فقهاء شرْعنة الاقتتال بين المسلمين
26-04-2015, 05:54 AM

الكاتب:
عدة فلاحي


لم تكن "عاصفة الحزم" لله كما يعتقد بعض السذج الذين راحوا ضحية ألاعيب الساسة الميكافيلية التي لا يفقهونها، لأن القاعدة المقدسة في العلاقات بين الدول هي تلك التي نرددها في كل مناسبة تحدث فيها خلافات ونزاعات دولية، وهي أنه "لا يوجد عداوة دائمة ولا صداقة دائمة وإنما هناك مصالح دائمة".
ولكن وبحكم اهتمامي بالتداخل بين ما هو سياسي وما هو ديني، يجعلني بحق أعلن خيبتي مرة أخرى بعلمائنا الذين أضحوا وسيلة لتبرير سياسة أصحاب القرار والاستعانة بالنصوص الشرعية لتأكيد حكمة ومصداقية رؤيتهم السياسية لدرجة أنه يمكن تحويل "المؤمن كافرا والكافر مؤمنا"، وإلا كيف نفسر خطبة الجمعة بالحرم التي ألقاها الشيخ السديسي والتي من المفترض أنها جمعة المسلمين جميعا بل هي جمعة الإنسانية بحكم أنها لأهميتها هي متابعة من كافة سكان المعمورة على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم ومللهم ونحلهم، وحينما ينادي السديسي بأعلى صوته "ألا إن نصر الله قريب" ثلاث مرات ويشبّه ما يقوم به خادم الحرمين بأنه اقتداء بسيرة رسول الله (ص)، ومن أنها عملية تاريخية وشرعية من أجل نصرة المظلوم ضد البغاة، فإننا بدون شك وبهذا الخطاب البعيد عن الحكمة والتعقل يدفع بكل الشعوب والأمم إلى احتقارنا والإساءة لديننا الذي أسأنا إليه بسوء تدبيرنا.
لقد اجتمعت المراجع السلفية الوهابية التي لا يمكن لها الخروج على أولي الأمر مهما اقترفوا من حماقات وتجاوزات، على أن الشيعة وكل الفرق التي تنتمي إليها من قريب أو بعيد مثل الزيدية أو الحوثية، هم كفرة وأهل بدعة وضلالة ولا يمكن التفاهم معهم أو الائتمان فيهم ولهم وفي مواثيقهم بسبب "التقية التي هي عقيدتهم" وبذلك هم خارج دائرة أهل السنة والجماعة وبالتالي فقتالهم وقتلهم إذا دعت الضرورة هو من الفرائض المقدمة على غيرها.
ولكن دعونا نرجع للوراء قليلا ونستحضر التاريخ كشاهد على أن المصلحة قد تجعل "الكافر مؤمنا والمؤمن كافرا"؛ فعندما تدخل جمال عبد الناصر في اليوم للإطاحة بنظام الإمامة في الستينيات من القرن الماضي وقد كلفه ذلك 25 ألف قتيل وصرف الملايير من الدولارات وهذا الخيار غير الموفق كما يقول الخبراء والمحللون هو الذي أدى إلى نكسة 1967 بما يُعرف بحرب الأيام الستة مع إسرائيل التي كان من المفترض هي أولوية الأولويات التي تسخّر لها مصر والعرب كل الإمكانيات بدل تشتيتها.
حينها عرض الملك فيصل السلفي الوهابي على شاه إيران الرافضي العميل لأمريكا وصاحب إستراتيجية التوسع والهيمنة على دول الخليج أولا، اتفاقا قائلا للشاه "لا بد من عقد تحالف إسلامي ضد هذا الملحد" وكان يقصد جمال عبد الناصر، واليوم تغيرت الحسابات وتحول عدو الأمس مصر إلى حليف وأخ الأمس إيران إلى عدو مجوسي يجب محاربته ومحاربة حلفائه أينما كان تواجدهم ماداموا يهددون الأمن العربي والقضاء على العروبة، والحقيقة غير المعلنة في الواقع هي حماية مصلحة العائلة المالكة التي أضحت مهددة حتى من الداخل.
ومع ذلك، فالحقيقة التي يجب الجهر بها، هو أن الساسة العرب بالأمس وبالرغم من عيوبهم، إلا أنهم كانوا أحسن تدبيرا من حكام اليوم، فلما سئل الملك فيصل حين حضوره للقمة العربية بالإسكندرية سنة 1964 وقد كان الصراع على أشده بينه وبين عبد الناصر، تقدّم إليه صحفي النهار اللبنانية سائلا: "بعد سنتين من قيام حرب اليمن، والمضاعفات الخطيرة التي طرأت عليها، ما هو موقفكم من المشكلة؟" فرد فيصل رحمه الله: "حرب اليمن لليمنيين وحلها بيد اليمنيين أنفسهم في فئاتهم المتناحرة، والحل مرتبط بالوجود المصري في بلاد اليمن، والحل هو في انسحاب جميع الجيوش الأجنبية من اليمن وإفساح المجال للمواطنين اليمنيين ليقولوا الكلمة في حركة المصير، فإن قالوا جمهورية فلتكن جمهورية وإن قالوا ملكية فليعُد الإمام البدر"، ثم واصل الملك فيصل حديثه بالقول.."مئتا ألف من الجمهوريين والملكيين من النساء والرجال والأطفال قتلوا، وعشرون ألف جندي مصري أيضا قتلوا حتى الآن. هذه هي حصيلة الحرب، فعلام الاختصام والاقتتال؟ أفي سبيل تحرير اليمن؟ ليت هذه الدماء هدرت في سفوح تل أبيب..."، نعم ليت دماءنا وأموالنا سخرت لمواجهة إسرائيل التي أفلحت في أنها جعلتنا ننشغل عنها بعدما شغلتنا في أنفسنا من خلال إذكاء النزاعات الطائفية والمذهبية.
بالأمس تحالفت المملكة السعودية السلفية الوهابية مع يمن الإمامة الزيدية الشيعية ضد الخلافة العثمانية، وقد نجد لهذا الموقف مبرره ودوافعه لما يتعلق الأمر بالساسة والحكام، ولكن ما لا نفهمه هو: لماذا لا يطرح الأتباع المضللون والضالون السؤال، وهو: كيف يضع السلفي يده في يد الرافضي، هذا الرافضي الذي يكفرونه مرة ويؤمّنونه مرة؟ ألا يمكن القول بأن علماءنا أضحوا عامل فتنة أكثر من الساسة؟
وبالمناسبة أنقل للقارئ هذه الحادثة التي نقلها لي زميلي الدكتور عبد القادر خياطي المستشار السابق بوزارة الشؤون الدينية المكلف بالعلاقات الخارجية، حيث وعند لقائه بالشيخ عبد المجيد الزنداني جرى بينهما حديثٌ حول المذاهب والفرق الإسلامية، ومن ضمن ما جاء في كلام الزنداني: أن الإباضية هم من الخوارج حتى وإن حاولوا نفي ذلك، وبالتالي هم على ضلالة وخارج أهل السنة والجماعة، فصُدم خياطي لهذا الكلام ورد "إن الإباضيين مسلمون سنيون وهم منا ونحن منهم، هم إخوتنا في الدين وفي الوطن، وقد أبلوا وجاهدوا الاستعمار الفرنسي بالنفس والنفيس وكان لهم دورٌ في حركة الإصلاح للحفاظ على الهوية الجزائرية..". وواصل خياطي حديثه وهو مندهش بالقول "كيف يا شيخ تقول هذا الكلام وقد فتحت لك الجزائر أبوابها لتصول وتجول في عبور ترابها ومساجدها التي كنت تخطب فيها الناس بكل حرية؟ ما كان لك أن تخوض في هذه المسائل وأنت المشتغِل بالعلم الذي أدخلت به العديد من الشخصيات العلمية عبر العالم إلى الإسلام..."، فرد الشيخ الزنداني الذي أيد "عاصفة الحزم" وأعطى الشرعية والمشروعية لضرب إخوانه وقصفهم "هذه هي الحقيقة التي أقول...".

إذن، إذا كان شخصية دينية وعلمية في هذا الوزن تقول مثل هذا الكلام في حق إخوتنا الإباضيين، فماذا يمكن أن ننتظر من مثل هذا الخطاب؟ خطاب من رجل له إسهامات في الإعجاز العلمي وعلاقته بالقرآن، رجل ادّعى بأنه توصّل إلى دواء لعلاج مرض الايدز، ولكنه فشل للأسف في بناء مشروع سياسي وفكري يُخرج اليمن من ايدز التخلف والقبلية ومن الإفراط في استهلاك القات... أعيدها للمرة الألف: لقد خاب ظننا في علمائنا الذين يصطفون إلى جانب الحروب التي تُدار بين المسلمين ولا قدرة لهم على زرع الحياة.. خاب ظننا في علمائنا في مواطن كثيرة ودعوتهم إلى القتل في رابعة بمصر لازالت شاهدة على فشلهم في التعامل مع النوازل وبالخصوص السياسية منها.