تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رشيد أيلال والتجني على صحيح البخاري
19-11-2017, 03:44 PM
رشيد أيلال والتجني على صحيح البخاري
الجزء الأول
محمد بوالروايح

ابتليت الأمة الإسلامية في عصر الحداثة وعصر ما بعد الحداثة بكتاب يصفون أنفسهم أو يصفهم أتباعهم بالعقلانيين الذين يحتكمون إلى العقل في كل شاردة وواردة، ويوليه أكثرهم قداسة تجعله فوق النقل، بل أكثر من هذا ناقضا للنقل!!؟، فانتقلنا بسبب ذلك من إشكالية التناقض بين العقل والنقل إلى اعتماد العقل واغتيال النقل!!؟.
والمؤسف: أن من هذه الفئة باحثين من بني جلدتنا ويتكلمون بلساننا، ويدعون أنهم يفعلون هذا من أجل:" عقلنة النصّ الإسلامي وتنزيهه من المرويات التي تجافي العقل وتنافي المنطق!!؟".
ظهرت في زماننا:(جماعة الرشديين): همُّها التشكيك في التراث الإسلامي تحت ذريعة التنقيب التاريخي والتمحيص العلمي، فقرأنا وسمعنا عن سلمان رشدي ومفترياته في كتاب:( آيات شيطانية)، ونقرأ ونسمع عن نابغة قناة (الحياة): رشيد المغربي، وها هو: ثالث الرشديين المعاصرين: رشيد أيلال يطلع علينا بكتاب سماه: ( صحيح البخاري.. نهاية أسطورة)، والذي احتفى به العلمانيون والحداثيون احتفاءً غير مسبوق: كونه يمثل بالنسبة لهم قيمة مضافة في نضالهم الفكري المناهض لكل ما هو:" ديني وإسلامي على وجه الخصوص!!؟".
والغريب: أن رشيد أيلال يُظهر نفسه في مقدمة الكتاب على أنه إنما يفعل هذا: دفاعا عن السنة التي تعرضت -حسب زعمه- لكثير من التسفيه والتشويه!!؟، وهو ما حفزه لكتابة كتابه سالف الذكر الذي ضمنه كما يقول حشدا من الأدلة القاطعة والحجج الدامغة التي تنهي وبشكل حاسم:"أسطورة كانت ولا تزال تحظى بهالة من التقديس لدى عموم المسلمين"، ويقصد بذلك كتاب "صحيح البخاري".
ولأن من مقتضيات النقد العلمي: معرفة المصدر الذي يُرام نقده، فقد اضطررتُ لقراءة هذا الكتاب من جلدته إلى جلدته مع تجاوز بعض الفقرات لعدم أهمِّيتها، وها أنا أقدِّم للقراء خلاصة ما انتهيت إليه بكل موضوعية.

من هو رشيد أيلال!!؟:
من الطبيعي أن من ينتقد شيئا: ينبغي أن يكون عالما بأصوله، عارفا بمسائله، محيطا قدر الإمكان بمضامينه، مدركا لما كتبه من سبقوه، فإذا لم تتحقق في الناقد هذه الشروط أو أكثرها، فإن انتقاده لغيره لا يُعتدُّ به.
ويبدو أن رشيد أيلال من الصنف الذي ينطبق عليه هذا الوصف، فقد أقحم نفسه في علم الرواية وهو فيها:" عيّ جاهل لا يعرف قليلها ولا كثيرها، ولا يفقه شيئا من أصولها وفروعها"، فكل ما نقله الإعلام عن أيلال: أنه كاتبٌ باحث في نقد التراث الديني وعلم مقارنة الأديان، وصحفي بجريدة:( رسالة الأمة) المغربية، وأن له عدة مقالات في هذا المجال منشورة في عديد المجلات والمواقع الإلكترونية، كما أن له سلسلة محاضرات بعنوان:"انتحار الفقيه" في قناته على اليوتيوب، هذا ما يسوِّق الإعلام، فإذا جئنا نختبر حقيقته وحجمه المعرفي: لم نجده شيئا مذكورا!!؟؛ فهو من الذين ينتسبون إلى الفكر الديني من غير استحقاق معرفي، ومن الذين يحسبون أنفسهم من الضالعين في مقارنة الأديان من غير استحقاق معرفي أيضا، شأنه في ذلك شأن رشيد المغربي الذي يدّعي علما بكل شيء، وهو لا يعلم شيئا!!؟.
ومن الضروري هنا: أن أشيد بكتاب الباحث الفلسطيني:"يوسف سمرين" بعنوان:( بيع الوهم: تهافت طرح رشيد أيلال على صحيح البخاري)، فقد عرَّى صفحته، وكشف كما هائلا من السرقات العلمية في كتابه، وكانت بداية ردود يوسف سمرين على ما قاله عبد النبي الشراط، مدير دار النشر "الوطن" التي طبعت الكتاب، والذي لم يُخف إعجابه برشيد أيلال و"جرأته العلمية" و"كفاءته التاريخية" و"نظرته الثاقبة والناقدة لمصادر التراث الحديثي" وفي مقدمتها(صحيح البخاري)، حيث كتب بأن ما قام به رشيد أيلال "جهدٌ كبير" يضاف إلى جهود باحثين آخرين من شاكلة ما كتبه باحثان بعنوان:( آذان الأنعام: دراسة قرآنية علمية لنظرية داروين في الخلق والتطوّر)، حيث يقولان فيه عن داروين:
"لا يشك أحدٌ في أنه مات موحِّدا على الفطرة السليمة!!؟".
ومن شاكلة ذلك أيضا كتاب:(أمي كاملة عقل ودين) لعماد حسن، وكتاب: (سراق الله، الإسلام السياسي في المغرب: تأملات في النشأة والخطاب والأداء): لإدريس هاني.
وذكر يوسف سمرين: أن أهم ما يميز:( كتاب رشيد أيلال):
" أنه فهم بالمقلوب، ومجرد معارضة واستنساخ، وأن صاحبه باحثٌ غير باحث، وأنه خلط أصول الفقه بمباحث الحديث، وأنه أخطر من ذلك تحرّى أسلوب الكذب".
وأضاف يوسف سمرين بأن الشيخ: حسن الكتاني كتب في تدوينة له على الفايسبوك بأن عبد النبي الشراط: مدير دار النسر "الوطن" التي طبعت الكتاب، كان محسوبا على الحركة الإسلامية، ثم ترفَّض أي: تبنَّى عقائد الرافضة، وأصبح من غلاة الشيعة، ومن ثم، فإنه لا داعي للاستغراب من اتحاد رافضي علماني.
ومما يدل –حسب يوسف سمرين- على جهل رشيد أيلال بعلم الرواية: إقحامه لنصوص دخيلة على النص الأصلي للأحاديث المذكورة في صحيح البخاري، والأخطاء الظاهرة والمتكررة في التخريج، ويعلق على هذا بقوله: "هذا حال باحث يريد أن ينقد البخاري!!؟".
وفي كتاب سمرين أمثلة كثيرة لهذه الأخطاء لا يتسع المقام لذكرها، ولكنني أحيل القراء إليها في كتابه:( بيع الوهم).
وأزيد على ما ذكره يوسف سمرين بأن أيلال يدعي نقد البخاري، ولكنه لا يتردد، في سياق الاستدلال على ما سماه "نهي الرسول عن تدوين كلامه" من الاستشهاد ببعض الأحاديث التي رواها الدرامي شيخ البخاري، فالطعن في البخاري يتنافى مع الاعتماد على روايات أخذها عن شيخه "الدرامي"، إذ أنَّ التلميذ ليس في أكثر حالاته إلا صورة لشيخه، فما هو تفسير هذا التناقض!!؟.
ويضاف إلى ذلك: أن أيلال كما قرأنا في كتابه: يتهم التراث الديني الحديثي في المقام الأول بأنه تراثٌ مغشوش، وأن غربلته أمرٌ لا غنى عنه، فكيف يتفق هذا مع اعتماده على هذا التراث المغشوش -حسب زعمه- لتأكيد النهي النبوي عن تدوين الأحاديث!!؟.
وماذا يعرف أيلال عن تدوين الأحاديث إلا ما قرأه في كتب وكتابات المستشرقين والحداثيين!!؟، ويدّعي أيلال بأن ما أشيع بأنه:( صحيح البخاري): ليس إلا نسخة للمستشرق "منجانا"!!؟، ولم نقرأ في كتابات هذا المستشرق شيئا عن ذلك!!؟، وهو بالتأكيد: محض افتراء، ولو كان هذا صحيحا: لسارع "منجانا" نفسه إلى تأكيده وتبنِّيه، لأنه يمثل بالنسبة له: إنجازا غير مسبوق في مجال نقد التراث الديني الإسلامي.

منهجٌ عجيب!!؟.
لم يجد رشيد أيلال في محاولته تأكيد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تدوين كلامه بُدّا من الرجوع إلى تفسير:(فتح الباري): للحافظ ابن حجر العسقلاني، ولكنه يعود في آخر الكتاب ليقول عنه: " يعتبر الحافظ ابن حجر العسقلاني من أشد المنافحين والمدافعين عن كتاب الجامع الصحيح عبر التاريخ، وشرحه "فتح الباري" من أشهر الشروح، وأكثرها اعتمادا لدى الشيوخ المعاصرين، وابن حجر تحمَّل عبء تبرير مجموعة من المتناقضات التي تعتمل في هذا الكتاب، كما حاول جاهدا أن يتصدى لحجم الانتقادات التي تم توجيهها لكتاب صحيح البخاري، لكن رغم ذلك كله، وجد نفسه مرات عدة في ورطة، جعلته يحار في الدفاع عن هذا الكتاب، واعترف مرات عدة بأنه كان يتكلف أحيانا في الرد على المنتقدين".

أيلال رافضٌ للتراث الحديثي والديني!!؟.
يظهر من كتاب:( صحيح البخاري، نهاية أسطورة): أن أيلال من الصنف من الباحثين الرافضين للتراث الحديثي والديني بصفة عامة بدعوى أن هذا التراث:" تراثٌ يشوبه القصور، ولا يقوى على الصمود أمام النقد العلمي!!؟"، وقد وقفتُ في مواضع كثيرة من كتابه على كلام متناقض وموقف مضطرب من الفكر الديني، ومن ثم ننتهي إلى نتيجة، وهي أن نقد صحيح البخاري ليس إلا مطيَّة ركبها أيلال من أجل أن يمهِّد بها الطريق مستقبلا لكتابات أكثر جرأة على التراث الإسلامي، وما يدل على ذلك ما جاء في مقدمة الكتاب:
".. وما ساعد على هذه الحركة الفكرية بخصوص انتقاد التراث الديني، ما يعيشه العالمُ اليوم من ثورة علمية غير مسبوقة أيضا، جعلت العقل البشري يتبوأ مكانة السيادة والريادة في جميع المجالات، فاتحا مستقبل البشرية جمعاء على آفاق واسعة من التقدم المذهل في شتى مناحي الحياة".

كثرة النسخ لا تطعن في المنسوخ.
من القواعد المتفق عليها بين جمهور المحققين:" أن كثرة النسخ لا تطعن في المنسوخ"، ومن القواعد المتفق عليها بين أهل الحديث:" أن كثرة الرواة والروايات لا تطعن في صحة الحديث بل تقوِّيه"، أما رشيد أيلال، فيخالف هذا ويدَّعي بأن اختلاف نسخ صحيح البخاري: دليل على أن هذا الكتاب لم تثبت نسبته إلى البخاري!!؟، وأنه قد يكون من إنشاء المستشرق: "منجانا" أو كاتب آخر مجهول!!؟.
ومن الغريب: أن أيلال يرى من جهة: أن اختلاف نسخ صحيح البخاري من الضربات القاصمة الموجهة لصحيح البخاري، لكنه من جهة أخرى يستشهد بما أورده الحافظ ابن حجر العسقلاني في:( فتح الباري): ما نعدّه ويعدّه كل باحث متبصِّر حجة عليه لا له، هذا بالإضافة إلى أن اختلاف الروايات في صحيح البخاري يُعزى إلى التقديم والتأخير، ولا يرقى ليمثل قصورا معيبا يكون مساغا لطعن مبالغ فيه.

قصة تأليف كتاب الصحيح.
الذي اطلع على قصة تأليف:( كتاب صحيح البخاري): يعلم بأن هذا الكتاب من تأليف البخاري قولا واحدا، ولا صحة للأقوال التي تذهب إلى نسبته إليه على وجه الترجيح كما ظن بعضهم، أو نفي نسبته إليه كما يدعي رشيد أيلال!!؟، فالصحيح هو: خلاصة بحث مضنٍ، فلم يتعجل البخاري في إخراجه، وأتبعه بكثير من المراجعة والتنقيح والاستقصاء حتى خرج في صورته النهائية، واتبع منهجا صارما، ووضع شروطاً لقبول رواية راوي الحديث، وهي: أن يكون معاصرا لمن يروي عنه، وأن يكون قد سمع الحديث منه، إلى جانب الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع، ووصل في النهاية إلى اختيار الأحاديث الصحيحة من عددٍ هائل من الأحاديث التي وقف عليها، فكيف يُقبَل من أيلال بعد ذلك: الادعاء بأنه لا علاقة للبخاري بالجامع الصحيح، ولا علاقة للجامع الصحيح بالبخاري!!؟، أو يتلطف في ذلك شيئا قليلا بالقول: بأن البخاري لم يكمل كتابة الصحيح، وأكمله بعض تلاميذه، فحذفوا منه وأضافوا إليه!!؟.

من الهراء ادِّعاء فارسية البخاري!!؟.
لا أدري على أي مصدر اعتمد رشيد أيلال في ادعاء فارسية الإمام البخاري مع أن كل التراجم تشير إلى أن البخاري ليس فارسي الأصل، فهو من بخارى على نهر جيحون، وأنه تعلَّم اللغة العربية وتضلع فيها، وأنه اشترط في المحدِّث: أن يكون عالما بالعربية، مُتقنا لفنونها وعلومها، فهل يُعقل أن يشترط البخاري شروطا في غيره، وهي منتفية فيه!!؟.

يُتبع إن شاء الله.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: رشيد أيلال والتجني على صحيح البخاري
27-11-2017, 09:48 AM

رشيد أيلال والتجني على صحيح البخاري
الجزء الثاني

ينتمي رشيد أيلال فكريا إلى ما يمكن تسميته:(المدرسة الفكرية الرافضية) التي تضم كتابا علمانيين متسترين وراء :(حرية التفكير) التي لا تقف عند حدود، بل تطال المقدس وغير المقدس، وتدعو إلى رفض النص الديني الذي شكل -كما يزعمون- على مدار التاريخ العربي الإنساني: الشخصية النقلية القاصرة عن إدراك الحقائق التي تختفي وراء النصوص، والتي لا سبيل إليها إلا بالاحتكام إلى العقل للحكم على النقل.
لذلك، يجب أن لا نعجب من كثرة الإشادة بالعقل في مؤلفات هؤلاء، وكأنه حكرٌ عليهم، حجر على غيرهم!!؟، كما في كتاب:( جناية البخاري.. إنقاذ الدين من إمام المحدثين): لزكريا أوزون الذي يُعدُّ واحدا من المفكرين العلمانيين الذي نجد بصمته الفكرية ظاهرة في كتاب:(صحيح البخاري، نهاية أسطورة): لرشيد أيلال، ولو أن هذا الأخير لم يُشر إلى مظاهر هذا التأثر، مكتفيا في المقدمة بالقول إنه:"مجرد باحث عن الحقيقة التي يرشده إليها عقله" حتى إنه يدعي بأنه:"يهدي هذا الكتاب إلى كل من أعيته خرافات وتناقضات المرويات، وحار أمرُه بين تمحيصها أو تقديسها!!؟"، ولكن التحري كشف لي عن خلفية التجني على صحيح البخاري عند أيلال، والتي ورثها من زكريا أوزون في كتابه:( جناية البخاري.. إنقاذ الدين من إمام المحدثين)، فما انتهيت إليه من هذا التحري ومن المقارنة بين كتاب (صحيح البخاري نهاية أسطورة)، وبين هذا الكتاب هو: أن أيلال أعاد نسج الشبهات حول صحيح البخاري على طريقته، ولكن مضامينها مأخوذة بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشِرة من كتاب:(جناية البخاري)، سواء ما تعلق بالطعن في الروايات الواردة في صحيح البخاري، أو ما تعلق بنسخه وتناقضاتها على حد زعم أيلال وزكريا أوزون!!؟، أو ما تعلق أساسا بقضية كون السنة ناسخة للقرآن، والمفهوم الغريب الذي يعدُّ ابتداعا وبراءة اختراع لأيلال!!؟، وهو أن:"السنة قاضية على القرآن"، فقد تشابهت موضوعات الكتابين وإن اختلفت الصياغة!!؟، ولا بد أن أشير هنا إلى أن تأثير فكر زكريا أوزون واضح في كتاب:(صحيح البخاري.. نهاية أسطورة)، لأن زكريا أوزون يعدّ من كبار الرافضين للنص الإسلامي، وله سلسلة في ذلك سميتها سلسلة:( الجنايات)، ومنها:(جناية سيبويه.. الرفض التام لما في النحو من أوهام"، و:( جناية الشافعي، تخليص الأمة من فقه الأئمة)، بالإضافة إلى كتبه الساخرة من أركان الإسلام مثل:(الصلاة.. عسكرة الرحمان)، و:(الزكاة إتاوة العربان)، و:(الإسلام.. هل هو الحل؟)، و:(لفق المسلمون إذ قالوا).
والخلاصة:
أن زكريا أوزون عمد إلى أصول الفكر الإسلامي اللغوية والفقهية والعقدية فنقضها، وركز في ذلك على نقد عمالقة هذا الفكر، فحمل على:( سيبويه النحوي، والشافعي الفقيه، والبخاري المحدث)، وذلك لما يتمتع به هؤلاء من إجماع لدى الأمة، ولم يتردَّد أيلال في تكرار شبهات وترهات زكريا أوزون، وأخرج لنا في النهاية كتابا مثيرا للعجب!!؟، ولا أقول مثيرا للجدل، لأن الجدل له مقوِّماته المنهجية والمعرفية التي أجدها غائبة في هذا الكتاب، أليس من الدواهي أن يتجرأ كاتبٌ مغمور مغرور مثل: رشيد أيلال ومهندسٌ استشاري مختص في دراسات الإسمنت المسلح وأعمال التدعيم الإنشائي على صحيح البخاري الذي أطبق العلماءُ على كونه:" أصح الكتب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى!!؟".

أيلال ينحو منحى الشيعة.
اطلعت على كتاب:(كشف المتواري في صحيح البخاري): لمحمد جواد خليل، الذي يذكر فيه بأن ما قيل في انتقاد صحيح البخاري الذي وصل إلى حد الافتراء بأنه "كتابٌ مزوَّر!!؟" كان بسبب بعض الإضافات والإقحامات على نصّ البخاري، والتي نجدها -كما أضاف- في كتب الشيعة، حيث يقول محمد جواد خليل في مقدمة كتابه سالف الذكر:
" ..اعلم أخي أن صحيح البخاري ومسلم يعتبران من أصحِّ الكتب عند العامة، وتأتي مرتبتهما بعد القرآن مباشرة، ثم تأتي بقية الكتب، وهي السنن الأربعة، فهذه هي الكتب الستة التي يعتمد عليها أهلُ العامة، وإنني ولدى قراءتي لبعض كتب إخواني الشيعة لاحظت أنهم عندما يستشهدون بحديث في البخاري يقولون بأنه محذوف في الطبعات الجديدة منه، أو أن الطبعة التي بين أيديهم قد تلاعبت الأيدي فيها بالحديث وقامت بتحريفه، وكل ذلك وهم، وقد اختلط عليهم الأمر وذلك لأسباب منها، التبويب الرديء لصحيح البخاري، هذا بالإضافة إلى أنهم يروون بالمعنى والمضمون، ولنضرب أمثلة على ذلك:
قال الشهيد محمد باقر الصدر في كتابه:(فدك في التاريخ): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني دافعٌ الراية إلى رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، لا يرجع حتى يُفتح له"، ويقول في الهامش:"لا يرجع" (البخاري، ج 5، ص 18
أقول: "كلمة "لا يرجع" لا توجد في صحيح البخاري، إذن فالسيد الشهيد روى عن المضمون، وذلك مما لا يقبله أهل العامة، والواجب أن نأتي بالنص الموجود في البخاري وبلفظه".
وهناك أمثلة أخرى عن هذا التحريف لكلام البخاري في الكتاب الذي أشرت إليه، وقد اعتمد أيلال على هذه التحريفات للطعن في صحيح البخاري، وأكبر من ذلك، فإن الذي وقفتُ عليه أنه يخلط في كثير من المواضع بين كلام البخاري وكلام الحافظ ابن حجر العسقلاني في:(فتح الباري)، ولذلك تصدق عليه مقولة أحد الباحثين:
"هناك من سُئل عن البخاري، فقال: لا أجد هذا في مقدمة البخاري، مع أن العام والخاص يعلم أن البخاري رحمه الله لم يجعل مقدمة لكتابه، وإنما المقدمة موجودة في "فتح الباري".

كثرة الاقتباس وغياب التأسيس.
قاصمة الظهر بالنسبة لرشيد أيلال هي:" كثرة الاقتباس وغياب التأسيس"، ولا يعني هذا: أنني أعيب عليه كثرة الاقتباس، لأن الاقتباس مما يقتضيه البحث العلمي، ولكن أعيب عليه: أنه نحا في الاقتباس منحى العوام، فجاء كتابه طافحا بالطوام، مليئا بالأوهام، لأنه يعوِّل على الاقتباس ويعجز عن التأسيس، ينقل ولا يعي ما ينقل!!؟، وقد سبقني الباحث يوسف سمرين في كتابه:( بيع الوهم.. تهافت طرح رشيد أيلال عن صحيح البخاري) إلى الإشارة إلى ذلك بما يتعارض -كما قال- مع ما جاء في العرض على خلاف الكتاب بقلم الناشر: "وإن كان المؤلف لم يأت بشيء من عنده، فإنه قد بذل جهدا مضنيا في البحث والتنقيب، الذي أخذ منه سنوات!!؟".
والمتعارف عليه: أن الغاية من البحث العلمي الجِدَّة والابتكار، فلا يُقبل ألا يأت الباحث بشيء من عنده، وإلا يصبح مجرد ناقل: لا أقل من ذلك ولا أكثر!!؟.
ومن المضحكات التي أشار إليها يوسف سمرين: أن كتاب أيلال يعجُّ باقتباسات لا حصر لها من مواقع الانترنت وبعض المقالات، ثم يقف حيالها عاجزا عن الإفاضة والإضافة، فهل هذا:( جهدُ سنين، أم هو عمل المحتالين الذين يسطون على أفكار الآخرين، ثم ينسجون منها كتابا!!؟": كما فعل أيلال الذي ادَّعى أنه حسمَ الجدل حول صحيح البخاري، وأنه قد توصل إلى ما عزب عن غيره من أن هذا الكتاب "أسطورة كانت وانتهت!!؟"، مع أن عمله في الكتاب لا يختلف منهجيا: تجاوزا عن أي عمل يقوم به المبتدئون في البحث العلمي:" ينقل من هنا وهناك، ثم يجعله نصا متراكما وفقرات آخذ بعضها بعناق بعض، ثم يخرجه إلى القراء، ليضحك على أذقانهم، ويستخف بعقولهم رافعا عقيرته: "هاؤم اقرؤوا كتابيه!!؟".
  • ملف العضو
  • معلومات
sabrina88
زائر
  • المشاركات : n/a
sabrina88
زائر
رد: رشيد أيلال والتجني على صحيح البخاري
27-11-2017, 06:17 PM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمازيغي مسلم مشاهدة المشاركة


رشيد أيلال والتجني على صحيح البخاري

الجزء الأول

محمد بوالروايح

ابتليت الأمة الإسلامية في عصر الحداثة وعصر ما بعد الحداثة بكتاب يصفون أنفسهم أو يصفهم أتباعهم بالعقلانيين الذين يحتكمون إلى العقل في كل شاردة وواردة، ويوليه أكثرهم قداسة تجعله فوق النقل، بل أكثر من هذا ناقضا للنقل!!؟، فانتقلنا بسبب ذلك من إشكالية التناقض بين العقل والنقل إلى اعتماد العقل واغتيال النقل!!؟.
والمؤسف: أن من هذه الفئة باحثين من بني جلدتنا ويتكلمون بلساننا، ويدعون أنهم يفعلون هذا من أجل:" عقلنة النصّ الإسلامي وتنزيهه من المرويات التي تجافي العقل وتنافي المنطق!!؟".
ظهرت في زماننا:(جماعة الرشديين): همُّها التشكيك في التراث الإسلامي تحت ذريعة التنقيب التاريخي والتمحيص العلمي، فقرأنا وسمعنا عن سلمان رشدي ومفترياته في كتاب:( آيات شيطانية)، ونقرأ ونسمع عن نابغة قناة (الحياة): رشيد المغربي، وها هو: ثالث الرشديين المعاصرين: رشيد أيلال يطلع علينا بكتاب سماه: ( صحيح البخاري.. نهاية أسطورة)، والذي احتفى به العلمانيون والحداثيون احتفاءً غير مسبوق: كونه يمثل بالنسبة لهم قيمة مضافة في نضالهم الفكري المناهض لكل ما هو:" ديني وإسلامي على وجه الخصوص!!؟".
والغريب: أن رشيد أيلال يُظهر نفسه في مقدمة الكتاب على أنه إنما يفعل هذا: دفاعا عن السنة التي تعرضت -حسب زعمه- لكثير من التسفيه والتشويه!!؟، وهو ما حفزه لكتابة كتابه سالف الذكر الذي ضمنه كما يقول حشدا من الأدلة القاطعة والحجج الدامغة التي تنهي وبشكل حاسم:"أسطورة كانت ولا تزال تحظى بهالة من التقديس لدى عموم المسلمين"، ويقصد بذلك كتاب "صحيح البخاري".
ولأن من مقتضيات النقد العلمي: معرفة المصدر الذي يُرام نقده، فقد اضطررتُ لقراءة هذا الكتاب من جلدته إلى جلدته مع تجاوز بعض الفقرات لعدم أهمِّيتها، وها أنا أقدِّم للقراء خلاصة ما انتهيت إليه بكل موضوعية.

من هو رشيد أيلال!!؟:
من الطبيعي أن من ينتقد شيئا: ينبغي أن يكون عالما بأصوله، عارفا بمسائله، محيطا قدر الإمكان بمضامينه، مدركا لما كتبه من سبقوه، فإذا لم تتحقق في الناقد هذه الشروط أو أكثرها، فإن انتقاده لغيره لا يُعتدُّ به.
ويبدو أن رشيد أيلال من الصنف الذي ينطبق عليه هذا الوصف، فقد أقحم نفسه في علم الرواية وهو فيها:" عيّ جاهل لا يعرف قليلها ولا كثيرها، ولا يفقه شيئا من أصولها وفروعها"، فكل ما نقله الإعلام عن أيلال: أنه كاتبٌ باحث في نقد التراث الديني وعلم مقارنة الأديان، وصحفي بجريدة:( رسالة الأمة) المغربية، وأن له عدة مقالات في هذا المجال منشورة في عديد المجلات والمواقع الإلكترونية، كما أن له سلسلة محاضرات بعنوان:"انتحار الفقيه" في قناته على اليوتيوب، هذا ما يسوِّق الإعلام، فإذا جئنا نختبر حقيقته وحجمه المعرفي: لم نجده شيئا مذكورا!!؟؛ فهو من الذين ينتسبون إلى الفكر الديني من غير استحقاق معرفي، ومن الذين يحسبون أنفسهم من الضالعين في مقارنة الأديان من غير استحقاق معرفي أيضا، شأنه في ذلك شأن رشيد المغربي الذي يدّعي علما بكل شيء، وهو لا يعلم شيئا!!؟.
ومن الضروري هنا: أن أشيد بكتاب الباحث الفلسطيني:"يوسف سمرين" بعنوان:( بيع الوهم: تهافت طرح رشيد أيلال على صحيح البخاري)، فقد عرَّى صفحته، وكشف كما هائلا من السرقات العلمية في كتابه، وكانت بداية ردود يوسف سمرين على ما قاله عبد النبي الشراط، مدير دار النشر "الوطن" التي طبعت الكتاب، والذي لم يُخف إعجابه برشيد أيلال و"جرأته العلمية" و"كفاءته التاريخية" و"نظرته الثاقبة والناقدة لمصادر التراث الحديثي" وفي مقدمتها(صحيح البخاري)، حيث كتب بأن ما قام به رشيد أيلال "جهدٌ كبير" يضاف إلى جهود باحثين آخرين من شاكلة ما كتبه باحثان بعنوان:( آذان الأنعام: دراسة قرآنية علمية لنظرية داروين في الخلق والتطوّر)، حيث يقولان فيه عن داروين:
"لا يشك أحدٌ في أنه مات موحِّدا على الفطرة السليمة!!؟".
ومن شاكلة ذلك أيضا كتاب:(أمي كاملة عقل ودين) لعماد حسن، وكتاب: (سراق الله، الإسلام السياسي في المغرب: تأملات في النشأة والخطاب والأداء): لإدريس هاني.
وذكر يوسف سمرين: أن أهم ما يميز:( كتاب رشيد أيلال):
" أنه فهم بالمقلوب، ومجرد معارضة واستنساخ، وأن صاحبه باحثٌ غير باحث، وأنه خلط أصول الفقه بمباحث الحديث، وأنه أخطر من ذلك تحرّى أسلوب الكذب".
وأضاف يوسف سمرين بأن الشيخ: حسن الكتاني كتب في تدوينة له على الفايسبوك بأن عبد النبي الشراط: مدير دار النسر "الوطن" التي طبعت الكتاب، كان محسوبا على الحركة الإسلامية، ثم ترفَّض أي: تبنَّى عقائد الرافضة، وأصبح من غلاة الشيعة، ومن ثم، فإنه لا داعي للاستغراب من اتحاد رافضي علماني.
ومما يدل –حسب يوسف سمرين- على جهل رشيد أيلال بعلم الرواية: إقحامه لنصوص دخيلة على النص الأصلي للأحاديث المذكورة في صحيح البخاري، والأخطاء الظاهرة والمتكررة في التخريج، ويعلق على هذا بقوله: "هذا حال باحث يريد أن ينقد البخاري!!؟".
وفي كتاب سمرين أمثلة كثيرة لهذه الأخطاء لا يتسع المقام لذكرها، ولكنني أحيل القراء إليها في كتابه:( بيع الوهم).
وأزيد على ما ذكره يوسف سمرين بأن أيلال يدعي نقد البخاري، ولكنه لا يتردد، في سياق الاستدلال على ما سماه "نهي الرسول عن تدوين كلامه" من الاستشهاد ببعض الأحاديث التي رواها الدرامي شيخ البخاري، فالطعن في البخاري يتنافى مع الاعتماد على روايات أخذها عن شيخه "الدرامي"، إذ أنَّ التلميذ ليس في أكثر حالاته إلا صورة لشيخه، فما هو تفسير هذا التناقض!!؟.
ويضاف إلى ذلك: أن أيلال كما قرأنا في كتابه: يتهم التراث الديني الحديثي في المقام الأول بأنه تراثٌ مغشوش، وأن غربلته أمرٌ لا غنى عنه، فكيف يتفق هذا مع اعتماده على هذا التراث المغشوش -حسب زعمه- لتأكيد النهي النبوي عن تدوين الأحاديث!!؟.
وماذا يعرف أيلال عن تدوين الأحاديث إلا ما قرأه في كتب وكتابات المستشرقين والحداثيين!!؟، ويدّعي أيلال بأن ما أشيع بأنه:( صحيح البخاري): ليس إلا نسخة للمستشرق "منجانا"!!؟، ولم نقرأ في كتابات هذا المستشرق شيئا عن ذلك!!؟، وهو بالتأكيد: محض افتراء، ولو كان هذا صحيحا: لسارع "منجانا" نفسه إلى تأكيده وتبنِّيه، لأنه يمثل بالنسبة له: إنجازا غير مسبوق في مجال نقد التراث الديني الإسلامي.

منهجٌ عجيب!!؟.
لم يجد رشيد أيلال في محاولته تأكيد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تدوين كلامه بُدّا من الرجوع إلى تفسير:(فتح الباري): للحافظ ابن حجر العسقلاني، ولكنه يعود في آخر الكتاب ليقول عنه: " يعتبر الحافظ ابن حجر العسقلاني من أشد المنافحين والمدافعين عن كتاب الجامع الصحيح عبر التاريخ، وشرحه "فتح الباري" من أشهر الشروح، وأكثرها اعتمادا لدى الشيوخ المعاصرين، وابن حجر تحمَّل عبء تبرير مجموعة من المتناقضات التي تعتمل في هذا الكتاب، كما حاول جاهدا أن يتصدى لحجم الانتقادات التي تم توجيهها لكتاب صحيح البخاري، لكن رغم ذلك كله، وجد نفسه مرات عدة في ورطة، جعلته يحار في الدفاع عن هذا الكتاب، واعترف مرات عدة بأنه كان يتكلف أحيانا في الرد على المنتقدين".

أيلال رافضٌ للتراث الحديثي والديني!!؟.
يظهر من كتاب:( صحيح البخاري، نهاية أسطورة): أن أيلال من الصنف من الباحثين الرافضين للتراث الحديثي والديني بصفة عامة بدعوى أن هذا التراث:" تراثٌ يشوبه القصور، ولا يقوى على الصمود أمام النقد العلمي!!؟"، وقد وقفتُ في مواضع كثيرة من كتابه على كلام متناقض وموقف مضطرب من الفكر الديني، ومن ثم ننتهي إلى نتيجة، وهي أن نقد صحيح البخاري ليس إلا مطيَّة ركبها أيلال من أجل أن يمهِّد بها الطريق مستقبلا لكتابات أكثر جرأة على التراث الإسلامي، وما يدل على ذلك ما جاء في مقدمة الكتاب:
".. وما ساعد على هذه الحركة الفكرية بخصوص انتقاد التراث الديني، ما يعيشه العالمُ اليوم من ثورة علمية غير مسبوقة أيضا، جعلت العقل البشري يتبوأ مكانة السيادة والريادة في جميع المجالات، فاتحا مستقبل البشرية جمعاء على آفاق واسعة من التقدم المذهل في شتى مناحي الحياة".

كثرة النسخ لا تطعن في المنسوخ.
من القواعد المتفق عليها بين جمهور المحققين:" أن كثرة النسخ لا تطعن في المنسوخ"، ومن القواعد المتفق عليها بين أهل الحديث:" أن كثرة الرواة والروايات لا تطعن في صحة الحديث بل تقوِّيه"، أما رشيد أيلال، فيخالف هذا ويدَّعي بأن اختلاف نسخ صحيح البخاري: دليل على أن هذا الكتاب لم تثبت نسبته إلى البخاري!!؟، وأنه قد يكون من إنشاء المستشرق: "منجانا" أو كاتب آخر مجهول!!؟.
ومن الغريب: أن أيلال يرى من جهة: أن اختلاف نسخ صحيح البخاري من الضربات القاصمة الموجهة لصحيح البخاري، لكنه من جهة أخرى يستشهد بما أورده الحافظ ابن حجر العسقلاني في:( فتح الباري): ما نعدّه ويعدّه كل باحث متبصِّر حجة عليه لا له، هذا بالإضافة إلى أن اختلاف الروايات في صحيح البخاري يُعزى إلى التقديم والتأخير، ولا يرقى ليمثل قصورا معيبا يكون مساغا لطعن مبالغ فيه.

قصة تأليف كتاب الصحيح.
الذي اطلع على قصة تأليف:( كتاب صحيح البخاري): يعلم بأن هذا الكتاب من تأليف البخاري قولا واحدا، ولا صحة للأقوال التي تذهب إلى نسبته إليه على وجه الترجيح كما ظن بعضهم، أو نفي نسبته إليه كما يدعي رشيد أيلال!!؟، فالصحيح هو: خلاصة بحث مضنٍ، فلم يتعجل البخاري في إخراجه، وأتبعه بكثير من المراجعة والتنقيح والاستقصاء حتى خرج في صورته النهائية، واتبع منهجا صارما، ووضع شروطاً لقبول رواية راوي الحديث، وهي: أن يكون معاصرا لمن يروي عنه، وأن يكون قد سمع الحديث منه، إلى جانب الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع، ووصل في النهاية إلى اختيار الأحاديث الصحيحة من عددٍ هائل من الأحاديث التي وقف عليها، فكيف يُقبَل من أيلال بعد ذلك: الادعاء بأنه لا علاقة للبخاري بالجامع الصحيح، ولا علاقة للجامع الصحيح بالبخاري!!؟، أو يتلطف في ذلك شيئا قليلا بالقول: بأن البخاري لم يكمل كتابة الصحيح، وأكمله بعض تلاميذه، فحذفوا منه وأضافوا إليه!!؟.

من الهراء ادِّعاء فارسية البخاري!!؟.
لا أدري على أي مصدر اعتمد رشيد أيلال في ادعاء فارسية الإمام البخاري مع أن كل التراجم تشير إلى أن البخاري ليس فارسي الأصل، فهو من بخارى على نهر جيحون، وأنه تعلَّم اللغة العربية وتضلع فيها، وأنه اشترط في المحدِّث: أن يكون عالما بالعربية، مُتقنا لفنونها وعلومها، فهل يُعقل أن يشترط البخاري شروطا في غيره، وهي منتفية فيه!!؟.

يُتبع إن شاء الله.

رشيد أيلال والتجني على صحيح البخاري
الجزء الثاني

ينتمي رشيد أيلال فكريا إلى ما يمكن تسميته:(المدرسة الفكرية الرافضية) التي تضم كتابا علمانيين متسترين وراء :(حرية التفكير) التي لا تقف عند حدود، بل تطال المقدس وغير المقدس، وتدعو إلى رفض النص الديني الذي شكل -كما يزعمون- على مدار التاريخ العربي الإنساني: الشخصية النقلية القاصرة عن إدراك الحقائق التي تختفي وراء النصوص، والتي لا سبيل إليها إلا بالاحتكام إلى العقل للحكم على النقل.
لذلك، يجب أن لا نعجب من كثرة الإشادة بالعقل في مؤلفات هؤلاء، وكأنه حكرٌ عليهم، حجر على غيرهم!!؟، كما في كتاب:( جناية البخاري.. إنقاذ الدين من إمام المحدثين): لزكريا أوزون الذي يُعدُّ واحدا من المفكرين العلمانيين الذي نجد بصمته الفكرية ظاهرة في كتاب:(صحيح البخاري، نهاية أسطورة): لرشيد أيلال، ولو أن هذا الأخير لم يُشر إلى مظاهر هذا التأثر، مكتفيا في المقدمة بالقول إنه:"مجرد باحث عن الحقيقة التي يرشده إليها عقله" حتى إنه يدعي بأنه:"يهدي هذا الكتاب إلى كل من أعيته خرافات وتناقضات المرويات، وحار أمرُه بين تمحيصها أو تقديسها!!؟"، ولكن التحري كشف لي عن خلفية التجني على صحيح البخاري عند أيلال، والتي ورثها من زكريا أوزون في كتابه:( جناية البخاري.. إنقاذ الدين من إمام المحدثين)، فما انتهيت إليه من هذا التحري ومن المقارنة بين كتاب (صحيح البخاري نهاية أسطورة)، وبين هذا الكتاب هو: أن أيلال أعاد نسج الشبهات حول صحيح البخاري على طريقته، ولكن مضامينها مأخوذة بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشِرة من كتاب:(جناية البخاري)، سواء ما تعلق بالطعن في الروايات الواردة في صحيح البخاري، أو ما تعلق بنسخه وتناقضاتها على حد زعم أيلال وزكريا أوزون!!؟، أو ما تعلق أساسا بقضية كون السنة ناسخة للقرآن، والمفهوم الغريب الذي يعدُّ ابتداعا وبراءة اختراع لأيلال!!؟، وهو أن:"السنة قاضية على القرآن"، فقد تشابهت موضوعات الكتابين وإن اختلفت الصياغة!!؟، ولا بد أن أشير هنا إلى أن تأثير فكر زكريا أوزون واضح في كتاب:(صحيح البخاري.. نهاية أسطورة)، لأن زكريا أوزون يعدّ من كبار الرافضين للنص الإسلامي، وله سلسلة في ذلك سميتها سلسلة:( الجنايات)، ومنها:(جناية سيبويه.. الرفض التام لما في النحو من أوهام"، و:( جناية الشافعي، تخليص الأمة من فقه الأئمة)، بالإضافة إلى كتبه الساخرة من أركان الإسلام مثل:(الصلاة.. عسكرة الرحمان)، و:(الزكاة إتاوة العربان)، و:(الإسلام.. هل هو الحل؟)، و:(لفق المسلمون إذ قالوا).
والخلاصة:
أن زكريا أوزون عمد إلى أصول الفكر الإسلامي اللغوية والفقهية والعقدية فنقضها، وركز في ذلك على نقد عمالقة هذا الفكر، فحمل على:( سيبويه النحوي، والشافعي الفقيه، والبخاري المحدث)، وذلك لما يتمتع به هؤلاء من إجماع لدى الأمة، ولم يتردَّد أيلال في تكرار شبهات وترهات زكريا أوزون، وأخرج لنا في النهاية كتابا مثيرا للعجب!!؟، ولا أقول مثيرا للجدل، لأن الجدل له مقوِّماته المنهجية والمعرفية التي أجدها غائبة في هذا الكتاب، أليس من الدواهي أن يتجرأ كاتبٌ مغمور مغرور مثل: رشيد أيلال ومهندسٌ استشاري مختص في دراسات الإسمنت المسلح وأعمال التدعيم الإنشائي على صحيح البخاري الذي أطبق العلماءُ على كونه:" أصح الكتب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى!!؟".

أيلال ينحو منحى الشيعة.
اطلعت على كتاب:(كشف المتواري في صحيح البخاري): لمحمد جواد خليل، الذي يذكر فيه بأن ما قيل في انتقاد صحيح البخاري الذي وصل إلى حد الافتراء بأنه "كتابٌ مزوَّر!!؟" كان بسبب بعض الإضافات والإقحامات على نصّ البخاري، والتي نجدها -كما أضاف- في كتب الشيعة، حيث يقول محمد جواد خليل في مقدمة كتابه سالف الذكر:
" ..اعلم أخي أن صحيح البخاري ومسلم يعتبران من أصحِّ الكتب عند العامة، وتأتي مرتبتهما بعد القرآن مباشرة، ثم تأتي بقية الكتب، وهي السنن الأربعة، فهذه هي الكتب الستة التي يعتمد عليها أهلُ العامة، وإنني ولدى قراءتي لبعض كتب إخواني الشيعة لاحظت أنهم عندما يستشهدون بحديث في البخاري يقولون بأنه محذوف في الطبعات الجديدة منه، أو أن الطبعة التي بين أيديهم قد تلاعبت الأيدي فيها بالحديث وقامت بتحريفه، وكل ذلك وهم، وقد اختلط عليهم الأمر وذلك لأسباب منها، التبويب الرديء لصحيح البخاري، هذا بالإضافة إلى أنهم يروون بالمعنى والمضمون، ولنضرب أمثلة على ذلك:
قال الشهيد محمد باقر الصدر في كتابه:(فدك في التاريخ): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني دافعٌ الراية إلى رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، لا يرجع حتى يُفتح له"، ويقول في الهامش:"لا يرجع" (البخاري، ج 5، ص 18
أقول: "كلمة "لا يرجع" لا توجد في صحيح البخاري، إذن فالسيد الشهيد روى عن المضمون، وذلك مما لا يقبله أهل العامة، والواجب أن نأتي بالنص الموجود في البخاري وبلفظه".
وهناك أمثلة أخرى عن هذا التحريف لكلام البخاري في الكتاب الذي أشرت إليه، وقد اعتمد أيلال على هذه التحريفات للطعن في صحيح البخاري، وأكبر من ذلك، فإن الذي وقفتُ عليه أنه يخلط في كثير من المواضع بين كلام البخاري وكلام الحافظ ابن حجر العسقلاني في:(فتح الباري)، ولذلك تصدق عليه مقولة أحد الباحثين:
"هناك من سُئل عن البخاري، فقال: لا أجد هذا في مقدمة البخاري، مع أن العام والخاص يعلم أن البخاري رحمه الله لم يجعل مقدمة لكتابه، وإنما المقدمة موجودة في "فتح الباري".

كثرة الاقتباس وغياب التأسيس.
قاصمة الظهر بالنسبة لرشيد أيلال هي:" كثرة الاقتباس وغياب التأسيس"، ولا يعني هذا: أنني أعيب عليه كثرة الاقتباس، لأن الاقتباس مما يقتضيه البحث العلمي، ولكن أعيب عليه: أنه نحا في الاقتباس منحى العوام، فجاء كتابه طافحا بالطوام، مليئا بالأوهام، لأنه يعوِّل على الاقتباس ويعجز عن التأسيس، ينقل ولا يعي ما ينقل!!؟، وقد سبقني الباحث يوسف سمرين في كتابه:( بيع الوهم.. تهافت طرح رشيد أيلال عن صحيح البخاري) إلى الإشارة إلى ذلك بما يتعارض -كما قال- مع ما جاء في العرض على خلاف الكتاب بقلم الناشر: "وإن كان المؤلف لم يأت بشيء من عنده، فإنه قد بذل جهدا مضنيا في البحث والتنقيب، الذي أخذ منه سنوات!!؟".
والمتعارف عليه: أن الغاية من البحث العلمي الجِدَّة والابتكار، فلا يُقبل ألا يأت الباحث بشيء من عنده، وإلا يصبح مجرد ناقل: لا أقل من ذلك ولا أكثر!!؟.
ومن المضحكات التي أشار إليها يوسف سمرين: أن كتاب أيلال يعجُّ باقتباسات لا حصر لها من مواقع الانترنت وبعض المقالات، ثم يقف حيالها عاجزا عن الإفاضة والإضافة، فهل هذا:( جهدُ سنين، أم هو عمل المحتالين الذين يسطون على أفكار الآخرين، ثم ينسجون منها كتابا!!؟": كما فعل أيلال الذي ادَّعى أنه حسمَ الجدل حول صحيح البخاري، وأنه قد توصل إلى ما عزب عن غيره من أن هذا الكتاب "أسطورة كانت وانتهت!!؟"، مع أن عمله في الكتاب لا يختلف منهجيا: تجاوزا عن أي عمل يقوم به المبتدئون في البحث العلمي:" ينقل من هنا وهناك، ثم يجعله نصا متراكما وفقرات آخذ بعضها بعناق بعض، ثم يخرجه إلى القراء، ليضحك على أذقانهم، ويستخف بعقولهم رافعا عقيرته: "هاؤم اقرؤوا كتابيه!!؟".


المقالان يضمان العديد من المغالطات المنطقية أكثرها ورودا هي مغالطة الشخْصَنة التي تعني التهجم على صاحب الحجة بدلاً مناقشة الحجة نفسها، و تستخدم هذه المغالطة لإضعاف حجة الخصم بدون مناقشة الحجة نفسها ، و بناء على هذا التعريف فان صاحب المقالين ارتكب مغالطة الشخصنة من دون أن يناقش جوهر الموضوع الذي هو :
هل توجد في العالم نسخة أصلية لكتاب ( صحيح البخاري) كتبت بيد البخاري ذاته ؟

و هو ما تجاهله صاحبنا كليا و تهرب من مناقشته على طول المقالين الذي كتبهما ، و عليه فانني أطالب ناقل المقالين و كاتبهما بالرد على السؤال بكل شجاعة و جرأة فكرية بدلا من الاختباء وراء الشخصنة و القفز على الحقائق التي أثبتتها الأدلة العلمية و التاريخية ، و ان شئت سأعيد صياغة السؤال:
هل عندك أي دليل علمي و تاريخي يؤكد وجود مخطوطة أصلية لكتاب ( صحيح البخاري) كتبتها البخاري بيده ؟
أو على الأقل مكتوبة بيد أحد تلاميذه ال 90.000 ؟






  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: رشيد أيلال والتجني على صحيح البخاري
28-11-2017, 03:34 PM
نشر أخونا الفاضل العزيز:" عزيز" المقال الآتي:

يقال "إذا أردت أن تشتهر فتمسك بعظيم" ، وعليه فهناك من تمسك بالبخاري فشرح صحيحه كابن حجر العسقلاني في شرحه النفيس الذي صار مرجعا لأهل السنة حتى لقب بأمير المؤمنين في الحديث فشكرت الأمة صنيعه. وهناك من طعن في البخاري بجهل وهو لايعرف أبجديات علم الحديث واصطلاحات المحدثين ، فدخل التاريخ من أوسخ أبوابه وأقذرها . ومن المعلوم أن مزابل التاريخ سهل ولوجها فكم اتسعت للطاعنين في الإسلام ، أما أبواب المجد فالطريق إليها محفوف بالمكاره ولا يدخلها إلا مخلصٌ إيمانه ، صادقٌ عزمه.

*****
إن المطالبة بمخطوط أصلي لأي كتاب كان بخط مصنفه لإثبات نسبة الكتاب إلى صاحبه ، يعد جهلا فاضحا من طالبه بمنهج البحث ، ولا يطرح هذا السؤال إلا جاهل، بل أجهلُ من حمار أهله . وهذا السؤال من السذاجة بمكان بحيث أنه يفتح الباب لأي أحد بأن يطالب بالنسخة الأصلية للقرآن المكتوبة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو للمصحف على عهد عثمان ابن عفان ، أو للموطأ أو لكتب أرسطو وأفلاطون وغيرهم منذ خلق الله آدم إلى يوم الناس هذا.


****
فيما يلي سؤال وارد على موقع الإسلام سؤال وجواب حول الموضوع:

السؤال:
هناك من الشيعة من يشككون في صحة صحيحي البخاري ومسلم . حجتهم الأولى : أنه لا توجد النسخ الأصلية لهذين الكتابين بخطيهما رحمهما الله . الثانية : أن بعض شراح البخاري شرحوا بعض الأحاديث التي ليست في البخاري . أرجو أن يكون الجواب وافيا .


الجواب

الحمد لله
من أهم ما ينبغي على المسلم المثقف ، أو المطالع لتراثه : أن يدرك أن إيراد الشبهات أمر سهل وميسور لكل أحد ، وعلى كل شيء ، حتى على المسلَّمات والبدهيات التي ينطلق الناس منها في أسس تفكيرهم العقلية ، حتى إن بعض المسترسلين مع الشبهات تاهوا في نهاية المطاف إلى إنكار وجودهم ، والشك في كل شيء حولهم ، الأمر الذي أدى بهم إلى المصحات النفسية لخروجهم عن السوية البشرية الطبيعية .
وهكذا نحن نتعامل مع كثير مما يسمى بـ" الشبهات "، وهي في حقيقتها أوهام يتحدث بها بعض من ابتلينا بهم في هذا الزمان ، الأمر الذي يضطرنا دائما إلى النزول لتأسيس مبادئ التفكير السليمة في شتى العلوم والثقافات .
وما ورد في السؤال هنا أحد الأمثلة على ذلك ، فإذا أراد السائل بقوله النسخ الخطية ( الأصلية ) أي التي كتبها المصنف بيده ، ففي أي عقل أو منطق يمكن أن يقال : إنه لا بد من توافر هذه النسخ ، كي نعترف بصحة نسبة كتاب معين إلى مؤلفه ! وكم في العالم من كتاب ، منذ أن عرف الناس الكتابة : يتحقق فيه ذلك التنطع ؟!
ولكي تعلم الشطط الذي ينحو إليه هذا القائل فما عليك سوى أن تتصور أحدهم يدخل مكتبة مرموقة ، أو دارا للنشر معروفة من المكتبات العالمية اليوم ، ويقول لقيِّم المكتبة : إنني لا أعترف بنسبة أي كتاب لديك في هذه الخزائن الضخمة إلا أن تأتيني بنسخة أصلية كتبها المؤلف بخط يده ، كي يطمئن قلبي إلى صحة نسبة هذه الكتب لمؤلفيها ! متجاوزا بذلك كل الأعراف و" المسالك " العلمية التي تضمن في عصرنا الراهن سلامة الكتب وعدم انتحالها ، كالتسجيل في المكتبات الوطنية ، والحصول على إذن الفسح ، والشهرة بين النقاد ، وتواتر الأخبار ، ونحو ذلك من وسائل العلم والإثبات في هذا المجال .
نحن ندرك يقينا أن بعض المختصين في طرح الشبهات يعلم في داخلة نفسه مقدار السخف والسذاجة لما يطرحه ويقوله ، ولكنه في الوقت نفسه يصر على طرحه لعلمه أن مجرد إيراد كلمة " الشبهة " على أي شيء في هذا الوجود ، لا بد وأن يجد محلا في قلوب بعض الناس وعقولهم ، ويكفيه حينئذ ما يحققه من نتائج ولو كانت يسيرة ، المهم أن يخلط الأوراق ، ويشوش على أساليب التفكير السليم .
وإلا فكتاب " صحيح البخاري " سمعه تسعون ألف رجل " من الإمام البخاري نفسه رحمه الله ، كما أخبر بذلك أحد أشهر تلاميذه ، وهو محمد بن يوسف الفربري (المتوفى سنة 320هـ). ينظر " تاريخ بغداد " (2/9) ، " تاريخ الإسلام " (7/375) ، وقد اشتهرت رواية الفربري لصحيح البخاري لطول عمره ، وإتقان نسخته ، فقد سمعها من البخاري رحمه الله في ثلاث سنين ، ثم أخذها عنه جماعة من الرواة الثقات ، وعنهم اشتهر أيضا هذا الكتاب .
يقول المستملي (ت376هـ) – أحد الرواة عن محمد بن يوسف الفربري - : " انتسخت كتاب البخاري من أصله كما عند ابن يوسف ، فرأيته لم يتم بعد ، وقد بقيت عليه مواضع مبيضة كثيرة ، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئا ، ومنها أحاديث لم يترجم عليها ، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض " انتهى. رواه الباجي في " التعديل والتجريح " (1/310) .
وقد روى الصحيحَ عن الفربري جماعةٌ من الرواة الثقات ، من أشهرهم :
المستملي (ت376هـ) واسمه : إبراهيم بن أحمد .
الحموي خطيب سرخس (ت381هـ)، واسمه عبد الله بن أحمد .
أبو الهيثم الكشميهني (ت389هـ)، واسمه محمد بن مكي .
أبو علي الشبوي ، واسمه محمد بن عمر .
ابن السكن البزاز (ت353هـ)، واسمه سعيد بن عثمان .
أبو زيد المروزي (ت371هـ)، واسمه محمد بن أحمد .
أبو أحمد الجرجاني (ت373هـ)، واسمه محمد بن محمد .
ومن تلاميذ البخاري الثقات الذين سمعوا صحيحه منه مباشرة ، ونقلوه للناس مسندا مدونا الإمام الحافظ الفقيه ، القاضي ، أبو إسحاق ، إبراهيم بن مَعْقِل بن الحجاج ، النسفي، (ت295هـ). وقد روى نسخة النسفي الإمام الخطابي رحمه الله ، كما قال في شرحه " أعلام الحديث " (1/105): " سمعنا معظم هذا الكتاب من رواية إبراهيم بن معقل النسفي ، حدثناه خَلفُ بن محمد الخيام ، قال : حدثنا إبراهيم بن معقل ، عنه "
وهذه هي الطريقة الأشهر والأمثل لدى المحدثين ، أنهم يقرؤون مصنفاتهم على تلاميذهم ، أو يقرأ عليهم تلاميذهم مصنفاتهم ، ثم تنتشر تلك المصنفات عبر التلاميذ والرواة ، وليس عبر أصل كتاب المؤلف الذي هو نسخة واحدة يحتفظ بها لنفسه ، مع عدم وجود المطابع ودور النشر في تلك الأيام ، فقد كانت المطابع هي رواية التلاميذ مسندة موثقة .
فماذا يريد الباحث ثقة أكثر من نقل الرواة الثقات ، عن نسخ خطية قرئت على المصنف وأقرها ، كما قالوا في " نسخة الصَّغانّي : أنه نقلها من النسخة التي قُرئت على المصنف رحمه الله تعالى " ينظر "فيض الباري" للكشميري.
وإذا سألت عن قدم النسخ الخطية الموجودة اليوم فقد نشر المستشرق " منجانا " في كمبردج عام 1936م ، أقدم نسخة خطية وقف عليها حتى الآن ، وقد كتبت عام 370هـ ، برواية المروزي عن الفربري . ينظر " تاريخ التراث " فؤاد سزكين " (1/228) .
ومن أشهر مخطوطات الكتاب التي وصلتنا في عصرنا الحديث نسخة الحافظ أبي علي الصدفي (ت 514هـ) التي كتبها من نسخة بخط محمد بن علي بن محمود ، مقروءة على أبي ذر رحمه الله ، وعليها خطه . وقد كانت عند العلامة الطاهر بن عاشور استعارها من مكتبة طبرق في ليبيا .
وكذلك نسخة الإمام الحافظ شرف الدين أبي الحسين عليّ بن أحمد اليونيني المعروف بالبعليّ ، الحنبلي (ت701هـ)، وقد قابلها بأصل مسموع على الحافظ أبي ذرِّ الهروي ، وبأصل مسموع على الأصيلي ، وبأصل الحافظ ابن عساكر ، وبأصل مسموع عن أبي الوقت ، وذلك بحضرة الإمام اللغوي النحوي ابن مالك صاحب الألفية (ت672هـ) .
وهكذا لو رحنا نعدد نسخ الصحيح المنتشرة في مكتبات المخطوطات في العالم ، وقربها من عصر تأليف الصحيح ، وكثرة رواتها وثقتهم ومقابلتهم نسخهم على النسخ الكبيرة المعتمدة لطال المقام جدا ، ويكفيك أن تذهب إلى إحدى المكتبات التي تشتمل على المخطوطات ، وتسأل عن صحيح البخاري لتقف على المئات منها ، بأسانيدها الصحيحة إلى الإمام البخاري نفسه . وقد أحال " الفهرس الشامل " على (2327) موضعاً في مكتبات العالم المختلفة توجد به مخطوطات هذا الكتاب . انظر: " الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط، الحديث النبوي وعلومه " (1/493 – 565).
أما صحيح الإمام مسلم ، فلا يقل اشتهارا وانتشارا عن صحيح الإمام البخاري ، كما قال بروكلمان : " صحيح مسلم يكاد يضاهي صحيح البخاري في كثرة مخطوطاته ووجودها في أكثر المكتبات ". كما في " تاريخ الأدب العربي " (3/180) .
وله من الأسانيد التي تثبت نسبة الكتاب إلى مصنفه ما لا يكاد ينحصر ، حتى إن جماعة من العلماء أفردوا أسانيد " صحيح مسلم " بمصنفات خاصة ، بلغ عددها نحوا من ثمانية مصنفات ، من آخرها كتاب الكتاني (ت1327هـ) المسمى بـ " جزء أسانيد صحيح مسلم ".
يقول الشيخ مشهور حسن سلمان :
" أخذ هذا الكتاب عن مسلم جماعة ، من أشهرهم إبراهيم بن محمد بن سفيان ، وقد سمعه من صاحبه خلا ثلاثة مواطن ، فقد قابلها بنسخة شيخه مسلم ، وكانت نسخة مسلم هذه نفيسة عزيزة عليه ، حملها معه إلى الري ، ووضعها بين يدي أبي زرعة الرازي ، واطلع عليها ابن وارة ، وأخذها عن سفيان جماعة ، بالسماع أحيانا ، والإجازة مرة ثانية ، من بينهم الجلودي ، وقد كانت نسخته يتداولها الطلبة فيما بينهم , وينسخ عنها بعضهم ... وكانت كثير من هذه النسخ صحيحة غاية ، وعليها سماعات ومقابلات ، ولذا احتج بها العلماء عند المباحثة والمناقشة ، وكانوا يرجعون إليها في المعضلات والمشكلات . وتوجد في مكتبات العالم من هذا " الصحيح " نسخ خطية عديدة جدا ، فتكاد أن لا تخلو منه مكتبة أو دار للكتب ، وهذه النسخ تتفاوت في تاريخ نسخها ، وفي نفاستها وجودتها .
وفي مكتبة القرويين بفاس إلى الآن نسخة منه نفيسة جدا ، هي نسخة ابن خير الإشبيلي ، التي قابلها مرارا ، وسمع فيها وأسمع ، بحيث يعد أعظم أصل موجود من " صحيح مسلم " في إفريقية ، وعليه بخط ابن خير أنه عارضه بأصول ثلاثة معارضة بنسخة الحافظ أبي علي الجياني " انتهى باختصار من " الإمام مسلم بن الحجاج ومنهجه في الصحيح " (1/375-376) .
أما دعوى أن " بعض شراح البخاري شرحوا بعض الأحاديث التي ليست في البخاري " فلم نقف لها على مثال واحد ، فالاختلاف بين روايات " صحيح البخاري " إنما وقع في أمثلة يسيرة من الأسانيد ، أو بعض ألفاظ المتون ، أو أبواب الكتاب وتراجمه ، أما أن يكون ثمة أحاديث أصول مستقلة في أبواب معينة من أبواب العلم وردت في بعض الروايات ، ولم ترد في روايات أخرى ، فهذا ما لم نجد له مثالا .
وعلى فرض وجوده : فليس بالأمر المستنكر ولا المستغرب ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نفسه اختلف الرواة عليه ، فبعض الصحابة يروي الحديث بلفظ معين ، وآخرون يروونه بلفظ آخر ، وبعض الصحابة يروي الحديث ولا يستذكره آخرون ، في عشرات الأمثلة ، وليس ذلك بقادح في أصل السنة النبوية ، ولا في وثاقة الصحابة الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم . فمن باب أولى أن يكون الاختلاف اليسير بين رواة " الجامع الصحيح " ليس بقادح في أصل ثبوت الكتاب ، ولا في وثاقته ، ولا في أحاديثه ورواياته .
ونحن لا نشك في أن انعدام الخبرة في التعامل مع التراث ، بل انعدام العلم بطبيعة علم التاريخ والمخطوطات : هو السبب في مثل هذه الإيرادات ، أو غلبة الجهل المطبق ، وعمى القلب ، على صاحبه .
وإلا فمن مارس شيئا يسيرا من هذه العلوم أيقن أن تفاوت الروايات والمخطوطات لكتب التراث القديمة أمر طبيعي في ظل اعتماد الناس قديما على النسخ باليد ، وفي ظل ضعف وسائل الإعلام ، وعدم التزام النساخ في بعض المواضع بما في الأصل ، بل وعدم وقوفهم على التعديلات التي يجريها المؤلف نفسه على كتابه ، فيقع الاختلاف بين النسخ ، كما وقع في " سنن الترمذي " ، و " سنن أبي داود " ، و" الموطأ " للإمام مالك ، و " مسند الإمام أحمد بن حنبل ". بل وكما وقع في " الشعر الجاهلي " من قبل ، وفي كتب أفلاطون وأرسطو وتراث فلاسفة اليونان كله ، وفي كل من التوراة والإنجيل .
ونحن نرجو بمثل هذه الإضاءات اليسيرة أن يتيقظ القراء لحقيقة التلبيسات التي تتم ، وأن إعمالا يسيرا للعقل ، مع قليل من الخبرة : حقيق أن يدفع عن المرء جميع هذه الشبهات .
ينظر كتاب " روايات ونسخ الجامع الصحيح للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري دراسة وتحليل" لفضيلة الدكتور محمد بن عبد الكريم بن عبيد ، ومنه استفدنا كثيرا مما سبق.
والله أعلم .
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: رشيد أيلال والتجني على صحيح البخاري
20-12-2017, 09:35 AM
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

تجدون تحت الرابط الآتي مقالا ماتعا رائعا ذا صلة بالموضوع، وعنوانه هو:
" أيعقل أن يأتي البخاري بعد كل هذه الفترة ويجمع السنة!!؟".
http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=366237



  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية Karim Ibn Karim
Karim Ibn Karim
مشرف منتدى الخاطرة
  • تاريخ التسجيل : 20-10-2012
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 3,045
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • Karim Ibn Karim has a spectacular aura aboutKarim Ibn Karim has a spectacular aura about
الصورة الرمزية Karim Ibn Karim
Karim Ibn Karim
مشرف منتدى الخاطرة
رد: رشيد أيلال والتجني على صحيح البخاري
06-01-2018, 09:56 PM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمازيغي مسلم مشاهدة المشاركة
نشر أخونا الفاضل العزيز:" عزيز" المقال الآتي:

يقال "إذا أردت أن تشتهر فتمسك بعظيم" ، وعليه فهناك من تمسك بالبخاري فشرح صحيحه كابن حجر العسقلاني في شرحه النفيس الذي صار مرجعا لأهل السنة حتى لقب بأمير المؤمنين في الحديث فشكرت الأمة صنيعه. وهناك من طعن في البخاري بجهل وهو لايعرف أبجديات علم الحديث واصطلاحات المحدثين ، فدخل التاريخ من أوسخ أبوابه وأقذرها . ومن المعلوم أن مزابل التاريخ سهل ولوجها فكم اتسعت للطاعنين في الإسلام ، أما أبواب المجد فالطريق إليها محفوف بالمكاره ولا يدخلها إلا مخلصٌ إيمانه ، صادقٌ عزمه.

*****
إن المطالبة بمخطوط أصلي لأي كتاب كان بخط مصنفه لإثبات نسبة الكتاب إلى صاحبه ، يعد جهلا فاضحا من طالبه بمنهج البحث ، ولا يطرح هذا السؤال إلا جاهل، بل أجهلُ من حمار أهله . وهذا السؤال من السذاجة بمكان بحيث أنه يفتح الباب لأي أحد بأن يطالب بالنسخة الأصلية للقرآن المكتوبة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو للمصحف على عهد عثمان ابن عفان ، أو للموطأ أو لكتب أرسطو وأفلاطون وغيرهم منذ خلق الله آدم إلى يوم الناس هذا.


****
فيما يلي سؤال وارد على موقع الإسلام سؤال وجواب حول الموضوع:

السؤال:
هناك من الشيعة من يشككون في صحة صحيحي البخاري ومسلم . حجتهم الأولى : أنه لا توجد النسخ الأصلية لهذين الكتابين بخطيهما رحمهما الله . الثانية : أن بعض شراح البخاري شرحوا بعض الأحاديث التي ليست في البخاري . أرجو أن يكون الجواب وافيا .


الجواب

الحمد لله
من أهم ما ينبغي على المسلم المثقف ، أو المطالع لتراثه : أن يدرك أن إيراد الشبهات أمر سهل وميسور لكل أحد ، وعلى كل شيء ، حتى على المسلَّمات والبدهيات التي ينطلق الناس منها في أسس تفكيرهم العقلية ، حتى إن بعض المسترسلين مع الشبهات تاهوا في نهاية المطاف إلى إنكار وجودهم ، والشك في كل شيء حولهم ، الأمر الذي أدى بهم إلى المصحات النفسية لخروجهم عن السوية البشرية الطبيعية .
وهكذا نحن نتعامل مع كثير مما يسمى بـ" الشبهات "، وهي في حقيقتها أوهام يتحدث بها بعض من ابتلينا بهم في هذا الزمان ، الأمر الذي يضطرنا دائما إلى النزول لتأسيس مبادئ التفكير السليمة في شتى العلوم والثقافات .
وما ورد في السؤال هنا أحد الأمثلة على ذلك ، فإذا أراد السائل بقوله النسخ الخطية ( الأصلية ) أي التي كتبها المصنف بيده ، ففي أي عقل أو منطق يمكن أن يقال : إنه لا بد من توافر هذه النسخ ، كي نعترف بصحة نسبة كتاب معين إلى مؤلفه ! وكم في العالم من كتاب ، منذ أن عرف الناس الكتابة : يتحقق فيه ذلك التنطع ؟!
ولكي تعلم الشطط الذي ينحو إليه هذا القائل فما عليك سوى أن تتصور أحدهم يدخل مكتبة مرموقة ، أو دارا للنشر معروفة من المكتبات العالمية اليوم ، ويقول لقيِّم المكتبة : إنني لا أعترف بنسبة أي كتاب لديك في هذه الخزائن الضخمة إلا أن تأتيني بنسخة أصلية كتبها المؤلف بخط يده ، كي يطمئن قلبي إلى صحة نسبة هذه الكتب لمؤلفيها ! متجاوزا بذلك كل الأعراف و" المسالك " العلمية التي تضمن في عصرنا الراهن سلامة الكتب وعدم انتحالها ، كالتسجيل في المكتبات الوطنية ، والحصول على إذن الفسح ، والشهرة بين النقاد ، وتواتر الأخبار ، ونحو ذلك من وسائل العلم والإثبات في هذا المجال .
نحن ندرك يقينا أن بعض المختصين في طرح الشبهات يعلم في داخلة نفسه مقدار السخف والسذاجة لما يطرحه ويقوله ، ولكنه في الوقت نفسه يصر على طرحه لعلمه أن مجرد إيراد كلمة " الشبهة " على أي شيء في هذا الوجود ، لا بد وأن يجد محلا في قلوب بعض الناس وعقولهم ، ويكفيه حينئذ ما يحققه من نتائج ولو كانت يسيرة ، المهم أن يخلط الأوراق ، ويشوش على أساليب التفكير السليم .
وإلا فكتاب " صحيح البخاري " سمعه تسعون ألف رجل " من الإمام البخاري نفسه رحمه الله ، كما أخبر بذلك أحد أشهر تلاميذه ، وهو محمد بن يوسف الفربري (المتوفى سنة 320هـ). ينظر " تاريخ بغداد " (2/9) ، " تاريخ الإسلام " (7/375) ، وقد اشتهرت رواية الفربري لصحيح البخاري لطول عمره ، وإتقان نسخته ، فقد سمعها من البخاري رحمه الله في ثلاث سنين ، ثم أخذها عنه جماعة من الرواة الثقات ، وعنهم اشتهر أيضا هذا الكتاب .
يقول المستملي (ت376هـ) – أحد الرواة عن محمد بن يوسف الفربري - : " انتسخت كتاب البخاري من أصله كما عند ابن يوسف ، فرأيته لم يتم بعد ، وقد بقيت عليه مواضع مبيضة كثيرة ، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئا ، ومنها أحاديث لم يترجم عليها ، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض " انتهى. رواه الباجي في " التعديل والتجريح " (1/310) .
وقد روى الصحيحَ عن الفربري جماعةٌ من الرواة الثقات ، من أشهرهم :
المستملي (ت376هـ) واسمه : إبراهيم بن أحمد .
الحموي خطيب سرخس (ت381هـ)، واسمه عبد الله بن أحمد .
أبو الهيثم الكشميهني (ت389هـ)، واسمه محمد بن مكي .
أبو علي الشبوي ، واسمه محمد بن عمر .
ابن السكن البزاز (ت353هـ)، واسمه سعيد بن عثمان .
أبو زيد المروزي (ت371هـ)، واسمه محمد بن أحمد .
أبو أحمد الجرجاني (ت373هـ)، واسمه محمد بن محمد .
ومن تلاميذ البخاري الثقات الذين سمعوا صحيحه منه مباشرة ، ونقلوه للناس مسندا مدونا الإمام الحافظ الفقيه ، القاضي ، أبو إسحاق ، إبراهيم بن مَعْقِل بن الحجاج ، النسفي، (ت295هـ). وقد روى نسخة النسفي الإمام الخطابي رحمه الله ، كما قال في شرحه " أعلام الحديث " (1/105): " سمعنا معظم هذا الكتاب من رواية إبراهيم بن معقل النسفي ، حدثناه خَلفُ بن محمد الخيام ، قال : حدثنا إبراهيم بن معقل ، عنه "
وهذه هي الطريقة الأشهر والأمثل لدى المحدثين ، أنهم يقرؤون مصنفاتهم على تلاميذهم ، أو يقرأ عليهم تلاميذهم مصنفاتهم ، ثم تنتشر تلك المصنفات عبر التلاميذ والرواة ، وليس عبر أصل كتاب المؤلف الذي هو نسخة واحدة يحتفظ بها لنفسه ، مع عدم وجود المطابع ودور النشر في تلك الأيام ، فقد كانت المطابع هي رواية التلاميذ مسندة موثقة .
فماذا يريد الباحث ثقة أكثر من نقل الرواة الثقات ، عن نسخ خطية قرئت على المصنف وأقرها ، كما قالوا في " نسخة الصَّغانّي : أنه نقلها من النسخة التي قُرئت على المصنف رحمه الله تعالى " ينظر "فيض الباري" للكشميري.
وإذا سألت عن قدم النسخ الخطية الموجودة اليوم فقد نشر المستشرق " منجانا " في كمبردج عام 1936م ، أقدم نسخة خطية وقف عليها حتى الآن ، وقد كتبت عام 370هـ ، برواية المروزي عن الفربري . ينظر " تاريخ التراث " فؤاد سزكين " (1/228) .
ومن أشهر مخطوطات الكتاب التي وصلتنا في عصرنا الحديث نسخة الحافظ أبي علي الصدفي (ت 514هـ) التي كتبها من نسخة بخط محمد بن علي بن محمود ، مقروءة على أبي ذر رحمه الله ، وعليها خطه . وقد كانت عند العلامة الطاهر بن عاشور استعارها من مكتبة طبرق في ليبيا .
وكذلك نسخة الإمام الحافظ شرف الدين أبي الحسين عليّ بن أحمد اليونيني المعروف بالبعليّ ، الحنبلي (ت701هـ)، وقد قابلها بأصل مسموع على الحافظ أبي ذرِّ الهروي ، وبأصل مسموع على الأصيلي ، وبأصل الحافظ ابن عساكر ، وبأصل مسموع عن أبي الوقت ، وذلك بحضرة الإمام اللغوي النحوي ابن مالك صاحب الألفية (ت672هـ) .
وهكذا لو رحنا نعدد نسخ الصحيح المنتشرة في مكتبات المخطوطات في العالم ، وقربها من عصر تأليف الصحيح ، وكثرة رواتها وثقتهم ومقابلتهم نسخهم على النسخ الكبيرة المعتمدة لطال المقام جدا ، ويكفيك أن تذهب إلى إحدى المكتبات التي تشتمل على المخطوطات ، وتسأل عن صحيح البخاري لتقف على المئات منها ، بأسانيدها الصحيحة إلى الإمام البخاري نفسه . وقد أحال " الفهرس الشامل " على (2327) موضعاً في مكتبات العالم المختلفة توجد به مخطوطات هذا الكتاب . انظر: " الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط، الحديث النبوي وعلومه " (1/493 – 565).
أما صحيح الإمام مسلم ، فلا يقل اشتهارا وانتشارا عن صحيح الإمام البخاري ، كما قال بروكلمان : " صحيح مسلم يكاد يضاهي صحيح البخاري في كثرة مخطوطاته ووجودها في أكثر المكتبات ". كما في " تاريخ الأدب العربي " (3/180) .
وله من الأسانيد التي تثبت نسبة الكتاب إلى مصنفه ما لا يكاد ينحصر ، حتى إن جماعة من العلماء أفردوا أسانيد " صحيح مسلم " بمصنفات خاصة ، بلغ عددها نحوا من ثمانية مصنفات ، من آخرها كتاب الكتاني (ت1327هـ) المسمى بـ " جزء أسانيد صحيح مسلم ".
يقول الشيخ مشهور حسن سلمان :
" أخذ هذا الكتاب عن مسلم جماعة ، من أشهرهم إبراهيم بن محمد بن سفيان ، وقد سمعه من صاحبه خلا ثلاثة مواطن ، فقد قابلها بنسخة شيخه مسلم ، وكانت نسخة مسلم هذه نفيسة عزيزة عليه ، حملها معه إلى الري ، ووضعها بين يدي أبي زرعة الرازي ، واطلع عليها ابن وارة ، وأخذها عن سفيان جماعة ، بالسماع أحيانا ، والإجازة مرة ثانية ، من بينهم الجلودي ، وقد كانت نسخته يتداولها الطلبة فيما بينهم , وينسخ عنها بعضهم ... وكانت كثير من هذه النسخ صحيحة غاية ، وعليها سماعات ومقابلات ، ولذا احتج بها العلماء عند المباحثة والمناقشة ، وكانوا يرجعون إليها في المعضلات والمشكلات . وتوجد في مكتبات العالم من هذا " الصحيح " نسخ خطية عديدة جدا ، فتكاد أن لا تخلو منه مكتبة أو دار للكتب ، وهذه النسخ تتفاوت في تاريخ نسخها ، وفي نفاستها وجودتها .
وفي مكتبة القرويين بفاس إلى الآن نسخة منه نفيسة جدا ، هي نسخة ابن خير الإشبيلي ، التي قابلها مرارا ، وسمع فيها وأسمع ، بحيث يعد أعظم أصل موجود من " صحيح مسلم " في إفريقية ، وعليه بخط ابن خير أنه عارضه بأصول ثلاثة معارضة بنسخة الحافظ أبي علي الجياني " انتهى باختصار من " الإمام مسلم بن الحجاج ومنهجه في الصحيح " (1/375-376) .
أما دعوى أن " بعض شراح البخاري شرحوا بعض الأحاديث التي ليست في البخاري " فلم نقف لها على مثال واحد ، فالاختلاف بين روايات " صحيح البخاري " إنما وقع في أمثلة يسيرة من الأسانيد ، أو بعض ألفاظ المتون ، أو أبواب الكتاب وتراجمه ، أما أن يكون ثمة أحاديث أصول مستقلة في أبواب معينة من أبواب العلم وردت في بعض الروايات ، ولم ترد في روايات أخرى ، فهذا ما لم نجد له مثالا .
وعلى فرض وجوده : فليس بالأمر المستنكر ولا المستغرب ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نفسه اختلف الرواة عليه ، فبعض الصحابة يروي الحديث بلفظ معين ، وآخرون يروونه بلفظ آخر ، وبعض الصحابة يروي الحديث ولا يستذكره آخرون ، في عشرات الأمثلة ، وليس ذلك بقادح في أصل السنة النبوية ، ولا في وثاقة الصحابة الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم . فمن باب أولى أن يكون الاختلاف اليسير بين رواة " الجامع الصحيح " ليس بقادح في أصل ثبوت الكتاب ، ولا في وثاقته ، ولا في أحاديثه ورواياته .
ونحن لا نشك في أن انعدام الخبرة في التعامل مع التراث ، بل انعدام العلم بطبيعة علم التاريخ والمخطوطات : هو السبب في مثل هذه الإيرادات ، أو غلبة الجهل المطبق ، وعمى القلب ، على صاحبه .
وإلا فمن مارس شيئا يسيرا من هذه العلوم أيقن أن تفاوت الروايات والمخطوطات لكتب التراث القديمة أمر طبيعي في ظل اعتماد الناس قديما على النسخ باليد ، وفي ظل ضعف وسائل الإعلام ، وعدم التزام النساخ في بعض المواضع بما في الأصل ، بل وعدم وقوفهم على التعديلات التي يجريها المؤلف نفسه على كتابه ، فيقع الاختلاف بين النسخ ، كما وقع في " سنن الترمذي " ، و " سنن أبي داود " ، و" الموطأ " للإمام مالك ، و " مسند الإمام أحمد بن حنبل ". بل وكما وقع في " الشعر الجاهلي " من قبل ، وفي كتب أفلاطون وأرسطو وتراث فلاسفة اليونان كله ، وفي كل من التوراة والإنجيل .
ونحن نرجو بمثل هذه الإضاءات اليسيرة أن يتيقظ القراء لحقيقة التلبيسات التي تتم ، وأن إعمالا يسيرا للعقل ، مع قليل من الخبرة : حقيق أن يدفع عن المرء جميع هذه الشبهات .
ينظر كتاب " روايات ونسخ الجامع الصحيح للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري دراسة وتحليل" لفضيلة الدكتور محمد بن عبد الكريم بن عبيد ، ومنه استفدنا كثيرا مما سبق.
والله أعلم .
بارك الله فيك على النقل

جزاك الله خيرا
ياحي يا قيوم
برحمتك استغيث
اصلح لي شاني كله و لا تكلني الى نفسي
طرفة عين
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية Karim Ibn Karim
Karim Ibn Karim
مشرف منتدى الخاطرة
  • تاريخ التسجيل : 20-10-2012
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 3,045
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • Karim Ibn Karim has a spectacular aura aboutKarim Ibn Karim has a spectacular aura about
الصورة الرمزية Karim Ibn Karim
Karim Ibn Karim
مشرف منتدى الخاطرة
رد: رشيد أيلال والتجني على صحيح البخاري
13-01-2018, 01:42 AM
أين اختفتْ نسخة صحيح البخاري الأصلية؟


http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=374292
ياحي يا قيوم
برحمتك استغيث
اصلح لي شاني كله و لا تكلني الى نفسي
طرفة عين
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: رشيد أيلال والتجني على صحيح البخاري
13-01-2018, 12:57 PM
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

الأخ الفاضل الكريم:" كريم بن كريم".
وفيكم بارك الله، وجزاكم خيرا على كريم التصفح، وتميز الإضافة، وجميل الدعاء.

لكل:" طاعن تافه ساقط يحاول بائسا يائسا: إسقاط صحيح البخاري وأئمة السنة وكتب الحديث"، نقول:

1) قد أجبناكم عمليا بمتصفحات كثيرة تكشف زيف ما تنشرونه، ومنها هذا المتصفح.

2) لستم أول من شكك في صحيح البخاري رحمه الله وغيره من أئمة الحديث وكتب السنة، ولن تكونوا الأخيرين!!؟، ولكن لتتأملوا بأن كتب السنة باقية، وذكر البخاري وأئمة الحديث باق إلى يوم القيامة بتوفيق الكريم المنان، بينما أسلافكم الطاعنون السابقون قد ذهب ذكرهم وأفل، ولا يرجع ذكرهم إلا نزرا يسيرا عبارة عن رجع الصدى يحدثه من شابههم في النية والمقصد!!؟، وصدق ذو الجلال والإكرام القائل:
[فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ].

3) نهمس في أذن كل طاعن في أئمة الحديث وكتب السنة قائلين:
قد سجلت في صحائفكم جريرة ما خطته أيديكم حول أئمة الحديث وكتب السنة، فأعدوا ليوم الهول بين يدي الجبار القهار: جوابا وللجواب صوابا!!؟، فالموتوما أدراك ما الموت - أقرب إليكم من شراك نعالكم!!؟:
[يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ]، [وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ].

4) ونهمس أخرى في آذانكم قائلين: إن آثار طعونكم في أئمة الحديث وكتب السنة، يصدق عليها قول الشاعر:
أَلَسْتَ مُنْتَهِياً عن نَحْتِ أَثْلَتِنا ÷ ولَسْتَ واطِئَها ما أَطَّتِ الإِبِلُ
كناطِحٍ صَخْرَةً يوماً لِيَفْلِقَها ÷ فلَمْ يَضْرِها وأَوْهَى قَرْنَهُ الوَعْلُ

وقول الشاعر الآخر:
ما يَضيرُ البحرَ أمسَى زَاخِراً ÷ أنْ رَمى فيه غلامٌ بحجَرْ

وقد سبقكم أنتم أيها الطاعنون اليوم:" طائفة هاجمت السنة محاولة التشكيك فيها، وأقصد بذلك: المستشرقين الحاقدين الذين شنوا حربا شعواء على السنة، فباءت كل جهودهم بالفشل، ورجعوا على أدبارهم يجرون ذيول الخيبة والحسرة والأسى"، وصدق الخبير العليم القائل في القرآن الكريم:
[يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ].

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع


الساعة الآن 06:14 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى