الشهادات الجامعية ومستقبل الحروب العربية؟/عبد العالي رزاڤي
07-05-2015, 06:44 AM


الحروب العربية ـ العربية بدأت داخل أقطارها، وها هي تدخل مرحلة التكتلات والتحالفات ضد بعضها البعض، فأي مستقبل لحملة الشهادات الجامعية في هذه الحرب؟ ولماذا يصير للملوك والأمراء والرؤساء دكاترة من أجل تبييض أموالهم أو وجوههم، هل يُعقل أن ينسب الدكاترة في مصر إلى السيسي أو مرسي أو إلى "عاصفة الحزم" في السعودية، أو إلى العهدة الرابعة في الجزائر أو إلى المذاهب في العراق والطوائف في لبنان؟ ولمصلحة من يقود "حملة الشهادات" الحروب المعلنة وغير المعلنة ضد بعضهم البعض في الوطن العربي؟ ومتى كانت الجزائر عدوّة للمغرب أو موريتانيا، ومتى كانت قطر عدوة للتغيير أو مساندة لـ"الفوضى الخلاقة"؟ وهل حان الوقت لتعميم ظاهرة "الإسلاموفوبيا" التي أنتجتها المخابر الغربية لـ"العرب والمسلمين" فتداولت وسائل إعلامنا ما يقابلها "قطروفوبيا" و"مصروفوبيا، إيرانوفوبيا، عراقوفوبيا، وغيرها.."؟.
يعتقد الكثير أن العلم هو نقل المعلومات من المعلم الى التلميذ أو من الأستاذ الى الطالب الجامعي، وهمّ الأغلبية هو الحصول على البكالوريا أو الليسانس أو الماستر أو الدكتوراه حتى يحصل على وظيفة أو منصب، ولهذا تضع الجامعات على المذكرات والرسائل والأطروحات ما يلي: "من إعداد الطالب" و"تحت إشراف الاستاذ"، وإذا ما أراد أصحابُها المناقشة يطلب منهم "نشر مقال" في مجلة "محكَمة" حتى ولو كانت غير جامعية، والأمر نفسه بالنسبة للترقية، وهو ما جعل "العلامة" أهم من الأستاذ والبحث، وقد حدّثني أحدُهم أن أحد المشرفين اقترح منح الأطروحة درجة "مشرّف جدا" وحين اعترض بعض أعضاء اللجنة التي ناقشت الطالب قال لهم: "ألا تريدونه أن يوظّف"؟.

وما دامت العلاقة هي التي تساعد طالب الماستر على النجاح في مسابقة الدكتوراه، فقد صارت بعض الجامعات تمنح علامة "20 /17" للطلبة، ممّا يرجّح كفة العلاقة على المستوى العلمي للطالب، ومن باب هذه "العلامة" دخل الفساد إلى الجامعات الجزائرية فصار "الانتحال وسرقة منتوج الغير" صفتين ملازمتين للرسائل والأطروحات المستنسخة من بعضها البعض.

جاء نظام "لـ . م. د". (ليسانس _ ماستر _ دكتوراه) لشرْعنة "الاستنساخ" على حب المعرفة والعلم، فصار طالب الماستر يستنسخ بحثه الذي أعدّه لنيل شهادته ثم يوسعه ليصبح صالحا لنيل الدكتوراه، فأي مستقبل للجامعات العربية التي صار همّ الطالب فيها "الشهادة" فقط وليس البحث العلمي؟ وماذا أضافت "الأنترنت" للعلم بعد أن حولت الطالب الى مجرّد "مستنسِخ" لما فيها؟ ولماذا لا تشكل لجنة وطنية لسحب الشهادات من الذين يسطون على أعمال غيرهم؟ قد لا يصدق البعض أن الشهادات الجامعية باتت تُباع في الجامعات العربية، ومصدر هذا السلوك هو الجامعات الغربية التي كانت تنشأ في بلدانها "وكالات" لبيع البحوث التي يناقشها الطلبة الأجانب.

أول قرار أصدرته السلطات الجزائرية أثناء تعريب الجامعات، أنها قدمت للأساتذة الذين لا يتقنون اللغة العربية "منحة" لتعلمها في الدول العربية ثم العودة للتدريس، ناسية أن اللغة هي الفكر وهي روح الفكر العلمي، ولأن اللغة العربية في الجزائر صار أعداؤها وزراء فقد تم تجميد تعميم استعمالها بل إن عمارة بن يونس وزير التجارة ألغى قانونا يجبر الأجنبي على وضع اللغة العربية إلى جانب لغته الأصلية في المنتوج المصدّر إلى الجزائر.

لا شك أن الشهادة هي الدليل على المستوى الذي يصل إليه الطالب بالمنظور العلمي، لكنها بالمنظور الواقعي لا تعكس مستواه العلمي، الجامعات الجزائرية فتحت تخصصات للإعلام والاتصال لكنها لا تملك الأساتذة المؤهّلين للتدريس، وكان الأجدر بها أن تلجأ إلى قدماء مديري الإعلام مثلما تفعل الجامعات الغربية للاستفادة من الخبرة الميدانية والأغرب أن معظم المدارس العليا في كثير من التخصصات تفقد إلى الجانب التطبيقي والميداني.

لكن ما ذنب الجامعات العربية إذا كانت قاعدتا "الحفظ والغش" هي أساس النجاح وما دام الحكام العرب يريدون "دكاترة" لتضليل الرأي العام حول ما يجري في بلدانهم من قمع وغش وفساد؟ وما ذنب المواطنين إذا كان قادة الرأي في أوطانهم ضد التغيير ويعتبرون "الربيع" تدميرا للوطن؟

ان عدم الاحساس باختلاف الفصول وتنوع الثقافات أديا الى تشكيل مجتمع يفتقد الى الإحساس العلمي وعدم التفريق بين الجاهل والمتعلم وبين العالم والباحث وبين الأديب والكاتب وبين الإمام والمفتي وساوى بين الجميع!