المستشرقون وانتقاء المثالب وتضخيمها وإهمال الحقائق المنصفة
21-04-2016, 11:08 AM
المستشرقون وانتقاء المثالب وتضخيمها وإهمالالحقائق المنصفة

د. إسماعيل علي محمد
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:
سبقت الإشارة إلى أن الغالب على جمهور المستشرقين أنهم يدرسون الإسلام بسوء نية وخبث طوية، ولذلك فإنهم يكرِّسون جهودهم للبحث عن مثالب يتخيلونها!!؟، أو زلاَّت وسَقَطاتٍ حدثت في التاريخ الإسلامي، يعرضونها ويضخمونها، بينما يهملون الحديث تمامًا عن الإيجابيات، ويتحاشون ذكر الحقائق المنصفة، أو يذكرونها ويحقّرون من شأنها، ويَحطّون من قدرها، فتبدو الصورة عن الإسلام في نظر القارئ سوداء شائهة.

كتاب ((مجد الإسلام)) للمستشرق "جاستون فييت":
وقد كتب الدكتور:"حسين مؤنس" دراسةً تتضمن عرضًا وتحليلًا ومناقشة للفكر الاستشراقي من واقع ما كتبه المستشرقون، واختار كتابًا للمستشرق الفرنسي:"جايسون فييت" بعنوان: ((مجد الإسلام)).
وقد تبين من خلال تلك الدراسة بما لا يدع مجالًا للشك:" حقيقةُ بحوثِ أولئك المستشرقين، وأنها مجافيةٌ للمنهج العلميّ!!؟"، وتجلّى من خلالها منهجُهم الخاطئ ، وهو: انتقاءُ المعايب - في ظنه - وتَرْكُ المعالمِ المشرقةِ، والحقائقِ الناصعة.
فلقد اعتمد:"جاستون فييت" على تشويه الحقائق وتزييفها، وانتقى ما رأى أنه نقائص!!؟، ووضعها تحت المجهر، بينما أغفل جاهلًا أو متجاهلًا الصفحاتِ المشرقةَ من تاريخ الإسلام[1].
(( وفي عرضه المجْهِد لتاريخنا: فاتتْه أهمُّ الحقائق التي سيّرت هذا التاريخ، واستحوذت على اهتمامه: حوادث السياسة والوقائع والحروب، فمضى يتابع قيام الدول وسقوطَها، والحروبَ ووقائعَها!!؟.
وفاته أن للعرب والمسلمين: تاريخا آخرَ غير هذه السلسة الطويلة من وقائع السياسة والميادين..
فاته تاريخُ المجتمع الإسلامي: كيف تكوَّن وكيف قام؟، وتاريخُ اللغة العربية كيف سارت من الخليج إلى المحيط؟، وتاريخ الحضارة الإسلامية، وهو في الواقع تاريخ أممنا جميعًا...
فليس بين فصول كتابِه: فصلٌ واحدٌ عن انتشار الإسلام، وكيف كان!!؟.
وليس هناك سطْرٌ واحدٌ عن لغة العرب، وكيف أصبحت لغة الملايين!!؟.
ولا ذِكْرَ في كتابه لنواحي حضارتنا، كلُّ ما هناك هو: أنه يقف في نهاية الكتاب فيقول: إن حضارتنا ركدت بعد القرن الخامس عشر، لأنها لم تقم على أساس حضارة اليونان!!؟.
وهذا أعجب ما سمعنا من مؤرخ!!؟ ))[2].

كتاب المستشرق "راينهارت دوزي" عن تاريخ الإسلام:
وقد سار على نفس المنهج، وفي ذات الاتجاه - كذلك - المستشرقُ الهولنديُّ الشهير:"راينهارت دوزي" في كتابه عن تاريخ الإسلام، والذي اهتم فيه كما ذكر المستشرق الألمانيُّ:"بفانموللر" بتتبع الإسلام عبر عصور تاريخه كلها حتى الآن[3].
فقد تحدث:"دوزي" في مجلدات مطوَّلة عن الجوانب التاريخية للإسلام، بينما عالج الحديث عن مبادئ الإسلام وتعاليمه بطريقة مختصرة للغاية!!؟، حيث تم الحديث عن:" العقيدة" في صورة خطوط عريضة في صفحتين فقط!!؟، وأما:" التعاليم الخُلُقية"، فقد جاء الحديث عنها بصفة عرَضية فقط!؟، وهو يعلم أن العقيدة الإسلامية هي: أسمى وأوضحُ عقيدةٍ في الوجود، وأن المنظومة الأخلاقية التي جاء بها الإسلام هي: أرقى دستورٍ أخلاقيِّ، وأقومُ منهج سلوكيِّ عرفتْه البشرية، ولكن يبدو أن القصد هو: إخفاءُ الصورة المشرقة لتعاليم الإسلام، والتركيزُ في عرضه على جوانب معينة تَظهَر له ولأمثاله نقاطَ ضعفِ، أو جوانبَ سلبية!!؟، فهو لا يُسجّل بقلمه إلا ما تريده نفسه الحاقدة مما يشوِّه به مبادئَ الإسلام، وحقائقَه الناصعة[4].

المستشرقون لا يعنيهم إلا ما يشوهجمال الإسلام:
إن هؤلاء المستشرقين ذوو قلوب مريضةٍ طافحةٍ بالتعصب الممقوت، والتحاملِ الظالمِ ضد الإسلام، فلا يرى أصحابُها الأشياءَ على حقيقتها، ومن ثَمّ تهيمن على منهج البحثِ لديهم:" روحٌ خبيثةٌ شريرة تكره الحقَّ، وتعمل جاهدة على إطفاء نوره، أو حجْبِ سُمُوِّه وإشراقه، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا!!؟".
إنهم كمن ينظر في كتاب جميل، فلا يعنيه إلا أن يرى النقطَ السوداءَ التي لا يتجاوز عددُها في الكتاب كلِّه: أصابعَ اليد الواحدة!!؟؛ بينما يتعامى عن رؤية ألوف السطورِ الوضّاءةِ التي تُزين صفحات الكتاب بجمال أساليبها، وعذوبة كلماتها، وعظمة معانيها ومضمونها.
وإنهم لا يكتفون بتقمّم المثالب - في ظنهم - وحجْب الحقائق عن القارئ في كتاباتهم؛ بل يُرهِبون مَن تُسوِّل له نفسُه أن يَعرِض الحقيقة بإشراقها، أو يصورَ المنهجَ الإسلاميَّ تصويرًا أمينًا صادقًا.
فإن كان عالماً من بني جِلْدتهم: رمَوْه بالتعاطف مع المسلمين تارة!؟، وبمخالفة المنهج العلميِّ أخرى!؟، وبالعداء للكنيسة ثالثة!؟، بالإضافة إلى التضييق عليه!؟، والحيلولة بين بحوثه وبين الرواج والانتشار!؟، وإن كان طالبًا: ساقه حظُّه إلى العثِر إلى أن يتلقى العلمَ في معاهدهم، فلا يمكن أن يُسمَح له بإنصاف الإسلام، وذكر الحق مجردًا من كل هوى، وإلا تعرّض للرسوب والحرمان من الشهادة التي تقدم لنيلها غير مأسوف عليه!!؟.
وقد أشرنا إلى هذا من قبل، وذكرنا بعض الشواهد والأدلة عليه[5].
وهكذا يبحث المستشرقون، ويوجِّهون الدراسات، فإن:" وجدوا خيرًا: دفنوه، وإن توهّموا شرَّا: أذاعوه"، وصدق فيهم قول الشاعر:

إن يأْذَنوا رِيبةً طاروا بها فرحًا وما همُ أذِنوا من صالح دفنوا[6]

هوامش:
[1] راجع هذه الدراسة القيمة للدكتور:"حسين مؤنس" حول نقد كتاب (مجد الإسلام) للمستشرق "جاستون فييت"، ملحق بكتاب: الفكر الإسلامي الحديث، ص 457– 471.
[2] السابق، ص 461- 462.
[3] راجع: الإسلام في تصور الغرب، ص 28 وما بعدها.
[4] السابق، ص 31- 32، وحواشي المترجم، ص 32 بتصرف.
[5] سبق تفصيل الكلام في هذا الأمر، ويراجع: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 12- 13، 17 – 18، الاستشراق والمستشرقون ص 51 - 52،58 - 59، ففيهما أمثلة واقعية على هذا الأمر.
[6] بيت أورده القرطبيُّ في تفسيره 9 /177، دار الكتب العلمية، بيروت 1413هـ / 1993م، ونسبه إلى قعنب بن أم صاحب، ومعنى يأْذَنوا: يستمعوا.