الهُجُوم عَلَى فَسَادِ الطُّرقيَّة
28-11-2012, 03:15 PM
الهُجُوم عَلَى فَسَادِ الطُّرقيَّة



مبحث مستل من الكِتاب الفذّ :
مَواقِفُ المُصْلِحِينَ الجَزَائِريِّينَ مِنْ رُسُومِ المتُصَوّفِينَ وَأَوْضَاعِ الطُّرقيِّينَ



بسم الله الرحمن الرحيم


أمَّا الإمام ابن باديس لما أسَّسَ صحيفة "المنتقِد" كي تشن الهجوم على الفساد والطرقية ، لم ينسبها لنفسه ، وجعل يديرها مختفيًا (1) ، وقد قامت الصحيفة بالدعوة العامة إلى الإسلام الخالص ، والعلم الصحيح إلى الكتاب والسنة وهدي سلف الأمة ، وطرح البدع والضلالات ومفاسد العادات(2) ، وقد انبرت أقلام المصلحين للكتابة فيها ، ومن تلكم الكتابات الجريئة النقّاد ؟ ، ما كتبه الشَّيخ محمَّد الصالح خبشاش - رَحِمَهُ اللهُ - (3) ، بعنوان "نكبات الأمة الجزائرية" (4) ، قال : " أرباب الطرق وما أدراك ما أرباب الطرق إلاّ بعضهم فقد وقفوا حجر عثرة في طريق رقينا ، بتمويهاتهم التي يلقونها على الأذهان الساذجة ، والاعتقادات الباطلة الفاسدة التي لم تتوخ الحق في شيء ، ودعاويهم المفندة ، فكم سمعناهم يدعون أنهم يرون ما لا يراه الناظرون ، وأن مفاتيح الخير والشر معقود بأيديهم ، وأنّ من لم يرضِ شيخه لم يرض عليه ربّه وأنّ مقاليد الجنون رهن يمينهم يتصرفون فيهم كيفما شاءوا ، وغيرها ، وهذه كلها دعاوٍ لم يؤيدها برهان ولم تقم عليها حجة بتبيان
ومن أفضع الجانايات التي جناها هؤلاء ادعاؤهم أنهم رؤساء الديانة ورافعو رايتها ... إن هؤلاء السحّارين الأفاكين تسلّطوا على العامة تسلّط المالك على المملوك بصفة كونهم زعماء الدين والداعين إلى سبيل رب العالمين : فابتزوا أموالهم وامتصوا دماءها ، حتى إنك لتجد أقلهم سحرًا يمتلك الملايين من الدنانير ، والعجب كل العجب من العامّة تشاهد بعينها وتسمع بأذنها ، وما تنفك طائعة لهم معتقدة صلاحهم وأهليتهم لرياسة الدين ، تالله لقد ضلَّ هؤلاء الدجالون ومن يقتدي بهم ، وأيّ ضلال فوق اعتقاد تنزل الوحي بعد محمد على أحد أسلافهم ، وإن كانوا لا يعتقدونه وحيًا صرفًا إلاّ أنه "ابن عم الوحي"
هذا جزء يسير من موبقات هاته الكتلة الضالة ، ولو تتبعت كل ما تأتيه من الفواحش والمنكرات لما وسعني المقام " إ.هــ
[الشَّيخ سمير سمراد – حفظه الله] : نقلت هذا الفصل على طوله – وإن كان ليس مقصودًا في بحثي هنا ، وقد اتفق معنا عليه أقوامٌ أشرنا إليهم سابقًا ! - لأجل تعليق الإمام ابن باديس عليه ، قال تحت عنوان "ملاحظاتي" : " ..... عرض السيد خبشاش للطرق : ورَأْيُنَا فيها إذا حَسُنَ بقاؤُها وجب إصلاحها ، لأنها قد أُدْخِلَ عليها من البدع ما لا نشك في براءة مؤسسيها الأولين ، ولعلهم هم الذين نجدهم عضدًا قويًّا فيما نقصده من الإصلاح " .
هذا تعليق الإمام ، مدير "المنتقد" المختفي ، فيه إشارة قوية لما ذكرناه سلفًا ، من أن القضية هنا قضية مرحلية في الدعوة والإصلاح والتغيير ، قوله " إذا حَسُنَ بقاؤُها" [وقول الزواوي : "جائز الترك"] ، فيه زعزعةٌ لكيان هذه الطرق ، التي لا زالت إلى عهد قريب جدًّا قبيل ظهور "المنتقد" ، أمرًا مقدَّسًا ، محاطًا بسياج من التهاويل ، لا يجرؤ أحدٌ على انتقاده ! ، وقد صرّح بهذا الشَّيخ مبارك الميلي ، في رسالة "الشرك ومظاهره" ، وهو يقدم لقصيدة العلاَّمة العقبي "إلى الدين الخالص" ، التي نشرت في "المنتقد" ، العدد الثامن ، [3 محرم 1344هــ موافق 20 أوت 1925م ] ، قال : " فكانت تلك القصيدة أول مِعْوَل مؤثر في هيكل المقدسات الطرقية ، ولا يعلم مبلغ ما تحمله هذه القصيدة من الجراءة ومبلغ ما حدث عنها من انفعال الطرقية ، إلا من عرف العصر الذي نشرت فيه وحالته من الجمود والتقديس لكل خرافة في الوجود " (5) .

الحواشي :
(1) : انظر "صراع بين السنّة والبدعة" (1/114) ، و "شهداء علماء معهد بن باديس" (ص:45) لأحمد حماني - رَحِمَهُ اللهُ -
(2) : "الآثار" (5/103)
(3) : ولد سنة 1904م بقرية يعقوب قرب مدينة قسنطينة ، تعلّم بالكُتَّاب ، ثمّ على يد الشَّيخ ابن باديس نحوًا من 8 سنوات ، وتخرج على إثر هذه الدراسة أديبًا له مكانته الأدبية حسب عصره ، عاش في آخر حياته معيشة ضنكة ، وزاده المرض الذي أطال أمدُهُ همًّا على همّ ، توفي في مستشفى قسنطينة المدني بداء الصدر يوم :1939/03/22 ، رَحِمَهُ اللهُ ، انظر : "نفح الأزهار عما في مدينة قسنطينة من الأخبار" للمؤرخ سليمان الصيد - رَحِمَهُ اللهُ – (ص:220-227)
(4) : "المنتقد" العدد (4) ، 3 محرم 1343هــ ، موافق 23 جوليت 1925م
(5) : "رسالة الشرك" (ص:284) .
التعديل الأخير تم بواسطة السني الجزائري ; 28-11-2012 الساعة 03:21 PM