لا دعوة إلى الله إلا بالحكمـــة
23-07-2017, 02:26 PM
لا دعوة إلى الله إلا بالحكمة
( منقول عن فصول من كتاب : السياسة الشرعية في الدعوة إلى الله * م. إ*)
( منقول عن فصول من كتاب : السياسة الشرعية في الدعوة إلى الله * م. إ*)
الحلقة الأولى:
فرض الله على رسوله والمؤمنين به أن يدعوا إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن الله قيَّد هذه الفرضية بالحكمة والبصيرة، كما قال سبحانه وتعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، وقال أيضا: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}. والحكمة تعني قواعد كثيرة وأصولا عظيمة بيَّنها لنا الله في كتابه وبيَّنها رسوله أيضا، إذ هو المبعوث بالحكمة صلى الله عليه وسلم ، وغاية الحكيم أن يضع كل أمر في نصابه وأن يصل إلى غايته بأسهل الطرق وأقل الأخطار والتضحيات وقد وضع علماء أصول الفقه وأصول الدعوة قواعد أخذوها بالنص من الكتاب والسنة أو بالاستنباط منهما والاستقراء ومن هذه القواعد: [لا يُلدَغ المؤمن من جحر مرتين] (متفق عليه)، وهي تفيد وجوب الحذر وعدم جواز الوقوع في نفس الخطأ مرتين، و(دفع المفاسد أولى من جلب المصالح)، وهذه القاعدة مستفادة من ترك الرسول صلى الله عليه وسلم لتحطيم الأصنام في مكة، وانتظار امتلاكه للقوة التي مكنته من تحطيمها عند الفتح، مع أنه صلى في مكة إلى الكعبة والأنصاب والأصنام منصوبة عليها، وكذلك صلى في المدينة إلى الكعبة بأمر الله والأصنام عليها، أيضا، وكذلك ترك النبي صلى الله عليه وسلم لهدم الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم، وذلك خوف الفتنة وارتداد العرب، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ترويه السيدة عائشة في البخاري: [لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لهدمت الكعبة حجراً حجراً وبنيتها على قواعد أبي إبراهيم]، ولكنه خشي ارتداد العرب الذين كانوا يعظِّمون الكعبة، وقد يتهمون الرسول بتبديلها فتنفر قلوبهم، فهذا والذي قبله دليل على القاعدة الآنفة وهي: أن دفع المفاسد أولى من جلب المصالح،فلا شك أن في تحطيم الأصنام فائدة، ولكن المفاسد التي كانت ستحصل من وراء ذلك كثيرة عظيمة، فأيسرها إخراج الرسول من مكة في وقت لم يكن هناك بلد مهيأ لاستقباله، وكان من الممكن أيضا أن يقتل المسلمون ويضيق عليهم وبذلك يضيع الإسلام، ولاشك أن الإسلام يضيع بضياع المسلمين كما قال صلى الله عليه وسلم يوم بدر: [اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد] رواه البخاري.
ولذلك فإن أعظم مصالح المسلمين يكمن في بقاء جماعة المسلمين، ولذلك شرع الله للمسلمين من السياسات ما يستطيعون حماية أنفسهم، كما أجاز لهم إخفاء معتقدهم أحيانا، وقول كلمة الكفر في الفتنة والاضطرار، وأجاز لهم الخداع في الحرب والاستعانة ببعض المشركين على بعض، ولكل هذا تفصيل إن شاء الله في مقام آخر. والمهم هنا أن قاعدة دفع المفاسد أولى من جلب المصالح قاعدة شرعية مقررة.
وكذلك قاعدة (لا يجوز تغيير المنكر بمنكر أكبر منه)، وذلك كقتل المسلم في معصية لأن قتله منكر أكبر من المعصية إلا أن تكون زنى بعد إحصان، أو قتل قاتل، أو قتل مرتد لا شبهة في ارتداده وكفره وأما غير ذلك فقتل المسلم جريمة أكبر من أي معصية يرتكبها غير الثلاث الآنفة.
ومن هذه القواعد أيضا (ارتكاب أخف الضررين) كما يدفع المسلمون ضرر احتلال الكفار لأرضهم بقتالهم ولاشك أن في القتال بعض الأضرار على المسلمين، من قتل وجراح وفقدان لبعض الأموال وهذا ولاشك مفاسد، ولكن هذه المفاسد أقل من المفسدة العظيمة الأخرى وهي وقوع المسلمين أذلاء تحت سلطة الكافرين. وهكذا إذا تتبعنا أصول الدعوة والفقه والجهاد رأينا أبوابا عظيمة من الحكمة والبصيرة، ولاشك أن اتباع هذه الأصول والقواعد يُبلِّغ المؤمنين غاياتهم من النصر والعز والتمكين.. والحكمة هي أعظم الأسباب التي يتوصل بها إلى ذلك، فمعلوم أن المسلمين لا ينصرون على أعدائهم، ولا يستطيعون نشر رسالتهم إلا إذا تحلَّوا وتمسكوا بهذه الحكمة، ولا يكفي أن نقول نحن مسلمون وكفى، ونبلِّغ الدين بأي صورة وبكل طريقة دون اتباع الحكمة لأن هذا قول جاهل أحمق، وهو أيضا منافٍ للإسلام الذي أمر بالحكمة وألزم بها.
ولذلك فأول واجب على الدعاة إلى الله أن يتعلموا الحكمة، والبصيرة حتى يفلحوا في دعوتهم ويرضوا ربهم سبحانه وتعالى.
2 - من الحكمة وضع القتال في موضعه الصحيح
لما كانت الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى من ألزم الواجبات، وكانت هي الطريق إلى عز الأمة ونصرتها وجمع شملها وتوحيد كلمتها، كان واجبا على كل منا أن يعرف طريقها ويتعلم أسلوبها ويتخلق بأخلاق من اصطفاهم الله لحمل مشعلها وهداية الناس إلى طريقها، وهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وعلى رأسهم محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، إذ هو رسولنا المباشر وهو أكمل الرسل منهجاً وطريقاً وأعظمهم حكمة وتابعا وهو المأمور بالقتال والجهاد الذي هو أعلى منازل الإسلام، ولم يباشر القتال رسول قبله أبدا لا موسى ولا عيسى ولا إبراهيم ولا نوح، وهم أولو العزم والقتال، وإن كان قد فرض في شريعة موسى، إلا أنه لم يتمكن من تطبيقه في حياته، ولا باشره عيسى في حياته أيضا، فأما موسى، فإن قومه عصوه وجبنوا وذلوا أن يقاتلوا كما قال تعالى عنهم: {قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون}، ولذلك مات صلى الله عليه وسلم في التيه دون أن يتمكن من القتال الذي فرضه الله عليه وذلك بعصيان قومه وجبنهم.
وأما عيسى، فإنه لم يستطع أن يقاتل الكفار أيضاً لأنه لم يؤمن برسالته إلا قليل، وأحاط به أعداؤه من كل مكان، وألَّب اليهود عليه ملوك الرومان الوثنيين، وتآمروا على قتله لولا أن الله أنجاه وألقى شبهه على غيره ورفعه إلى السماء، كما قال تعالى: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إليَّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون}. (آل عمران/55).
وأما نوح، فإنه لم يحارب لأن المؤمنين به كانوا قلة، فأهلك الله الكثرة التي عصته بالطوفان.
وأما إبراهيم عليه السلام، فإنه لم يؤمن به إلا زوجته ولوط فقط، ولذلك لم يؤمر بقتال، بل أخرج من بلده في العراق وسكن بعد ذلك في فلسطين ورزقه الله ذرية صالحة مؤمنة، ثم عاش بقية عمره مع أقوام من الكفار لم يؤمنوا به، ولم يأمره الله بقتالهم.
وأما محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله قد خصَّه بخير الأمم شجاعة وحمية ووفاء بالعهد وقياما بالحق، آمنوا به وعزروه ونصروه وحاربوا معه أعداءه الأحمر والأسود، لم يتخلف عنه إلا قليل من المنافقين، لامهم الله وفضحهم بجبنهم وتخاذلهم كما جاء ذلك في سورة التوبة.
والشاهد من كل ذلك أن رسولنا محمدا صلى الله عليه وسلم هو الرسول الخاتم الذي بعث بالرسالة التامة الشاملة، والذي باشر القتال بنفسه، فأكرمه الله بالنصر تارات، وابتلاه وأصحابه بالصبر تارات أخرى حتى يكمل لهم فرحة النصر وكرامة الصبر، وهدى الله على يديه الجم الغفير في حياته، وجعل أتباعه هم خير أتباع الأنبياء إلى قيام الساعة، وأمته خير الأمم، وهذا لا مجال لتفصيله هنا.
الدعوة إلى الله ومواقف الجاهلية:
ولكن مما يؤسف له أن الأمة الإسلامية بعد رسولنا صلى الله عليه وسلم ابتليت ببعض طوائف من الجاهلين والمارقين، الذين قاموا يزعمون نصر الدين، فكانوا بلاء ومحنة وشراً على الإسلام والمسلمين، وكان من هؤلاء من قام بنصر الدين جاهلا -وبحسن نية- يريد الحق فأخطأه بجهله وعصبيته، فرفع السيف على أهل الإسلام.. وكفَّروا المسلمين وفسَّقوهم وهم طوائف الخوارج المارقين، وهناك آخرون من الملاحدة الباطنية زعموا نصر الدين وحملوا رايته زورا، وزعموا نصرته، ووقع بسببهم بلاء عظيم أيضا، وهكذا ليس كل من جاهد في الإسلام كان من أهل الحق والإيمان، ومازالت الأمة تُبتلى بأمثال هذه الطوائف المارقة والضالة في كل عصورها، ويكون بسببها بلاء وشر مستطير.
ولما كان المسلمون في أمس الحاجة إلى بيان الصراط المستقيم في الدعوة إلى الله سبحانه، لأنه هو سبيل نصر الدين وإعزاز المسلمين، ولم يكن كل من تصدى للدعوة والجهاد أهلا للفهم والمعرفة بهذا الطريق، أحببنا بيان بعض القواعد الهامة في هذا الصدد، لعل الله أن ينفع بها من شاء من عباده.
3 - متى نحكم لإنسان ما بالإسلام؟
نصل الآن إلى سؤال هام وهو: متى نحكم لرجل ما بالإسلام؟ والجواب أننا نحكم لشخص ما أو لقوم ما بالإسلام إذا ظهر لنا من أحوالهم أو في إشارة ترشد إلى ذلك ، كأن نجدهم يصلون أو يسيرون في طرقات المسلمين، أو يلبسون ملابسهم أو يسمون على طعامهم كالمسلمين، أو يشهدون أمامنا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
والدليل على ذلك أن الله تعالى يقول: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مسلماً} ، وهذا من الله إنكار على بعض المسلمين الذين قتلوا في الحرب رجلا مع رفع يديه مستسلما للمسلمين شاهداً شهادة الإسلام، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد الذي قتل في الحرب رجلا بعد أن قال لا إله إلا الله: [أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله! وما تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة!!]، فقال أسامة يا رسول الله إنما قالها متعوذا! فقال صلى الله عليه وسلم: [هلا شققت عن قلبه]!! وذلك أن هذا الرجل الذي قتله أسامة كان قتل طائفة من المسلمين، فلما علاه أسامة بالسيف قال: لا إله إلا الله! وفي هذه قرينة أكيدة تبلغ درجة الدليل أن مثل هذا كافر القلب، وأنه لم يقل ذلك إلا خوفا من السيف ومع ذلك أمرنا الرسول أن نكف عنه حتى مع عدم أمننا من انقلابه علينا بعد ذلك وقتاله لنا.
وهذا من أعظم الأدلة على أن لا إله إلا الله تحرم علينا دم قائلها حتى لو قطعنا بيقين أنه كاذب في هذه الكلمة.
ومن الأدلة أيضا على وجوب معاملة الرجل معاملة المسلمين حتى لو لم يقم عندنا الدليل على إسلامه - حقيقة قول النبي صلى الله عليه وسلم: [وافش السلام على من عرفت ومن لم تعرف]، وقوله: [إن من علامات الساعة ألا يُسلِّم الرجل إلا على من يعرف]، فجعل هذا من المنكرات التي لا تظهر إلا قرب قيام الساعة، ولهذا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من كافة الوفود التي جاءته إسلامها، وشهد لها بذلك، وعاملهم معاملة المسلمين، مع أن كثيرا منهم لم يكن الإيمان قد دخل قلوبهم بعد، وكثير منهم كذلك كان يجهل حقائق الإيمان، كما قال تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمَّا يدخل الإيمان قلوبكم}، وهذه شهادة من الله سبحانه على أناس أنهم لم يدخل الإيمان في قلوبهم بعدُ ، ومع ذلك أمرهم سبحانه أن يقولوا: أسلمنا، ولاشك أن قولهم أسلمنا يلزم المؤمنين أن يعاملوهم بالإسلام، فيكفوا عن دمائهم، ويلقوا عليهم السلام ونحو ذلك من حقوق المسلم على المسلم.
وهذه الأدلة التي قدمناها في الرد على من زعم أن كل عربي وأعرابي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: لا إله إلا الله كان يفهم معناها الحقيقي، بل كان هناك من جُفاة الأعراب من لا يفهم منها إلا كما يفهم أي جلف جاهل يعيش في أزماننا، ومع ذلك أمر رسول الله والمؤمنين أن يعاملوا أولئك بما ظهر منهم، وما أعلنوا من دينهم.
والشاهد من كل ما قدمنا أننا نحكم لشخص ما أو جماعة ما بالإسلام بمجرد ظهور ما يدل على إسلامهم، كأن يشهدوا الشهادتين -حتى وإن لم يفقهوا معناها- أو يصلوا صلاة المسلمين، أو يصوموا صيامهم، أو حتى كانوا يلبسون ملابس المسلمين ويسيرون في طرقاتهم، فمأجور ولاشك من سلَّم على أمثال هؤلاء، ومن أمرهم بمعروف أو نهاهم عن منكر، أو أعانهم على خير وبر، أو ساعدهم، أو قام بشيء نافع لهم، حتى وإن كان يعتقد أنهم يجهلون حقيقة لا إله إلا الله، ولا يدركون حقيقة الدين ومفهومه الصحيح.
ولاشك أن حكمنا على أمثال هؤلاء لا يدخلهم الجنة كما قلنا آنفا، ولم يكلفنا الله عند هذه الشهادة أن نعرف حقيقة إيمانهم قبلها، لأننا نحكم له بالإسلام الظاهر لا بالإسلام الحقيقي الذي لا يعلمه ولن يعلمه على الحقيقة إلا الله سبحانه وتعالى.
ومهما بالغنا في معرفة إيمان شخص على الحقيقة فإننا لا ندرك ذلك، ولذلك كاه أصحاب النبي يخشون على أنفسهم أن يكونوا منافقين بالفعل، كما روى ابن أبي مُليكة قال: [ أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخشى على نفسه من النفاق]!!. وقد صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لحذيفة - وكان النبي قد أعلمه بالمنافقين:
أما سماني رسول الله في المنافقين!! ولذلك أنكر ابن مسعود رضي الله عنه على من قال: أنا مؤمن، فقال: فليقل إنه من أهل الجنة!!.
فإذا كانت حقيقة الدين في القلب بهذا الخفاء، فلا شك أن من يقول لا نشهد بالإيمان إلا لمن عرفنا حقيقة معتقده هو من أجهل الناس، لأنه لا يمكن أن يصل إلى حقيقة معتقد أحد، وليس هذا إلا لله سبحانه وتعالى المطَّلع على خفايا الصدور وحقائق القلوب، بل لا نحكم إلا بما ظهر لنا، ولا شك أن كل من أظهر شيئا من الدين حكمنا له بالإسلام، ووكَّلنا سريرته إلى الله تعالى، فإن كان عالما بحقيقة الإسلام فذاك، وإن كان جاهلا بحقيقة الإسلام علَّمناه مما علمنا الله - إن كان عندنا علم من ذلك.
ومن هذا الذي قدمنا بالأدلة من الكتاب والسنة وقواطع الدين، تعلم يقينا أن الذي يحكم على المسلمين المعاصرين بالكفر -بدعوى أنه لم يعلم حقيقة معتقدهم- نعلم أنه جاهل محدث في الدين حدثا عظيما لا يملك على فعله دليلا من كتاب أو سنة، بل إن فعله هذا يُعدّ كفرا، لأن من كفر مسلما فقد كفر، والحكم على جمهور المسلمين بالكفر لاشك أنه كفر، أو الانتظار والتبيّن والتوقف الذي ينادون به لاشك أيضا أنه زندقة وابتداع لا دليل عليه من كتاب أو سنة، بل أمرنا الكتاب والسنة بالحكم بالإسلام لكل من أظهر شيئا من الدين وأعلن الدخول في الإسلام حتى لو كان منافقا كاذبا كالأعراب الذين أعلنوا الإسلام ولم يفهموه ولم يعلموا حقائق الإيمان بعد، وكالمتعوذين الخائفين الذين قد يعلنون الإسلام خوفا من السيف، وكالطامعين المنافقين الذين قد يعلنون الإسلام ويخفكن من الكفر ما الله به عليم، وكل أولئك أمرنا الله أن نقبل علانيتهم وندع سرائرهم إلى الله سبحانه وتعالى، كما قبل النبي صلى الله عليه وسلم علانية المنافقين وعاملهم بذلك، ولم يعاملهم بما أظهر الله سبحانه وتعالى للنبي من أسرارهم0،وبما وقف عليه الرسول نفسه من أخبارهم، بل ترك معاقبتهم على سوء نيتهم لله سبحانه وتعالى.
4 - متى يجوز أن نحكم على المسلم بالكفر؟
المسلم من أعلن شيئا من شعائر الإسلام: شهادة أو صلاة أو إحراما ونحو ذلك، ولو لم0نعلم شيئا عن صلاحه أو تقواه، وهذا المسلم المعلم للإسلام يجب أن نجري عليه أحكام الإسلام من إلقاء للسلام عليه ومحبته وموالاته ما لم يخرج من هذا الدين، ولا يجوز لنا أن نُخرِج مسلما من دائرة الإسلام إلا وفق القواعد الآتية:
أولا: أن يعلن الفرد عن نفسه أنه كافر، أو يلتحق بأعداء الإسلام في أرض الحرب فيكون معهم على المسلمين، أو يعبد عبادات الكفار، كمثل هذا لاشك في كفره وردته.
ثانيا: أن يقول قولا أو يعتقد عقيدة من عقائد الكفر غير متأول، كمن قال: إن الله في كل مكان ولم يشهد بأنه سبحانه وتعالى فوق عرشه وأن عرش الله فوق سماواته، أو من قال لا حكم لله إلا ف العبادات فقط وأما في السياسات والمعاملات فالحكم لنا أو للأمة، ومن ادعى أن بشرا غير الرسل معصومون عن الخطأ، وأنهم يشفعون عند الله وإن لم يأذن الله لهم، أو من ادعى علم الغيب أو شهد به لغير الله، أو من يطلعهم الله على الغيب من الرسل فقط، هذا وغيره من اعتقادات وأقوال حكم عامة السلف على كفر قائلها ومعتقدها، ولكنهم لا يكفرون قائلها ومعتقدها إلا إذا أقيمت عليه الحجة وعرف أن هذه العقيدة التي يعتقدها والقول الذي يقوله كفر بالله، وكان في ذلك غير متأول لآية من كتاب الله أو حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: من عمل عملا حكم الله أو رسوله على فاعله بأنه كافر كمن حكم في قضية ما وهو يعلم أنه يحكم بغير حكم الله سبحانه وتعالى، حيث يقول سبحانه وتعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} وكذلك من ترك الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم: [بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة]، وكذلك من رمى مسلماً بالكفر لقوله صلى الله عليه وسلم: [من قال لأخيه ياكافر وليس كما يقول إلا حار عليه] أي إلا رجع عليه الوصف، وكذلك من انتسب إلى غير أبيه وهو يعلمه، لقوله: [من انتسب لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر]. وهذه الأعمال وغيرها مما حكم الله ورسوله على فاعلها بالكفر، فلا شك أيضا أنه لا يُكفّر فاعلها إلا إذا كان عالما بأن ما يفعله مما نهى الله عنه وكفّر فاعله وذلك لقوله تعالى: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} وكذلك أن لا يكون مضطرا في ضرورة ملجئة لا حيلة له معها.
وإن كان علماء المسلمين في مثل هذا الباب قد وقفوا موقفين من حيث الحكم بالكفر، فقال بعضهم من عمل عملا قد حكم الله على فاعله بالكفر فهو كافر كفرا مخرجا من ملة الإسلام، وإنّ صاحبه مخلد في النار.. وآخرون رأوا مثل هذه الأعمال كفرها دون كفر الاعتقاد، وهؤلاء لا يجعلون كفرا يخرج من ملة الإسلام إلا الكفر الاعتقادي فقط، وأما الكفر العملي فيرونه كفرا دون كفر لا يخرج من ملة الإسلام وهذا رأي ابن عباس من الصحابة وجمهور العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي.
وعلى كل حال فلا يجوز الحكم على مسلم بعينه بمكفر من هذه المكفرات قبل إقامة الحجة عليه والإعذار إلى الله فيه، ومعرفة بواطن أموره ولماذا صنع مثل ذلك.
ووفق هذه القواعد الثلاث نستطيع القول إن حكمنا على مسلم ما بأنه قد كفر يكون حكما صحيحا، وأما إطلاق القول على عواهنه في تكفير كل من فعل مكفّرا وإن لم تقم الحجة عليه، وكل من اعتقد عقيدة كفرية، وإن كان متأولا فلا شك أن هذا باطل وزور.
وأما إطلاق الحكم على مجتمعاتنا كلها بأنها كافرة وجاهلية وبالتالي على من لم يعرف من الإسلام بأنه كافر لأنه يعيش في مجتمع زعموه كافرا فلا شك أن مثل هذا من الضلال البيّن لأنه تكفير للمسلمين وهدم للإسلام.
(يتبـــــــــــــــع)
بلادي و إن جارتْ علي عزيزة ٌ** و قومي و إن ضنوا علي كِرامُ
من مواضيعي
0 من وصايا رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه
0 حول احتفالات رأس (أو رقص) السنة
0 لجنة جمع القرآن في العهد العثماني
0 حتى تصير العربية لغة مصانع الصلب في الحجار ومعامل تكرير الغاز في سكيكدة وآرزيو
0 يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة
0 نكسة المدرسة الفرنسية
0 حول احتفالات رأس (أو رقص) السنة
0 لجنة جمع القرآن في العهد العثماني
0 حتى تصير العربية لغة مصانع الصلب في الحجار ومعامل تكرير الغاز في سكيكدة وآرزيو
0 يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة
0 نكسة المدرسة الفرنسية