الرايات في التاريخ العربي والإسلامي
12-10-2017, 06:55 AM


تعريف العلم والراية

العَلَم flag لغة: شيء ينصب في الفلوات تهتدي به الضالة، أو ما بني في جوار الطرق يستدل به على الأرض، وكذلك الطويل من الجبال. والعَلَم أيضا رسم الثوب، والراية banner التي يجتمع عليها الجند، أو ما يعقد على الرمح. واللواء standard راية الحرب ومن أسماء العلم الأخرى: الدِّرَفْسُ وهو العلم الكبير، والبند والبيرق والسنجق والمُطارِد والعقاب والرفرف والخفّاق، ويرمز كل منها إلى شيء مختلف. والرنك أو الشعار هو العلامة في الحرب والسفر والإمارة. أما العلامة والسمة والوسام فما وسم به من ضروب الصور.

وعِلْم الرايات vexillology فرع من عِلْم النقوش الرمزية graphic symbolism وما يزال يخضع للبحث العلمي الموسع كبقية الفروع الأخرى مثل الشعارات (الرنوك) heraldry والأختام sphragistics وغيرها.

لمحة تاريخية

تصعب معرفة متى استخدم العَلَم أول مرة. ويمكن القول إن ذلك متوقف على مفهوم العَلَم وتعريفه. فإن كان المقصود هو الرنوك والشعارات والعلامات التي اشتقت منها الأعلام يمكن أن يصبح التعريف أكثر شمولًا. والرنك كلمة فارسية معناها اللون، استعمل في مصطلح المؤرخين بمعنى الشعار الذي يتخذه الأمير عند تأمير السلطان له، علامة على وظيفة الإمارة. ويمكن القول إن أصل الأعلام يرجع إلى مصر القديمة. غير أن الأعلام القومية بمفهومها العصري لم تظهر إلا في القرن السادس عشر.

تشير المعلومات التاريخية إلى أن المراكب المصرية التي كانت تبحر في النيل وتجوب السواحل القريبة قبل أربعة آلاف عام كانت تحمل علامات تدل على تبعيتها. وكانت العلامة تتألف من صار على ذروته شعار طوطمي محفور في الخشب يمثل طائر أبي منجل ويرمز إلى مقاطعة إيبس Ibis. وتحت الشعار كان يعقد شريط قماشي للتزيين، وقد عثر على رايات شبيهة بذلك في حضارات الرافدين وبلاد الشام، وهي ترمز إلى السلطة والغزو. والشعار في رأس الصاري أو السارية يرمز إلى القوة السحرية للرب الحارس. وقد ظلت الشعارات تعلو الصواري حتى العصور الحديثة بعد أن استبدلت الشرائط القماشية -رايات فعلية- بها.

لم تكن للأعلام معان دينية أو رمزية فحسب، فقد كان الفينيقيون ومن بعدهم اليونان يستخدمونها لتبادل الإشارات والمعلومات في الأعمال البحرية، وللدلالة على مكان القائد. وقد استخدم الرومان ستة أنواع من الرايات لقواتهم البرية والبحرية، ومنها علم مربع ثابت من قماش مسنن الأطراف (مشرشب) بلون أرجواني أو أحمر أو أزرق معلق بقضيب عرضي على رأس رمح يعلوه نسر معدني، وكانت لهم كذلك راية تسمى "التنين" تتألف من قماش أنبوبي الشكل كالتنين تنفخ فيه الريح فيبدو حيًا يخيف الأعداء، اقتبسوه من البارثيين، والأرجح أنه اختراع صيني، وظل شائعًا في أوربا إلى ما بعد سقوط روما، واستخدمه البريطانيون حتى عام 1485م. في حين اقتبس الفرنسيون والألمان النسر المعدني فيما بعد.

الأعلام والرايات في التاريخ العربي

استخدم العرب في الجاهلية رايات وألويةً وبنودًا مختلفة الأشكال والألوان يربطونها على رماحهم ويحملها فارس وسط المقاتلين. وكانوا يسمون راية الحرب لواءً، وهي شقة ثوب تلوى وتشد إلى عود الرمح، فلا تنشر إلا عند الحاجة. وقد يعبر عن بعضها بالعصائب (جمع عصابة) لأنها تعصب على رأس الرمح من أعلاه. وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يعقد لأمراء سراياه الرايات عند بعثها، و كانت له راية بيضاء ينشرها في غزواته، وراية سوداء تسمى العقاب حملها علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم بدر الكبرى.

وكان من شعارات الخلافة الأعلام والخلع، وكان شعار بني أمية الأخضر من الألوان، أما بنو العباس فشعارهم السواد، وعلمهم أسود كتب عليه بالبياض اسم الخليفة. واتخذ الفاطميون شعارات للملك مختصة بالمواكب العظام ومنها التاج والقضيب والمظلة والأعلام، وأعلاها اللواءان المسميان بلواءي الحمد، وهما رمحان طويلان ملبسان بالذهب الخالص وبأعلاهما رايتان من الحرير الأبيض المرقوم بالذهب ملفوفتان غير منشورتين، يخرجان بخروج المظلة، ودونهما رمحان برؤوسهما أهلة من ذهب، وفي كل منهما سبع من ديباج أحمر أو أصفر في فمه طارة يدخل فيه الرمح فيفتح فيظهر شكله، ويحملهما فارسان من صبيان الخاص، ومن ورائهما رايات لطاف ملونات من الحرير المرقوم، ومكتوب عليها {نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} [الصف: 13]، وعدتها إحدى وعشرون راية يحملها واحد وعشرون فارسًا من صبيان الخليفة.

وفي الدولتين الزنكية والأيوبية صارت المظلة تسمى "الجتر" وهي قبة من حرير أصفر مزركش بالذهب أعلاها طائر من فضة مطلي بالذهب. أما الأعلام فهي عدة رايات، منها راية عظيمة من حرير أصفر مطرزة بالذهب عليها ألقاب السلطان واسمه وتسمى العصابة. وراية عظيمة في رأسها خصلة شعر تسمى الجاليش، ورايات صفر صغار تسمى السناجق (جمع سنجق، وحاملها يسمى السنجقدار)، وأول من حمل السنجق على رأسه من الملوك غازي بن زنكي أخو السلطان نور الدي.

وكان للحفصيين في تونس علم أبيض يسمى المنصور يحمل في المواكب ومعه سبعة أعلام مختلفة الألوان إلى جانبيه، ولكل قبيلة علمها وعليه كتابة مثل : لا إله إلا الله أو الملك لله. وكان السبع رنك (شعار) الملك الظاهر بيبرس ولون علمه أصفر.

الأعلام والرايات في القرون الوسطى

مع تطور الإقطاع وتطور الوراثة الإقطاعية زاد استخدام الأعلام على نطاق واسع في الاحتفالات ومختلف المناسبات. وبدءًا من القرن الثاني عشر صار لكل شخص بارز علم وشعار يشير إلى رتبته في المجتمع أو في القوات المسلحة أو إلى منطقة نفوذه أو إقطاعه. وفي الوقت نفسه بدأت تتخذ الأعلام رموزًا للمدن وللدولة عامة، ولا سيما في أوربا. فكان لكل من مدن الجمهوريات الإيطالية أعلامها، ولمدن الهانزا التجارية الألمانية أعلامها، ومايزال بعضها مستخدمًا. كذلك اتخذت الجيوش والقوات المسلحة أعلامًا خاصة بها غير أعلام القادة.

الأعلام القومية

بدأت الأعلام القومية في الظهور في مطالع القرن السادس عشر حين بدأ الأوربيون يغامرون في الإبحار خارج مياههم الإقليمية على سبيل التجارة أو الاستكشاف أو الحرب أو القرصنة. فكانت السفن في حاجة إلى ما يميزها وتعرف به. وكانت الأعلام الملوكية الخاصة بأسرة البوربون الفرنسية والإسبانية معقدة للغاية، وجارَتْها بقية الدول وقلدتها، واختصت كل منها بألوان وشعارات مختلفة، فكانت الشرائط زرقاء وبيضاء لفرنسا، وحمراء وبيضاء لإنكلترا، وخضراء وبيضاء للبرتغال. وطُوِّرت عن هذا الترتيب أعلام قومية ما زال معظمها مستخدمًا إلى اليوم.

وصار للأعلام مكانة عاطفية ازدادت عمقًا مع تحول مفهوم العلم إلى رمز للأمة جمعاء. ومالت الحركات الثورية إلى استخدام الألوان الأحمر والأبيض والأزرق والأخضر، في حين فقدت الأعلام التي تحمل شعارات ترمز إلى القوة والسلطة كالأسد والنسر وغيرها مكانتها تدريجيًا بدءًا من القرن الثامن عشر، وصار من الممكن تتبع التطور السياسي والقومي للأمة على مر السنين من أعلامها.

أنواع الأعلام

العَلَم اسم عام يطلق على كل شكل أو طراز. والعلم الوطني في العرف الدبلوماسي هو رمز الدولة وعنوان سيادتها وكرامتها، يصنع عادة من قماش خاص، ويتضمن ألوانًا وشارات معينة ومحددة بموجب قانون أو مرسوم تشريعي خاص. والقياسات الوسطية للعلم الرسمي الكبير 120×180 أو 150× 225سم فيكون عرضه ثلثي طوله. وتعد إهانة علم الدولة إساءة لكرامتها تقتضي الاعتذار، أو تقتضي إعادة رفعه في حضور ثلة من الجيش أو الشرطة تؤدي التحية الرسمية.

يرفع العلم الوطني على سارية فوق أبنية المؤسسات الرسمية أيام الأعياد القومية والعطل الرسمية من شروق الشمس حتى غروبها. ويبقى علم الدولة مرفوعًا دومًا على مراكز الأمن والجمارك عند الحدود. ويرفع العلم الوطني على قصر رئيس الدولة إشارة إلى وجوده في العاصمة. وعند قدوم رئيس دولة أجنبية بزيارة رسمية يرفع علم بلاده إلى جانب علم الدولة المضيفة على قصر الضيافة أو الفندق الذي حل به. ويكون الأول على يمين البناء والثاني على اليسار. ترفع البعثات الدبلوماسية والقنصلية أعلام بلادها في أيام العطل الرسمية للبلدين، وفي الأعياد القومية للدول الأجنبية الممثلة ببعثات دبلوماسية من باب المجاملة.

ترفع المراكب المدنية والمراكب الحكومية غير المسلحة في البحر العلم الوطني. أما السفن الحربية فترفع علم البحرية والعلم العسكري (علم القوات المسلحة). ويرفع العلم العسكري كذلك على المعسكرات والثكنات والقلاع. وربما كان لكل صنف من صنوف القوات وأنواعها علمها الخاص المشتق من العلم الوطني. ولكل وحدة أو قطعة أو تشكيل عسكري علم يختص به بمقاييس محددة. وإذا اختصت مؤسسة أو منظمة ما بعلم لها فيسمى باسمها.

والراية هي العلم عامة، وقد ترمز إلى مرتبة معينة، وقد تطلق على العلم الذي لا يخفق بحرية أي المثبت إلى السارية من طرفيه. والراية البيضاء أو علم الهدنة قطعة قماش أبيض يرفعها أحد المتحاربين إشارة إلى رغبته في إيقاف القتال، وطلب الأمان للتفاوض. ولا يعني رفع الراية البيضاء الاستسلام، أو الموافقة على عقد هدنة أو الصلح دائمًا. ويقضي العرف الدولي باحترام حامل الراية البيضاء وعدم الاعتداء عليه أو أسره.

أما اللواء standard فعلم رئيس الدولة، أو علم يرمز إلى رتبة كبيرة، ويعلوه غالبًا شعار من خشب أو جلد أو معدن أو ريش أو قماش. والبند pennant شيء لايشبه العلم ولكن له وظيفته.

إن رفع العلم hoist of flag يعني نشره، وخفض العلم dip of flag يعني إنزاله موقتًا أو قليلًا لتحيته عند رفعه مجددًا، أما تنكيس العلم half - staff فيعني إنزاله إلى الوسط علامة الحداد، وأما نزع العلم strike of flag فيعني الاستسلام والهزيمة. و تسليك الحبل reeve a rope يعني تمريره في طرف العلم تمهيدًا لرفعه وإنزاله. ولرفع العلم وتنكيسه قواعد معينة تحددها الأنظمة.

أشكال الأعلام

معظم الأعلام مستطيلة أو مربعة أو مثلثة الشكل، وقد يكون بعضها طويلًا جدًا وقليل العرض جدًا ويسمى مُطارد pendant أو بند، و إذا كان مقصوص الذيل بفرع واحد أو فرعين سمي ذيل السنونو sparrow tail، والعلم الصغير يسمى بيرق guidon. وقد يكون مسنن الأطراف كلها أو من طرف واحد (مشرشب) flammule، وقد يعلق العلم متدليًا بقضيب معترض gonfalon مثبت على السارية.

أجزاء العلم

خلفية العلم أو خلفية أحد أجزائه هي أرضيته. والربع الأقرب إلى الأعلى من العلم هو الرأس canton، وعرض العلم hoist هو الطرف الذي يربط إلى السارية، والرفرف fly هو طول العلم والطرف السائب البعيد عن السارية، والشعار هو الشارة أو الرمز أو الوسم الموجود على العلم. أما الحبل الذي يربط العلم إلى السارية فيسمى "الكَرّ" halyard ويمرر في بكرة truck تحت ذروة السارية.

يربط العلم إلى السارية من ناحية عرضه موازيًا لها أو يتدلى منها. والسارية عمود من خشب أو معدن يمكن أن ينتهي (في ذروته) برأس رمح أو حلية على هيئة كرة أو نجمة أو صليب أو هلال أو نسر. ويمكن أن يربط بالعلم للتكريم وسام أو وشاح أو شريط قماشي يحمل اسم المناسبة وتاريخها (ذكرى معركة ناجحة). والعلم الذي يرفع في الاستعراضات أو المناسبات الرسمية يؤطر عادة بشراريب.
____________
المصدر: الموسوعة العربية العالمية، المجلد الثالث عشر، ص394.
مراجع للاستزادة:
- أحمد بن علي القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشا (دار الكتب العلمية، بيروت 1978م).
- سموحي فوق العادة، معجم الدبلوماسية والشؤون الدولية (مكتبة لبنان، بيروت 1979م).