تحقيق مرادكم في بيان عن من تأخذون دينكم
11-05-2012, 10:07 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دخلت المنتدى قبل أيام قليلة بهدف السّؤال عن بعض إخوتي في دين الله عزّ وجلّ والذين اشتقت إليهم كثيرا فلم أفوّت عن نفسي الفرصة لأسبح قليلا في بعض أقسام المنتدى الحضاري الذي عشت فيه من قبل دهرا طويلا لأنتبه إلى هذا الموضوع المهمّ جدا والخطير في آن واحد فرأيت أنه من الواجب علي أن أدلي بدلوي فيه عسى أن أفيد إخوتي ما استطعت إلى ذلك سبيلا على أن أترككم في أمان الله تعالى إلى لقاء آخر بإذن الواحد الأحد
قال الله عزّ وجلّ : "قل إن كنتم تحبون الله فاتعبوني يحببكم الله" وقال : " قل إني على بينة من ربي" فدل هذا بصريح الدّلالة على أن الهدي في اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلّم, قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"فعليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي ... الحديث".
إذن حري علينا عند أي نازلة ألمّت بنا أن ننظر إلى حال النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كان تعامله في هذا الباب ولن يكون لنا هذا إلاّ بقراءة سليمة وصحيحة بل ودقيقة لسيرته العطرة صلى الله عليه وسلّم مع تحرّي الصحيح منها, كما ينبغي أن لا نردّ حديثا ثبت أنّه صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وبذلك فقد نجحنا في جعله قدوة حياتنا مخفّفين بذلك الكثير من أعباءنا.
لكن بعد وفاة الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام تشتت الأمة وتقطعت وظهر فيها الكذابون والضلال كما بقي فيها وبحمد الله الصادقون والعبّاد, وكان قد تنبّأ بذلك خير البشر صلّى الله عليه وسلم لمّا قال :" فإنّه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا" وقال عليه الصلاة وسلام :" وستنقسم أمتي من بعدي إلى ثلاث وسبعين فرقة" فهنا بدأ الخطب الجلل وهنا صعبت المهمة وتأزمت إلى أن بلغت قمتها في هذا الزمن والله المستعان, قد نتساءل كيف المخرج ؟ أين الملجأ ؟ أين الحل ؟ فلا نجده كما أسلف وذكرنا في غير رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلّم إذ يقول :"فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي" وبيّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن الفرق الثلاث والسبعين كلها في النار إلاّ واحدة "هي التي ما أنا عليه الآن وأصحابي".
ولكن كيف لنا أن نعرف الفرقة التي هي على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وكيف سندركها ونركب في ركبها فلا نَضِل ولا نُضل ؟ يجيبنا الحبيب النبي صلى الله عليه وسلّم الذي ما ترك شيئا إلا وأخبرنا به فقال :"خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" فكان لنا من الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم الإخبار بأن علماء القرون الثلاثة الأولى كلّهم على صفاء منهج وسلامة عقيدة وخير مذهب وهم من وصفهم أهل العلم بأهل الحديث الذين هم خاصة أهل السنة والجماعة الذين تميّزوا على غيرهم بصفات جمّة منها أنهم إذا صحت لهم السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتوقفوا عن العمل بها, قال الشافعي رحمه الله :" وأجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد" وكان من أجل صفاتهم أنهم لا يرجعون أبدا عن مواقفهم العقدية إذ خالطت بشاشتها القلوب فكانوا يثبتون على دينهم ولو في أحلك الظروف وحسبك بالإمام أحمد وهو يواجه المعتزلة, ولهذا قال بعض السلف - عمر بن عبد العزيز أو غيره -‏ :‏" من جعل دينه غرضًا للخصومات أكثر التنقل"‏.
ومن أجلّ صفات هؤلاء أنهم كانوا لا يأخذون من كلام الناس إلاّ ما وافق السنة وإلاّ تركوه, ومن أجلّ أماراتهم أنهم لا ينتسبون لمقالة معينة ولا إلى شخص معين غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال بعض أئمة أهل السنة وسئل عنها ( أي السنة ) :"السنة هي ما لا اسم له سوى السنة وأهل السنة إنما نسبتهم إلى الحديث والسنة‏", ومن أجلّ صفاتهم كذلك أنهم لم يؤصلوا أصولا يحكمون بها ويحاكمون إليها خصومهم ويحكمون على من خالفها بالفسق والكفر ، بل عندهم الأصل الكتاب والسنة وما كان عليه الصحابة, ومنها أيضا أنهم إذا قيل لهم قال الله ، قال رسوله صلى الله عليه وسلم وقفت قلوبهم عند ذلك ولم تعداه إلى أحد سواه ، ولم تلتفت إلى ماذا قال فلان وماذا قال فلان, وقد كان أهل السنة إلى جانب ذلك كلّه أقواما يتواصون بقيام الليل للصلاة بعد المنام، وبصلة الأرحام، وإفشاء السلام وإطعام الطعام، والرحمة على الفقراء والمساكين والأيتام، والاهتمام بأمور المسلمين والتعفف في المأكل والمشرب والمنكح والملبس، والسعي في الخيرات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبدار إلى فعل الخيرات أجمع، واتقاء سوء عاقبة الطمع، ويتواصون بالحق والصبر, وغيرها من الصفات الأخرى التي لا يتّسع المقام إلى ذكرها, فإن أنت عثرت على واحد من هؤلاء فلله الحمد وإلاّ فهو من أهل البدع والأهواء.
ولقد سار من سار على نهج علماء القرون الأول وأبرزهم الفقهاء الأربعاء جمع غفير من أهل العلم كان من أكثرهم نجاحا وأسمعهم صوتا وأنجحهم دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه بن القيم رحمها الله تعالى ورضي عنهما, وتعالوا في هذه العجالة العاجلة نقص بعضا ممّا قيل في هذين الرّجلين لنتأكّد من عظمتهما, فمن ذلك ما قاله الذهبي عن ابن تيمية رحمه الله:"هو حافظ عارف بالرجال" وقال فيه أيضا :" وكان آية من الذكاء وسرعة الإدراك رأسا في معرفة الكتاب والسنة والاختلاف بحرا في النقليات هو في زمانه فريد عصره علما وزهدا وشجاعة وسخاء وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وكثرة تصانيف وقرأ وحصل وبدع في الحديث والفقه وتأهل للتدريس والفتوى وهو ابن سبع عشرة وتقدم في علم التفسير والأصول وجميع علوم الإسلام أصولها وفروعها ودقها وجلها فإن ذكر التفسير فهو حامل لوائه وإن عد الفقهاء فهو مجتهدهم المطلق وإن حضر الحفاط نطق وخرسوا وسرد وأبلسوا واستغنى وأفلسوا"
وقال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد :"لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلا العلوم كلها بين عينيه يأخذ منها ما يريد ويدع ما يريد" وقال فيه ابن سيّد الناس :" سيدنا وشيخنا الإمام العالم العلامة الأوحد البارع الحافظ الزاهد الورع القدوة, وقال فيه السيوطي أيضا :"الحافظ الناقد الفقيه المجتهد المفسر نادرة العصر أحد الأعلام كان من بحور العلم، ومن الأذكياء المعدودين، ومن الزهاد والأفراد" وقال فيه الشوكاني :"لا أعلم بعد ابن حزم مثله" وغير ذلك كثير في أقوال أهل العلم في ابن تيمية وكذا في تلميذه ابن القيم.
وقد سار على هذا النحو العالم المجدّد الجليل الشيخمحمد بن عبد الوهّاب رحمه الله (تجدون هنا بحثا مفصلا عن الوهابية من كتابتي) إمام المجدّدين وعظيم عظماء المسلمين في زمانه الذي أحيا الإسلام بعد إذ هُدّد بالممات فكان ظهور هذا الرجل بمثابة عهد جديد للإسلام وكان بمثابة نبراس ينير على الأمة وحيا بعد الظلام فنتج عن دعوته المباركة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقيادة شيخنا الفاضل وعلاّمتنا الفحل عبد الحميد بن باديس رحمه الله, ومنه إلى شيخنا ومعلّمنا ومربّينا الشيخ الفاضل, أبو عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله, ونتج عن دعوته في أرض الحجاز أيضا علماء عظام في مقدّمتهم أقطاب الأمّة الثلاث وهم الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين والشيخ المحدث محمد ناصر الدّين الألباني وكذا اللجنة الدّائمة للبحوث والإفتاء وهيئة كبار العلماء, ونشأ على هذا المعدن الطّيب من علماء مصر مشايخ كبار كالشيخ محمد بن إسماعيل المقدم والشيخ رسلان والشيخ أبو إسحاق الحويني وغيرهم كثير من أئمة المسلمين أعلامهم.
فأنا شخصيا سرعان ما أسارع بالرجوع عند النّوازل إلى أقوال هؤلاء الأعلام عبر التّاريخ فإن اختلفوا هم في شيء ما وهذا أمر وارد جدا إخترت القول الأكثر إقناعا لي بشرط أن لا يكون اختياري مطابقا للهوى وهذا الذي عليه أهل الفضل والعلم في أرجح ما قيل, أمّا فيما يخص الدّروس المنهجية والخطب والحلق التي يمكن أن ننهل منها الشيء الكثير فلا أجد أروع من خطب علامتنا الفحل الشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله وشفاه (هو هذه الأيّام مريض) فقد نهلت كل ما أملك منه تقريبا ولا أعلم عنه سوى أنه شيخ وسطي عاقل له نظرة ثاقبة للواقع يقول الحق ولا يخشى في الله لومة لائم شأنه شأن الشيخ المقدم أو الشيخ رسلان أطال الله عمريهما, أمّا في دروس الوعظ والنصح والإرشاد فهناك الشيخ محمود المصري والشيخ محمد العريفي والشيخ نبيل العوضي من أهل الدعوة بأبسط الألفاظ والعبارات وأكثرهم اختصاصا في رقائق القلوب وغير هؤلاء كثير والحمد لله وما عدا هؤلاء إن بدا لنا يوما فلنسأل أنفسنا ولنطبق عليه المعايير السابقة الذكر لمعرفة إن كان من أهل السنّة والجماعة أتباع أهل الحديث فإن بدا لنا جليا أنّه منهم أخذنا عنه ما أخذتا وإلاّ فلنتجتنبه هروبا من الشبهة ولكن علينا أن لا نتكلّم فيهم ولا أن نسبّهم ولا أن نذمّهم فعساهم على حق وحسبك جورا وبهتانا أن تغتاب مسلما فضلا عن عالم, فقد قيل قديما :"لحوم العلماء مسمومة" وخير من ذلك ما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " :"وهل يكب الناس في النار علي وجوهم أو علي مناخرهم – يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم" وقال أيضا :" إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يري بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار"
أظنّ أني قلت ما يمكن قوله في هذا الباب ما استطعت إلى ذلك سبيلا حتى أساهم بتوفيق من الله عزّ وجلّ في تيسير فهم هذه المشكلة التي أعلم أنّها عسيرة وأن معظم المسلمين يعانون منها اليوم فأسأل الله عزّ وجلّ أن أكون قد أحسنت قولا وصنعا وأسأله تعالى أن يعلمّنا ما ينفعنا وينفعنا بما علّمنا ويزيدنا علما وفقها في الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين,
أمّا الآن فأستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله


صويلح محمد
كلامك مكتوب ، و قولك محسوب ، و انت يا هذا مطلوب ، و لك ذنوب و ما تتوب ، و شمس الحياة قد اخذت في الغروب فما أقسى قلبك من بين القلوب