تسجيل الدخول

بسم الله الرحمان الرحيم
أعرض على السادة زوار وأعضاء المنتدى موضوع يدور حول التعريف بالبرمجة اللغوية والعصبية، والحقيقة أن الموضوع له جوانب متعددة وسأحاول أن أعرضها جميعا بحول الله تعالى وقوته.
إن العرض الذي أسعى الى تقديمه موضوعي الى حد بعيد وبعيد جدا عن العواطف وعن القيل والقال، فأرجو من كل من له اهتمام بهذا الموضوع وله رأي فيه أن يطرح باسلوب علمي يبين فيه الحجة والدليل الذي يرتكز عليه حتى تكون الفائدة عامة وانا شاكر لكم جميعا وكل ما أرجوه هو أن أتمكن من تقديم شيء تستفيدون منه.
كما أود أن ألفت نظركم أن الموضوع جهد شخصي وغير منقول وهو بحث تطلب مني الكثير من الجهد والعناء فأرجو من كل من أراد أن ينقله كليا أو جزئيا أن يذكر المصدر وجزاكم الله كل خير.
واليكم الموضوع:

مــدخل إلـى الــبرمجة اللـغوية والـــعصبية
انتشرت مؤخرا ببلادنا وسائر بلاد العالم تقريبا دورات تدريبية على ما اصطلح على تسميته البرمجة اللغوية والعصبية، وهو مصطلح حديث نسبيا في مجال تربية الذات والاتصال.
وتنتشر هذه الدورات تقريبا عبر كامل تراب الوطن، فما تخلوا منطقة إلا وبها مركز لتنظيم دورات في هذا المضمار، وهي دورات تستقطب جماهير واسعة من كل فئات المجتمع.
ومجال البرمجة اللغوية والعصبية بهر الكثير واستحوذ على عقولهم، فانساق الكثير وراء تعلمه بوعي أو بدون وعي ولكل واحد من هؤلاء مفهومه وهدفه من وراء تعلم هذه التقنية أو العلم(كما يحلوا للبعض وصفه)، ومن خلال تجربتي البسيطة والمتواضعة جدا في هذا المجال لاحظت أن الذين يتجهون لتعلم هذه التقنية أو العلم يخرجون بصورة مغايرة لما يجب أن يكون فالكثير منهم تختلط عليه الأمور إلى درجة يتوهم وكأنه أخذ بناصية علم النفس، وأنه أصبح خبيرا في النفس البشرية، بل الأكثر من هذا فهناك من أصبح يدعي أنه قد تعلم علم النفس وأنه باستطاعته مقارعة أساتذة وطلبة علم النفس والتفوق عليهم، بل الأدهى أن واحد منهم فتح مكتبا للاستشارات النفسية، والبعض يذهب إلى اعتبار أن تعلم هذا العلم سيجلب له السعادة التي ينشدها، كما حدث وأن عنونت جريدة الخبر الأسبوعية مقالا حول الموضوع بعنوان يوحي وكأن هذا العلم أو التقنية سحرا(العنوان الذي أدرجته جريدة الخبر في مقالها هو: مراكز البرمجة العصبية: نحن نبيعك السعادة).
وهذا وغير هذا هو الانحراف لأمر وضع من أجل أشياء واضحة ومن أجل أهداف معلومة ومعينة توضحها خطوات تعلم هذه التقنية أو العلم.
والسبب حسب رأيي أن هؤلاء لم يستوعبوا المغزى مما تعلموه وتدربوا عليه كما أنهم لم يعرفوا الحيثيات التي تقوم عليها البرمجة اللغوية والعصبية، انطلاقا من هنا ارتأيت أن أغوص قليلا في هذا الموضوع راجيا أن تكون هذه بداية وتجد مبادرتي الصدى الذي يدفع آخرين إلى الاشتراك بالنقاش حتى نعرف بالضبط مكنونات المصطلح ونستفيد مما جاء به مما يوافق طبعا عقيدتنا وديننا تماشيا مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها".
فالبرمجة اللغوية والعصبية مصطلح حديث نسبيا وجد منذ حوالي ثلاثين سنة، فاستعمل من طرف شركات كبرى ورياضيين محترفين ذوي مستوى عال جدا، كما أنها استعملت من طرف معلمين وتربويين وآباء من أجل تربية أبنائهم لكل الأعمار والفئات.
البرمجة اللغوية والعصبية أو الهندسة النفسية (كما يحلوا للبعض تسميتها كذلك) تقدم مهارات في عدة مجالات وميادين منها التفاوض، التعلم، والتعليم والتدريب والتدرب، الاتصال، التغيير والاختيار والتوجيه الذاتي ومعرفة الذات والآخرين، كما أنها تمنح التقنيات اللازمة من أجل تحسين كل المجالات السابقة الذكر وتجعلها تعمل بضمان وفعالية أكثر من المعتاد.
وهي كذلك مقاربة جديدة لكيف يعمل الإنسان نفسيا، إنها ثمرة مزج أفكار ومقارنات لباحثين متحمسين من مختلف التخصصات والفروع، إنها ترتكز على توليفة أصلية تنتهي باستعمال فوري لمعارف علم النفس وعلم الأعصاب والذكاء الاصطناعي وغيره من التخصصات.
البرمجة اللغوية العصبية تهتم أكثر بكيف تعمل؟ ومتى تعمل؟ عوض لماذا لا تعمل؟ وبهذا تسمح بتقديم تحليل لتجربة الأشخاص الموهوبين والذين استطاعوا النجاح والبروز والتميز في ميدان ما، أو حتى تجربة أولئك الذين استطاعوا إيجاد حلول لأوضاع صعبة ودقيقة واستطاعوا اكتشاف وسائل غير عادية وسائل إبداعية وفعالة للخروج من تلك الأوضاع الصعبة المعقدة (كتحويل أجوبة رهابية، التخلص من سلوكيات غير مرضية كالأرق والشراهة في الأكل، والتخلص كذلك من مشاعر ضارة كالغيرة الشديدة مثلا، وإعادة بناء الثقة بالنفس...).
عندما يتم تحليل جميع "كيف؟" لسلوك معين أو لإستراتيجية متميز والتعرف على عناصر الموهبة لهذا الشخص المتميز، وسواء تعلق الأمر بالكيفية التي يكون عليها أو بكفاءة خاصة، فإن البرمجة اللغوية والعصبية تسمح بنقل هذه الكفاءة لأنفسنا أو تعليمها لغيرنا.
إن تقديم تعريف بسيط وسهل للبرمجة اللغوية والعصبية وبكلمات سهلة ممكن وسهل ولكنه يبقى مبهما ومنغلقا بالنسبة للشرح المباشر للكلمات الثلاثة التي تتكون منها وهي الكلمات التي تتكون منها كذلك التجربة البشرية: اللغة والأعصاب والبرمجة.
وبعيدا عن تفاصيل الكلمات الثلاثة ومعانيها والتي سيأتي تفصيلها لاحقا علينا أولا أن نعرف ما الهدف من هذه المقاربة أو التقنية ومن أجل هذا لن نجد أحسن من أقوال واضعوها:
يقول جون غراندر:"البرمجة اللغوية والعصبية هي نموذج الجودة والامتياز"
ويقول ريتشارد بندلر:"...عندما وضعنا تعبير البرمجة اللغوية والعصبية قال الكثير أنها تراقب العقل والأمر فيه مضرة، أجبتهم بالقول: نعم بالطبع، فإذا لم تبدؤوا بمراقبة واستعمال عقولكم فإنكم تتركون الصدف والظروف تقرروا بدلا عنكم... البرمجة اللغوية والعصبية هي تعبير ألفته حتى يتم إبعاد التخصص في ميدان ما.. إذن فقد استطعنا وضع وسائل لتعليم الناس كيفية استخدام عقولهم".
ويقول أيضا: "البرمجة اللغوية والعصبية هي تربية العقل".
ويقول كل من ستيف وكونيراي أندرياس "لقد وجد دائما أشخاص قادرين على إتمام أمور تبدو لآخرين وكأنها أحلام غير قابلة للتحقيق، هؤلاء ألأشخاص استطاعوا أن يعرفوا كيف يستفيدون من مهاراتهم وكيفية استعمال قدراتهم بطريقة استثنائية. إن الجديد الذي تقدمه البرمجة اللغوية والعصبية هو إمكانية التحليل المنهجي للتميز البشري بطريقة تجعله سهل البلوغ من طرف كل الناس على اختلاف مستوياتهم وفئاتهم ".
طبعا إن قراءة العبارات السابقة لا تفي بالغرض ولا تقدم المعنى الحقيقي للبرمجة اللغوية والعصبية، ولكنها على الأقل تعطي ما الأمر الذي تهدف إليه وهذا واضح من خلال الجمل السابقة: فاستخدام العقل، والجودة والامتياز هما ما تصبو إليهما هذه التقنية، وهذا ما سيتبين أكثر من خلال ما سيأتي.
وتعمل البرمجة اللغوية والعصبية من خلال مجالات سبعة هي:
• الاتصال: تهتم به البرمجة اللغوية والعصبية اهتماما كبيرا بحيث أنها تعطي لمتعلمها الطريقة المثلى لجعله يتصل بالآخرين بطريقة واضحة وفعالة، وتتيح له مضاعفة التأثير الايجابي في الوسط الذي ينتمي إليه والمقدرة على مشاركة الآخرين أفكارهم والتحكم الجيد في قواعد التفاوض الايجابي البناء.
• الثقة بالنفس: وهذا من خلال القدرة على تجميع مجموعة من دلائل الفعل التي تسمح بتحديد الأهداف والغايات وبلوغها بدقة عالية
• قيمة علائقية: والمقصود هنا هو القدرة على ممارسة التفاوض من باب مستفيد/ مستفيد وهذا ما يسمح بتطوير علاقات بناءة ومتينة فيها مودة وثقة مع كل المحيط.
• التميز: الذي هو معرفة وإعادة خلق استراتيجيات النجاح والتميز الخاصة بالفرد وبالآخرين وهذا من أجل العمل بكفاءة عالية في الميدان المختار وبذل أقصى مجهود وتقديم الأفضل والأحسن.
• رؤية العالم: ويتمثل في دمج مجموعة من المبادئ والتوقعات، الأمر الذي يسمح بإثراء النظرة إلى العالم وتطوير المرونة اللازمة في إطار احترام الآخرين والتسامح معهم.
• إدارة منهج الحياة: اختيار وخلق منهج الحياة المناسبة المختارة وهذا عبر أن يكون الفرد هو المقرر والمنفذ لكل أمور حياته دون تدخل الآخرين أو التأثر بهم.
• تنمية فردية: وهذا من خلال اختيار الأحاسيس وتغيير السلوكيات والعادات الكابحة للتطور والتقدم نحو الأمام.
ومما سبق فالبرمجة اللغوية والعصبية هي مقاربة جديدة لسلوك ونفسية الإنسان وهي كذلك توليفة ذرائعية لمختلف النظريات والتيارات الفكرية، إنها تقع عند تقاطع علم النفس وعلم الأعصاب والأناسة (العلم الذي يبحث في أصل الجنس البشري) والسيبرنتيك والذكاء الاصطناعي.
إن الفكرة القائمة على أن الإنسان لا يتحرك انطلاقا من الخصائص الموضوعية لمحيطه ولكن انطلاقا من تمثيل يكونه ويخلقه، هي فكرة لها جذور في مبحث العلوم التي يمكن أن تكون مفيدة للتوضيح، فالفكرة موجودة عند:
o التجريبية لدافيد هال وهي فلسفة تقوم على أن الخاصية تكمن في اعتبار أن التجارب الحواسية والذاتية هما المنبع الأول للمعرفة.
o الذرائعية (برغماتية) تم منهجتها من طرف سان بيار: Logicien(متخصص في المنطق) وهي فلسفة قريبة من التجريبية تقول أن صلاحية العلم والفعل لا تتطور إلا انطلاقا من نتائجهما.
o المثالية (Vaihinger) وتتمحور حول أن التخيل والتمثيل ينظمان التصرف البشري.
o علم الدلالة العام (sémantique générale) لألفراد كورزبسكي وملخصه أن اللغة هي عبارة عن رمز وصفي ناقص وغير مكتمل للتجربة البشرية وهي تؤثر فيها.
o البنائية وهي عبارة عن تيار فكري ظهر حديثا يصف الاتصال على أنه سيرورة عامة للمعلومة يخضع لقواعد مرصودة.
إذن فالبرمجة اللغوية والعصبية هي مجموعة النماذج الموصوفة للبنية الذاتية للتجربة البشرية، وبهذا فهي نماذج مفتوحة ومتطورة ولا تتعلق بأي حال من الأحوال ببناء عقدي قطعي، لأنها تعالج الذات من الذاتية من جوهرها ولبها.
البرمجة اللغوية والعصبية ونظرا لغزارتها وأصالتها يجعلانها مختلفة عن المقاربات النفسية الأخرى وبهذا فهي نجحت وتستمر في استخدام:
 مجموعة من التوقعات البناءة حول الإنسان
 نموذج وصفي ومتطور للسلوك البشري مما سيسمح بعملية النمذجة
 أدوات خلاقة صارمة التشخيص لسيرورة نفسية الإنسان
 وسائل اتصال واضحة الإجراءات وسهلة البلوغ للجميع
 إجراءات وتقنيات عمل دقيقة تسهل التمرن الذي يسمح بالتغيير الدائم
تبقى هناك نقطة مهمة يلتزم بها أصحاب البرمجة اللغوية والعصبية وهي وبما أن الإنسان غير متصل بالحقيقة مباشرة والتمثيل الذي لديه ملتوي وغير سوي ولهذا فما تهدف إليه البرمجة اللغوية والعصبية ليس غاية نهائية تسمى الحقيقة المطلقة فنحن في الواقع لا نعرف أن ما نقوله صحيح وسليم وحقيقي من وجهة نظر الآخرين وهذا ما نعتبره في جوهره ليس بذي الأهمية لأن هناك من اعتبر أن البرمجة اللغوية والعصبية مجموعة من "الأكاذيب الضرورية" التي تعمل ضمن الحقيقة وهذا هو بالضبط ما توضحه مجموعة المبادئ التي تقوم عليها النظرية الأساسية للبرمجة اللغوية والعصبية.
...وللحديث بقية
بـــــــسيلة نــــــجيب.

بارك الله فيك على الموضوع.
سأقرأه إن شاء الله بتأني

موضوع جميل بارك الله فيك