كنوز نبوية غيبتها المادية المعاصرة
22-05-2017, 11:42 AM
كنوز نبويةغيبتهاالمادية المعاصرة
د. عبد السميع الأنيس
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

في الحديث النبويِّ الشريف: كنوزٌ كثيرةغيَّبَتهاالحياةُ المادِّيَّةُ المعاصرة، وعلى العلماء والمربِّين العملُ على نَشْرها وتطبيقها بين المسلمين، وسأذكر نماذجَ منها:

1 -الحبُّ في الله سبحانه، وليس بدافع المصالح:
عنأنس بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما تَحابَّ اثنانِ في الله، إلا كان أَفضَلَهما أَشَدُّهما حُبًّا لِصاحِبه)).

وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أفضَلُ الأعمال الحبُّ في الله والبُغْضُ في الله))[1].
وعن عبد الله بن مَسعود رضي الله عنه قال: "إنَّ مِن الإيمان أن يحبَّ الرَّجلُ الرجلَ ليس بينهما نسَب قَريب، ولا مال أعطاه إيَّاه، ولا محبَّة، إلَّا لله عزَّ وجل".
إنَّه: منطقالإيمان الصادق.

2 -ومن الكنوز النبوية الغائبة: سُنَّة التزاور في الله سبحانه، بدافع الإيمان:
وقد جاء عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((أنَّ رجلًا زار أخًا له في قريةٍ فأرصد الله تعالى على مَدْرَجته ملَكًا، فلمَّا أتى عليه قال: أين تريد؟، قال: أُريد أخًا لي في هذه القرية.
قال: هل لك مِن نعمة تَرُبُّها؟.
قال: لا، غير أنِّي أحبَبتُه في الله.
قال: فإنِّي رسولُ الله إليك بأنَّ الله قد أحبَّك كما أحببتَه فيه))[2].

ومن ذلك: قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حقَّتْ مَحبَّتي للمتحابِّين فيَّ، وحقَّت محبَّتي للمتواصِلين فيَّ، وحقَّتْ محبَّتي للمتزاوِرين فيَّ، وحقَّت محبتي للمتباذلين فيَّ))[3].

ومن ذلك: قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ في الجنَّة غُرفًا يُرى ظواهرُها من بواطنها، وبواطنُها من ظواهرها، أعدَّها الله للمتحابِّين فيه، والمتزاورين فيه، والمتباذلين فيه))[4].

ومن ذلك: ما جاء عن زِرِّ بن حُبَيش قال: أتَينا صفوانَ بنَ عسَّالٍ المراديَّ فقال: أزائرين؟، قلنا: نعم، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن زار أخاه المؤمن خاض في الرحمة حتى يرجع))[5].
ومن ذلك: قول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن عَبْدٍ أتى أخاه يَزوره في الله إلا ناداه منادٍ مِن السماء: أنْ طِبْتَ وطابت لك الجنَّة))[6].

3 -فضل الغربة عن الوطن:
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الرجل إذا مات بغير مَوْلده قيس له مِن مولده إلى مُنقطَع أثَره في الجنَّة))[7].
وهذا العَطاء ربَّما يكون تعويضًا عن آلامِ الغربة وكربها.. فما أعظمَ هذا الحديثَ الشريف!.

4 -الرياء أخطَر مِن فِتنة الدجَّال!:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بأخوَفني عليكم من الدجَّال؟: الشِّرْك الخَفي، يقوم الرجل يزيِّن صلاتَه؛ لِما يَرى مِن نظَر رجل إليه))[8].

5 -مضاعفات الأعمال في أيام الصبر:
الأعمال الصالحة في آخر الزمان تضاعف، كما أنَّ الأعمال السيِّئة تضاعف، ولعلَّ من أسباب ذلك:وسائل التواصل الاجتماعيِّ.

ويستفاد ذلك - كما يبدو لي - إشارة مِن هذا الحديث النبويِّ:
عن أبي أميَّة الشعباني، قال: سألتُ أبا ثعلبة الخشنيَّ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا أبا ثعلبة، كيف تقولُ في هذه الآية: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾،؟ قال: أما واللهِ لقد سألتَ عنها خَبيرًا، سألتُ عنها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ائتمِروا بالمعروف وانتَهوا عن المنكَرِ، حتى إذا رأيتم شُحًّا مُطاعًا، وهوًى متَّبعًا، ودنيا مُؤثِرة، وإعجابَ كلِّ ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودَعْ عنك العوامَّ؛ فإنَّ مِن ورائكم أيامَ الصَّبْر، الصَّبرُ فيهنَّ مثل القبض على الجمر، للعامِل فيهنَّ مثل أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عملكم)).
زاد أبو داود في حديثه: قيل يا رسول الله، أجر خمسين رجلًا منَّا أو منهم؟، قال: ((بل أجر خمسين رجلًا منكم))[9].

6 - قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم:
((وإنَّ البيتَ لَيُتلَى فيه القرآنُ، فيتراءَى لأهل السماءِ كما تتراءَى النجومُ لأهل الأرضِ))[10].

7 -مِن الأحاديث العظيمة في الدِّفاع عن حقوق الإنسان المسلم:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن قال في مُؤمِنٍ ما ليس فيه، أَسكَنه الله رَدْغَةَ الخَبالِ حتى يخرُجَ مِمَّا قال))[11].

8 -من الأمراض المزمنة: اهتمام الناس بالمظاهر، وإغفال صحَّة الأعمال، وسلامة القلوب:
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله لا يَنظُرُ إلى صوَرِكم وأَموالِكم، ولكن يَنظُرُ إلى قُلوبِكُم وأَعمالِكُم))[12].

9 -من القواعد النبويَّة في عِلم الطب: إدخال السُّرور على المريض بالكلمة الطيِّبة لما له من تأثير عجيب في شفائه:
واقرأ قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخَلتم على المريض، فنفِّسوا له في الأجل؛ فإنَّ ذلك لا يردُّ شيئًا، وهو يطيب نفسَ المريض)).

10 -حديث نبويٌّ عظيم في الإدارة والاقتصاد:
عن أبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قال: قامَ فينا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ الغُلولَ فَعَظَّمه وَعَظَّم أمرَه، قال: ((لا ألفيَنَّ أحَدَكم يَومَ القيامَةِ على رَقَبَتِه شاةٌ لَها ثُغاءٌ، على رَقَبَته فَرَسٌ لَه حَمحَمَةٌ، يَقولُ: يا رسولَ الله، أغِثْني! فأقولُ: لا أملِك لكَ شَيئًا، قَد أبلَغتُكَ.
وعلى رَقَبَته بَعيرٌ له رُغاءٌ، يقولُ: يا رسولَ الله، أغِثْني!، فأقولُ: لا أملِك لكَ شَيئًا قَد أبلغتُكَ، وعَلى رَقَبَتِه صامِتٌ، فَيَقولُ: يا رَسول الله، أغِثْني!، فَأقولُ: لا أملِكُ لكَ شَيئًا قَد أبلغتُكَ.
أو عَلى رَقَبَتِه رِقاعٌ تَخفِقُ، فَيَقولُ: يا رَسولَ الله، أغِثني!، فَأقولُ: لا أملِك لكَ شَيئًا، قَد أبلغتُكَ))[13].

هذا الحديث أصْلٌ عظيم في حِفْظالمال العامِّ، وتحريم التعدِّي عليه.
والمراد بهذه العُقوبة التي ذُكرتْ في هذا الحديث: أن يَأتي الإنسان بما اختَلَسه مِن المال العامِّ أيًّا كان مَوْقعه، حامِلًا له عَلى رَقَبَته، وهي فَضيحةٌ عظيمة لهذا المختلِس على رُؤوس الأشهادِ في ذلك الموقِفِ العَظيم!.
"والأحاديث النبويَّة في إصلاح الشَّأن العامِّ كثيرة، وتتأكَّد الحاجة إلى جمعها وإبرازها وتعميمِها وإدامة تردادها على أسماع الناس يومًا بعد يوم"[14].

11 -درس نبويٌّ في إخلاص النيَّات لطلاب العلوم الشرعية:
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((مَن تَعلَّم عِلْمًا مما يُبتغى به وَجْهُ الله، لا يتعلَّمه إلا ليصيب به عرَضًا مِن الدنيا، لم يجِدْ عَرْفَ الجنَّة يومَ القيامة))[15].

12 -مَن هم أفضل الناس في هدي النبوَّة؟:
هذه أحاديثُ وصَلتني كما هي، وقد قُمتُ بترتيبها وتَنسيقها، وراجعتُ تخريجَ أحاديثها، على الشكل التالي:
1 -قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خَيرُكم مَن تعلَّم القرآنَ وعلَّمه))[16].
2 -وقال صلى الله عليه وسلم: ((خياركم أحاسِنُكم أخلاقًا))[17].
3 -وقال صلى الله عليه وسلم: ((خيرُكم أحسنُكم قضاءً))[18]، أي: عند رَدِّ القَرْض.
4 -وقال صلى الله عليه وسلم: ((خيركم مَن يُرجى خيرُه، ويُؤمَن شَرُّه))[19].
5 -وقال صلى الله عليه وسلم: ((خيركم خيرُكم لأهله))[20].
6 -وقال صلى الله عليه وسلم: ((خيركم مَن أطعَم الطَّعامَ، وردَّ السلام))[21].
7 -وقال صلى الله عليه وسلم: ((خياركم أليَنُكم مَناكِب في الصَّلاة))[22].
8 -وقال صلى الله عليه وسلم: ((خير الناس مَن طال عمرُه وحَسُن عملُه))[23].
9 -وقال صلى الله عليه وسلم: ((خير الناس أنفعُهم للناس))[24].
10 -وقال صلى الله عليه وسلم: ((خير الأصحاب عند الله خيرُكم لصاحبه، وخيرُ الجيران عند الله خيرُكم لجاره))[25].
11 -وقال صلى الله عليه وسلم: ((خير النَّاس ذو القلبِ المَخْموم واللِّسانِ الصَّادق))، قالوا: صَدُوق اللِّسان نَعرفه، فما مَخْموم القلب؟، قال: ((هو النَّقيُّ التَّقيُّ، لا إثمَ عليه ولا بَغْي، ولا غِلَّ ولا حسَدَ))[26].

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
هوامش:
[1]رواه أبو داود.
[2]رواه مسلم عن أبي هريرة.
[3]رواه أحمد بإسناد صحيح.
[4]رواه الطبراني بإسناده عن بريدة.
[5]رواه الطبراني.
[6]رواه البزار بإسناد جيد.
[7]رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان من حديث عبدالله بن عمرو.
[8]أخرجه ابن ماجه (٤٢٠٤).
[9]رواه أبو داود في السنن (4343) والترمذي في جامعه (3058) وقال: "حديث حسن غريب"، وابن ماجه (4014) وابن حبان في صحيحه (2/ 108) والحاكم في المستدرك (4/ 3588)، وصححه، وقد حسنه ابن قيم الجوزية في نونيته (1/ 303).
[10]رواه أحمد (6/ 65).
[11]أخرجه أبو داود (3597) والحاكم (2/ 32، رقم 2222) وقال: "صحيح الإسناد"، وأخرجه أحمد أيضًا (53855)، وفي مسند أحمد وغيره أنه سُئل عليه الصلاة والسلام: وما رَدْغة الخبال؟ قال: ((عصارة أهل النار)).
[12]رواه مسلم (4651).
[13]أخرجه مسلم في الإمارة باب غلظ تحريم الغلول رقم (1831).
ومعنى (ثُغاء): صوت الغنم.
ومعنى (حَمْحمة): صوت الفرَس إذا طلب العلف.
ومعنى: (لا أملِك لك شيئًا)، أي: من المغفرة؛ لأنَّ الشفاعة أمرها إلى الله تعالى.
ومعنى (رغاء): صوت البعير.
ومعنى (صامت): الذَّهب والفضة ونحوهما، ومعنى (رقاع): جمع رقعة وهي الخِرْقة، (تخفق) تتحرَّك. والمرادُ بها: ما عليه مِن الحقوق المكتوبة في الرِّقاع.
وزاد في رواية مسلم: ((نفسٌ لها صياحٌ))، وكأنَّه أراد بالنَّفْس ما يغله من الرَّقيق؛ من امرأةٍ أو صبيٍّ.
[14]د. عبدالحكيم الأنيس.
[15]رواه أبو داود.
[16]أخرجه البخاريُّ في صحيحه.
[17]أخرجه البخاريُّ في صحيحه.
[18]أخرجه البخاريُّ في صحيحه.
[19]أخرجه الترمذيُّ في جامعه.
[20]صحَّحه الترمذيُّ وابن حِبَّانَ.
[21]أخرجه أحمد والحاكم في مستدركه، وقال: "صحيح الإسناد" عن صهيب مختصرًا.
[22]أخرجه أبو داود في سننه وسكت عنه.
[23]أخرجه الترمذيُّ وصححه.
[24]أخرجه الضياء المقدسيُّ في المختارة، وهو حسَن بمتابعاته وشواهده، وانظر: المقاصد الحسنة؛ للسخاوي.
[25]صححه ابن خزيمة وابن حبان.
[26]أخرجه ابن ماجه في سننه، وصحَّح البوصيريُّ إسنادَه، وصحَّحه أبو حاتم الرازي.