريما وكراهة،* ومعلوم أنّ* السنّة أبواب وأصول وأنّ* الرّجل أو الجماعة قد* يكونون قائمين بالسّنّة على وجه مرضيّ* في* الجملة وفي* أغلب الجوانب،* لكنّهم* يكونون في* الوقت نفسه مقصّرين أو متعدّين في* جانب أو جانبين،* فلا* يقضي* خطؤهم على صوابهم ولا* يحول صوابهم عائقا في* طريق بيان خطئهم*.
لما أسهم ما* يسمى بالسلفية العلمية موجهة ـ جلها ـ للتيار الاسلامي* الذي* يمارس السياسة ويؤمن بالانتخابات؟ وممنوعة على العلمانيين واللادينيين؟
الخلافات الحاصلة بسبب تقاطع مناطق النفوذ والنشاط والتنافس على نفس الشرائح العمرية من المخاطبين مع علو الصوت لبعض الغلاة في* التيار السلفي* يشعر بالنقاوة العقائدية والزهو بالنفس واحتكار الصواب المطلق وغمط ما عند الآخر من الحكمة والخير*.
وإلا ففي* طوائف السلفيين الأخرى مواجهة للتيار العلماني* تختلف في* شدتها ولينها باختلاف المنطلقات العقدية في* باب الأسماء والأحكام لكل فصيل من فصائل السلفيين،* بل إني* أزعم أن أكثر من* يرد على العلمانيين واللادينين تأليفا وتدريسا أو على المواقع الالكترونية هم السلفيون،* بل إن الإخوان أنفسهم مع أنهم على نقاط الاشتباك مع تلك التيارات العلمانية لا* يجدون ظهيرا شرعيا في* مواجهتم مع هؤلاء في* الواقع إلا الاستناد للإنتاج العلمي* للسلفية الحركية*.
الشيخ سليم محمدي
*"دعوا إلى توحيد الأمة فتفرقوا إلى* 300* فرقة*"
اعتبر الشيخ سليم محمدي* أن السلفية في* عمومها صواب لكن في* مضمونها هناك أخطاء،* كانت السبب في* تشويه صورة الإسلام نظرا لقيامها على تصور خاطئ*. وقال المتحدث في* اتصال لـ"الشروق*" أنه من بين أهم مساوئ السلفيين أنهم* يقومون على الحجر في* الرأي* ومعاداة الآخرين ومهادنة السياسيين،* وهذه الأمور* غير مقبولة في* الإسلام،* وكل هذه الخصال هي* من صفات السلفيين*.
وأضاف محمدي* أن السلفية تدعو إلى إلغاء مذاهب الأئمة الأربعة واتباع مذهب واحد وقال إن هذا الأمر جميل لكن أين هم من التوحيد،* إذ هم أنفسهم تفرقوا إلى أكثر من* 300* فرقة،* فأين الإجماع الذي* ينادون به؟
وبخصوص اكتساحهم للمساجد في* الجزائر قال الأستاذ* *"هم فعلا اكتسحوا المساجد في* الجزائر لكن ليس لأنهم على حق،* بل الأمر راجع إلى مظهرهم الخادع من إطلاق اللحى واللباس القصير والبقاء أمام المساجد،* فمن خلال هذه الأمور التي* يفعلونها خدعوا العوام من الناس*"،* لكن الكثير من تصرفاتهم جعلت الكثير من الناس* يحملون الإسلام أفعالهم*.* وعاد الشيخ إلى منهجهم الذي* قال عنه إنه في* ظاهره صواب لكن مضمونه خاطئ تماما،* وحسب الشيخ فإن السلفيين* يعتقدون أنهم هم الإسلام والباقون لا* يعرفون الإسلام على حقه،* وبالتالي* وجب اتباعهم،* لكن هم على خطأ ووجب تصحيح الأمر لهم*.
إمام جامع الأمير عبد القادر شوقي* أبو حرم
السلفية المدخلية جانبت الصواب وتضليلها لسيد قطب في* حد ذاته ضلال؟
وصف الدكتور شوقي* أبو حرم،* إمام جامع الأمير عبد القادر بقسنطينة،* السلفية المدخلية الوافد الجديد على الفرق الإسلامية،* بالمجانبة للصواب في* الكثير من القضايا،* واعتبر الكتاب الذي* تفضل به الشيخ محمد عباد البدر أحسن رد على أفكارها،* خاصة صيحته المدوّية*: رفقا أهل السنة بأهل السنة،* حيث رأى أنه بإمكان أهل السنة أن* يُخطّئوا بعضهم بعضا،* لأن الإنسان ليس معصوما من الخطأ ولكن لا* يجب تضليل بعضهم بعضا،* كما تفعله السلفية المدخلية التي* لا حديث لها سوى* "هذا ضال وذاك مبتدع*"،* ونسيت نفسها*.
وتساءل الشيخ أبو حرم كيف* يقذف* "المدخليون*" جماعة الدعوة والتبليغ* بالضلال والشِرك،* ويقذفون كل الإخوان المسلمين من دون استثناء بالضلال بمجرد أنهم تحزبوا وشاركوا في* عالم السياسة،* في* مصر والأردن وبعض البلاد الإسلامية،* والطامة الكبرى* *-حسب الدكتور أبو حرم*-* أن التضليل طال الأفراد من علماء ثم الجماعات،* ولم* يستثنوا السيد قطب الذي* أفنى عمره من أجل الإسلام والقرآن الكريم ويعتبر تفسيره من أشهر التفاسير،* واعتبر الدكتور أبو حرم ردود العلماء على المدخليين أحسن وسيلة لإيقاف نفوذهم الفكري* الطاغي* على الساحة المشرقية والجزائرية،* ومن بين العلماء ما كتبه الشيخ بكر أبو زيد الذي* ذكر مُبتدع المدخلية الشيخ ربيع بن هادي* مدخلي،* بالأسلوب الراقي* الذي* فسّر به السيد قطب القرآن الكريم في* تفسيره الشهير في* ظلال القرآن مقارنة بالأسلوب الركيك الذي* لا* يرتقي* لمستوى الإعدادي* الذي* يكتب به الشيخ ربيع بن هادي* مدخلي*.
كما خاض في* الأمر أيضا الإمام القحطاني* وأفحم المدخليين بإجاباته الشافية والكافية،* وتكمن أخطاء الشيخ ربيع الهادي* مدخلي،* كونه تخصّص في* علم الحديث من دون أن* يسير على نهج البخاري* مثلا،* فجاء بأفكار* غريبة لم* يستحسنها علماء المملكة العربية السعودية أنفسهم،* إذ صار* يُبدّع الناس ويُضللهم لمجرد أخطاء بسيطة،* ويقتص وأحيانا* يتبّع عورات العلماء،* وكأنه مختص في* أخطاء الناس وليس في* حسناتهم،* ولم* يسلم منه الشيخ الغزالي* رحمه الله،* وكان كتابه أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره،* كاشفا لهذا الشيخ الذي* للأسف وجد أتباعا صار بعضهم* يقارنه بعالم الحديث الأول الإمام البخاري* وحاملا للواء الجرح والتعديل*.
وفي* الوقت الذي* يسيرون معه في* تضليل العلماء بمجرد ارتكابهم لخطأ صغير،* يبحثون للمدخلي* عن المبررات في* حالة ارتكابه الأخطاء الكبيرة،* فنمت مملكته وامتدت من المملكة العربية السعودية،* وبلغت الجزائر،* ويكاد* يكون كل سلفيي* الجزائر من تابعي* هذا الرجل الذي* ربما اجتهد ولكنه أخطأ كثيرا*.
الدكتور* الحاج همال يكتب:
الجامية أو المداخلة.. *"حاملة للواء الجرح والتجريح وأكثر أتباعها من الهمّج الرّعاع*"
شهِد العقدُ* الأخيرُ* من القرن العشرين أحداثًا نوعية في* أكثر من منطقة من العالم،* وكانت حربُ* الخليج الأولى أهمّ* حدث عرفته المنطقة العربية،* بحكم ما كان لها من تداعيات إقليمية وعالمية،* ومن بين أهمّ* تلك التّداعيات الممانعةُ* الشّديدةُ* الّتي* تعرّضت لها المملكة العربيّة السّعودية،* من طرف نُخبة من أهل العلم والرّأي* والتّأثير العام في* الممكلة،* إزاء موقفها من مشروعية الاستعانة بالقوّات الأمريكية أمام الغزو العراقي* المحتمَل على بلادها*.
لكن وزارةُ* الدّاخلية السّعوديةُ* استطاعت احتواء الموقف بمعاقبة الأطراف المتسبِّبة في* هذه المعضِلة،* من خلال الاستعانة بنخبة دينية أخرى كانت تردِّد التّحذير من الأطراف الأولى،* وتوجِّه لها تهمةَ* التأثُّر بأفكار وتوجّهات خارج التصوُّر والنّظام السّلفي* الّذي* تتبنّاه تقاليدً* المملكة،* ومن أهمّها مخالفةُ* الأطراف الأولى لأصل من أصول السّلفية المتمثِّل في* عدم الاعتراض على سياسة وليّ* الأمر أو معارضة النّظام،* وهذا الأصل وإن كان محلّ* قبول ورضًا في* مجْمله وعمومه،* لما* يترتّب على مراعاته من المصالح العامّة والخاصّة،* إلاّ* أنّه* يقع الاختلافُ* في* تفاصيله وأجزائه ومتعلَّقاته،* من مثل اختلاف درجات المسموح بإعادة النّظر فيه من سياسة السُّلطة،* واختلاف النّظر إلى المخالفين لسياسة وليّ* الأمر،* وهو ما حدث في* الأزمة السّعودية،* حيث انحصر الموقف الدّيني* الرّسميّ* في* إيقاع العقوبة على المخالفين لموقف وليّ* الأمر،* في* حين وقف الطّرف الثّاني* موقفًا متشدِّدًا من الأطراف المخالفة وراح* يُخرجُها من الشّرعية السّلفية،* وجعل معيار الانتساب إلى السّلفية دائرًا على التّسليم لوليّ* الأمر،* فكلُّ* من ظهر منه نقد لسياسة المملكة* يتناوله سيفُ* الإقصاء والإهدار مهما كانت منزلتُه وفضلُه وحسناتُه*.
وهنا ظهر منهج الموازنة الّذي* تزعّمه بعضُ* المشايخ؛ أمثال الشّيخ محمّد أمان الجامي* والشّيخ ربيع بن هادي* المدخلي،* وهما مدرّسان بالجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوَّرة،* ويقوم المنهج الّذي* يطرحانه على التّحذير من المنكرين على سياسة وليّ* الأمر ونعتهم بالخوارج،* والتّشهير بهم على الملإ محافظةً* على أصل الدّين،* وأصلُ* الدّين هو التّوحيد والسنّةُ،* والدّولة قائمة بهذا الأصل خير قيام بل هي* المؤسّسة له والرّاعية له والمحافظة عليه،* فلا* يضرّها ما وقع من تقصير في* جوانب أخرى،* كما أنّه ليس من المصلحة الدّينية الإشارةُ* إلى هذا التّقصير لما* يتسبّب فيه من إضعاف عزائم الدّولة في* المحافظة على أصل الدّين*.
وبعيدًا عن الانتقادات الّتي* يمكن أن توجَّه له،* فإنّ* أكثر الوجوه الدّينية والعلمية من داخل المملكة السّعودية وخارجها،* منكرون لسلوك أفراد هذا التيّار* غير راضين عن ممارساتهم،* وأكثر من ذلك،* وهو أحدُ* أهمّ* معايير الانحراف الّذي* يميِّز المجموعاتِ* المتكتِّلة،* هو ما* يقع بين أفرادها من تبادل التُهم والرّمي* بأبشع عبارات الجرح،* وهو ما* يميِّز بوضوح هذا الاتّجاه الدّيني* الّذي* يدّعي* حمل راية الجرح والتّعديل،* والواقع أنّه* يحمل راية الجهل والتّجريح،* فأكثر أتباعه من الهمج الرّعاع الّذين لم* يتأدّبوا بالعلم والدّين،* وما* يغترّون به من وجود بعض الفضلاء بينهم،* لا* يعدو أن* يكون من أخطاء العالم الّذي* يعود عنها عندما تحاصره الأدلة والبيّنات،* أمّا المفتونون به فلا* يعودون إلى عقولهم ولو رأوا الله عيانًا؛ لأنّ* مشكلتهم نفسية قلبية وليست علمية عقلية*.
سلطان بركاني يكتب:
كلمة إنصاف في* زمن التعصّب والإجحاف
السّلفية المدخليّة دون ما* يزعم أتباعها وفوق ما* يروّج خصومها
السّلفية المدخلية ليست طائفة مارقة ولا جماعة ضالّة منحرفة كما* يروّج بعض خصومها،* وهي* في* المقابل،* على خلاف ما* يزعم أتباعها،* ليست جماعة معصومة،* والحقّ* لا* ينحصر في* أدبياتها ولا بين منظّريها وعلمائها،* وأتباعُها بينهم العالم والمتعلّم والجاهل،* وبينهم المحسن والظّالم لنفسه،* أصابت الحقّ* في* كثير من القضايا والمسائل والمواقف،* وحادت عن الصّواب ومالت إلى الغلوّ* في* مسائل منهجية وعلمية وعملية كثيرة،* اعتمدت فيها على أقوال شاذّة أو اختيارات مرجوحة أو مواقف فردية لا* يصحّ* أن تتّخذ منهجا*.
مآخذ في* الأدبيات والممارسات
لعلّ* من أبرز المسائل التي* شذّت فيها السّلفيّة المدخليّة عمّا عليه جماهير الأمّة،* مسألة طاعة ولاة الأمر،* حيث حرّم منظّروها الحديث عن أخطاء الحكّام وجناياتهم في* حقّ* الإسلام وخيانتهم لقضايا المسلمين وتحالفِ* بعضهم مع الأعداء والمحاربين،* في* مقابل شنّ* حملات التّبديع والتّصنيف في* حقّ* العلماء والدّعاة الذين* يخالفونهم في* هذه المسألة بل وفي* بعض المسائل الاجتهادية التي* يُفترض ألا* يصل الخلاف حولها إلى البراء والمفاصلة،* ولهذا وصفهم بعض العلماء بأنّهم* "مرجئة مع الحكّام،* خوارج مع العلماء والدّعاة*"،* هذا فضلا عن تصدّيهم للتّحذير من معارضي* الأنظمة وتخوينهم ووصفهم بالخوارج ومثيري* الفتن،* في* مقابل سكوتهم المطبق عن الفتن التي* يُذكيها الحكّام بتحالفهم مع أعداء الأمّة وتنفيذهم لمخطّطاتهم،* واستفزازهم لمشاعر المسلمين بالتّضييق على شعائر الدّين والسّماح بالإساءة إلى المقدّسات والطّعن في* المسلّمات؛ وقد بلغ* الغلوّ* في* طاعة وليّ* الأمر ببعض منظّري* السّلفية المدخليّة إلى حدّ* القول بصحّة ولاية الحاكم المتغلّب الذي* يتسلّط على الأمّة بالقوة أيا كانت منطلقاته وأهدافه،* وإلى حدّ* ربط وجوب الجهاد لدفع الأعداء ونصرة المسلمين بإذن ولاة الأمر،* كما حرّم كثير من علماء هذه الطّائفة المظاهرات والاعتصامات بحجّة أنّها خروج على الحكّام وأنّها من أسباب إثارة الفتن وإسالة الدّماء،* وسكتوا في* المقابل عن الحكّام الذين* يقمعون تلك المظاهرات والاعتصامات ويسيلون دماء المنضمّين إليها،* مع أنّ* قوانينهم لا تمنعها،* كما حرّم كثير من منظّري* السّلفيّة المدخليّة إنشاء الأحزاب والنقابات والتنظيمات الطلابية،* ومنعوا التّعاون مع بعض الجمعيات الإسلاميّة،* بحجّة أنّ* الانضمام إليها والتّعاون معها من التحزّب المحرّم*. كما* يؤخذ على أتباع هذه الجماعة موقفُهم السّلبيّ* المتخاذل إزاء كثير من قضايا الأمّة المعاصرة،* رضوخا لخيارات حكّام وأمراء الخليج المتناغمة في* أكثر الأحيان مع الإملاءات الغربيّة،* ومعاداتُهم لجماعات العمل الإسلاميّ* ورفضُهم التّعاون معها في* قضايا الدّين والأمّة،* بل وتحالفهم في* كثير من الأحيان مع جهات علمانية رسمية أو* غير رسمية ضدّ* بعض الجماعات الإسلاميّة الأخرى،* كما حصل في* مصر وليبيا*.
كما* يستنكر بعض العلماء على منظّري* السّلفية المدخلية تسبّبهم في* فتنة المسلمين بتوسّعهم في* مفهوم البدعة،* حتى أدخلوا فيها كثيرا من المسائل الخلافية،* كالاحتفال بالمولد النبويّ،* ودرس الجمعة ورفع اليدين بالدّعاء بعد الصّلاة وقنوت الفجر وحمل العصا على المنبر،* وغير ذلك من المسائل التي* يسوغ* فيها الخلاف،* كما* يؤخذ عليهم أيضا تضييقهم في* بعض المسائل الفقهية كتحريم التّصوير والأناشيد الإسلاميّة وإسبال الإزار لغير الخيلاء ومنع إخراج زكاة الفطر نقدا*.
خصوم السّلفية*.. بين الغيرة على الدّين وخدمة المشاريع المشبوهة
خصوم السلفية المدخليّة ليسوا سواءً؛ فمنهم من* يخاصمها إحقاقا للحقّ* ونصرة للدّين،* ولا تدفعه خصومته إلى إنكار ما معها من الحقّ* والخير،* ومنهم من* يخاصمها نصرة لمذهب أو جماعة أو حزب،* فيمنعه تعصّبُه الإنصافَ* في* الحكم عليها،* ومنهم من* يخاصمها خدمة لمشاريع مشبوهة،* تريد أن تجد لها موطئ قدم في* بعض بلاد الإسلام،* وتسعى جهدَها لإسقاط السلفية التي* تحُول بينها وبين تحقيق أهدافها،* ويأتي* على رأس هذه المشاريع المشروعُ* الشّيعيّ* الصّفويّ* الذي* أدرك منظّروه أنّ* السّلفيين بمختلف طوائفهم هم أكثر المسلمين تحمّسا للدّفاع عن سلف هذه الأمّة من الصّحابة والتّابعين والأئمّة العاملين،* وأكثرهم إنكارا للعقائد الباطنية والقبورية التي* تشكّل حجر الأساس* *-أدبيا وماليا*- في* هذا المشروع،* كما أنّهم أيضا من أكثر طوائف المسلمين معرفة بعقائد الشّيعة واطّلاعًا على مصادرهم،* وما تحويه من شذوذات لا تقبلها فطرة ولا* يقرّها دين ولا عقل*.
السلفيون ليسوا معصومين ومن حقّ* الدّين وحقّهم علينا أن ننصح لهم بما* يقتضيه المقام،* لكنّ* ذلك لا* يبيح لنا أن نتنكّر لدورهم في* التصدّي* للفتنة الباطنية والمدّ* الشّيعيّ،* وقيامهم بالواجب الكفائيّ* في* الذّود عن مصادر الإسلام،* والدّفاع عن حقّ* الله في* أن* يدعى ويستغاث به وحده،* وحقّ* النبيّ* صلّى الله عليه وآله وسلّم في* أن* يكون المتبوعَ* الأوّل،* وحقّ* الصّحابة المرضيين والخلفاء الرّاشدين والهداة الفاتحين في* أن* يُعرف لهم فضلهم وتحفظ مكانتهم*.
إنّه ليس من مصلحة الإسلام والمسلمين أن نسعى إلى إسقاط السّلفيين لصالح من هم أكثر شططا وغلوا منهم؛ ونستنكر أخطاءهم ونسكت عن شنائع* غيرهم؛ فليس من العدل مثلا أن نُنكر على السلفيين* غلوّهم في* تصنيف وتبديع مخالفيهم من العلماء والدّعاة،* ونسكت في* المقابل عن تكفير الشّيعة للصّحابة المرضيّين والخلفاء الرّاشدين وأمّهات المؤمنين وللمسلمين الذين لا* يؤمنون بالإمامة الشيعية التي* تقتضي* عصمة الإمام من السّهو والنّسيان وعلمه الغيب،* وتقتضي* تكفير من لا* يؤمن بالإمام الثاني* عشر الغائب منذ* 1176* سنة،* وليس من العدل أن نسوّي* بين من طلب الحقّ* فأخطأه وبين من طلب الباطل فأدركه،* وننشغل* *-بصورة مريبة*- بتتبّع أخطاء وسقطات السلفيين،* ونسكت عن طوامّ* الشّيعة،* مع أنّه ما مِن خطأ وقع فيه السّلفيون إلا وعند الشّيعة ما هو أشنع وأفظع منه،* وعند الشّيعة من الطوامّ* ما لا نظير له عند أيّ* طائفة أخرى من طوائف أهل القبلة*.
http://www.echoroukonline.com/ara/fi..._915883030.jpg