طريق الايمان (الحلقة الأخيرة )
04-04-2007, 10:01 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد :

إحساسا منا بالمسؤولية الأخلاقية، وبواجب التبليغ اتجاه أمتنا الاسلامية وشعبنا في الجزائر، وتحت شعار النهوض بالأمة والأخذ بيدها إلى بر الأمان، وللارتقاء بالانسان المسلم الى مستوى يليق بحمل آخر رسالة ربانية، وذلك برفض الواقع الفاسد والعمل من أجل ايجاد واقع بديل، يكون فيه هذا الانسان عبدا خالصا لله في كل مناحي حياته. لذا يسرني من جديد أن أتبع الحلقة الثانية من موضوع طريق الايمان، بحلقة ثالثة وأخيرة حتى تتبين الامور بشكل أوضح، وهذا من أجل إرساء قواعد متينة، والتي تتمثل في عقيدة إسلامية صحيحة وقوية تكون بمثابة الاساس الذي تبنى عليه جميع الافكار في الحياة.
هذاوكما أسلفنا فإن بإيجاد الفكرة الكلية عن الكون والانسان والحياة، وعن علاقة هذه الاشياء بما قبلها وما بعدها، نكون قد أوجدنا القاعدة الفكرية التي تبنى عليها النهضة الصحيحة التي تؤدي لا محالة الى سعادة الانسان في الدنيا والاخرة.
لقد بينا بأن هناك خالقا وراء هذا الكون والانسان والحياة، وهو منزه عن كل شيء وهو الله تعالى، وبرهنا على أن القرآن كلام الله وبأن محمدا هو نبي الله ورسوله عليه أفضل الصلاة والتسليم. كل هذا ثبت قطعا بالدليل العقلي، وعلى ذلك كان الايمان بالله آتيا عن طريق العقل، ولا بد من أن يكون هذا الايمان عن طريق العقل. فكان بذلك الركيزة التي يقوم عليها الايمان بالمغيبات كلها وبكل ما أخبرنا الله به، لأننا ما دمنا قد آمنا به تعالى وهو يتصف بصفات الألوهية يجب حتما أن نؤمن بكل ما أخبر به سواء أدركه العقل أو كان من وراء العقل، لأنه أخبرنا به الله تعالى. ومن هنا يجب الايمان بالبعث والنشور والجنة والنار والحساب والنعيم والعذاب، والملائكة والجن والشياطين وغير ذلك من الغيبيات، مما جاء في القرآن الكريم أو في حديث قطعي. وهذا الايمان وإن كان عن طريق النقل والسمع لكنه في أصله إيمان عقلي، لأن أصله ثبت بالعقل. ولذلك كان لا بد من أن تكون العقيدة للمسلم مستندة إلى العقل أو إلى ما ثبت أصله عن طريق العقل. فالمسلم يجب أن يعتقد ما ثبت عن طريق العقل أو طريق السمع اليقيني المقطوع به، أي ما ثبت بالقرآن الكريم والحديث القطعي وهو المتواتر، وما لم يثبت عن هذين الطريقين : العقل ونص الكتاب والسنة القطعية، يحرم عليه أن يعتقده، لأن:( العقائد لا تؤخذ إلا عن يقين) كما تقول القاعدة الفقهية.
وعلى ذلك وجب الايمان بما قبل الحياة الدنيا وهو الله، وبما بعدها وهو يوم القيامة. وبما أن أوامر الله هي صلة ما قبل الحياة بالحياة بالاضافة إلى صلة الخلق، وأن المحاسبة عما عمل الانسان في الحياة صلة ما بعد الحياة بالحياة بالاضافة إلى صلة البعث والنشور، فإنه لا بد من أن تكون لهذه الحياة صلة بما قبلها وما بعدها، وأن تكون أحوال الانسان فيها مقيدة بهذه الصلة، فالانسان إذن يجب أن يكون سائرا في الحياة وفق أنظمة الله، وأن يعتقد أنه يحاسبه يوم القيامة على أعماله في الحياة الدنيا.
وبهذا يكون قد وجد (بضم الواو) الفكر المستنير أيضا عما قبل الحياة وعما بعدها، وأن لها صلة بما قبلها وما بعدها. وبهذا تكون العقدة الكبرى قد حلت جميعها بالعقيدة الاسلامية.
ومتى انتهى الانسان من هذا الحل أمكنه أن ينتقل إلى الفكر عن الحياة الدنيا، وإلى ايجاد المفاهيم الصادقة المنتجة عنها. وكان هذا الحل نفسه هو الاساس الذي يقوم عليه المبدأ (الاديولوجيا) الذي يتخذ طريقة للنهوض، وهو الاساس الذي تقوم عليه حضارة هذا المبدأ (الاديولوجيا)، وهو الاساس الذي تنبثق عنه أنظمته (من اجتماعية وسياسية واقتصادية ووو.)، وهو الاساس الذي تقوم عليه دولته ( الكيان التنفيذي لمجموعة المفاهيم والقناعات والمقاييس). ومن هنا كان الاساس الذي يقوم عليه الاسلام ( فكرة وطريقة ) هو العقيدة الاسلامية.
قال تعالى في محكم تنزيله :( يأيها الذين آمنوا ءامنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزٌل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر فقد ضل ضلالا بعيدا ).
أماٌ وقد ثبت هذا وكان الايمان به أمرا محتوما كان لزاما أن يؤمن كل مسلم بالشريعة الاسلامية كلها، لأنها جاءت في القرآن الكريم، وجاء بها الرسول عليه الصلاة والسلام وإلا كان الانسان كافرا، ولذلك كان إنكار الاحكام الشرعية بجملتها، أو القطعية منها بتفصيلها، كفرا، سواء أكانت الاحكام متصلة بالعبادات أم المعاملات أم العقوبات أم المطعومات، فالكفر بآية : ( وأقيموا الصلاة ) كالكفر بآية : ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) وكالكفر بآية : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )، وكالكفر بآية : ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلٌ لغير الله به ). ولا يتوقٌف الايمان عند الله تعالى : ( فلا وربٌك لا يؤمنون حتى يحكٌموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلٌموا تسليما ).
هذا ما أردنا إضافته في هذه الحلقة وستكون لنا حلقات أخرى تتناول شتٌى المواضيع التي تهم حياة المسلم في شتى الميادين تحت شعار أن الاسلام صالح لايجاد الحلول للمشاكل المستجدة في كل زمان ومكان ومن أجل ايجاد وعي صحيح على هذا الاسلام الذي غيٌب عن حياتنا حتى أصبحنا أمة تائهة لا تعرف أصلها من فصلها ولا تعرف ما تريد وما يراد لها. قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي ). فإلى اللقاء في فرصة أخرى ودمتم في رعاية الله وحفظه ومن أراد الادلاء بشيء فليتفضل وهو مشكور. والسلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته