تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
عمر رضا
عضو مبتدئ
  • تاريخ التسجيل : 18-09-2007
  • المشاركات : 11
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • عمر رضا is on a distinguished road
عمر رضا
عضو مبتدئ
من هو فرعون موسى
17-03-2008, 10:56 AM
موضوع للمناقشة منقول
قابوس بن معاوية
فرعون موسى
أ.عيسى الشارقي

الصورة التي رسمتها الثقافة الدينية السائدة عن إبراهيم الخليل عليه السلام وعن آل إبراهيم من زوجه سارة هي أنه ولد في العراق في أور ثم هاجر إثر فشل المحرقة إلى حوران في سوريا ثم مصر وادي النيل ثم يعود ثم يستقر في الخليل في فلسطين وهناك ينجب إسحاق ومن بعد إسحاق يعقوب ثم يتناسل في أولاد يعقوب والذين انتقلوا إلى مصر فيما بينته أحداث قصة يوسف عليه السلام، ثم تناسلوا في مصر حتى أخرجهم موسى عليه السلام في الخروج الكبير ليعيدهم إلى الأرض المقدسة التي هي فلسطين ومن ثم هناك يتواصل تاريخ بني إسرائيل حتى جلائهم الأخير عنها، هذه الصورة هي السائدة في عقول أصحاب الأديان السماوية عموماً مسلمين ويهود ونصارى، وهي كذلك السائدة في كل المحافل الثقافية التي تصدق أو لا تصدق بالأديان.
فيما عدا ثلة قليلة من المفكرين الذين شككوا في هذا التاريخ كله، أو الذين قالوا بأن جغرافيا هذا التاريخ غير صحيحة أبداً، وأن الجغرافيا الحقيقية لكل هذا التاريخ هي منطقة السراة في الجزيرة العربيّة، ولقد بينت أبحاث جمعية التجديد في مشروعها "عندما نطق السراة" صحة هذا التوجه،
ومن بين هذه البحوث بحث "اختطاف جغرافيا الأنبياء" لأحد الباحثين في الجمعية، فقد ناقش المقولة المشتهرة وبين خطأها وفقاً لعدد من المؤرخين والعلماء، ووفقاً للبحث المذكور فقد أردت استعراض بعض الآيات القرآنية، التي تدلل على صحة ما ذهبوا إليه، من أن مصر يوسف وموسى، لا يمكن أن تكون مصر وادي النيل، وأنها أقرب لأن تكون كما ذكروا بقعة من السراة في الجزيرة العربية.
ما سأقوم به هنا هو تتبع بعض المشاهد القرآنية الصغيرة؛ ضمن هذه الأحداث الطويلة، لنرى ما الذي تكشفه لنا من أرجحية؟ هل هي مع الصورة السائدة أم هي مع الصورة المنَّحاة عن الثقافة الدينية؟

(1)
من هذه المشاهد؛ رحلة أولاد يعقوب الأحد عشر، من فلسطين إلى مصر وادي النيل كما هو مزعوم، للحصول على الميرة لأهلهم، سني المجاعة السبع، التي ألمّت بمصر كما هو مذكور في تاريخ السير، فإذا افترضنا أن آل يعقوب يسكنون في منطقة الخليل، أو قربها لأنها دار
أبيهم إبراهيم كما المشهور، إذ أنهم كانوا بدوًا رعاة كما يقول القرآن على لسان يوسف عليه السلام "وجاء بكم من البدو" فهم إذاً يعيشون في مراعي الصحراء في فلسطين، ولكن قريباً من مأوى أبيهم إبراهيم عليه السلام في الخليل، ومن ثم لما أصابتهم المجاعة ذهبوا يشترون لهم طعاماً من عند حاكم مصر.
وإذا ما أنزلنا هذه المواقع التاريخية على الجغرافيا، وجدنا أن المسافة التي كانت تفصلهم عن مصر في تلك الأيام تقارب الخمسمائة كيلو متر من الخليل حتى منف؛ الموقع التاريخي الأقرب لحضارة ملوك وادي النيل، فإذا كانوا سيقطعونها عن طريق؛ قوافل الجمال، والتي تبلغ سرعتها 48 كيلو مترا في "بياض يوم"، علمنا أن أبناء يعقوب يحتاجون للذهاب والإياب لمقدار 20 يوما، فإذا أضفنا لها مدة مكثهم في مصر، لانتظار دورهم والاستعداد للإياب، فسيبلغ الوقت اللازم عندها حوالي 22 يوما، والمروي في الروايات موافق لمثل هذا التقدير، فقد ذكرت أنهم استغرقوا في المسير تسعة أيام، وبعضها تسعة أيام وعشر ليال، حيث ذكرت أن المسافة كانت 80 فرسخا، والفرسخ يساوي بحساب اليوم 6 كيلو متر،(كانوا يحسبون للقافلة بريدين في اليوم، والبريد 4 فراسخ، والفرسخ 3 أميال، والميل 4000 ذراع (1)، فإذا ما علمنا أن كل شخص له الحق في شراء بطاقة تموينية تساوي كيل بعير فقط، بدلالة قوله تعالى: [ولمن جاء به حمل بعير] وقوله: [ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير]، وإذا ما علمنا أن كيل البعير يساوي حمل حمار، وأن حمل البعير يساوي وقر حمار، وما زاد على ذلك فهو وقر بعير، أي الحمل الذي يثقل على البعير، ولم أجد من هذه الألفاظ ما هو محدد بالوزن إلا حمل البعير والذي هو وقر الحمار، وهو يساوي وسقا واحدا، والوسق يساوي 60 صاعا، والصاع أقل من 3 كيلوجرام، فحمل بعير يعني من 150- 180 كيلو جرام تقريبا، علمنا أن كل فرد سيذهب من فلسطين إلى مصر قاطعاً مسافة: 1000 كم ذهابا وإيابا، وماكثا مدة 20-25 يوما ليرجع بمقدار أقل من 200 كجم، هذا إذا حملنا أن كيل البعير هو نفسه حمل البعير والذي يساوي وسقاً واحداً، غير أن الأمر ليس كذلك فإن كيل البعير هو أقل من حمل البعير، ويدل على ذلك أن يوسف لما أراد أن يجعل لمن يجيء بالصواع جائزة؛ أكرمه بحمل بعير، ومقتضى الحال أنه أزيد من كيل البعير الذي وصفه أخوته بأنه كيل يسير، وإذا ما احتسبنا له مقداراً منها لاستهلاكه اليومي، فما المقدار الباقي من هذه الميرة؟! ويتساءل المرء لماذا لا يتوجه أبناء يعقوب وسائر البدو للميرة من بلدان نهر الأردن فهي أقرب لهم كثيراً من بلاد وادي النيل؟ وهي بلاد موفورة الماء بفضل نهر الأردن. لقد كان الطعام شحيحا، ويوزع وفق ضوابط صارمة، فهو أولا يباع ولا يوزع مجانا، ثم هو يكال بمكيال خاص خارج من الإدارة الملكية، ولأجل أن لا يقلده أحد فيكيل أزيد أو أنقص من المقدار المحدد، جعل صواع الملك من ذهب فلا يتأتي لأحد توفير مثيل له، وجعل التوزيع وفقا لعدد الأفراد وليس وفقا لعدد الإبل والمال، فلكل واحد كيل بعير فقط، تحسبا لعدم استغلاله في التجارة والسوق السوداء، وكان لكل فرد الحق في الميرة وفق فترة زمنية، قيل أنها مرتان في السنة، وهذا بعيد، ولكنها موقوتة يقينا، وإنما أراد يعقوب عليه السلام من نصحه لأبنائه بعدم الدخول من باب واحد والدخول من أبواب متفرقة، أن يسترهم عن أعين الرقباء والحساد،لأنهم عادوا للامتيار قبل أوان استحقاقهم، وذلك لما وجدوا بضاعتهم ردت إليهم، ونالوا موافقة أبيهم على اصطحاب أخيهم الذي طلب العزيز(يوسف) إحضاره معهم، فأنست نفوسهم للعزيز وأنه سيبيع لهم بوجاهة أخيهم، فيميرون أهلهم مرة ثانية ويزدادون كيل بعير إضافي، خاصة وهم يرون أن البطاقة المقدرة " كيل بعير" كيل يسير.
(2)
وهناك أمر آخر جدير بالملاحظة، فمصر التي استوطنها يوسف لم تكن تعتمد في زراعتها على سقيا الأنهار، بل تعتمد على الأمطار، والدليل أن سقوط الأمطار كان علامة الغوث على رأس السنة السابعة من القحط الذي ضرب البلاد، فبمجرد توقف الأمطار عن الهطول بدأ موسم القحط وبمجرد عودتها للهطول ينتهي موسم القحط [ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون]. فالسبع الشداد كانت بلا أمطار، ومن الواضح أن مصر هذه ليست هي مصر وادي النيل، التي لا تعتمد على الأمطار بل على مياه النيل، الذي يستمد ماءه من جبال أم من بحيرة فكتوريا، ولا تتزامن فيها المجاعة مع توقف الهطول مباشرة، إذ النهر يظل يجري اعتماداً على النبع ثم يزداد منسوبه إذا زاد منسوب الأمطار، أما مصر يوسف فهي بلاد تعتمد على سقوط المطر، وبمجرد انعدام المطر سنة واحدة، فإن الزراعة تتدهور حالاً، ويعزز هذا المعنى التزامن بين مجاعة البدو والحضر في تلك المنطقة، فأبناء يعقوب ـ البدو ـ أصابتهم المجاعة متزامنة مع سكان الحضر الذين هم تحت حاكم مصر في أيام يوسف (ع)، مما يدل على أنهم كانوا يعيشون في نفس المنطقة الجغرافية، وتتساقط عليهم نفس الأمطار، بحيث إذا سقي هؤلاء سقي هؤلاء، وأنهم إنما يعيشون في بيئتين مختلفتين؛ رعوية وزراعية، ولكن في منطقة واحدة، فلما توقف تساقط الأمطار على المنطقة، تضرر أهل الضرع والزرع في آن واحد، حيث لا كلأ ينبت، ولا ماء يكفي للزرع، فاحتاج الفريقان للتموين في وقت متزامن حضراً وبدواً، لأن نصيحة يوسف للملك لا تتعلق بغير سكان بلاده في الأصل، ولو كان يوسف في وادي النيل ويعقوب في بر فلسطين لما تزامنت المجاعة معهما، حيث مصر وادي النيل لا تتأثر بتوقف الأمطار إلاّ على المدى البعيد، وليس إلى درجة المجاعة أيضاً، ولن تكون حالة الجدب شاملة لكل هذه البقاع الشاسعة، ولو كانت كذلك لما كفتهم محاصيل مصر ولا غيرها، هذا مضافاً لما ذكرناه من عدم اعتماد مصريي ( وادي النيل) على الأمطار الموسمية.
ومما يدلل على أن مصر يوسف ليست مصر وادي النيل، أنك تجد أنهم قد تعلموا من درس المجاعة التي أصابتهم، فصاروا إضافة لمياه الأمطار يحفرون الآبار والعيون ويقيمون السدود، ففي قصة فرعون موسى نجد ذكرا للأنهار التي تجري من تحته، وذكرا للعيون لم نجده في قصة يوسف: [أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي]، [كم تركوا من جنات وعيون]، ومصر وادي النيل حتى اليوم لا تعتمد على العيون، ولا تحفر الآبار إلا في الأراضي البعيدة عن النيل، ولو كان النهر المشار له هو النيل لذكر بالمفرد وذكر اسمه العلم (النيل)، لأنه أعظم نهر في الأرض يومها، فالافتخار يقتضي الإعلان عن مسمى هذا النهر العظيم، ولكنها كانت أنهر أودية صنعوا سدودا أو عيوناً تتحكم في مياهها لاستخدام أطول زمنا بعد مجاعتهم في عهد يوسف، ولهذا لا نجد ذكرا للأنهار في قصة يوسف.
فمصر يوسف ليست مصر وادي النيل، وبدو يعقوب ليسوا على هذه المسافة الشاسعة عن مصر، وإنما هم في البادية القريبة منهم، كما هو الحال حتى الآن في حجاز الجزيرة العربية، ولو كان يعقوب في ما سمي بالخليل لتوجه نحو نهر الأردن، وإلى شمال ما يعرف الآن بفلسطين نفسها، ولم يكلف نفسه عناء قطع ما أطلق عليها صحراء النقب ثم ما سميت سيناء(2). ثم النزول عبر الدلتا إلى منف، فهذا أمر غير واقعي بالمرة، وليس وراءه جدوى.
(3)
لقد حدث تغير سياسي واقتصادي وثقافي بين مصر يوسف ومصر موسى، فمصر يوسف كانت بلاداً زراعية بالأساس تتمتع بالاكتفاء الذاتي في زراعة المحاصيل، وتمارس التجارة مع المناطق المجاورة لها، و كانت تتمتع بنظام سياسي قائم على وجود ملك ووزير يسمى “العزيز"، ونظام أمني يستخدم نظام الأسوار؛ الطريقة الدفاعية القديمة الشهيرة، يشير إلى ذلك قول يعقوب لأبنائه وهم ذاهبون إلى مصر: [يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة] فهذه أبواب سور يحيط بالقرية (المدينة)، وكل هذا يدلل على أن مصر هذه هي مجرد مملكة محدودة، مما يعرف بممالك المدن، حيث تقتصر الدولة على مدينة محاطة بسور له أبواب متعددة، تسهل عملية الدفاع، ولها قرى وأراضٍ تابعة لها، ويدل على بساطة هذه الممالك أن العزيز ( الوزير ) يوسف عليه السلام، كان يشرف على توزيع المؤن بنفسه، وكان الممتارون يدخلون إلى مركز المدينة داخل الأسوار لأخذ البطاقة التموينية، ومملكة كهذه هي أقل شأنا بما لا يقاس، من مملكة وادي النيل المشهورة اليوم بالفراعنة، حتى أن إخوة يوسف، لما عادوا إلى أبيهم، بعد احتباس أخيهم الثاني، قالوا مبررين وضعهم لأبيهم: [واسأل القرية التي كنا فيها]، ولفظ القرية يطلق على المدن، منتزع من معنى الاستقرار، وإذا كبرت سميت أمّا للقرى، ومنها سميت مكة أم القرى، لأنها أول بيت وضع للناس، غير أن هذه المملكة لها ما للممالك الكبيرة من نظام الملوكية، من وجود ملك ووزراء وقانون وسجن وعرش، كما كان شائعاً في الجزيرة العربيّة يومها، كما لا حظناه في مملكة سبأ ومملكة داوود، فهي ممالك من نوع ما عرف بدولة المدينة ليس إلاّ.
(4)
غير أن مصر هذه قد تبدلت سياسياً واقتصاديّاً وأمنياً وثقافيا في عهد فرعون موسى، فالملك اتخذ مسمى سياسياً جديداً وهو فرعون وهو لفظ يدل على العلو والارتفاع والسمو، من فرع، فالفرع هو أعلى الشيء، فهو يشبه ما نقوله اليوم بصاحب السمو والجلالة والمعالي.
والوزير " العزيز" أصبح "هامان" وهو: باب السلطان، وتؤدي معنى العزيز والملك، وهي عند الفرس طائر يحط على من حط عليه بالسعادة، ولا زالت في الفارسية تلفظ همايون، وهو بمثابة رئيس للوزراء، سلطاته تمتد للشؤون العسكرية والمدنية، "جنودهما" و [أوقد لي يا هامان على الطين]. وجرت عمليات تغيير في نظام الري، فبعد أن كانت تعتمد على المطر صار لها أنهار تجري من تحت فرعون، [وهذه الأنهار تجري من تحتي]، وصار لها عيون ماء [كم تركوا من جنات وعيون]، لها جنات من نخيل وعنب، وشجر دائم الاخضرار، إذ لفظ الجنة لا يطلق إلا على الأرض الدائمة الاخضرار، القادرة على ستر من دخلها، وجعله في جنة عن العيون.
وهذا حدث لأحد سببين أو لكليهما، فإما أنهم قد لجئوا إلى نظام السدود وحفظ المياه، ثم التحكم في جريانها أنهاراً وأودية، وحفظها في هذه "العيون"، وبالتالي صاروا قادرين على زراعة نباتات أخرى غير موسمية، ولا تعتمد على الأمطار الموسمية كالقمح الذي كانوا يزرعونه، فصرنا نسمع فرعون موسى يتحدث عن النخل والصلب على جذوع النخل، وصرنا نسمع عن ممتلكاتهم أنها جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين.
أو أنهم قد توسعوا في الاستيلاء على البلاد المجاورة سياسيّاً، فبعد أن نقرأ في سورة يوسف عن السور والأبواب ذي المداخل المتعددة، صرنا نسمع الملأ من قوم فرعون، يشيرون عليه بأن يبعث في المدائن حاشرين، مرة لطلب السحرة، ومرة لطلب الجند والجيش، مما يدل على حدوث توسع سياسي لمملكة فرعون، لقد كانت قرية وأصبحت أم قرى ولها مدائن، مصر فرعون موسى أوسع وأغنى وأقوى من مصر يوسف.
ومن الناحية الثقافية والدينية فقد كانوا يعبدون أرباباً متفرقين: [أأرباب متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهار] تلك كانت كلمات يوسف مع السجينين، ولكنها كانت أكثر بساطة وتواضعا بحيث أنها لم تتمكن من تفسير رؤيا الملك، وفوق هذا لم تحاول أن تتصنع له جوابا بل أقرت بعدم المعرفة، واكتفت بتبرير أنها أضغاث أحلام، ولكن فرعون موسى أنشأ نظاماً دينياً جديداً، جعل من نفسه إلهاً أوحدا فقال: [ما علمت لكم من إله غيري] واستعان بالسحر العظيم، وأظهر من الاعتراضات ما يوحي بالثقة الزائدة في النفس، فالثروة العظيمة والقدرة والقوة أغرته بادعاء المناصب التي لا يمكن أن يصلها أحد، فادعى الربوبية والإلوهية.
ويمكن أن نلحظ تغيراً اقتصاديّاً مهما طرأ على مصر موسى، تسبب لها في كل هذا النماء، إنها التجارة فليس ثمة عمل في الزمان الماضي أو الحاضر، يمكن أن يكدس أموالاً كالتي حازها قارون غير التجارة، فلا بد أن فرعون موسى قد تمكن من الاستيلاء على منطقة تقع على خط التجارة الدولي، أو إقناع القوافل باتخاذ مصره طريقاً تجاريّاً ربما بسبب الوفرة في الماء والغذاء والأمان، وهذا ما أمكن لأمثال قارون من بني إسرائيل، أن يجمعوا كل هذه الكنوز من الذهب والفضة، وأمكن لقوم فرعون أن يجمعوا منها الكثير [كم تركوا من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم].
إن كل ما قدمناه يؤكد أن مصر يوسف وموسى ليست مصر وادي النيل وإنما هي مملكة في الحجاز على الطريق الدولي للتجارة الذي كان يربط الصين والهند ودول آسيا بالشرق الأوسط والأدنى وأوربا والذي كان يمر باليمن والحجاز إلى الشام ثم تركيا فأوربا.
ولعل اسم مصر نفسه لا يخلو من الدلالة على المال والغذاء والتجارة، فلو تتبعت مسمياته على أنواعها لوجدت الأمور الثلاثة: المال والغذاء والتجارة مشتركة فيها فالمِصر بالكسر: البلاد التي يجلب إليها الفيء والصدقات ومنها توزع على المستحقين، والمَصر بالفتح: الحلب بأطراف الأصابع لإخراج الحليب (الغذاء) من مسالكه في الضرع، والمصير والمصران: هو المعي، الذي هو مجرى الغذاء في الجسم، ولازال أهل الشام يسمون المال مصاري، فمصر هي بلد تقع على خط التجارة يمتار منها الناس الطعام، ويتاجرون فيها، ويجلبون لها ومنها الأموال، وأصل الكلمة يعني المآل والمرجع، فالبلد الذي يؤل له الناس للميرة يسمى مصرا، والبلد الذي تؤول له أموال الصدقات يسمى مصرا.
لقد انتشرت في هذه المنطقة خاصة في الجزء الجنوبي من السراة ممالك أشبه بدول المدن تمتعت بالنفوذ والمال بسبب طريق التجارة ومنها مملكة سبأ ومملكة داوود عليه السلام ومملكة مصر فرعون موسى، وكانوا يتسمون بالملوك ويتخذون عروشاً ويعتنون بالزراعة والسدود والتجارة، ومثل هذا الحال وجد أيضاً في الجزء الشمالي من السراة والأردن وسوريا فهناك ممالك النبط ومدينتهم البتراء ومملكة تدمر وغيرها، وأدرك الإسلام منها ممالك مشابهة ولكنها كانت ضعيفة وتابعة للإمبراطوريات العظيمة في الفرس والروم يومها، فقد كانت هناك مملكة المناذرة والغساسنة، ومملكة في اليمن وبعض الممالك الصغيرة في عمان وهجر.
(5)
ومشهد آخر جدير بالوقوف أمامه مليّاً، يتعلق بما هو مذكور من إنجاء الله سبحانه لموسى وقومه، لما فروا من ظلم فرعون وجنوده، فلما أدركهم جيش فرعون على ساحل اليم تحير موسى ما الذي عليه أن يفعل في هذا الحصار؟ [فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ(63)وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ(64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ(65)ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ(66)](الشعراء)إلى هنا والمشهد طبيعي ومعروف في التاريخ ولكن النقطة المحيرة هي أن القرآن الكريم، يذكر صراحة أن موسى وقومه لم يعبروا في هذا العبور للذهاب للأرض المقدسة، وإنما للهرب من طغيان فرعون، ولذلك لما أغرق الله سبحانه فرعون وجنوده عادوا إلى نفس الديار التي كانوا فيها، ديار فرعون [فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل]، فالآية واضحة بأن بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وجنوده، قد عادوا وورثوا ملك فرعون وقومه وزرعهم وبيوتهم وأموالهم، وهنا يجدر بنا أن نلاحظ أن بني إسرائيل مهما كانوا من حيث العدد يستحيل عليهم أن يرثوا ملك وادي النيل لمجرد موت الفرعون وجنوده، لأنهم أقل عدداً وشأناً من أن يدبروا ملك وادي النيل، الذي يستحيل دماره لمجرد موت فرعون وجنوده، فمصر وادي النيل أعظم وأعقد وأمنع من أن يرثها بنو إسرائيل، الذين زعموا كذبا أنهم كانوا 600000 فرد قادر على حمل السلاح يوم عبورهم، وقد أشار القرآن إلى كذب هذا العدد على لسان فرعون حين قال: [إن هؤلاء لشرذمة قليلون، وإنهم لنا لغائظون].
ثم إن التاريخ لم يذكر مطلقاً أن بني إسرائيل حكموا مصر، وورثوا ملك وادي النيل وهذا تاريخ عوائل الملوك المصرية أمامنا، ويستحيل أن يكون ملك (الفراعنة) قد زال لمجرد أن فرعون وجنوده قد غرقوا في اليم، ومن الواضح أن القرآن الكريم قد أثبت أن هذه الحادثة قد دمرت ما كان يصنع فرعون وجنوده، وأبادت ملكهم وأنهت وجودهم التاريخي والسياسي، وأورثت ملكهم لبني إسرائيل أو على الأقل أورثت أموالهم وأرضهم وقصورهم لبني إسرائيل، وهذا يدل على محدودية مملكة فرعون موسى حتى بعد توسعها.
ولعل الذهب الكثير، الذي حمله بنو إسرائيل في رحلتهم نحو الأرض المقدسة، والذي قذفوه مع السامري في النار، فأخرج لهم عجلاً جسداً من ذهب له خوار، هو مما ورثوه من أموال فرعون وقومه بعد هلاكهم، وإلاّ فمن أين لهم هذا الذهب الكثير الكافي لصناعة عجل، ولقد قالوا: [ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفنها وكذلك ألقى السامري]. إذاً موسى عليه السلام لم يتنازل عن رسالته في أخذ بني إسرائيل للأرض المقدسة الموعودة حتى بعد أن نالوا الثروة والسلام، وورثوا فرعون وقومه، فهو فرّ ببني إسرائيل خوفاً من طغيان فرعون، ولكنهم عادوا بعد هلاكه ثم خرجوا نحو الأرض المقدسة الموعودة، فهذا الفرار وهذا الخروج لم يكن من مصر وادي النيل وإنما من مصريم في سراة جزيرة العرب إلى الأرض المقدسة المباركة في جزيرة العرب أيضاً.
(6)
هناك مفارقة تقوم حول الأسماء، أسماء شخصيات الأحداث في الثقافة العربية، فالمؤرخون العرب يذكرون أسماء الشخصيات التي وردت في قصة إبراهيم وأبنائه، فالرجل الذي أجاز لإبراهيم عليه السلام بأن يسكن بجواره بعد هجرته بلده وعبوره كان أبو مالك، ذكرت ذلك التوراة أيضاً، والذي اشترى يوسف من مصر اسمه مالك بن ذعر بن نويب، وزوجته اسمها زليخة، والملك اسمه: الريان بن الوليد، وفرعون موسى اسمه الوليد بن مصعب بن معاوية أو قابوس بن مصعب بن معاوية، ومؤمن آل فرعون أسمه حبيب (ويذكرنا هذا بحبيب النجار) أو حزبيل أو حزقيل، وزوجة فرعون اسمها آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد، والسامري واسمه موسى بن ظفر، وقارون واسمه قارون بن يصهر بن قاهث، هذه هي أسماء هذه الشخصيات في روايات المؤرخين العرب، وهي كما ترى لهجة عربية من الجزيرة العربية، ومختلفة عن اللهجة العربية المصرية بوادي النيل، والمؤرخون إنما يأخذونها بالسماع عمن سمع، وهذا يعني أنها كانت متداولة عند قدامى عرب الجزيرة، وبعضها مؤكد في الروايات ومشتهر كزليخة، وآسية بنت مزاحم، فيا ترى في أيّ سجل من سجلات ملوك وادي النيل سنجد هذه الأسماء؟
ثمّ ألا يدعونا ما ذكّر به مؤمن آل فرعون، محذرا قومه من أن ينالهم مثل ما أصاب الأحزاب: قوم نوح وعاد وثمود، وهم أقوام عرب من الجزيرة العربية إلى أنه إنما يخاطبهم بما عرفوا وسمعوا وشاهدوا؟ فليس من المعقول أن يحذرهم بتاريخ أقوام لم يسمعوا عنهم شيئا، بل هو على ما جاء به القرآن الكريم يذكر للعرب تاريخ من عرفوا وسمعوا وشاهدوا آثارهم.
(7)
[... فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحًا...]( 38: القصص)
[وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ*أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى...](36-37:غافر)
الصرح هو البناء العالي، وقيل هو المنفرد في المكان العالي في البنيان، وليس هذا موضع اهتمامنا، بل موضع اهتمامنا هو مادة بناء هذا الصرح، ألا وهي الجص أو الطين المطبوخ، هل هذه هي المادة التي بنى بها ملوك وادي النيل معابدهم؟ كلا، فهذه معابد وادي النيل كلها منحوتة من الحجارة العظيمة، و لا تزال طريقتهم في رص أحجار الأهرامات تحير الباحثين حتى اليوم، فهم لم يجدوا بعد الطريقة التي تمكن بها المصريون في وادي النيل، من إحكام تماسك الأحجار بدون مادة لاصقة، وإلى درجة أنك تجد صعوبة في إدخال شفرة حلاقة بين الصخرتين، ومهما قلنا فإن الطين المطبوخ لم يكن هو وسيلتهم لبناء الصرح، ولم يكن هو عماد مادة البناء، إذ ينبغي الالتفات إلى أن عبارات الآيات تعني أن الطين المطبوخ، كان هو عمدة البناء وليس الصخر الكبير، فهو بناء لا يشبه في مواده قصور بُصرى بالشام، أو المعابد في بعلبك وإيران وسائر منطقة الشرق الأوسط، والتي كانت تعتمد في الأساس على قطع الصخور ثم تركيبها إلى بعضها بالطين أو أية وسيلة أخرى، ولكن الصخور هي عمدة البناء، ولو كان صرح فرعون موسى عمدته الصخر، لطلب فرعون قطع الصخور، لأنه الجهد الأكبر في عملية الإنشاء، أما وأنه قال أو قد لي على الطين، فإن الطين المطبوخ هو عمدة بناء صرح فرعون، أي أنه يريد بناءً عالياً من الطين والحجارة، كما هي الطريقة المعتادة في بناء البيوت والقلاع والحصون في عديد من المناطق العربية، كما في العراق و في شبه الجزيرة العربية، ولهذا فإن معظم آثارهم قد اندثر مع الزمان، لأن الطين لا يصمد للعوادي صمود الصخور. ولن تجد منطقة في الشرق كله أعلى بناءً بالطين من اليمن، فهي البلاد الوحيدة التي تبني صروحاً وإلى اليوم يصل ارتفاعها إلى ستة طوابق، وهي من المعالم الجميلة في صنعاء اليمن، فليس بعيداً أن تكون هي الطريقة التي استعملها الأسلاف في تلك المنطقة لبناء الصروح من الطين.
وقد بنا نبي الله سليمان عليه السلام، صرحاً ممرداً من قوارير إظهارا لقدرته لبلقيس اليمن، فبناء الصروح كان عندهم علامة على القدرة والمكنة، تماماً كما هو الحال عند دول العالم اليوم التي تتفاخر أيها أعلى بناءً في الأرض!
فاستخدام الطين المطبوخ دون الصخور في بناء الصروح العالية، يدل على أن مصر فرعون موسى ليس مصر وادي النيل، وإنما هي في سراة الجزيرة العربيّة في عسير أو اليمن..
(8)
في الأديان السماوية الثلاثة هناك أرض مباركة، لها علاقة بالأنبياء وبني إسرائيل اختلف فيها المفسرون، فمنهم من قال إنها الشام وفلسطين تحديداً، أخذا بالمشتهر من التاريخ والجغرافيا ومتابعة لليهود في دعواهم، ورغم أن هذا الرأي قد خالفه العديد من المفسرين الأكثر تدقيقاً وأمانة، إلاّ أن متابعي الإسرائيليات قد روجوه وشهروه حتى بات لا يذكر سواه، فقد خالفه ابن عباس وقال إنها مكة، وخالفه جماعة من السلف كما ذكر صاحب كتاب تيسير الرحمن في كلام المنان فقال: "الظاهر أنها صنعاء كما قاله غير واحد من السلف"(3) وقال صاحب الأمثل في تفسير القرآن: " أما ماهي الأرض المباركة؟ فقد أجمع أغلب المفسرين على أنها أرض الشام ( سوريا فلسطين والأردن) .. ولكن بعض المفسرين احتمل أن المقصود منها هو صنعاء أو مأرب، وكلتاهما كانتا في اليمن، ولا يستبعد هذا التفسير، لأن المسافة بين (اليمن) الواقعة في أقصى جنوب الجزيرة العربية والشام الواقعة في أقصى شمالها شاسعة، ومليئة بالصحارى اليابسة المقفرة، مما يجعل تفسير الأرض المباركة هنا بالشام بعيد جداً، ولم ينقل في التواريخ ما يشير إلى ذلك، بعضهم أحتمل أيضاً أن يكون المقصود بالأرض المباركة مكة وهو بعيد أيضاً "(4)
إن المشكلة في تحديد " الأرض المباركة"، تبدأ من عدم الاتفاق حول ماهية البركة، فمن اكتفى منهم بأنها منبع النبوات، صار مقبولاً عنده أنها مكة، ومن اكتفى بأنها مباركة بالخيرات والنعم صار يبحث عن أرض خصب معطاء.
أول ما ينبغي قوله وتعيينه، إن هذه الأرض هي بقعة مخصوصة محددة، كانت مهداً للنبوات من جهة؛ وكانت موفورة الخيرات من جهة أخرى ، وهي التي جرت فيها أحداث النبوات ، وتحرك فيه بنو إسرائيل ، وإبراهيم الخليل ولوط، فهي التي أنجى الله نبيه إبراهيم ولوطاً في قوله [ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ](71: الأنبياء)، ومن هنا بدأت المتاهة، حيث سيطر على تاريخ الأديان توجه اليهود في فهم التوراة ، فقالوا إنها فلسطين ، بينما المروي أنهما لجأا إلى مكة وآواهما شخص يدعى " أبو مالك : وأنهما أقاما عند بلوطات نمرة ( لاحظ مسجد نمرة ) ، وهذا ما جعل ابن عباس يقول إنها مكة .
إن هذه الأرض ترد في أخبار نبي الله سليمان عليه السلام، حيث كان مقره في الأرض المباركة، والريح تجري بأمره إلى دار مقره فيها [ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ](81: الأنبياء)، وفيها يقع المسجد الأقصى وهي تقع من حو له " المسجد الأقصى الذي باركنا حوله " ففي الأرض المباركة، هناك أرض مقدسة، والأرض المباركة من حولها، وإليها كان واجب الهجرة على بني إسرائيل " ياقوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ".
فنهاك إذاً أرض مقدسة داخل الأرض المباركة ، وفيها المسجد الأقصى ، والحقيقة أن القائلين بأنها الشام وفلسطين لم يتدبروا في الآيات القرآنية ، وتابعوا المشهور من غير تمحيص، لأنها بحسب الآيات لايمكن أن تكون فلسطين ، ففي خبر هلاك فرعون مصر يذكر القرآن الكريم [ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ](137: الأعراف)، فمملكة مصر فرعون (موسى ) كانت ضمن الأرض المباركة .
ولعل هذا هو باعث من قال أنها مصر وادي النيل ، فبنو إسرائيل لم يغادروا الأرض المباركة حتى حينما كانوا تحت سطوة فرعون بل كانوا فيها ، وإنما كانت مهمة موسى إخراجهم نحو الأرض المقدسة في الأرض المباركة ، فلو تمسكنا بقول أصحاب التاريخ المشهور لوجب أن تكون الأرض المباركة هي مصر والشام جميعاً ، ولكن هذا القول لا يمكن الركون إليه، بسبب آيات أخرى تحدثت عن مملكة سبأ قال سبحانه " لقد كان لسبأٍ في مسكنهم ، آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له، بلدة طيبة ورب غفور ، فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم ... إلى أن يقول [وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ* فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ] (18-19: سبأ)
إن مملكة سبأ هي في اليمن لم أجد من يخالف ذلك ، واليمن القديم ليس هو اليمن الحديث سياسيّاً ولكنها لن تخرج عن منطقة جنوب الحجاز على أية حال، والآية تقول إن بين مملكة سبأ والأرض المباركة أو القرى المباركة قرى ظاهرة ، وظهور القرى يشير إلى عمرانها وقوتها وأمنها ، مأخوذ من الظهور وهو البروز والقوة ، فهناك إذاً ما بين قرى مملكة سبأ وقرى الأرض المباركة قرى ظاهرة، فهي سلسلة من ممالك المدن ( القرى )، المتمتعة بالقوة والعمران والأمان المستتب، متصلة ما بين سبأ والأرض المباركة، وهذا الذي دفع الشيخ مكارم الشيرازي إلى أن يرفض أنها الشام، وقال إن بين اليمن والشام قفاراً واسعة، ولعل متابعة الآية تساعدنا على تحديد أكثر اقتراباً من الناحية الجغرافية، فإذا كانت سبأ باليمن فإن امتداد القرى الظاهرة ومن ثم القرى المباركة حتماً سيكون نحو الشمال ، إذ هو المتعين، ولتحديد المدى الجغرافي الشمالي هذا، سنستعين بالمدى الزمني اللازم للسفر بين مملكة سبأ وبين القرى المباركة، لننظر هل يمكن أن يبلغ الشام كما يزعمون؟
إن المقدار الزمني الذي يحتاجه السائر بين سبأ والأرض المباركة هو بمقدار "ليالي وأياما"، إن من الممكن أن نقول بأن قول سيروا فيها ليالي وأياماً هو للإطالة والكثرة فتكون ليالي هي مجموع ليلة وليلة وليلة إلى ما لا نهاية، وأيام هي مجموع يوم ويوم ويوم إلى ما لا نهاية، في إشارة إلى طول الأمان في التنقل.
ولكن هذا الفهم مناف للمنة عليهم بأن جعل أسفارهم قريبة وآمنة، فقد عوقبوا لجحودهم هذه النعمة بقولهم ربنا باعد بين أسفارنا، ثم إن هذا القول بطول السفر الآمن لن يجعل لكلمة "وقدرنا فيها السير " معنى التقدير الحقيقي ، ثم هو يفقد الإيقاع المكاني الذي تتحدث عنه الآية ، فالآية لا تريد أن تقول بأن المنة عليهم كانت القدرة على التجوال والتنقل في القرى الظاهرة بأمان ، وإنما تريد أن تقول بأن الله قد جعل مسيرتهم من سبأ حتى القرى المباركة والتي فيها البيت المقدس آمنة وقريبة ، وهنا تتحول المدة المذكورة: "ليالي وأياماً" إلى مسافة جغرافية، يمكن أن تعيننا على تحديد البعد الجغرافي بين القرى المباركة وسبأ عبر القرى الظاهرة.
إن تعبير ليالي وأياماً يدل أولاً على قرب المسافة بين مملكة سبأ والأرض المباركة ولا يفصلهما سوى أرض يستغرق قطعها ثلاث ليال أو أربع ليال أو خمس ليال إلى عشر ليال فإذا زدت عن ذلك قلت ليلة مثل إحدى عشرة ليلة، وعشرون ليلة، وكذلك الأيام فهي ما بين 3-10 أيام وإذا زدت قلت يوماً مثل أحد عشر يوماً وعشرون يوماً ، فمقدار السفر بين مملكة سبأ والأرض المباركة يتراوح ما بين 3-10 من الليالي والأيام ، ولعل التفاوت راجع إلى مدى قرب المسافر في نفس مملكة سبأ ، أو يريد الإشارة إلى رقم بين 3-10 فقد يكون رقماً أكثر تحديداً ولكننا لا نملك ذلك من نفس اللفظ.
إن أبعد مسافة بين سبأ والأرض المباركة هي مسيرة 10 أيام بلياليها فإذا حسبناها بسير القوافل كانت 500 كيلومتر لا تزيد، حيث كانوا يسيرون بياض اليوم فقط، ولو بالغنا وقلنا بأن الأمان يجعلهم يمشون ليل نهار، فإنها لن تزيد عن ألف كيلومتر، على فرض المحال، وأما إذا أخذنا أقلها 3 أيام فهي 150 كيلو متر فقط، فنحن ما بين 150 إلى 500 كيلو متر من اليمن شمالاً أي أنها حتماً ستكون في السراة الجنوبي ، ومع المبالغة ستصل مكة أو المدينة ، فهي إما في منطقة أبها أو الباحة أو ما قارب ذلك ، وهناك كانت مملكة فرعون مصر موسى، ومملكة سليمان أيضاً .
(9)
في الأخبار فيما ورد من مناقشة الإمام جعفر الصادق عليه السلام مع وفد من الصوفية كما جاء في الكافي ".. وأخبروني أين أنتم عن سليمان بن داوود (ع) حيث سأل الله ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده فأعطاه الله جل اسمه ذلك، وكان يقول الحق ويعمل به، ثم لم نجد الله عز وجل عاب عليه ذلك ولا أحد من المؤمنين و داوود النبي (ع) قبله في ملكه وشدة سلطانه، ثم يوسف النبي (ع) حيث قال لملك مصر "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليهم فكان من أمره الذي كان أن اختار مملكة الملك وما حد لها إلى اليمن وكانوا يمتارون الطعام من عنده المجاعة أصابتهم"(5).
الأمر كان واضحاً عند بعض السلف منذ البداية، ولم تنطل عليهم تحريفات شراح التوراة..أن مصر في السراة قرب اليمن، ولكن الهيمنة على الرأي العام كانت للإسرائيليات الباطلة.
إن التأمل في التفاصيل لكل كلمة وردت في القصص القرآني، سيكشف لنا عن وجه من الحقيقة، يساعدنا في التخلص من العديد من الأخطاء، التي نتقبلها من خلال أوهام الروعة في القصص الإسرائيلي، الذي ملأ كتب المسلمين، وتغلب في ذهنهم على بعض صريح النصوص القرآنية الكريمة.
http://www.tajdeed.org/article.aspx?id=10532
من مواضيعي 0 من هو فرعون موسى
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية patient_calme
patient_calme
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 16-10-2007
  • الدولة : الجزائر
  • العمر : 40
  • المشاركات : 1,759
  • معدل تقييم المستوى :

    18

  • patient_calme is on a distinguished road
الصورة الرمزية patient_calme
patient_calme
شروقي
موضوع مغلق
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع
مكانة العلم والعلماء...من خلال قصة موسى والخضر عليهم السلام
و كنت محقا
إرشاد العقلاء... أين الله ؟
أبو موسى الأشعرى
الساعة الآن 01:49 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى