القيروان مجد شامخ وإرث عريق
14-01-2018, 03:45 AM



القيروان من أقدم وأهم المدن الإسلامية، فهي المدينة الإسلامية الأولى في منطقة المغرب,ويعتبر إنشاء مدينة القيروان بداية تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في المغربالعربي، فلقد كان لها دورين هامين في وقت واحد هما: الجهاد والدعوة، فلماذا اختارعقبة بن نافع هذا الموقع لإنشاء القيروان؟ وما هي مكانتها العلمية؟ ومن هم أشهرأعلامها؟

تعتبر القيروان من أقدم وأهم المدن الإسلامية،بل هي المدينة الإسلامية الأولى في منطقة المغرب ويعتبر إنشاء مدينة القيروانبداية تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في المغرب العربي، فلقد كانت مدينةالقيروان تلعب دورين هامين في آن واحد، هما: الجهاد والدعوة، فبينما كانت الجيوشتخرج منها للغزو والفتح، كان الفقهاء يخرجون منها لينتشروا بين البلاد يعلِّمونالعربية وينشرون الإسلام.

فهي بذلك تحمل في كلّ شبر من أرضها عطر مجد شامخ وإرثًا عريقًا يؤكده تاريخها الزّاهرومعالمها الباقية التي تمثل مراحل هامة من التاريخ العربي الإسلامي.

لقدبقيت القيروان حوالي أربعة قرون عاصمة الإسلام الأولى لإفريقية والأندلس ومركزًاحربيًّا للجيوش الإسلامية ونقطة ارتكاز رئيسية لإشاعة اللغة العربية.

وعندماتذكر القيروان يذكر القائد العربي الكبير عقبة بن نافع وقولته المشهورة عندما بلغفي فتوحاته المحيط الأطلسي وهو يرفع يده الى السماء ويصرخ بأعلى صوته: "اللهماشهد أني بلّغت المجهود ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتى لايعبد أحد من دونك".

تقع القيروان في تونس على بُعد 156 كم من العاصمة تونس.

وكلمةالقيروان كلمة فارسية دخلت إلى العربية، وتعني مكان السلاح ومحط الجيش أو استراحةالقافلة وموضع اجتماع الناس في الحرب.

اختيار موقع القيروان :

يعودتاريخ القيروان إلى عام 50هـ / 670م، عندما قام بإنشائها عقبة بن نافع. وكان هدفهمن هذا البناء أن يستقر بها المسلمون، إذ كان يخشى إن رجع المسلمون عن أهل إفريقيةأن يعودوا إلى دينهم.

وقدجمع عقبة بن نافع بعد انتهائه من بناء مدينة القيروان وجوه أصحابه وأهل العسكرفدار بهم حول مدينة القيروان، وأقبل يدعو لها ويقول في دعائه: "اللهم املأهاعلمًا وفقهًا، وأعمرها بالمطيعين والعابدين، واجعلها عزًّا لدينك وذلاًّ لمن كفربك، وأعز بها الإسلام".

فلما أرسى عقبة بن نافع قواعد مدينته الجديدة، لم يكن يدري وهو يدعو ربّه ليمنعها منجبابرة الأرض ويملأها فقهًا وعلمًا ويجعلها عزًّا للإسلام أيّ مصير تخبِّئه لهاالأيام، إلا أنه استراتيجيًّا كان موفَّقًا في اختياره، فالقيروان توجد على مسيرةيوم من البحر الذي كان البيزنطيون يسيطرون على عبابه، وهي تبعد بمثل ذلك عنالجبال، حيث كانت آنذاك تعتصم القبائل البربرية المناوئة للإسلام، وتمثل القاعدةالمحدثة رأس الحربة وسط خط المواجهة المتخذ بين المسلمين والبيزنطيين، بعد انهزامملكهم جرجير في سبيطلة أمام جيوش معاوية بن حديج سنة 45هـ، 665م وتراجع سلطانهموانحصاره في شمال البلاد.

بجانب ذلك فالقيروان في منبسط من الأرض مديد يسمح باستنفار الفرسان في غير صعوبة، وقدكانت الخيل قوام جيش المسلمين في جُلّ معاركهم وحروبهم المصيرية، وقد راعى عقبة فياختياره لموقع مدينته الجديدة تقريبها من السبخة حتى يوفّر ما تحتاجه الإبل منالمراعي، وتسمية القيروان تستجيب للغرض الأصلي من تأسيسها فهي كلمة معرَّبة عناللغة الفارسية وتعني المعسكر أو القافلة أو محط أثقال الجيش.

ولاريب أن مختلف الحملات والغزوات التي سبقت بناء القيروان كانت تمر بالموقع، وتتّفقالمصادر على أن معاوية بن حديج قد عسكر خلال إحدى حملاته الثلاث على إفريقيةبالموضع المعروف بالقرن على بعد عشرة كيلومترات شمال غربي القيروان، كما تذكر كتبالطبقات أن الصحابي أبا زمعة البلوي قد استشهد خلال غزوة معاوية بن حديج الأولىالعام 34هـ، 654م وهو محاصر لجلولة، فأُخذ ودُفن بموضع القيروان

المكانة العلمية للقيروان :

كانت القيروان أولى المر اكز العلمية في المغرب يليها قرطبة في الأندلس ثم فاس فيالمغرب الأقصى ولقد قصدها أبناء المغرب وغيرها من البلاد المجاورة.

وكان مسجد عقبة الجامع ومعه بقية مساجد القيروان تعقد فيه حلقات للتدريس وأنشئت مدارسجامعة أطلقوا عليها "دور الحكمة".

واستقدم لها العلماء والفقهاء ورجال الدعوة من الشرق فكانت هذه المدارس وما اقترن بهإنشاؤها من انصراف القائمين عليها للدرس والبحث عاملاً في رفع شأن لغة القرآنالكريم لغة العرب وثقافتهم.

ولقدكان للقيروان دور كبير في نشر وتعليم الدين وعلومه بحكم ما علق على هذه المدينة منآمال في هداية الناس وجلبهم إلى إفريقية وهي نقطة هامة لاحظها الفاتحون منذ أناستقر رأيهم على إنشاء مدينة القيروان، فعندما عزم عقبة بن نافع ومن معه على وضعمحراب المسجد الجامع فكروا كثيرا في متجه القبلة، وراقبوا طلوع الشمس وغروبها عدة أيام.

وقالله أصحابه: إن أهل المغرب يضعون قبلتهم على قبلة هذا المسجد فأجهد نفسك في تقويمه.واجتهد عقبة بن نافع. وكان موفقًا في اجتهاده.

وأصبح محراب القيروان أسوة وقدوة لبقية مساجد المغرب الإسلامي بمعناه الواسع حتى إن محمدبن حارث الخشني بعد أن قدم من القيروان إلى سبتة وشاهد انحراف مسجدها عن قبلةالصلاة عدله وصوبه.

وفي عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (99-101هـ / 717 -720م) أراد تثقيف أهلالمغرب وتعليمهم أمر دينهم فجعل من مدينة القيروان مركزًا للبعثة العلمية المكونةمن عشرة أشخاص من التابعين فأرسلهم إلى إفريقية حيث انقطعوا إلى تعليم السكان أمورالدين، ومات غالب أفراد البعثة في مدينة القيروان نفسها.

وهكذاأصبحت مدينة القيروان مركزًا للعلم في المغرب الإسلامي حتى كانت مفخرة المغرب.ومنها خرجت علوم المذهب المالكي، وإلى أئمتها كل عالم ينتسب وكان قاضي القيروانيمثل أعلى منصب ديني في عموم البلاد المغربية، وإليه المرجع في تسمية قضاة مختلفالجهات.

وأسهمت القيروان في عهد الأغالبة في نشر المذهب المالكي في أرجاء الدولة الأغلبية، ومنهاانتشر في صقلية والأندلس.

وقدتم ذلك على يد الإمام سحنون (160-240هـ / 777 -855م)، وأقرانه وتلاميذه.

فهؤلاءكانوا يلتزمون المذهب المالكي، إذ أنهم كانوا يذهبون لأداء فريضة الحج، ثم يلزمونالإمام مالك بن أنس في المدينة المنورة، فتأثروا بفقهه.

وقدولي سحنون قضاء القيروان (234-240هـ / 848 -854 م)، فكان صاحب النفوذ الأكبر لا فيشئون القضاء فحسب، بل في جميع شئون الدولة.

ولماعاد سحنون من المدينة المنورة كان قد وضع أسس الكتاب الذي دونه ويسمى المدونة التيأصبحت قاعدة التدريس في المغرب الأدنى، ومن هناك انتقلت إلى الأندلس.

وكانت الكتب الفقهية التي ألفها علماء القيروان ابتداء من كتاب المدونة لصاحبه الفقيهالكبير سحنون والذي أصبح مرجعًا دينيًّا لرجال القيروان، إلى رسالة ابن أبي زيدونوادره وزياداته إلى تهذيب أبي سعيد البراذعي، كانت هذه الكتب وأمثالها عمدةالدارسين والشراح والمعلقين لا يعرفون غيرها إلى المائة السابعة من التاريخ الهجريعندما ابتدأت كتب المشارقة تأتي إلى المغرب مثل مختصر ابن الحاجب ومختصر خليل فيمابعد.




بيت الحكمة :

أنشئت في القيروان المكتبات العامةوالمكتبات الملحقة بالجوامع والمدارس والزوايا وكانت مفتوحة للدارسين وتضم نفائسأمهات الكتب.

ومن أشهر مكتبات القيروان بيت الحكمة الذي أنشأه الأمير إبراهيم الثاني الأغلبي261-289هـ / 875 -902م.

في رقادة بالقيروان محاكاة لبيت الحكمة التي أسسها هارون الرشيد في بغداد حيث كانتهذه البيت نواة لمدرسة الطب القيروانية التي أثرت في الحركة العلمية في المغربلزمن طويل.

وقداستقدم الأمير إبراهيم بن أحمد الأغلبي أعدادًا كبيرة من علماء الفلك والطبوالنبات والهندسة والرياضيات من المشرق والمغرب وزوده بالآلات الفلكية.

وكان الأمير إبراهيم بن أحمد يبعث كل عام وأحيانًا كل ستة أشهر بعثة إلى بغداد هدفهاتجديد ولائه للخلافة العباسية واقتناء نفائس الكتب المشرقية في الحكمة والفلك ممالا نظير له في المغرب واستقدام مشاهير العلماء في العراق ومصر.

وعلى هذا النحو أمكنه في أمد قصير أن يقيم في رقادة نموذجًا مصغرًا من بيت الحكمة فيبغداد، ولم يلبث هذا البيت أن وقع في أيدي العبيديين -الفاطميين- بعد سنوات معدودةمن وفاته.

ولقد كان بيت الحكمة معهدًا علميًّا للدرس والبحث العلمي والترجمة من اللاتينية، ومركزًالنسخ المصنفات، وكان يتولى الإشراف عليه حفظة مهمتهم السهر على حراسة ما يحتويه منكتب، وتزويد الباحثين والمترددين عليه من طلاب العلم بما يلزمهم من هذه الكتب حسبتخصصاتهم، ويرأس هؤلاء الحفظة ناظر كان يعرف بصاحب بيت الحكمة.

وأول من تولى هذا المنصب عالم الرياضيات أبو اليسر إبراهيم بن محمد الشيباني الكاتبالمعروف بأبي اليسر الرياضي، وهو بغدادي النشأة، حيث أتيح له أن يلتقي بالعديد منالمحدثين والفقهاء والأدباء واللغويين. وكان قد تنقل في أقطار المشرق قبل انتقالهإلى الأندلس وأخيرًا استقر بالقيروان.

وكان الأمير إبراهيم بن أحمد يعقد المجالس العلمية للمناظرة في بيت الحكمة، وكان يحضرهذه المجالس العلماء البارزون من فقهاء المالكية والحنفية.

مسجد القيروان :

يعدمسجد القيروان الذي بناه عقبة بن نافع عند إنشاء المدنية من أهم معالمها عبرالتاريخ. ولقد بدأ المسجد صغير المساحة، بسيط البناء، ولكن لم يمض على بنائه عشرونعامًا حتى هدمه حسان بن نعمان الغساني وأقام مكانه مسجدًا جديدًا أكبر من الأول.

وفي عهد الخليفة هشام بن عبد الملك أمر بزيادة مساحته، وأضاف إليه حديقة كبيرة فيشماله، وجعل له صهريجًا للمياه، وشيد مآذنه.

وفي عام 155هـ / 724 م أعيد بناؤه على يد يزيد بن حاتم، وظل على حاله هذه إلى أن تولىزيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب إمارة إفريقية عام 201هـ / 817م فزاد فيه. ولقدسارت التوسعات في العصور المختلفة حتى أصبح يشغل اليوم مساحة مستطيلة تتراوحأضلاعها ما بين (70و122) مترًا.

ويعتبرجامع القيروان من أقدم مساجد المغرب الإسلامي والمصدر الأول الذي اقتبست منهالعمارة المغربية والأندلسية عناصرها الزخرفية والمعمارية. كما كان هذا المسجدميدانًا للحلقات الدينية والعلمية واللغوية التي ضمت نخبة من أكبر علماء ذلكالعصر.

من أعلام القيروان :

لقدتميّز كل عصر من عصور القيروان بعدد وافر من الأسماء والأعلام في شتى ضروب العلموالمعرفة لما كانت عاصمة المغرب العربي وأعظم مدن القارة الإفريقية ومنارة عاليةللإشعاع الفكري والديني والحضاري في عصور الأغالبة والفاطميين والصنهاجيين.

ومن هؤلاء الأعلام الإمام سحنون وابن رشيق القيرواني وابن شرف وأسد بن الفرات وابنالجزار، لكن المهتمين بالتاريخ يذكرون خصوصًا اسم المعزّ بن باديس الصنهاجي كأكبررمز لما بلغته القيروان من حضارة في عهد الصنهاجيين وعبد الله بن الأغلب الذي جعلمن القيروان اسمًا ملأ الدنيا، أما عقبة بن نافع فإنه يظل الفاتح والمؤسس.

كان من أوائل من قام بالتعليم في مدينة القيروان أولئك العشرة من التابعين الذينأرسلهم عمر بن عبد العزيز ليعلموا الناس وكان من أشهر أولئك العشرة إسماعيل بنعبيد الله بن أبي المهاجر الذي كان -بالإضافة إلى أنه عامل للخليفة- من أكثر أفرادتلك البعثة اندفاعًا في نشر الدين وإدخال البربر إلى الإسلام.

وكان منهم عبد الله بن يزيد الحبلي الذي شهد فتح الأندلس مع موسى بن نصير، ثم عاد إلىالقيروان ومات فيها، ومنهم أيضا إسماعيل بن عبيد المشهور بلقب "تاجرالله" وهو الذي بنى المسجد المعروف باسم مسجد الزيتونة، كما بنى سوقًاللتجارة عرفت باسم سوق إسماعيل.

وقداستشهد غريقًا في إحدى الغزوات البحرية لصقلية سنة 107هـ / 726م، ومنهم عبد الرحمنبن رافع التنوخي أول من تولى القضاء بمدينة القيروان.

وأمارواد الفقه في القيروان فهم كثير منهم الإمام سحنون بن سعيد الفقيه صاحب أبيالقاسم -تلميذ الإمام مالك- ومؤلف كتاب المدونة والذي كان له دور كبير في تدوينالمذهب المالكي، وقد حضر دروس هذا الفقيه العديد من طلاب الأندلس الذين قاموا بنشرمذهبه فيما بعد، وقد عرفت من رجال الفقه كذلك أسد بن الفرات قاضي إفريقية في عهدالأغالبة وقائد الحملة إلى صقلية وفاتح الجزيرة ومحمد ابن الإمام سحنون بن سعيدوابن أبي زيد القيرواني.

كمااشتهر فيها من الشعراء: أبو عبد الله القزاز القيرواني، والحسين بن رشيقالقيرواني، وابن هانئ الأندلسي، وكان من بين علمائها عبد الكريم النهشلي عالماللغة وكان من أهل الأدب أبو إسحاق (الحصري) القيرواني صاحب زهر الآداب.

أماعن مدرسة الطب فقد اشتهرت منها أسرة ابن الجزار التي توارثت الطب أبا عن جد.

المصدر:موقع إسلام ويب.