التنمية البشرية مغالطات ومحاذير
20-06-2007, 03:48 PM
التنمية البشرية مغالطات ومحاذير

النقاش الدائر في هذه الأيام حول ما يسمى التنمية البشرية، جلب معه مغالطات أدت إلى مفاهيم خاطئة فالكل يدلي بدلوه دون أن يمحص ما يقول ويتفحص ما يقال له وعندما تختلط الأمور في الأذهان فحتما ستكون الاستفادة معدومة أو مشوشة.
ومن خلال هذه الأسطر أردت فقط أن الفت نظر القراء الكرام إلى بعض النقاط الهامة والتي هي حسب رأيي المتواضع حاسمة ففهمنا واستيعابنا لمفهوم التنمية البشرية ولكيفية الاستفادة من المهارات والأدوات التي تقدمها سيمكن من حصول التغيير الذي يتبعه النجاح وتحقيق الأهداف والأمنيات والأحلام.
ولعل أول نقطة أثارت انتباهي هو ما جاء في كلام السيد عمر دادي مدير مركز إبداع للتدريب والاستثمار البشري خلال الحوار الذي أجرته معه الشروق اليومي في عددها ليوم2004/ ليوم 28/ماي/2007، هي قضية التعلم عن طريق الخطأ.
ولم أفهم ما يريد أن يعبر عنه ويقصده السيد عمر فإن كان يقصد أن أخطاءنا هي في حقيقة الأمر خبرات وتجارب يجب توظيفها لصالح النجاح، ونستفيد منها في إطار تعليمي وبالتالي فهي ليست أخطاء بل خبرات وتجارب(كما في البرمجة اللغوية العصبية).
أما إن كان يقصد التعلم بطريقة الخطأ والصواب، فهذا باعتقادي نقيض التنمية البشرية التي من بين ركائزها الأساسية التي تقوم عليها في الطريق إلى التغيير والتطوير الذاتي ما يسمى بالنمذجة أي تقديم سلوكات معينة وتجارب لأشخاص استطاعوا أن يحققوا كثيرا من النجاح واستطاعوا كذلك أن يغيروا من حياتهم إلى الأحسن والأفضل من اجل أن تتخذ كخطوات أولى يستفيد منها الفرد وبهذا نختصر الوقت والجهد.
أما طريقة التعلم عن طريق الخطأ فهي طريقة مكلفة في الوقت والجهد، فحتى نصل إلى النتيجة الصحيحة، وحتى نتعلم علينا أن نجرب ونجرب ونستمر في التجربة والمحاولة، وفي كل مرة نحذف التجربة غير الناجحة حتى نصل في النهاية إلى النتيجة الصحيحة ولكن هناك احتمال ولو ضئيل أن النتيجة الصحيحة قد تأتي بعد مئة أو ألف تجربة، فهل علينا انتظار كل هذه المرات من أجل أن نتعلم؟
وهذا بالضبط ما جاءت به النمذجة لاختصار الطريق وتقليل الوقت وفي الأخير تحقيق الأهداف والوصول إلى التغيير والتطوير المراد بلوغه.
وهناك نقطة أخرى، أثارها السيد دادي وهي التي تخص الخبرة والتجربة، والتي أرادها أن لا تكون مهمة أو كعنصر مهم في التنمية البشرية فهي على العكس من هذا تماما فالخبرة والتجربة مطلب أساسي في هذا الميدان.
والتنمية البشرية كما هو معروف ليست علما أكاديميا يعتمد على قاعدة الهرم لتقديم المعلومات والمعرفة، بل هي أدوات وتقنيات يمكن أن يبدأ تعلمها من الأعلى أو الوسط أو القاعدة، لا يهم فالمهم أن تتعلم المهارة والأداة ثم تتدرب عليها لتصبح مع الوقت سلوكا يوميا، ومن يقدم هذه المهارة ويقدمها إلى الآخرين ويدرب عليها الآخرين يجب بالضرورة أن يكون قد تعلمها وتدرب عليها وأتقنها من قبل بمعنى أن تكون له تجارب وخبرات سابقة.
كما أن التنمية البشرية وبالنظر إلى ما تقدمه من أدوات هي عبارة عن خبرات وتجارب الحياة، فكل المدربين العالميين في الميدان لهم كم هائل من التجارب في كثير من دوراتهم يقدمونها للعبرة والدرس.
وميدان التدريب هو الميدان الذي يحتاج أكثر من غيره إلى الخبرة والتجربة من أجل تقديم المعلومة وكيفية توصيلها بطريقة ناجعة فعالة.
ومن خلال قراءتي للاستطلاع الذي أجراه منتدى الشروق اليومي اكتشفت الكم الهائل من الجهل بالميدان، ومن بين التحامل على التنمية البشرية ما قاله السيد الدكتور لحسن بوجناح الذي اعتبر أن المهارات التي تقدمها برامج التنمية البشرية تحدث تحويلا في القيم إذا لم يتم أخذ احتياطات دون أن يفسر أكثر ودون أن يقول لنا ماهي هذه الاحتياطات أو كيف يحدث هذا التحويل في القيم، وبودي لو اقترب الدكتور أكثر من الميدان حتى يعرف أن التنمية البشرية ما هي إلا مجموعة من الأدوات البسيطة الفعالة التي تسمح لممارسيها باتصال فعال وبالتحكم الجيد بالنفس وضبطها، كما تسمح هذه الأدوات بالتحكم الجيد والفعال بعلاقتنا بالمحيط.
واسمحوا لي أن أبين أكثر للقارئ الكريم حتى يحكم هل هي فعلا تحدث تحولا أم لا؟
التنمية البشرية وعبر برامجها المختلفة تعتمد بالأساس على سؤالين مهمين: كيف؟ وأين؟
في كثير من أمور حياتنا نتساءل دائما عند مواجهة صعوبات ما "لماذا؟"، التنمية البشرية تذهب مباشرة إلى حل المشكلة عبر إعادة طرح السؤال كيف؟ وأين؟ بمعنى كيف يمكنني حل المشكلة، وأين يكمن حلها؟
بعبارة أخرى أدوات ومهارت وتقنيات التنمية البشرية تدور حول هدف واحد كيف يمكنني تغيير نفسي وذاتي وتطويرها، هذا ببساطة شديدة تقريبا الميدان الذي تدور فيه التنمية البشرية، أما مازاد عن هذا فهو في غير محله حسب اعتقادي البسيط المتواضع.
وفي هذا الصدد بودي أن يقدم لنا الدكتور بوجناح ودكاترة آخرين وأساتذة قراءتهم وتحليلهم ويبينوا لنا أين الخلل أو أين الصواب وأين الخطأ؟، دون أن يقطع الطريق أمام أمر يتمسك به الكثيرون.
والحقيقة أن هناك الكثير من الجهل بالميدان حتى من طرف الذين دخلوه ويجب على الصادقين من هؤلاء العمل على توعية الناس وترقية فهمهم لهذه التقنيات بعيدا عن الصخب والضجيج الذي لن يأتي بنتيجة، وحتى لا يستغل الميدان من طرف الانتهازيين والوصوليين الذي يستغلون شغف الناس بالاستحواذ على أموالهم دون وجه حق، وقد حدث فعلا هذا في كثير من مناطق الوطن.
ولعل أول شيء يجب فعله من طرف المراكز المتخصصة أن يعاد النظر في تقديم شهادة المدرب، فالتدريب مجال لا يمكن أن يدخله كل من هب ودب، والمدرب ليس أي كان فيجب أن يخضع لشروط معينة وخاصة.
كما أنه علينا أن لا نكون مقلدين نستهلك كل ما يأتينا من الخليج العربي أو من امريكا وأوروبا، بل أنه يتوجب علينا الإبداع ومحاولة إسقاط الأمور على واقعنا الذي هو لا محالة لا يشبه ولا يتماشى مع واقع دول الخليج العربي، ودعوني أعطي مثال على ذلك، ففي ميدان المهارات الدراسية، يقوم الكثير من "المدربين" بنسخ ماجاء في محاضرات دكاترة الخليج العربي دون تمحيص، ففي نقطة الغذاء الذي يجب على التلميذ تناوله يذكر أهل الخليج أنه يتوجب عليه تناول الكثير من الفواكه،(ولا ننسى أن المجتمع الخليجي مجتمع مرفه) فيأتي أخونا المدرب الذي يقدم المادة لجزائريين ويعيد نفس الشيء، فهل ياترى تستطيع كل العائلات الجزائرية تقديم الفواكه في كل وجبة لأفرادها؟ أكيد أن الجواب هو لا، الإمكانيات لا تسمح، وبهذا ألا نكون قد قمنا بعملية إحباط للتلميذ الذي يأتي منزلهم ولا يجد الفاكهة على المائدة؟.
إن الأمر يحتاج إلى متخصصين بالفعل وليس لأفراد عاديين، في الأخير أنني أهيب بكل من له صلة بالميدان أن يشارك بالنقاش والحوار الذي سيميط اللثام عن الكثير من الغموض.
نجيب نون