النحو والتفسير وقراءة القرآن
22-05-2017, 11:38 AM
النحو والتفسير وقراءة القرآن

أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن

الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:
أهمية النحو في قراءة القرآن:
النحو يساعدك - عن طريق تعلم قواعده - على قراءة القرآن قراءة صحيحة خالية من اللحن، وأذكر لك في ذلك أثرًا عن سالم بن قتيبة رحمه الله يدل على علو قدر من يقرأ كتاب الله على ما أنزله الله، خاليًا من اللحن والخطأ، وفيه أنه قال: كنت عند ابن هبيرة الأكبر، فجرى الحديث، حتى جرى ذكر العربية، فقال: والله ما استوى رجلان، دينهما واحد، وحسبهما واحد، ومروءتهما واحدة، أحدهما يلحن، والآخر لا يلحن، إن أفضلهما في الدنيا والآخرة الذي لا يلحن.
قلت: أصلح الله الأمير، هذا أفضل في الدنيا لفضل فصاحته وعربيته، أرأيت الآخرة، ما باله فضل فيها؟.
قال: إنه يقرأ كتاب الله على ما أنزل الله، وإن الذي يلحن يحمله لحنه على أن يدخل في كتاب الله ما ليس فيه، ويخرج منه ما هو فيه. قال: قلت: صدق الأمير، وبر.

وأما أهمية علم النحو في إقراء القرآن، فقد دل الأثر الوارد عن عمر على المنع من إقراء القرآن من غير عالم بالعربية، وأنه لا بد لمقرئ القرآن أن يكون عالمًا بقواعد النحو، ففي الأثر: أنه قدم أعرابي في خلافة أمير المؤمنين عمربن الخطاب رضي الله عنه، فقال: من يقرئني شيئًا مما أنزل الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم، فأقرأه رجل سورة براءة، فقال: "أن الله برئ من المشركين ورسوله". بجر رسوله. فقال الأعرابي: أوقد برئ الله من رسوله؟، إن يكن الله تعالى برئ من رسوله، فأنا أبرأ منه.
فبلغ عمر رضي الله عنه مقالة الأعرابي، فدعاه، فقال: يا أعرابي، أتبرأ من رسولالله صلى الله عليه وسلم؟، فقال: يا أمير المؤمنين، إني قدمت المدينة، ولا علم لي بالقرآن، فسألت من يقرئني؟، فأقرأني هذا سورة "براءة"، فقال: "أن الله برئ من المشركين ورسوله"، فقلت: أوقد برئ الله تعالى من رسوله؟، إن يكن الله تعالى برئ من رسوله، فأنا أبرأ منه. فقال عمر رضي الله عنه: ليس هكذا يا أعرابي، فقال: كيف هي يا أمير المؤمنين؟، فقال: (أن الله برئ من المشركين ورسولُه)، فقال الأعرابي: وأنا والله أبرأ ممن برئ الله ورسوله منهم، فأمر عمر رضي الله عنه أن لا يقرئ القرآن إلا عالم باللغة، وأمر أبا الأسود الدؤلي أن يضع النحو.

وأما أهمية علم النحو بالنسبة للإمام الذي يُصلي بالناس، فهي ضبط لسانه في قراءته للقرآن، وعدم الوقوع في اللحن حال إمامته بالناس[1].
وقد وردت عدة آثار عن سلفنا الصالح تدل على المنع من إمامة الإمام الذي يلحن في قراءة القرآن، ومن ذلك: أن عمر بن الخطاب كان لا يرى الصلاة خلف لحان.
وقد قيل للحسن البصري: لنا إمام يلحن، فقال: أميطوه عنكم؛ فإن الإعراب حلية الكلام.
وأما حكم اللحن في قراءة القرآن في الصلاة، فلا خلاف بين المذاهب الأربعة في عدم صحة صلاة وإمامة من يتعمد اللحن المحيل للمعنى، أما من يحيل المعنى غير متعمد في ذلك، فإن كان ذلك في الفاتحة لم تصح إمامته، وإن كان في غيرها صحت مع الكراهة، وهو مذهب الشافعي وأحمد[2]، وأما مذهب المالكية، فلا تصح إمامة اللحان في الفاتحة أو في غيرها.

وأما أهمية علم النحو في تفسير القرآن، فقد تكاثرت الأقوال الواردة عن العلماء في أهمية علم النحو لمفسر القرآن، بل إنهم قد ذكروا أن المفسر لا بد أن يكون غزير العلم بقواعد النحو، مطلعًا على أقوال النحاة المتقدمين والمتأخرين، عالمًا بأشعار العرب، ومن الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين، والأقوال المنقولة عن أهل العلم في ذلك:
قال عبد اللهبن عباس رضي الله عنه: إذا خفي عليكم شيء من القرآن، فابتغوه في الشعر؛ فإنه ديوان العرب.
وقال الحسن البصري: أهلكتهم العجمة يتأولون القرآن على غير تأويله.
وقال الزهري رحمه الله: إنما أخطأ الناس في كثير من تأويل القرآن: لجهلهم بلغة العرب.
ولله در الفضيل بن عياض رحمه الله إذ قال: لن تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه.
وقال مجاهد: لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر: أن يتكلم في كتاب الله، إذا لم يكن عالمًا بلغات العرب.
وقال مالك: لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب يفسر كتاب الله تعالى إلا جعلته نكالًا.
وقال بعض السلف: من أوتي اللسان واللغة فقد أوتي مفتاحًا من مفاتيح القرآن، يفهم به معاني القرآن.
وقال آخر: إن الصادّ عن النحو كالصاد عن كتاب الله، لأن ضياع النحو طريق لضياع القرآن في حياة المسلمين، واضطراب النطق به تلاوة، ذهاب ضوابط العربية، وانغلاق معاني القرآن بفقد وسيلة فهمها، واستخرج كنوزها.
وقال آخر: لو سقط النحو لسقط فهم القرآن.
وقال أبو بكر الأنباري رحمه الله: جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه وتابعيهم من تفضيل إعراب القرآن، والحض على تعليمه، وذم اللحن وكراهيته، ما وجب على قراء القرآن أن يأخذوا أنفسهم بالاجتهاد في تعلمه.
وقال ابن عطية المفسر رحمه الله: إعراب القرآن أصل في الشريعة، لأنه بذلك تقوم معانيه التي هي الشرع، والقرآن نزل بلسان العرب، فيحتاج إلى معرفة اللسان، لأن الإعراب أجلُّ علوم القرآن.
وقال أبو البقاء العكبري رحمه الله في خطبة كتابه:(إملاء ما منّ به الرحمنمن وجوه الإعراب): إن أقوم طريق يسلك في الوقوف على معنى القرآن الكريم، ويتوصل به إلى تبيين أغراضه ومغزاه: معرفة إعرابه.
وقال الزركشي رحمه الله: واعلم أنه ليس لغير العالم بحقائق اللغة ومفهوماتها تفسير شيء من كلام الله، ولا يكفي في حقه تعلم اليسير منها. اهـ.
وقال الزمخشري رحمه الله محذرًا من تعاطي التفسير دون العلم بالعربية: ومن لم يتق الله في تنزيله، فاجترأ على تعاطي تأويله، وهو غير معرب، فقد ركب متن عمياء، وخبط خبط عشواء، وقال ما هو تقول وافتراء وهراء، وكلام الله منه براء. اهـ.
وقال أيضًا رحمه الله: يجب على المفسر أن يكون فارسًا في علم الإعراب.
وقال الجوهري رحمه الله: وتمام شرائط التفسير: أن يكون المفسر ممتلئًا من عدة الإعراب، لا يلتبس عليه وجوه اختلاف الكلام.
ونقل السيوطي رحمه الله الإجماع على أنه لا يجوز لأحد أن يتكلم في التفسير إلا إذا كان مليًا باللغة العربية، ولذلك جعل أهل العلم رحمه الله من شروط المفسر: أن يكون عالمًا بلغة العرب.
وقد أفتى ابن عبد السلام التونسي بوجوب منع من لم تكن له مشاركة في العربية من قراءة التفسير.
وقال هشام بن عبد الملك لبنيه: تعلموا القرآن والنحو، فإن القرآن بلا نحو كالجسد بلا رأس.

هوامش:
[1] فمهما كان حفظ الإمام قويًا فإنه وارد عليه النسيان، ولا يمكنه قراءة ما نسي ضبطه قراءة صحيحة إلا إذا تعلم علم النحو. وكم والله من مرة صليت فيها خلف أناس حفظهم جيد، ولكنه لما لم يكن لهم دراية بعلم النحو، كانوا يقعون في الخطأ واللحن الشديد الذي يحيل المعنى، بل قد يخطئ أحدهم خطأ يجعل الإيمان كفرًا، والكفر إيمانًا، وهو لا يدري، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
[2] وقد استدل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في "الشرح الممتع" 4/ 249 على الكراهة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكاب الله" قال رحمه الله مبينًا وجه الاستدلال بهذا الحديث على الكراهة: وهذا خبر بمعنى الأمر، فإذا كان خبرًا بمعنى الأمر فإنه إذا أمهم من ليس اقرأهم فقد خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.