الرايات السود: نذير الأفكار والأفعال السود
17-08-2014, 09:36 AM
الرايات السود: نذير الأفكار والأفعال السود
في البداية تستقبل الأخبار عن داعش، وكأنها فيلم رعب من نسج خيال غير علمي، أو تأليف قصة غير واقعية استوحاها كاتبها من عمق بشاعات التاريخ البدائي الغابر، ولكن سرعان ما تضعك الحقائق المرّة في قلب الواقع الملموس، عندما ترى بأم عينيك تقارير عن جحافل الموت، تتقدمها رايات سوداء مظلمة نذير شؤم بما هو قادم، لولا كلمة التوحيد ولفظ الجلالة ”الله” خط تعسفا وظلما وعدوانا في غير موضعه، ترفعه أشكال بشر وما هي ببشر، فالوجوه مكفهرة والقلوب ميتة وغلف على أقفالها، بعد أن أصبحت عاجزة عن التفكر والتدبر، مما لوّن أفكار وأفعال التنظيم بلون الرايات التي تحملها.
وكل يوم يمر نفاجأ ببشاعة ممارسات تفوق كل التصورات تقوم بها هذه الجماعة الغريبة في تركيبتها السيكولوجية والفكرية والعقدية، فسيكولوجيا تظهر لنا تشوهات نفسية خطيرة نتج عنها أعراض الحقد والكراهية والتبلد والقسوة، التي جعلت أناسا من بني البشر يضربون أعناقا، وكأنهم يقطعون رؤوس لعب ودمى يتدربون عليها. ويخطفون النساء ويجلدوهن على لباسهن، وقد يخطفوهن ويتزوجوهن نكاح متعة ويبيعوهن جواري في سوق النخاسة، وكأنهن شيء من متاع لا معنى له ولاحس ولا كيان، ويعدمون عشرات اليزيديين بدم بارد باسم دين يقوم على حرية الاعتقاد، ويساق نساءهم وأطفالهم إلى مصير مجهول، فضلا عن تجنيد الأطفال والتمثيل بالجثث، وطرد الأقليات الدينية الأصلية خارج موطنها وأرضها.
وفكريا تجد فوضى من التجميع العصامي العشوائي لأفكار تبسيطية تقوم على أحادية الرؤية الخاصة بشيوخ الكتيبات والأشرطة، وزعماء التوظيف السياسي للدين ولآراء علماء السلف، بعيدا عن المدارس التاريخية الكبرى، والمعاصرة الخاصة منها بالعلوم الشرعية والإنسانية، يزيدها تقديس الأشخاص وعمليات البيعة والسمع والطاعة وغياب حرية التفكير وفرض الوصاية عمى معرفيا ينتهي إلى الإتباع والتقليد المطلق.
ومن ثم ووفقا لآثار الظاهرة على المستوى العالمي ولخطورتها على الإسلام والدول وعلى الإنسان حيث ما كان، لابد من تجنيد مراكز البحوث وجيش من الباحثين لتفكيك الظاهرة، والبحث عن تاريخها وخلفياتها، وأسباب وعوامل نشأتها وانبثاقها، ومن ثم تفسيرها سعيا وراء البحث عن علاجها، من منطلق أن كل أشكال محاربتها لا يمكن إلا أن تضعفها أو توقف زحفها وانتشارها، ولا تقضي عليها بل تجعلها تظهر تحت اسم آخر، وبشكل جديد وبأفعال أكثر بشاعة وخطورة من سابقاتها.
لابد إذن أن تركز المقاربات على البحث في البنية السيكولوجية والفكرية التي أنتجت تلك التشوهات، والكف عن التفكير بالمؤامرة التي تمثل الحل الأسهل، الذي يسوق تبريرات انطباعية عن داعش، عندما يعتبرها صنيعة أمريكية تارة أو عراقية وإيرانية وسورية تارة أخرى، وهو انطباع يفسر التكتيك الذي تتبعه داعش على أنه هو الظاهرة، في حين يتطلب أمر الإقبال على التكفير والذبح والإعدام والجلد والخطف والتشريع للاغتصاب، لابد من وقفة أكثر جدية في التعامل مع الظاهرة للوقوف على العوامل التي أدت إلى ظهور هذا المرض الفكري والنفسي الرافض للتنوع والتعددية والحوار والمشاركة والديمقراطية والتداول على السلطة، والذي ركب ذهنية الإقصاء، والفكر الأحادي القائم على البعد الواحد والرأي الواحد.
إن الأمر يعود إلى جهلين، أحدهما مؤسس أسهمت في تكريسه قطاعات استراتيجية للدول لم تؤد دورها المطلوب في صناعة الإنسان والمواطن، بحسه المدني وعمقه الإنساني ومبادئه وأبعاده الأخلاقية وتركيبته الذهنية والفكرية والعلمية، وهذا يعود في الأساس إلى قطاعات التربية والتعليم والثقافة والشؤون الدينية، فضلا عن مؤسسات الأسرة والمجتمع المدني، والثاني هو الجهل المقدّس الذي نتج عن انتشار آراء فردية لشيوخ الحركات والتنظيمات والجماعات الإسلامية، التي غفلت الدول عن متابعتها في تطوراتها بعين علمية وبحثية أكثر منها أمنية ورقابية، كي تتضح لها مآلاتها، ومن ثم سخرت تلك التنظيمات منابر وأشرطة وكتيبات ووسائل إعلام ومواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي، وتناغمت في مراحل معينة مع مصالح دول تقاطعت معها في بعض أهدافها الجزئية، فكانت النتيجة دمارا على الدول والدين والإنسان.
الأمر الثاني يتمثل في غياب مشروع المجتمع، الذي يخلّف عقدا اجتماعيا تلتقي عنده كل الطوائف والديانات والاتجاهات السياسية والأعراق والاثنيات والرجال والنساء في المجتمع الواحد، وعنه تنبثق كل الحقوق والواجبات التي تصبح ثوابت، يعتبر كل من خرج عنها خارجا عن شروط العقد وقوانين الدولة ومؤسساتها.
وفي ظل هذه المعطيات، يمكن القول بأن القضاء على الأفكار والأفعال السوداء، وعلاج ظواهر داعش وأخواتها، لا يتم إلا من خلال القضاء على مركبات الجهلين المؤسس والمقدس، ليسترجع المسلم قلبه السليم، الذي يتواصل مع الله نور السموات والأرض، بعيدا عن خرقة سوداء يحملها قلب مريض غلف على أقفاله.
د. أسماء بن قادة
في البداية تستقبل الأخبار عن داعش، وكأنها فيلم رعب من نسج خيال غير علمي، أو تأليف قصة غير واقعية استوحاها كاتبها من عمق بشاعات التاريخ البدائي الغابر، ولكن سرعان ما تضعك الحقائق المرّة في قلب الواقع الملموس، عندما ترى بأم عينيك تقارير عن جحافل الموت، تتقدمها رايات سوداء مظلمة نذير شؤم بما هو قادم، لولا كلمة التوحيد ولفظ الجلالة ”الله” خط تعسفا وظلما وعدوانا في غير موضعه، ترفعه أشكال بشر وما هي ببشر، فالوجوه مكفهرة والقلوب ميتة وغلف على أقفالها، بعد أن أصبحت عاجزة عن التفكر والتدبر، مما لوّن أفكار وأفعال التنظيم بلون الرايات التي تحملها.
وكل يوم يمر نفاجأ ببشاعة ممارسات تفوق كل التصورات تقوم بها هذه الجماعة الغريبة في تركيبتها السيكولوجية والفكرية والعقدية، فسيكولوجيا تظهر لنا تشوهات نفسية خطيرة نتج عنها أعراض الحقد والكراهية والتبلد والقسوة، التي جعلت أناسا من بني البشر يضربون أعناقا، وكأنهم يقطعون رؤوس لعب ودمى يتدربون عليها. ويخطفون النساء ويجلدوهن على لباسهن، وقد يخطفوهن ويتزوجوهن نكاح متعة ويبيعوهن جواري في سوق النخاسة، وكأنهن شيء من متاع لا معنى له ولاحس ولا كيان، ويعدمون عشرات اليزيديين بدم بارد باسم دين يقوم على حرية الاعتقاد، ويساق نساءهم وأطفالهم إلى مصير مجهول، فضلا عن تجنيد الأطفال والتمثيل بالجثث، وطرد الأقليات الدينية الأصلية خارج موطنها وأرضها.
وفكريا تجد فوضى من التجميع العصامي العشوائي لأفكار تبسيطية تقوم على أحادية الرؤية الخاصة بشيوخ الكتيبات والأشرطة، وزعماء التوظيف السياسي للدين ولآراء علماء السلف، بعيدا عن المدارس التاريخية الكبرى، والمعاصرة الخاصة منها بالعلوم الشرعية والإنسانية، يزيدها تقديس الأشخاص وعمليات البيعة والسمع والطاعة وغياب حرية التفكير وفرض الوصاية عمى معرفيا ينتهي إلى الإتباع والتقليد المطلق.
ومن ثم ووفقا لآثار الظاهرة على المستوى العالمي ولخطورتها على الإسلام والدول وعلى الإنسان حيث ما كان، لابد من تجنيد مراكز البحوث وجيش من الباحثين لتفكيك الظاهرة، والبحث عن تاريخها وخلفياتها، وأسباب وعوامل نشأتها وانبثاقها، ومن ثم تفسيرها سعيا وراء البحث عن علاجها، من منطلق أن كل أشكال محاربتها لا يمكن إلا أن تضعفها أو توقف زحفها وانتشارها، ولا تقضي عليها بل تجعلها تظهر تحت اسم آخر، وبشكل جديد وبأفعال أكثر بشاعة وخطورة من سابقاتها.
لابد إذن أن تركز المقاربات على البحث في البنية السيكولوجية والفكرية التي أنتجت تلك التشوهات، والكف عن التفكير بالمؤامرة التي تمثل الحل الأسهل، الذي يسوق تبريرات انطباعية عن داعش، عندما يعتبرها صنيعة أمريكية تارة أو عراقية وإيرانية وسورية تارة أخرى، وهو انطباع يفسر التكتيك الذي تتبعه داعش على أنه هو الظاهرة، في حين يتطلب أمر الإقبال على التكفير والذبح والإعدام والجلد والخطف والتشريع للاغتصاب، لابد من وقفة أكثر جدية في التعامل مع الظاهرة للوقوف على العوامل التي أدت إلى ظهور هذا المرض الفكري والنفسي الرافض للتنوع والتعددية والحوار والمشاركة والديمقراطية والتداول على السلطة، والذي ركب ذهنية الإقصاء، والفكر الأحادي القائم على البعد الواحد والرأي الواحد.
إن الأمر يعود إلى جهلين، أحدهما مؤسس أسهمت في تكريسه قطاعات استراتيجية للدول لم تؤد دورها المطلوب في صناعة الإنسان والمواطن، بحسه المدني وعمقه الإنساني ومبادئه وأبعاده الأخلاقية وتركيبته الذهنية والفكرية والعلمية، وهذا يعود في الأساس إلى قطاعات التربية والتعليم والثقافة والشؤون الدينية، فضلا عن مؤسسات الأسرة والمجتمع المدني، والثاني هو الجهل المقدّس الذي نتج عن انتشار آراء فردية لشيوخ الحركات والتنظيمات والجماعات الإسلامية، التي غفلت الدول عن متابعتها في تطوراتها بعين علمية وبحثية أكثر منها أمنية ورقابية، كي تتضح لها مآلاتها، ومن ثم سخرت تلك التنظيمات منابر وأشرطة وكتيبات ووسائل إعلام ومواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي، وتناغمت في مراحل معينة مع مصالح دول تقاطعت معها في بعض أهدافها الجزئية، فكانت النتيجة دمارا على الدول والدين والإنسان.
الأمر الثاني يتمثل في غياب مشروع المجتمع، الذي يخلّف عقدا اجتماعيا تلتقي عنده كل الطوائف والديانات والاتجاهات السياسية والأعراق والاثنيات والرجال والنساء في المجتمع الواحد، وعنه تنبثق كل الحقوق والواجبات التي تصبح ثوابت، يعتبر كل من خرج عنها خارجا عن شروط العقد وقوانين الدولة ومؤسساتها.
وفي ظل هذه المعطيات، يمكن القول بأن القضاء على الأفكار والأفعال السوداء، وعلاج ظواهر داعش وأخواتها، لا يتم إلا من خلال القضاء على مركبات الجهلين المؤسس والمقدس، ليسترجع المسلم قلبه السليم، الذي يتواصل مع الله نور السموات والأرض، بعيدا عن خرقة سوداء يحملها قلب مريض غلف على أقفاله.
د. أسماء بن قادة
من مواضيعي
0 التغذية: نصائح وحيل حول الأكل الصحي اهمالها قد يسبب لنا مشاكل صحية لا نعرف اين سببها؟
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة