الموانع العائقة عن الإيمان بالدين الإسلامي
17-05-2018, 04:18 PM
الموانع العائقة عن الإيمان بالدين الإسلامي
وفيه بيان أسباب ضلال الملاحدة من العلمانيين


الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:


قال الشيخ العلامة: عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله تعالى-:
" فإذا قيل: إذا كان الإيمان الصحيح كما وصفت، مع اختصارك واقتصارك، وأن به السعادة العاجلة والآجلة، وأنه يُصلح الظاهر والباطن، والعقائد والأخلاق والآداب، وأنه يدعو البشر كلهم إلى كل خير وصلاح، ويهدي للتي هي أقوم...
فإذا كان الأمر كما ذكرت؛ فلما كان أكثر البشر عن الدين والإيمان معرضين، وله محاربين، ومنه ساخرين!!؟.
وهلّا كان الأمر بالعكس؛ لأن الناس لهم عقول وأذهان تختار الصالح على الفاسد، والخير على الشر، والنافع على الضار!!؟.

فالجواب:
أن هذا الإيراد قد ذكره الله في كتابه، وأجاب عنه بذكر الأسباب الواقعة المانعة، وبالموانع العائقة، وبذكر الأجوبة عن هذا الإيراد، فلا يهول العبد ما يراه من إعراض أكثر البشر عنه، ولا يستغرب ذلك.
فأقول: قد ذكر الله لعدم الإيمان بالدين الإسلامي موانع عديدة واقعة من جمهور البشر.

1) منها: الجهل به، وعدم معرفته حقيقة، وعدم الوقوف على تعاليمه العالية، وإرشاداته السامية.
والجهل بالعلوم النافعة: أكبر عائق، وأعظم مانع من الوصول إلى الحقائق الصحيحة، والأخلاق الجميلة.
قال تعالى:{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}، فأخبرنا أن تكذيبهم صادر عن جهلهم، وعدم إحاطتهم بعلمه، وأنهم لم يأتهم تأويله الذي هو وقوع العذاب الذي يوجب للعبد الرجوع إلى الحق والاعتراف به.
ويقول تعالى:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ}، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}، {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}، إلى غير ذلك من النصوص الدالة على هذا المعنى.
والجهل: إما أن يكون بسيطًا؛ كحال كثير من دهماء المكذبين للرسول، الرادّين لدعوته اتباعًا لرؤسائهم وساداتهم، وهم الذين يقولون إذا مسهم العذاب:{رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}.
وإما: أن يكون الجهل مركبًا، وهذا على نوعين:
أحدهما: أن يكون على دين قومه وآبائه ومن هو ناشئ معهم، فيأتيه الحق فلا ينظر فيه، وإن نظر فنظر قاصر جدًّا، لرضاه بدينه الذي نشأ عليه، وتعصبه لقومه، وهؤلاء جمهور المكذبين للرسل، الرادّين لدعوتهم، الذين قال الله فيهم:{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}، وهذا هو: التقليد الأعمى الذي يظن صاحبه أنه على حق، وهو على الباطل!!؟، ويدخل في هذا النوع أكثر الملحدين الماديين، فإن علومهم عند التحقيق: تقليد لزعمائهم؛ إذا قالوا مقالة قبلوها كأنها وحي منزل!!؟، وإذا ابتكروا نظرية خاطئة: سلكوا خلفهم في حال اتفاقهم وحال تناقضهم!!؟، وهؤلاء فتنة لكل مفتون لا بصيرة له.
النوع الثاني من الجهل المركب: حالة أئمة الكفر، وزعماء الملحدين الذين مهروا في علوم الطبيعة والكون، واستجهلوا غيرهم، وحصروا المعلومات في معارفهم الضئيلة ضيقة الدائرة، واستكبروا على الرسل وأتباعهم، وزعموا أن العلوم محصورة فيما وصلت إليه الحواس الإنسانية، والتجارب البشرية، وما سوى ذلك أنكروه وكذبوه، مهما كان من الحق!!؟؛ فأنكروا رب العالمين، وكذبوا رسله، وكذبوا بما أخبر الله به ورسوله من أمور الغيب كلها، وهؤلاء أحق الناس بالدخول تحت قوله تعالى:{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}، ففرحهم بعلومهم علوم الطبيعة ومهارتهم فيها هو: السبب الأقوى الذي أوجب لهم تمسكهم بما معهم من الباطل، وفرحهم بها يقتضي تفضيلهم لها، ومدحهم لها، وتقديمها على ما جاءت به الرسل من الهدى والعلم، بل لم يكفهم هذه الحال حتى وصلوا إلى الاستهزاء بعلوم الرسل واستهجانها، وسيحيق بهم ما كانوا بهم يستهزؤون.
ولقد انخدع لهؤلاء الملحدين كثير من المشتغلين بالعلوم العصرية التي لم يصحبها دين صحيح، والعهدة في ذلك على المدارس التي لم تهتم بالتعاليم الدينية العاصمة من هذا الإلحاد، فإن التلميذ إذا خرج منها: لم يمهر في العلوم الدينية، ولا تخلق بالأخلاق، ورأى نفسه أنه يعرف ما لا يعرفه غيره!!؟، فاحتقر الدين وأهله، وسهل عليه الانقياد لهؤلاء الملحدين الماديين، وهذا أكبر ضرر ضُرب به الدين الإسلامي.
فالواجب قبل كل شيء: على المسلمين نحو المدارس أن يكون اهتمامهم بتعليم العلوم الدينية قبل كل شيء، وأن يكون النجاح وعدمه متعلقًا بها لا بغيرها، بل يُجعل غيرها تبعًا، وهذا من أفرض الفرائض على من يتوَلاها ويباشر تدبيرها، وعلى الأساتذة المعلمين فيها، ومستقبل الشبيبة متوقف على هذا الأمر، فليَتق الله من له ولاية أو كلام عليها، وليحتسب الأجر العظيم عند الله في جعل الدين أهم العلوم المدرسية، فإن الخطر كبير مع الإهمال، والصلاح والخير مضمون مع العناية في علوم الدين.

2) ومن موانع الدين والإيمان: الحسد والبغي، كحال اليهود الذين يعرفون النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصدقه، وحقيقة ما جاء به كما يعرفون أبناءهم، ويكتمون الحق وهم يعلمون؛ تقديمًا للأغراض الدنيوية، والمطالب السفلية على الإيمان.
وقد منع هذا الداء كثيرًا من رؤساء قريش كما هو معروف من أخبارهم وسيرهم، وهذا الداء ناشئ عن الكبر الذي هو أعظم الموانع من اتباع الحق.
قال تعالى:{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، فالتكبر الذي هو رد الحق واحتقار الخلق منع خلقًا كثيرًا من اتباع الحق والانقياد له بعدما ظهرت آياته وبراهينه، قال تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}.

3) ومن موانع الإيمان: الإعراض عن الأدلة السمعية والأدلة العقلية الصحيحة، قال تعالى:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ. وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}، وقال تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}، فلم يكن لأمثال هؤلاء الذين اعترفوا بعدم عقلهم وسمعهم النافع رغبةٌ في علوم الرسل والكتب المنزلة من الله، ولا عقول صحيحة يهتدون بها إلى الصواب، وإنما لهم آراء ونظريات خاطئة يظنونها عقليات، وهي: جهالات، ولهم اقتداء خلف زعماء الضلال منعهم من اتباع الحق حتى وردوا نار جهنم، {فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}.

4) ومن موانع اتباع الحق: رده بعدما تبيّن؛ فيعاقَب العبد بانقلاب قلبه، ورؤيته الحسن قبيحًا، والقبيح حسنًا، قال تعالى:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}، {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، وهذا لأن الجزاء من جنس العمل، وقد ولاهم الله ما تولوا لأنفسهم:{إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}.

5) ومن الموانع: الانغماس في الترف، والإسراف في التنعم؛ فإنه يجعل العبدَ تابعًا لهواه، منقادًا للشهوات الضارة، كما ذكر الله هذا المانع في عدة آيات، مثل قوله:{بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ}، {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ}، فلما جاءتهم الأديان الصحيحة بما يعدل ترفهم، ويوقفهم على الحد النافع، ويمنعهم من الانهماك الضار في اللذات: رأوا ذلك صادًّا لهم عن مؤاداتهم، وصاحب الهوى الباطل ينصر هواه بكل وسيلة.
لما جاءهم الدين بوجوب عبادة الله، وشكر المنعم على نعمه، وعدم الانهماك في الشهوات:{وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا}.

6) ومن الموانع: احتقار المكذبين للرسل وأتباعهم، واعتقاد نقصهم والتهكم بهم، كما قال قوم نوح: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ}، {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ}، وهذا منشؤه من الكبر، فإذا تكبر وتعاظم في نفسه، واحتقر غيره: اشمأز من قبول ما جاء به من الحق، حتى لو فُرض أن هذا الذي رده جاءه من طريق من يعظمه؛ لقَبِلَه بلا تردد.
وقال تعالى: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}، فالفسق -وهو خروج العبد عن طاعة الله إلى طاعة الشيطان، وكون القلب على هذا الوصف الخبيث- أكبر مانع من قبول الحق علمًا وعملًا، والله تعالى لا يزكي من هذه حاله، بل يكله إلى نفسه الظالمة، فتجول في الباطل عنادًا وضلالًا، وتكون حركاته كلها شرًّا وفسادًا، فالفسق يقرنه بالباطل، ويصده عن الحق؛ لأن القلب متى خرج عن الانقياد لله والخضوع؛ فلابد أن ينقاد لكل:{شَيْطَانٍ مَرِيدٍ . كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}.

7) ومن أكبر موانع اتباع الحق والإيمان: حصر العلوم والحقائق في دائرة ضيقة، كما فعل ملاحدة الماديين في حصرهم العلوم بمُدرَكات الحس، فما أدركوه بحواسهم أثبتوه، وما لم يدركوه بها نفوه، ولو ثبت بطرق وبراهين أعظم وأوضح وأجلى من مدركات الحس!!؟.
وهذه فتنة وشبهة ضل بها خلق كثير، وهذه الطريقة الخبيثة أنكروا بها وجود الرب، وكفروا بالرسل، وبما أخبروهم به من أمور الغيب التي قامت الأدلة والبراهين المتنوعة على صدقها، بل قامت الأدلة المشاهدة على حقها.
ومن المعلوم بالضرورة والعلم اليقيني: أن البراهين على وجود البارئ ووحدانيته وانفراده بالخلق والتدبير: لا يمكن أن يساويها أو يقاربها شيء من الطرق المثبتة لأي حقيقة تكون، فقد قامت الأدلة السمعية والعقلية والعيانية والفطرية على ذلك، وقد أظهر من آياته في الآفاق وفي الأنفس ما تبيَّن به الحق، وأنه حق، ورسله حق، وجزاؤه حق، وجميع أخباره حق، ودينه حق، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ}!!؟.
ولكن تمرد الماديين وكبرهم: حال بينهم وبين الحق النافع الذي لا ينفع غيره بدونه بوجه من الوجوه، والمؤمن البصير يعرف بنور بصيرته: أنهم في ضلال مبين، وعمى متراكم، ونحمد الله على نعمة الهداية.

8) ومن الموانع: تجرد الماديين ومن تبعهم من المغرورين، وزعمهم أن البشر لم يبلغوا الرشد ونضوج العقل إلا في هذه الأوقات التي طغت فيها المادة وعلوم الطبيعة، وأنهم قبل ذلك لم يبلغوا الرشد، وهذا فيه من الجراءة والإقدام على السَّفْسَطَة والمكابرة للحقائق والمباهتة: ما لا يخفى على من له أدنى معقول لم تغيره الآراء الخبيثة.
فلو قالوا: إن المادة والصناعة والاختراعات وتطويع الأمور الطبيعية لم تنضج وتتم إلا في الوقت الأخير؛ لصدَّقهم كل واحد.
وأما تعريفهم على هذا وتجريهم وتعديهم إياه إلى العلوم الصحيحة، والحقائق الثابتة، والأخلاق الجميلة؛ فقضية من أكذب القضايا، فإن العقول والعلوم الصحيحة: إنما تُعرف ويُستدل على كمالها أو نقصها بآثارها وبأدلتها وغاياتها.
انظر إلى الكمال والعلو في العقائد والأخلاق والدين والدنيا والرحمة والحكمة التي جاء بها محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأخذها عنه المسلمون، وأوصلتهم وقت عملهم بها إلى كل خير ديني ودنيوي، وكل صلاح، وأخضعت لهم جميع الأمم، وأنهم وصلوا إلى حالة وكمال يستحيل أن يصل إليه أحد حتى يسلك طريقهم.
ثم انظر إلى ما وصلت إليه أخلاق الماديين الإباحيين الذين أطلقوا السراح لشهواتهم، ولم يقفوا عند حدٍّ، حتى هبطوا بذلك إلى أسفل سافلين.
ولولا القوة المادية تُمْسِكُهُم بعض التماسك؛ لأردتهم هذه الإباحية والفوضى في الهلاك العاجل:{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}.
ثم لولا بقايا من آداب الأديان بقيت بعض آثارها في الشعوب الراقية -صلحت بها دنياهم- لم يكن لرقيهم المادي قيمة عاجلة، فإن الذين فقدوا الدين: عجزوا كل العجز عن الحياة الطيبة، والراحة الحاضرة، والسعادة العاجلة، والمشاهدة أقوى شاهد لذلك.
ومشركوا العرب ونحوهم ممن عندهم بعض الإيمان، وبعض الاعتراف بالأصول الإيمانيةتوحيد الربوبية والاعتراف بالجزاء- خير بكثير من هؤلاء الماديين بلا ريب ولا شك.
ثم قد عُلم بالضرورة: أن الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- جاؤوا بالوحي والهداية جملة وتفصيلًا، وبالنور والعلم الصحيح والصلاح المطلق من جميع الوجوه، واعترفت العقول الصحيحة بذلك، وعلمت أنها في غاية الافتقار إليه، وخضعت بما جاءت به الرسل، وعلمت العقول أنها لو اجتمعت من أولها إلى آخرها لم تصل إلى درجة الكتب، إلى الحقائق النافعة التي جاءت بها الرسل، ونزلت بها الكتب، وأنه لولاها لكانت في ضلال مبين وعمى عظيم، وشقاء وهلاك مستمر، {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.
فالعقول لم تبلغ الرشد الصحيح، ولم تنضج إلا بما جاءت بها الرسل.

9) ومنها: انخداع أكثر الناس بالألفاظ التي يُزَوَّق بها الباطل، ويُرَد بها الحق من غير بصيرة ولا علم صحيح؛ وذلك بتسميَته علوم الدين وأخلاقه العالية: رجعية!!؟، وتسميتهم العلوم والأخلاق الأخرى المنافية لذلك: ثقافة وتجديدًا!!؟.
ومن المعلوم لكل صاحب عقل صحيح: أن كل ثقافة وتجديد لم يستند في أصوله إلى هداية الدين، وإلى توجهات الدين؛ فإنه شر وضرر عاجل وآجل.
ومن تأمل أدنى تأمل ما عليه من يُسَمَّون:(المثقفين والماديين) من هبوط الأخلاق، والإقبال على كل ضار، وترك كل نافع: عرف أن الثقافة الصحيحة: تثقيف العقول بهداية الرسل وعلومهم الصحيحة، وتثقيف الأخلاق: تهذيبها بالأخلاق الحميدة الجميلة والتوجيهات النافعة التي تشتمل على الصلاح المطلق، والاستعانة بعلوم المادة الصحيحة على الخير والصلاح والنجاح.
فالإسلام يأمر ويحث على تحصيل السعادتين، وتكميل الفضيلتين، ومن تأمل ما جاء به الدين الإسلامي من الكتاب والسنة جملة وتفصيلًا: عرف أنه لا صلاح للبشر إلا بالرجوع إلى هدايته وإرشاده، وأنه كما أصلح العقائد والأخلاق والأعمال، فقد أصلح أمور الدنيا، وأرشد إلى كل ما يعود إلى الخير والنفع العام والخاص.
والله الموفق الهادي، وصلى الله على محمد وسلم".

منقول بتصرف يسير من:( سؤال وجواب في أهم المهمات: ص63/77).

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.